العلاقة بين الحكومة والشعب كما يراها الامام علي (ع)
د.خليل حسين
استاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بحث مقدم الى مؤتمر"الامام علي (ع) وحقوق الانسان" المنعقد في دمشق ما بين 20 و21 -11- 2005 بدعوة من المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية في دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
يستند النظام السياسي – الاجتماعي الاسلامي على المنهج الاسلامي بكافة شروطه واسسه، المتمثل في أحكامه وشرائعه المختلفة، الناظمة لعلاقات الناس بعضهم ببعض على النحو الذي يرضي الله عز وجل.ومن شأن المجتمع إذا أصبح إسلامياً أن يوفر لأفراده سبل الاستقامة على الطاعات، وأن يعينهم على تجنب المعاصي والمحرمات، وأن يغذيهم بروح التربية الاسلامية المثلى، وبالأخلاق الانسانية الفاضلة.وقد تركزاهتمام الشريعة الإسلامية،على إقامة المجتمع الاسلامي، إذ هو الاساس في إصلاح الأفراد وتقويم أخلاقهم وسلوكهم.ويتضح ذلك من استعراض أحكام الشريعة الاسلامية المتنوعة، اذ أن غالبية هذه الأحكام تتعلق بإصلاح الوضع الاجتماعي ورعايته، وبيان ذلك أن جملة الأحكام الشرعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- القسم الأول منها يسمى أحكام الإمامة أو السياسة الشرعية، وهو يتناول مجموعة كبيرة من الأحكام التي تكفل حماية المجتمع الاسلامي ورعايته سواء في داخله أو خارجه؛ كالأحكام المتعلقة بالجيوش ووضع الدواوين، وإعلان الحرب والسلم، ورسم العلاقات التي يجب أن تقوم بين المسلمين وغيرهم من حرب وصلح وهدنة، وموادعة واستئمان وذمة..والأحكام التي تتناول تصنيف الجنايات والجنح، وتضع العقوبات المناسبة لكل منها. وكثير من الأحكام التي تتناول السياسات المالية، وشؤون الرقابة والحسبة وغيرها.
- القسم الثاني أحكام القضاء، وتتناول كل ما يتعلق بفض النزاعات وإنهاء الخصومات، وتحدد الطرق لإعطاء كل ذي حق حقه، كما تتناول البيّنات والحجج التي توفر السبل إلى تطبيق موازين العدالة بين الناس، وهذه الأحكام ذات صلة وثيقة بالشؤون المالية، والأحوال الشخصية، والجنايات المختلفة، وبكثير من المشكلات التي تنشأ عن علاقات الناس بعضهم ببعض.
- القسم الثالث: أحكام الفتاوى، ويراد بها، لدى مقابلتها بالقسمين السابقين، تلك الأحكام التي تتناول واقع كل فرد من المسلمين على حدة، بحيث لا يتوقف تطبيقها على وضع اجتماعي معين، ولا يقصد بتطبيقها حل مشكلة مباشرة قائمة بين المسلمين بعضهم مع بعض، أو بين المسلمين وغيرهم. وإن كانت هذه الأحكام، تترك صبغتها وتأثيرها في المجتمع، بشكل غير مباشر، أي عن طريق ممارسة الأفراد لها وخضوعهم لسلطانها.
ان مقاربة هذه الاطر في تكوين النظام السياسي الاسلامي توضح مدى العلاقة العضوية بين الحكومة والشعب،فالسلطة ومن يتولاها في النظام السياسي الاسلامي هي مقوننة ومقيدة بنظم تحفظ حقوق رعيتها كما تحفظ حقوقها عبر تحديد واجبات افراد هذه الرعية.ويالتالي ان الحديث عن الحكومة وعلاقتها بالشعب يستتبع بالضرورة كيفية تنظيم هذه العلاقات وكيف ينبغي ان تكون في حال وجدت بعض الثغرات.
وعلى الرغم من قِصر ولاية الامام علي (ع) والتي استمرت خمس سنوات تقريبا فقد ركَّزت دعائم ومفاهيم كثيرة لنظام الحكم في الاسلام،ويتضح ذلك من خلال استعراض بعض النماذج في نهج البلاغة التي تعبر عن فلسفة الحكم في فكر وممارسة الامام علي (ع): "وإن في سلطان الله عصمةً لأمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملومة ولا مستكره بها. والله لتَفعلُنّ أو ليَنقلَن الله عنكم سلطان الاسلام، ثم لا ينقله إليكم أبداً حتى يأزر الأمر إلى غيركم"[1]
وقد أورد هذا البيان لدى خروجه إلى حرب الجمل، وعلى أثر اندلاع فتنة "الناكثين" وشغبهم في الحكومة الشرعية الحقة له (ع) ، وهو يشير فيه إلى ما يلي:
- الحكومة الاسلامية هي سلطان الاسلام وسلطان الله، لا حكومة الحاكم الفرد أو الجماعة أو الحزب أو الطبقة، وأن تنفيذ الأحكام الالهية وقوانين الاسلام إنما يتم من خلال زعامة الإمام وقيادته.
- أن بقاء الحكومة الاسلامية ودوامها بحاجة إلى قبول الناس ومواكبتهم ومعونتهم، وان لتواجد الناس في الساحة دوراً مصيرياً في استمرار حكومة الاسلام، وان على الناس أن لا يبخلوا على الاسلام بذلك.
- أن الحكومة الاسلامية ليست حكومة السيف والسوط والعصا ، أو حكومة القهر او الاستبداد، وأن الدور الأساس إنما هو لقبول الناس وتعاونهم جميعاً، والأهم من ذلك أن تكون هذه الطاعة عن رغبة.
- كما أن استمرار الحكومة الاسلامية هو ثمرة طاعة الأمة الحرة وعن رغبتها، وأن ذلك يؤدي إلى المحافظة على النظام الاجتماعي السليم، كذلك فإن عدم انسجام الشعب مع القائد يؤدي إلى تحول قيادة المجتمع إلى من لا أهلية له، وذلك يستتبع الضلال والانحراف طبعاً.
والقيادة تتطلب عدلا في ممارسة الحكم قبل اي شيء آخر،فقد سُئل (ع) : أيهما أفضل: العدل أو الجود؟ فقال (ع): "العدل يضع الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها. والعدل سائس عام، والجود عارض خاص؛ فالعدل أشرفهما وأفضلُهما"[2]
إن هذه المقارنة بين العدل والجود وعناية الإمام بجوانب العدالة الشاملة، واهتمامه بقيمة العدالة الاجتماعية، تبين لنا النظرة النافذة والشاملة للإمام (ع) في أركان الحكومة الاسلامية وأبعادها الشعبية؛ فالعدالة سياسة عامة شاملة ينتفع بها عامة الناس، بينما الجود عمل خاص ينتفع به فرد أو فئة خاصة، وإن نظام القيادة في الحكومة الاسلامية يجب أن يجعل أساس البرامج على محور العدالة.
"استعمل العدل، واحذر العَسْفَ والحَيْف؛ فإن العَسْف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف"[3]
والقيادة تتطلب حنكة وفنا في التعاطي وليس دهاءا وغدرا وفي هذا يقول الامام (ع):"ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كَفْرة، ولكل غادر لواء يُعرف به يوم القيام. والله ما أستغفَلُ بالمكيدة، ولا أستغَمزُ بالشديدة"[4]
لقد بين الإمام (ع) في هذا البيان أساس السياسة الاسلامية وسياسة القادة، فالكثير من المفكرين يعتبرون السياسة تساوي الغدر ونقض العهود والكذب والتزوير، ولكنها في نظر القادة الاسلاميين يجب أن يوازيها الصدق والأمانة وأن تُنفّذ بكل قدرة وشهامة وتدبير؛ إذ هناك من يتوسل بكل وسيلة للوصول إلى هدفه، ويفيد من أنواع الدسائس والمؤامرات من أجل الحفاظ على مقامه ومركزه، وطبيعي أن يكون منفذ الشرائع بعيد بل مُعرض عن الإفادة من هذه الأساليب الرخيصة.
إن الفارق الأساس بين هاتين الرؤيتين المتقابلتين في السياسة، إنما هو في أن إحداهما تلتزم بالأصول والقيم الاسلامية والإنسانية، فيما الثانية لا تعير اهتماما لذلك؛ فالأصل الوسيلة للوصول إلى الهدف، والعدل هو المعيار لتنفيذ الاحكام بين الرعية، والحفاظ على القدرة وتوسيعها بكل الطرق والأساليب. ومن المؤكد أن بُعد الرجال الإلهيين عن الخيانة ونقض العهود ليس بمعنى جهلهم بتلك الاساليب الرخيصة، أو عجزهم عن القيام بها، أو وقوعهم ضحية لمؤامرات الأعداء ودسائسهم، بل لانهم يتخذون قراراتهم بكل قدرة وتدبير وشجاعة وصرامة في مواجهة أعدائهم ومجابهة المصاعب الناجمة عن تلك المواجهة، ويقومون بالسياسة الشرعية مع رعاية الأصول والقيم، وعلى أساس الحدود والأحكام الشرعية، وبصفتها وظيفة وتكليفاً عليهم أداؤه.
الحاكم والوالي في الرؤية الاسلامية
ويستمد الحاكم في النظام الإسلامي شرعيته من الله عز وجل وشريعته،وما عمله الصالح الا مرضاة الله تعالى. وتقيّم هذه المسؤولية بما يدفعها من الاتجاه الإلهي في العمل للحفاظ على القيم والمقاييس الشرعية والقانونية، من دون أن يكون رأي الشعب مُشرّعاً ومقرّراً،على أن يراعي الحاكم في ذلك مصالح الاسلام ثم المسلمين، لا المصالح الفردية والجماعية.
ورغم ذلك فالحاكم في النظام الإسلامي، ليس مختاراً مطلقاً ومستبداً، بل يحمل أمانة ومسؤولية ، فهو الحافظ لحقوق الله والناس. في حين أن الاستبداد الفردي أو الجماعي أو التنظيمي الحزبي، والأهواء والميول ـ لا التكليف والتقوى ـ هي التي تقرر المصير في غير النظام الإسلامي؛ والحاكم في الأنظمة الوضعية يحكم وفق أهوائه وآرائه. وليست الديمقراطية فيها أساس رأي الأمة كما هو شائع ،والحاكم في النظام الاسلامي عندما يباشر ولايته وينفذها إنما يكون على أساس الاسلام ومصالح الأمة الاسلامية، لا الميول البشرية الشخصية.
ومن هو المؤهل للقيادة الاسلامية في نظر الامام علي (ع) ؟ هو الفهم العميق للاسلام والقدرة على تطبيقه ، بقوله (ع):
"أيها الناس، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله… ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر، والصبر، والعلم بمواضع الحق… واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه[5]
وفي هذا الرأي ثلاثة امور أساسية بالنسبة إلى الحكومة وقيادة المجتمع:
- "إن أحق الناس بهذا الأمر ـ أي القيادة وزعامة المجتمع الاسلامي ـ أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله". فالشرطان الأساسيان المؤهلان للقيادة هما: العلم، والقدرة.
- "ولا يحمل هذا العلم إلاّ أهل البصر، والصبر، والعلم بمواضع الحق" فالخصال الثلاث هي: البصيرة في الدين.العلم بمواضع الحق. والصبر على طريق الحق.
- ثم يوصي (ع) الناس فيقول: "واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه".
ومن وظائف الإمام والقائد فيما يخص الأمة والمجتمع: تعليم الكتاب والسنّة والمعارف الإلهية والأحكام والأخلاق الإسلامية. فالإمام في الواقع معلم مسؤول، وأسوة وقدوة، ونموذج في الفضائل والمعارف لمبدأ الحق، وعليه أن يرشد المجتمع قولاً وعملاً إلى تعاليم الإسلام وعلومه ومعارفه،فيقود المجتمع في إطار شريعة الله.
ومن شرائط الحاكم الإسلامي أن يكون فقيهاً عادلاً، فإذا انكشف الخلاف أو علم أنه ليس جامعاً للشرائط أو غير مراعٍ لها فهو منعزل عن الحكم شرعاً؛ فالحكومة الاسلامية ليست حكومة فردية ولا حكومة جماعيّة، بل هي حكومة الله على الناس من خلال حكومة من يطيع أوامر الله وينفذها من الأشراف والنبلاء، ولا جمهورية بمعناها المتداول، سواء كان الأساس رأي الناس أم لا، كما في النظم الشرقية والغربية، بل إن الاساس هو قبول هداية الله وولايته وإطاعة أوامره.وهي امور بطبيعتها ضمانة لصيانة حقوق الشعب في النظام الإسلامي، أما الآراء والانتخابات والأحزاب والتنظيمات فيجب أن تتشكل على هذا الاساس، وعليهم السعي لتنفيذ أفكار الوليّ الفقيه وأوامره النابعة من الإسلام ، ولا عذر لأحد عند الله في ذلك.
وقد ذكّر الإمام علي (ع) في كلماته في "نهج البلاغة" بخطر الحكام المستبدين غير المتقين لكي لا يبتلي المجتمع المسلم بأمثالهم ، ولا يستولوا على مصير الاسلام والمسلمين، فيحمّلوا المسلمين الذلة والانحراف والتحريف، ولا يتصدّوا لمحاولة النيل من الإسلام باسم الاسلام.فخطر هؤلاء حينما يمسكون أمور المسلمين أكبر من أي خطر آخر، وما تعرض له تاريخ الاسلام في بعض مراحله المؤلمة يؤكد لنا الآثار السيئة لحكم هذا النوع من القادة يقول (ع): "ولكني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولاً وعباده خَوَلا، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً"[6]
إن الحكومة في ثقافة الإمام علي (ع) والإسلام خدمة وعبادة ومسؤولية، وإن قول الحاكم الاسلامي وفعله واحد وفي خدمة عباد الله، ويجب أن يكون الحاكم بعيداً عن قول الزور والاستبداد وعدم الاعتداد بشأن العباد والدكتاتورية والاستعلاء والامتياز عن سائر الناس، وأن ينشأ على التقوى. والهدف من الحكم إعداد الأجواء لعبادة الله في الأرض، وليس الهدف الاقتدار والاستعلاء على الآخرين، ولا موضوعية للحكومة بذاتها، بل هي وسيلة لإحياء الحق وإماتة الباطل.
وقد رسم سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) في أحد كتبه إلى أهل الكوفة الخطوط والشرائط العامة للقيادة في الإسلام كما يلي: "فوالله، ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله"[7]
فالشرائط أربعة:
ـ أن يكون عاملاً بأحكام الكتاب الإلهي "القرآن الكريم.
ـ أن يقيم القسط والعدل.
ـ أن يكون متديناً بدين الحق.
ـ أن يحبس نفسه على الله ودينه، بعيداً عن أي زلة وانحراف.
وقال الإمام علي (ع): "يُستدل على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسك بالفروع، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفاضل[8]
وفي أي مجتمع تُسحق الأصول فيه وتضيع الموازين، وتقدم الأمور التافهة، فإن الأرذال من الناس سيتقدمون بصورة طبيعية حتى إنهم ليأخذون بزمام الأمور؛ وبالطبع سيتأخر العقلاء والخبراء، وبالتالي سينخر الضعف والقصور في إدارة أمور المجتمع، وبذلك تتوافر عوامل تأخر الشعوب مع انحطاط الدول وإن من العوامل المهمة في تقدم الأمم والشعوب تواجد قادة صالحين مديرين ومدبرين، وما قوام أمور الدين والدنيا إلا بذلك.
لقد رسم الإمام علي (ع) لولاته مناهج واضحة، وبيَّن لهم شروطاً محددة، تستقيم أمور الرعية عند تطبيقها، وتتحقق عوامل التنمية والرخاء الاجتماعي عند تنفيذها وأهمها:
ـ توفير التماسك الاجتماعي وتحقيق المشاركة الشعبية.
ـ إقرار الأمن والنظام.
ـ القيام بالنشاطات الحياتية.
توفير التماسك الاجتماعي وتحقيق المشاركة الشعبية
يعتبر الإمام علي كرم الله وجهه أن إقامة العدل وتحقيق المساواة يؤديان إلى التماسك الاجتماعي بين المواطنين وإلى رضي الرعية وتعاونها فيما بينها وبين راعيها، وهذا شرط أساسي لبناء العِمارة وبلوغ التنمية وتمكينها من الانطلاق، وإلا اضطربت الأمور وانتفت الاستقامة، وخيم التخلف. يقول الإمام (ع):"وأعظم ما افترض من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله ـ سبحانه ـ لكلٍ على كلٍ، فجعلها نظاماً لألفتهم، وعزا ً لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية وإليها، أو أجحف الوالي برعيته اختلف هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثُر الإدغال في الدين، وتُركت محاج السنن، فعُمل بالهوى، وعُطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عُطل ولا لعظيم باطل فُعل، فهناك تُذل الأبرار، وتَعُز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد[9] .
لقد نصح الإمام ولاته بأن يكونوا هم وخاصتهم ومن يلوذون بهم وعامة الناس سواء فلا يستأثرون بشيء من المغانم والمكاسب، وأمرهم بالاختلاط بالناس والخروج إليهم، والتعرف إلى حقائق أمورهم وعدم تركها إلى مقربين وبطانة تجعل من الحكم وسيلة لتحقيق المنافع، وتكوين مراكز قوى تستغل الحاكم لمصالحها ومآربها، وتوقع الظلم والقهر بالعباد يقول الإمام (ع):"إن أفضل قُرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية، وإنه لا تظهر مودَتهم إلا بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة الأمور، وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم، فامسح في آمال وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله، ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضيعن بلاء امرئ إلى غيره".[10]
بهذه العدالة، وبإعطاء كل ذي حق حقه، وإضافة الجهد إلى صاحبه، تستقيم الأمور، ويتحقق الرضي الشعبي عن سياسة الدولة، ويحرص الشعب على دوام العهد الذي تنعم فيه بتلك الرعاية، وتتسع في ظله آمالهم ومشاركتهم بتحقيق عمارة البلاد وبلوغ التنمية.
ولم يكتف الإمام بدعوة ولاته إلى توفير العدل لتحقيق التماسك الاجتماعي وحصول المشاركة الشعبية بل أمرهم بتوضيح سياسة الحكم وتفسيرها وشرح أسباب بعض التصرفات حتى لا يترك مجالاً للشك وإثارة الريب والشبهات، فتكون القناعة في الطاعة، والولاء عند الرعية، وتقوى العزيمة والإرادة على محاسبة النفس عند الحكام.
يقول الإمام علي (ع) : "وإن ظنت بك الرعية حيفاً فاصحوا لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإن ذلك رياض منك لنفسك ورفقاً برعيتك وإعذاراً تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق"[11] .
بمثل هذه السياسة: صراحة الحاكم ورعايته للمحكوم، وطاعة المحكوم وولائه للحاكم، تتحقق الأخوة، ويقوى الترابط الاجتماعي، وتقوم دعائم التنمية والازدهار و"جميل الأثر في البلاد" كما سماها الإمام علي كرم الله وجهه. إقرار الأمن والنظام
يعطي الإمام (ع) أهمية كبرى للأمن والنظام كعلاقة مباشرة بين الحاكم والشعب، فهما قوام الحكم وأمل الرعية، فإذا وجدا أمكن أن يتحقق كل خير، وإن فقدا فقد كل خير، وهما ضروريان لتحقيق العمارة والتنمية. يقول الإمام: "ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة، والزم كلا منهم ما الزم نفسه"[12]
ينصح الإمام (ع) الولاة بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب واعتماد حفظة الأمن أو "جنود الله" كما سماهم ليتمكن من معاقبة كل خارج على النظام، وتحقيق الأمن داخل المجتمع. واعتبر الإمام (ع) أن حفظة الأمن ومُقري النظام هم الحصون التي يتحصن بها المجتمع، والدروع التي يحتمي بها، وهم الطريق المؤدي إلى الأمن فيقول: "فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزَيْن الولاة، وعز الدين، وسُبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم" . و" إذا مررت ببلدة فيها سلطان فلا تدخلها، فإن السلطان رمح الله في الأرض"[13] .
القيام بالنشاطات الحياتية
يرى الإمام (ع) ان الجهود المادية المبذولة لتحقيق العمارة تساعد في قيام مجتمع على مستوى من الإشباع المادي ، وتساهم بالتالي في تأمين حاجاته الاجتماعية والروحية لذلك يتعين على كل فرد أن يحقق ذاته في المجال الاقتصادي، وعلى الدولة أن تستجيب للآمال المتسعة للأفراد، وتشجيعهم على تحقيق النجاح في ميادين العمل والإنتاج التالية: الزراعة، الصناعة، التجارة، والخدمات.
- الزراعة
فالزراعة في الماضي، كما اليوم، عماد الاقتصاد ودعامته. والإنتاج الزراعي هو النصيب الأكبر للدولة من الخراج أو ما يسمى بالدخل القومي هذه الايام لذلك طلب الإمام من الولاة أن يهتموا بالزراعة والغرس ويعطوها العناية التي تكفل لهذا القطاع صلاحيته وزيادة انتاجيته امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من زرع زرعاً أو غرس فله أجر ما أصابت منه العوافي" وفي رواية أخرى أنه قال: "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة" [14].
فالإنتاج الزراعي، في رأي الإمام (ع)، هو القاعدة الأساسية لإنتاج المجتمع، وجميع القطاعات الأخرى تعتمد عليه، وإن بناء غيره من القطاعات لا يجدي شيئاً وأهله.[15]
فقد دعا الإمام (ع) إلى استثمار القطاع الزراعي بتخفيف الأعباء عن كاهل المزارع وتوسيع الموارد التي يملكها المجتمع، والعمل على زيادة الإنتاج الذي يعود بالخير والمنفعة على الأفراد، وليس إلى تكديسها في خزائن الدولة وجيوب الحكام، فيقول: "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً"[16] ثم يضيف قائلاً:"ولا يثقُلنَّ عليك شيء خففت به المؤنة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك"[17] .
إن الادخار يساعد الناس في تحسين أراضيهم، كما تمويل الاستثمارات اللازمة لها، فيسند الدولة في أيامها العجاف الطارئة.أما إذا تطلعت الدولة إلى جمع المال بتحميل القطاع الزراعي ما تستنزف كل إمكاناته فلن يبقى بأيدي أهله "ما يمكنهم من بناء استثمارات جديدة به، فتتدهور قدراته - أي القطاع الزراعي- الإنتاجية، ويحدث به الخراب، أي التخلف الاقتصادي، وما يعرف اليوم بضعف إنتاجية هذا القطاع... ستحدث بالمجتمع ملمات ولن يجد المجتمع عندها في القطاع الزراعي كبير غَناء، ولن يتمكن المجتمع عندها من التغلب على ما حل به"[18].
- التجارة
يؤدي القطاع التجاري في فكر الإمام (ع) بدور أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يسرع بها أو يحدها، ويلعب دوراً جوهرياً في تطور المجتمع وتقدمه.
لقد أبدى الإمام (ع) اهتماماً بهذا القطاع، وبالعاملين فيه داخلياً وخارجياً حيث يقول: "استوص بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيراً: المقيم منهم والمضطرب بماله، والمترفق بيده، فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجُلابها من المباعد والمطارح في بَرِّك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها"[19].
فالتجارة تقوم بسد حاجات المجتمع ومتطلباته، والقائمين بها هم مواد المنافع وأصلها وأسبابها. لذلك نجد الإمام (ع) يعطي أهمية بالغة لعملية تنظيم القطاع التجاري بما يكفل تمتع المجتمع بخيراته، ووقايته من مضار انحراف القائمين به عن أداء مهمتهم، وتجنب الأضرار التي يلحقونها بأهلهم من جراء الاحتكار أو الغرس بالوزن، أو الزيادة في الأسعار يقول الإمام : "تفقد أمورهم بحضرتك، وفي حواش بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً: بموازين عدلٍ، وأسعارٍ لا تجحُف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حُكرةً بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقب في غير إسراف" [20].
فإذا تأمنت عناية الدولة للقطاع التجاري، ورعايتها للتجار، ومنعت الاحتكار، وما يضر بالناس، وطبقت فكرة الثمن العادل، وضبطت الموازين والمكاييل، وحصلت السماحة في معاملات البيع والشراء فإن الإطمئنان سوف يصيب مجتمع المتقين وسوف تترسخ دعائم النهضة والازدهار.
- الصناعة
لقد اخذت الصناعة، برغم بدايتها في عهد الإمام (ع)، عناية واهتماماً نظراً لما لمحه بفكرة الثاقب من الدور الهام الذي تقوم في تأمين الكفاية من السلع والخدمات الصناعية.واعتبر الجنود وأهل الخراج والقضاة والكتاب والعمال وسائر الموظفين لا قوام لهم إلا بالتجارة والصناعة. يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "لا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار وذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم" [21]. ويقول الإمام في موضع آخر: "ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيراً" [22].
فمبدأ التخصص أو تقسيم العمل في الصناعات كما يسمى حديثاً هو من المبادئ التي اعتمدها الإمام في القطاع الصناعي، والذي يؤدي إلى مستوى عال من الدقة والجودة. يقول الدكتور يوسف إبراهيم يوسف: "إن الصناع يبلغون من الرفق بالشيء وصناعته درجة لا يبلغها غيرهم، وهذا راجع إلى تخصصهم بالطبع، فهم يكفون المواطنين هذه المهمة، ويقدمون لهم سلعاً وخدمات لا يستطيع غير الصانع أن يوفرها لنفسه بالمستوى الذي يقدمه الصانع" [23].
- الخدمات
ويعتبر الإمام علي كرم الله وجهه أن القضاة والعمال والكتاب وغيرهم من الموظفين المنتجين لمنتجات غير مادية يقومون بدور حيوي في تأمين الخدمات للناس على اختلافها، وتحقيق المنافع التي تشغل مكانة كبرى في سد حاجات مجتمع المتقين، وبلوغ العمارة والتنمية بشتى أنواعها، وقد أطلق عليهم وصف الصنف الثالث فقال: "لا قوام لهذين الصنفين - الجنود وأهل الخراج- إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقدة، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها"[24].
وإلى جانب الأصناف الأربعة - المزارعين، التجار، الصناعيين والموظفين- الذين أوصى بهم الإمام (ع) خيراً، هناك طبقة أخرى من اليتامى والمساكين، والعجزة، والمعاقين والمظلومين حظيت بمزيد رعاية الإمام وحسن اهتمامه. فهو القائل: "ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى ، فإن هذه الطبقة قانعاً ومعتراً، واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قِسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد... فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال... وكُلِّ فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم، وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا يَنْصَبُ للمسألة نفسه... واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك. وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتُقعد عنهم جندك وأعوانك من احراسك وشُرَطِك حتى يكلمك مُكلِمُهم غير متتعتع"[25].
إن نظرات الإمام كرم الله وجهه في المنهج الإسلامي لتحقيق التنمية يتصف بالعمق والصدق والعمومية وهي تعبير عن شكل العلاقة بين الحاكم والشعب والتي يمكن تلخيصها كما اسلفنا بما يأتي:
- تحقيق التماسك الاجتماعي المترتب على إقامة العدل، وتحقيق المساواة بين المواطنين والمنعكس في شعور الجماهير بالرضا عن الحكم والمشاركة بعمليات التنمية.
- توفير الأمن والنظام الذي يستمد جوهره وإمكانية تحقيقه في أمن كل إنسان على نفسه وممتلكاته وانفساح آماله وتطلعاته.
- العناية بشؤون القطاعات الرئيسية للإنتاج بإعانتها وتنظيمها، وتدعيم قطاع الخدمات في شتى إدارات المجتمع، ورعاية الفقراء والعاجزين والمعاقين والمظلومين.
وهناك بعض الوصايا للامام علي (ع) لمالك الاشتر وهو يحاول اقامة حكومة اسلامية في مصر،تدل على منهج وفلسفة الامام بكيفية وجوب العلاقة بين الحاكم والشعب،ونعرضها بايجاز بهدف المقارنة بين عدالة الامام علي(ع) التى جسدت قبل 14 قرنا وبين عدالة دول اليوم من دعاة الديمقراطية وغيرها لنجد الفارق الواضح بين الاسلام كدين ومعتقد وفلسفة وفكر يحمل كل معاني السمو والرقي والتقدير للانسان وبين دساتير اليوم التى أكثر ما تكون شكلية في مضامينها واطروحاتها ومنها:
- واشعر قلبك الرحمة للرعية , والمحبة لهم , واللطف بهم , ولا تكن غليهم سبعا ضاربا تغتنم اكلهم . فانهم صنفان اما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق .
- العفو "فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه , فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك , وقد استكفاك امرهم , وابتلاك بهم".
- سخط العامة ورضا الخاصة :"وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق , واعمها في العدل واجمعها لرضا الرعية , فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة ,وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة ".
- صفات الوزير :"ان شر وزرائك من كان للاشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الاثام ,فلا يكونن لك بطانة , فانهم اعوان الاثمة واخوان الظلمة ".
- الشفافية في الحكم "ثم ليكن اثرهم عندك اقولهم بمر الحق لك , واقلهم مساعدة فيما يكون منك , ثم رضهم على ان لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله , فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من العزة "- الشورى في الحكم : "واكثر من مدارسة العلماء , ومنافسة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه امر بلادك, واقامة ما استقام به الناس قبلك".- العدل اساس الحكم : "وان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية , وانهم لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدورهم ..فافسح في امالهم , واوصل في حسن الثناء عليهم , وتعديد ما ابلى ذووا البلاء منهم , فان كثرة الذكر لحسن ، فعالهم تهز الشجاع ، وتحرض الناكل - الجبان - ان شاء الله" .
- البذل للجنود من الاموال : "ثم اسبغ عليهم الارزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح انفسهم , وغنى لهم عن تناول ما تحت ايديهم , و حجة عليهم ان خالفوا امرك , او ثلموا امانتك".
- التنمية والاعمار : "وليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج,لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة, ومن طلب الخراج بغير عمارة اضر بالبلاد واهلك العباد, ولم يستقم امره الا قليلا ... فان العمران محتمل ما حملته".
- اسباب تدهور الاقتصاد:"وانما يوتى خراب الارض من اعواز اهلها ,وانما يعوز اهلها لاشراف انفس الولاة على الجمع , وسوء ظنهم بالبقاء, وقلة انتفاعهم العبر ".
- الضمان الاجتماعي: "ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين ,و المحتاجين , واهل البؤس والزمنى , فان في هذه الطبقة قانعا ومعتزا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم , واجعل لهم قسما من بيت مالك , وقسما من غلات صوافي الاسلام في كل بلد ,فلا يشغلنك عنهم بطر , فانك لا تعذر بتضييعك التافه لاحكامك الكثير المهم . ففرغ لاولئك ثقتك من اهل الخشية والتواضع فليرفع اليك امرهم ,ثم اعمل فيهم بالاعذار الى الله يوم تلقاه فان هؤلاء من الرعية احوج الى الانصاف من يرهم , وكل فاعذر الى الله في تأدية حقه اليه".
ان فلسفة الحكم عند الامام علي (ع) هي بيان محكم بضوابط وحدود الشرع والدين،وهي بذلك تقدمت على سواها من النظريات والمعتقدات الفكرية والايديولوجية. فعلاقة الحاكم بالشعب هي علاقة عضوية متلازمة لا فكاك ولا افتراق بينهما،فصلاح الاول هو صلاح للثاني، وعدل الاول هو واجب كما هو حق للثاني،وما الضوابط التي اتى بها فكرا وممارسة الا دستورا اذا احتذى به ضمنت الدولة رخاءها واستقرارها،واذا خالفته تهالكت وانتهت .
ان مجتمعاتنا الاسلامية اليوم هي بأمس الحاجة لهذا النظام الحق الذي يؤمن وحدة المجتمع ومنعته في ظل الظروف الدولية الضاغطة على امتنا الاسلامية والعربية،فلا صلاح لنا الا بالتمسك بهذه الضوابط والعمل على تطبيقها واحقاقها في مجتمعاتنا التي هي بأمس الحاجة للوحدة بين الشعوب وحكامها،والوحدة هذه لا تتأمن الا بضوابط العلاقة بين الحكومات والشعوب وفقا لما اسلفنا من بينات وأدلة لا لبس بها كما اتت في فكر ومنهج الامام علي(ع).
[1] - نهج البلاغة الخطبة: 177.
[2] - نهج البلاغة، الحكمة: 420.
[3] - نهج البلاغة، الخطبة: 200.
[4] - نهج البلاغة، الحكمة: 469.
[5] - نهج البلاغة، الخطبة: 173.
[6] - نهج البلاغة، الكتاب: 62.
[7] - ميزان الحكمة 3: 359
[8] - نهج البلاغة، الكتاب: 27.
[9] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص 94-95.
[10] - المرجع نفسه، م.س، ص 28-29.
[11] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص42.
[12] - المرجع نفسه، م.س، ص24.
[13] - الجامع الصغير، ج1، ص85.
[14] - رواه البخاري.
[15] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص33
[16] - المرجع نفسه، ص33.
[17] - المرجع نفسه، ص33.
[18] - يوسف، يوسف إبراهيم، استراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، م.س، ص168
[19] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص36
[20] - المرجع نفسه،ص36-37.
[21] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص26-27.
[22] - المرجع نفسه، ص36.
[23] - يوسف، يوسف إبراهيم، استراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، م.س، ص172
[24] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص26.
[25] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص37-38
د.خليل حسين
استاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بحث مقدم الى مؤتمر"الامام علي (ع) وحقوق الانسان" المنعقد في دمشق ما بين 20 و21 -11- 2005 بدعوة من المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية في دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
يستند النظام السياسي – الاجتماعي الاسلامي على المنهج الاسلامي بكافة شروطه واسسه، المتمثل في أحكامه وشرائعه المختلفة، الناظمة لعلاقات الناس بعضهم ببعض على النحو الذي يرضي الله عز وجل.ومن شأن المجتمع إذا أصبح إسلامياً أن يوفر لأفراده سبل الاستقامة على الطاعات، وأن يعينهم على تجنب المعاصي والمحرمات، وأن يغذيهم بروح التربية الاسلامية المثلى، وبالأخلاق الانسانية الفاضلة.وقد تركزاهتمام الشريعة الإسلامية،على إقامة المجتمع الاسلامي، إذ هو الاساس في إصلاح الأفراد وتقويم أخلاقهم وسلوكهم.ويتضح ذلك من استعراض أحكام الشريعة الاسلامية المتنوعة، اذ أن غالبية هذه الأحكام تتعلق بإصلاح الوضع الاجتماعي ورعايته، وبيان ذلك أن جملة الأحكام الشرعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- القسم الأول منها يسمى أحكام الإمامة أو السياسة الشرعية، وهو يتناول مجموعة كبيرة من الأحكام التي تكفل حماية المجتمع الاسلامي ورعايته سواء في داخله أو خارجه؛ كالأحكام المتعلقة بالجيوش ووضع الدواوين، وإعلان الحرب والسلم، ورسم العلاقات التي يجب أن تقوم بين المسلمين وغيرهم من حرب وصلح وهدنة، وموادعة واستئمان وذمة..والأحكام التي تتناول تصنيف الجنايات والجنح، وتضع العقوبات المناسبة لكل منها. وكثير من الأحكام التي تتناول السياسات المالية، وشؤون الرقابة والحسبة وغيرها.
- القسم الثاني أحكام القضاء، وتتناول كل ما يتعلق بفض النزاعات وإنهاء الخصومات، وتحدد الطرق لإعطاء كل ذي حق حقه، كما تتناول البيّنات والحجج التي توفر السبل إلى تطبيق موازين العدالة بين الناس، وهذه الأحكام ذات صلة وثيقة بالشؤون المالية، والأحوال الشخصية، والجنايات المختلفة، وبكثير من المشكلات التي تنشأ عن علاقات الناس بعضهم ببعض.
- القسم الثالث: أحكام الفتاوى، ويراد بها، لدى مقابلتها بالقسمين السابقين، تلك الأحكام التي تتناول واقع كل فرد من المسلمين على حدة، بحيث لا يتوقف تطبيقها على وضع اجتماعي معين، ولا يقصد بتطبيقها حل مشكلة مباشرة قائمة بين المسلمين بعضهم مع بعض، أو بين المسلمين وغيرهم. وإن كانت هذه الأحكام، تترك صبغتها وتأثيرها في المجتمع، بشكل غير مباشر، أي عن طريق ممارسة الأفراد لها وخضوعهم لسلطانها.
ان مقاربة هذه الاطر في تكوين النظام السياسي الاسلامي توضح مدى العلاقة العضوية بين الحكومة والشعب،فالسلطة ومن يتولاها في النظام السياسي الاسلامي هي مقوننة ومقيدة بنظم تحفظ حقوق رعيتها كما تحفظ حقوقها عبر تحديد واجبات افراد هذه الرعية.ويالتالي ان الحديث عن الحكومة وعلاقتها بالشعب يستتبع بالضرورة كيفية تنظيم هذه العلاقات وكيف ينبغي ان تكون في حال وجدت بعض الثغرات.
وعلى الرغم من قِصر ولاية الامام علي (ع) والتي استمرت خمس سنوات تقريبا فقد ركَّزت دعائم ومفاهيم كثيرة لنظام الحكم في الاسلام،ويتضح ذلك من خلال استعراض بعض النماذج في نهج البلاغة التي تعبر عن فلسفة الحكم في فكر وممارسة الامام علي (ع): "وإن في سلطان الله عصمةً لأمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملومة ولا مستكره بها. والله لتَفعلُنّ أو ليَنقلَن الله عنكم سلطان الاسلام، ثم لا ينقله إليكم أبداً حتى يأزر الأمر إلى غيركم"[1]
وقد أورد هذا البيان لدى خروجه إلى حرب الجمل، وعلى أثر اندلاع فتنة "الناكثين" وشغبهم في الحكومة الشرعية الحقة له (ع) ، وهو يشير فيه إلى ما يلي:
- الحكومة الاسلامية هي سلطان الاسلام وسلطان الله، لا حكومة الحاكم الفرد أو الجماعة أو الحزب أو الطبقة، وأن تنفيذ الأحكام الالهية وقوانين الاسلام إنما يتم من خلال زعامة الإمام وقيادته.
- أن بقاء الحكومة الاسلامية ودوامها بحاجة إلى قبول الناس ومواكبتهم ومعونتهم، وان لتواجد الناس في الساحة دوراً مصيرياً في استمرار حكومة الاسلام، وان على الناس أن لا يبخلوا على الاسلام بذلك.
- أن الحكومة الاسلامية ليست حكومة السيف والسوط والعصا ، أو حكومة القهر او الاستبداد، وأن الدور الأساس إنما هو لقبول الناس وتعاونهم جميعاً، والأهم من ذلك أن تكون هذه الطاعة عن رغبة.
- كما أن استمرار الحكومة الاسلامية هو ثمرة طاعة الأمة الحرة وعن رغبتها، وأن ذلك يؤدي إلى المحافظة على النظام الاجتماعي السليم، كذلك فإن عدم انسجام الشعب مع القائد يؤدي إلى تحول قيادة المجتمع إلى من لا أهلية له، وذلك يستتبع الضلال والانحراف طبعاً.
والقيادة تتطلب عدلا في ممارسة الحكم قبل اي شيء آخر،فقد سُئل (ع) : أيهما أفضل: العدل أو الجود؟ فقال (ع): "العدل يضع الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها. والعدل سائس عام، والجود عارض خاص؛ فالعدل أشرفهما وأفضلُهما"[2]
إن هذه المقارنة بين العدل والجود وعناية الإمام بجوانب العدالة الشاملة، واهتمامه بقيمة العدالة الاجتماعية، تبين لنا النظرة النافذة والشاملة للإمام (ع) في أركان الحكومة الاسلامية وأبعادها الشعبية؛ فالعدالة سياسة عامة شاملة ينتفع بها عامة الناس، بينما الجود عمل خاص ينتفع به فرد أو فئة خاصة، وإن نظام القيادة في الحكومة الاسلامية يجب أن يجعل أساس البرامج على محور العدالة.
"استعمل العدل، واحذر العَسْفَ والحَيْف؛ فإن العَسْف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف"[3]
والقيادة تتطلب حنكة وفنا في التعاطي وليس دهاءا وغدرا وفي هذا يقول الامام (ع):"ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كَفْرة، ولكل غادر لواء يُعرف به يوم القيام. والله ما أستغفَلُ بالمكيدة، ولا أستغَمزُ بالشديدة"[4]
لقد بين الإمام (ع) في هذا البيان أساس السياسة الاسلامية وسياسة القادة، فالكثير من المفكرين يعتبرون السياسة تساوي الغدر ونقض العهود والكذب والتزوير، ولكنها في نظر القادة الاسلاميين يجب أن يوازيها الصدق والأمانة وأن تُنفّذ بكل قدرة وشهامة وتدبير؛ إذ هناك من يتوسل بكل وسيلة للوصول إلى هدفه، ويفيد من أنواع الدسائس والمؤامرات من أجل الحفاظ على مقامه ومركزه، وطبيعي أن يكون منفذ الشرائع بعيد بل مُعرض عن الإفادة من هذه الأساليب الرخيصة.
إن الفارق الأساس بين هاتين الرؤيتين المتقابلتين في السياسة، إنما هو في أن إحداهما تلتزم بالأصول والقيم الاسلامية والإنسانية، فيما الثانية لا تعير اهتماما لذلك؛ فالأصل الوسيلة للوصول إلى الهدف، والعدل هو المعيار لتنفيذ الاحكام بين الرعية، والحفاظ على القدرة وتوسيعها بكل الطرق والأساليب. ومن المؤكد أن بُعد الرجال الإلهيين عن الخيانة ونقض العهود ليس بمعنى جهلهم بتلك الاساليب الرخيصة، أو عجزهم عن القيام بها، أو وقوعهم ضحية لمؤامرات الأعداء ودسائسهم، بل لانهم يتخذون قراراتهم بكل قدرة وتدبير وشجاعة وصرامة في مواجهة أعدائهم ومجابهة المصاعب الناجمة عن تلك المواجهة، ويقومون بالسياسة الشرعية مع رعاية الأصول والقيم، وعلى أساس الحدود والأحكام الشرعية، وبصفتها وظيفة وتكليفاً عليهم أداؤه.
الحاكم والوالي في الرؤية الاسلامية
ويستمد الحاكم في النظام الإسلامي شرعيته من الله عز وجل وشريعته،وما عمله الصالح الا مرضاة الله تعالى. وتقيّم هذه المسؤولية بما يدفعها من الاتجاه الإلهي في العمل للحفاظ على القيم والمقاييس الشرعية والقانونية، من دون أن يكون رأي الشعب مُشرّعاً ومقرّراً،على أن يراعي الحاكم في ذلك مصالح الاسلام ثم المسلمين، لا المصالح الفردية والجماعية.
ورغم ذلك فالحاكم في النظام الإسلامي، ليس مختاراً مطلقاً ومستبداً، بل يحمل أمانة ومسؤولية ، فهو الحافظ لحقوق الله والناس. في حين أن الاستبداد الفردي أو الجماعي أو التنظيمي الحزبي، والأهواء والميول ـ لا التكليف والتقوى ـ هي التي تقرر المصير في غير النظام الإسلامي؛ والحاكم في الأنظمة الوضعية يحكم وفق أهوائه وآرائه. وليست الديمقراطية فيها أساس رأي الأمة كما هو شائع ،والحاكم في النظام الاسلامي عندما يباشر ولايته وينفذها إنما يكون على أساس الاسلام ومصالح الأمة الاسلامية، لا الميول البشرية الشخصية.
ومن هو المؤهل للقيادة الاسلامية في نظر الامام علي (ع) ؟ هو الفهم العميق للاسلام والقدرة على تطبيقه ، بقوله (ع):
"أيها الناس، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله… ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر، والصبر، والعلم بمواضع الحق… واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه[5]
وفي هذا الرأي ثلاثة امور أساسية بالنسبة إلى الحكومة وقيادة المجتمع:
- "إن أحق الناس بهذا الأمر ـ أي القيادة وزعامة المجتمع الاسلامي ـ أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله". فالشرطان الأساسيان المؤهلان للقيادة هما: العلم، والقدرة.
- "ولا يحمل هذا العلم إلاّ أهل البصر، والصبر، والعلم بمواضع الحق" فالخصال الثلاث هي: البصيرة في الدين.العلم بمواضع الحق. والصبر على طريق الحق.
- ثم يوصي (ع) الناس فيقول: "واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه".
ومن وظائف الإمام والقائد فيما يخص الأمة والمجتمع: تعليم الكتاب والسنّة والمعارف الإلهية والأحكام والأخلاق الإسلامية. فالإمام في الواقع معلم مسؤول، وأسوة وقدوة، ونموذج في الفضائل والمعارف لمبدأ الحق، وعليه أن يرشد المجتمع قولاً وعملاً إلى تعاليم الإسلام وعلومه ومعارفه،فيقود المجتمع في إطار شريعة الله.
ومن شرائط الحاكم الإسلامي أن يكون فقيهاً عادلاً، فإذا انكشف الخلاف أو علم أنه ليس جامعاً للشرائط أو غير مراعٍ لها فهو منعزل عن الحكم شرعاً؛ فالحكومة الاسلامية ليست حكومة فردية ولا حكومة جماعيّة، بل هي حكومة الله على الناس من خلال حكومة من يطيع أوامر الله وينفذها من الأشراف والنبلاء، ولا جمهورية بمعناها المتداول، سواء كان الأساس رأي الناس أم لا، كما في النظم الشرقية والغربية، بل إن الاساس هو قبول هداية الله وولايته وإطاعة أوامره.وهي امور بطبيعتها ضمانة لصيانة حقوق الشعب في النظام الإسلامي، أما الآراء والانتخابات والأحزاب والتنظيمات فيجب أن تتشكل على هذا الاساس، وعليهم السعي لتنفيذ أفكار الوليّ الفقيه وأوامره النابعة من الإسلام ، ولا عذر لأحد عند الله في ذلك.
وقد ذكّر الإمام علي (ع) في كلماته في "نهج البلاغة" بخطر الحكام المستبدين غير المتقين لكي لا يبتلي المجتمع المسلم بأمثالهم ، ولا يستولوا على مصير الاسلام والمسلمين، فيحمّلوا المسلمين الذلة والانحراف والتحريف، ولا يتصدّوا لمحاولة النيل من الإسلام باسم الاسلام.فخطر هؤلاء حينما يمسكون أمور المسلمين أكبر من أي خطر آخر، وما تعرض له تاريخ الاسلام في بعض مراحله المؤلمة يؤكد لنا الآثار السيئة لحكم هذا النوع من القادة يقول (ع): "ولكني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولاً وعباده خَوَلا، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً"[6]
إن الحكومة في ثقافة الإمام علي (ع) والإسلام خدمة وعبادة ومسؤولية، وإن قول الحاكم الاسلامي وفعله واحد وفي خدمة عباد الله، ويجب أن يكون الحاكم بعيداً عن قول الزور والاستبداد وعدم الاعتداد بشأن العباد والدكتاتورية والاستعلاء والامتياز عن سائر الناس، وأن ينشأ على التقوى. والهدف من الحكم إعداد الأجواء لعبادة الله في الأرض، وليس الهدف الاقتدار والاستعلاء على الآخرين، ولا موضوعية للحكومة بذاتها، بل هي وسيلة لإحياء الحق وإماتة الباطل.
وقد رسم سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) في أحد كتبه إلى أهل الكوفة الخطوط والشرائط العامة للقيادة في الإسلام كما يلي: "فوالله، ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله"[7]
فالشرائط أربعة:
ـ أن يكون عاملاً بأحكام الكتاب الإلهي "القرآن الكريم.
ـ أن يقيم القسط والعدل.
ـ أن يكون متديناً بدين الحق.
ـ أن يحبس نفسه على الله ودينه، بعيداً عن أي زلة وانحراف.
وقال الإمام علي (ع): "يُستدل على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسك بالفروع، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفاضل[8]
وفي أي مجتمع تُسحق الأصول فيه وتضيع الموازين، وتقدم الأمور التافهة، فإن الأرذال من الناس سيتقدمون بصورة طبيعية حتى إنهم ليأخذون بزمام الأمور؛ وبالطبع سيتأخر العقلاء والخبراء، وبالتالي سينخر الضعف والقصور في إدارة أمور المجتمع، وبذلك تتوافر عوامل تأخر الشعوب مع انحطاط الدول وإن من العوامل المهمة في تقدم الأمم والشعوب تواجد قادة صالحين مديرين ومدبرين، وما قوام أمور الدين والدنيا إلا بذلك.
لقد رسم الإمام علي (ع) لولاته مناهج واضحة، وبيَّن لهم شروطاً محددة، تستقيم أمور الرعية عند تطبيقها، وتتحقق عوامل التنمية والرخاء الاجتماعي عند تنفيذها وأهمها:
ـ توفير التماسك الاجتماعي وتحقيق المشاركة الشعبية.
ـ إقرار الأمن والنظام.
ـ القيام بالنشاطات الحياتية.
توفير التماسك الاجتماعي وتحقيق المشاركة الشعبية
يعتبر الإمام علي كرم الله وجهه أن إقامة العدل وتحقيق المساواة يؤديان إلى التماسك الاجتماعي بين المواطنين وإلى رضي الرعية وتعاونها فيما بينها وبين راعيها، وهذا شرط أساسي لبناء العِمارة وبلوغ التنمية وتمكينها من الانطلاق، وإلا اضطربت الأمور وانتفت الاستقامة، وخيم التخلف. يقول الإمام (ع):"وأعظم ما افترض من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله ـ سبحانه ـ لكلٍ على كلٍ، فجعلها نظاماً لألفتهم، وعزا ً لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية وإليها، أو أجحف الوالي برعيته اختلف هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثُر الإدغال في الدين، وتُركت محاج السنن، فعُمل بالهوى، وعُطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عُطل ولا لعظيم باطل فُعل، فهناك تُذل الأبرار، وتَعُز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد[9] .
لقد نصح الإمام ولاته بأن يكونوا هم وخاصتهم ومن يلوذون بهم وعامة الناس سواء فلا يستأثرون بشيء من المغانم والمكاسب، وأمرهم بالاختلاط بالناس والخروج إليهم، والتعرف إلى حقائق أمورهم وعدم تركها إلى مقربين وبطانة تجعل من الحكم وسيلة لتحقيق المنافع، وتكوين مراكز قوى تستغل الحاكم لمصالحها ومآربها، وتوقع الظلم والقهر بالعباد يقول الإمام (ع):"إن أفضل قُرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية، وإنه لا تظهر مودَتهم إلا بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة الأمور، وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم، فامسح في آمال وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله، ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضيعن بلاء امرئ إلى غيره".[10]
بهذه العدالة، وبإعطاء كل ذي حق حقه، وإضافة الجهد إلى صاحبه، تستقيم الأمور، ويتحقق الرضي الشعبي عن سياسة الدولة، ويحرص الشعب على دوام العهد الذي تنعم فيه بتلك الرعاية، وتتسع في ظله آمالهم ومشاركتهم بتحقيق عمارة البلاد وبلوغ التنمية.
ولم يكتف الإمام بدعوة ولاته إلى توفير العدل لتحقيق التماسك الاجتماعي وحصول المشاركة الشعبية بل أمرهم بتوضيح سياسة الحكم وتفسيرها وشرح أسباب بعض التصرفات حتى لا يترك مجالاً للشك وإثارة الريب والشبهات، فتكون القناعة في الطاعة، والولاء عند الرعية، وتقوى العزيمة والإرادة على محاسبة النفس عند الحكام.
يقول الإمام علي (ع) : "وإن ظنت بك الرعية حيفاً فاصحوا لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإن ذلك رياض منك لنفسك ورفقاً برعيتك وإعذاراً تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق"[11] .
بمثل هذه السياسة: صراحة الحاكم ورعايته للمحكوم، وطاعة المحكوم وولائه للحاكم، تتحقق الأخوة، ويقوى الترابط الاجتماعي، وتقوم دعائم التنمية والازدهار و"جميل الأثر في البلاد" كما سماها الإمام علي كرم الله وجهه. إقرار الأمن والنظام
يعطي الإمام (ع) أهمية كبرى للأمن والنظام كعلاقة مباشرة بين الحاكم والشعب، فهما قوام الحكم وأمل الرعية، فإذا وجدا أمكن أن يتحقق كل خير، وإن فقدا فقد كل خير، وهما ضروريان لتحقيق العمارة والتنمية. يقول الإمام: "ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة، والزم كلا منهم ما الزم نفسه"[12]
ينصح الإمام (ع) الولاة بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب واعتماد حفظة الأمن أو "جنود الله" كما سماهم ليتمكن من معاقبة كل خارج على النظام، وتحقيق الأمن داخل المجتمع. واعتبر الإمام (ع) أن حفظة الأمن ومُقري النظام هم الحصون التي يتحصن بها المجتمع، والدروع التي يحتمي بها، وهم الطريق المؤدي إلى الأمن فيقول: "فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزَيْن الولاة، وعز الدين، وسُبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم" . و" إذا مررت ببلدة فيها سلطان فلا تدخلها، فإن السلطان رمح الله في الأرض"[13] .
القيام بالنشاطات الحياتية
يرى الإمام (ع) ان الجهود المادية المبذولة لتحقيق العمارة تساعد في قيام مجتمع على مستوى من الإشباع المادي ، وتساهم بالتالي في تأمين حاجاته الاجتماعية والروحية لذلك يتعين على كل فرد أن يحقق ذاته في المجال الاقتصادي، وعلى الدولة أن تستجيب للآمال المتسعة للأفراد، وتشجيعهم على تحقيق النجاح في ميادين العمل والإنتاج التالية: الزراعة، الصناعة، التجارة، والخدمات.
- الزراعة
فالزراعة في الماضي، كما اليوم، عماد الاقتصاد ودعامته. والإنتاج الزراعي هو النصيب الأكبر للدولة من الخراج أو ما يسمى بالدخل القومي هذه الايام لذلك طلب الإمام من الولاة أن يهتموا بالزراعة والغرس ويعطوها العناية التي تكفل لهذا القطاع صلاحيته وزيادة انتاجيته امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من زرع زرعاً أو غرس فله أجر ما أصابت منه العوافي" وفي رواية أخرى أنه قال: "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة" [14].
فالإنتاج الزراعي، في رأي الإمام (ع)، هو القاعدة الأساسية لإنتاج المجتمع، وجميع القطاعات الأخرى تعتمد عليه، وإن بناء غيره من القطاعات لا يجدي شيئاً وأهله.[15]
فقد دعا الإمام (ع) إلى استثمار القطاع الزراعي بتخفيف الأعباء عن كاهل المزارع وتوسيع الموارد التي يملكها المجتمع، والعمل على زيادة الإنتاج الذي يعود بالخير والمنفعة على الأفراد، وليس إلى تكديسها في خزائن الدولة وجيوب الحكام، فيقول: "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً"[16] ثم يضيف قائلاً:"ولا يثقُلنَّ عليك شيء خففت به المؤنة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك"[17] .
إن الادخار يساعد الناس في تحسين أراضيهم، كما تمويل الاستثمارات اللازمة لها، فيسند الدولة في أيامها العجاف الطارئة.أما إذا تطلعت الدولة إلى جمع المال بتحميل القطاع الزراعي ما تستنزف كل إمكاناته فلن يبقى بأيدي أهله "ما يمكنهم من بناء استثمارات جديدة به، فتتدهور قدراته - أي القطاع الزراعي- الإنتاجية، ويحدث به الخراب، أي التخلف الاقتصادي، وما يعرف اليوم بضعف إنتاجية هذا القطاع... ستحدث بالمجتمع ملمات ولن يجد المجتمع عندها في القطاع الزراعي كبير غَناء، ولن يتمكن المجتمع عندها من التغلب على ما حل به"[18].
- التجارة
يؤدي القطاع التجاري في فكر الإمام (ع) بدور أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يسرع بها أو يحدها، ويلعب دوراً جوهرياً في تطور المجتمع وتقدمه.
لقد أبدى الإمام (ع) اهتماماً بهذا القطاع، وبالعاملين فيه داخلياً وخارجياً حيث يقول: "استوص بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيراً: المقيم منهم والمضطرب بماله، والمترفق بيده، فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجُلابها من المباعد والمطارح في بَرِّك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها"[19].
فالتجارة تقوم بسد حاجات المجتمع ومتطلباته، والقائمين بها هم مواد المنافع وأصلها وأسبابها. لذلك نجد الإمام (ع) يعطي أهمية بالغة لعملية تنظيم القطاع التجاري بما يكفل تمتع المجتمع بخيراته، ووقايته من مضار انحراف القائمين به عن أداء مهمتهم، وتجنب الأضرار التي يلحقونها بأهلهم من جراء الاحتكار أو الغرس بالوزن، أو الزيادة في الأسعار يقول الإمام : "تفقد أمورهم بحضرتك، وفي حواش بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً: بموازين عدلٍ، وأسعارٍ لا تجحُف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حُكرةً بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقب في غير إسراف" [20].
فإذا تأمنت عناية الدولة للقطاع التجاري، ورعايتها للتجار، ومنعت الاحتكار، وما يضر بالناس، وطبقت فكرة الثمن العادل، وضبطت الموازين والمكاييل، وحصلت السماحة في معاملات البيع والشراء فإن الإطمئنان سوف يصيب مجتمع المتقين وسوف تترسخ دعائم النهضة والازدهار.
- الصناعة
لقد اخذت الصناعة، برغم بدايتها في عهد الإمام (ع)، عناية واهتماماً نظراً لما لمحه بفكرة الثاقب من الدور الهام الذي تقوم في تأمين الكفاية من السلع والخدمات الصناعية.واعتبر الجنود وأهل الخراج والقضاة والكتاب والعمال وسائر الموظفين لا قوام لهم إلا بالتجارة والصناعة. يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "لا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار وذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم" [21]. ويقول الإمام في موضع آخر: "ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيراً" [22].
فمبدأ التخصص أو تقسيم العمل في الصناعات كما يسمى حديثاً هو من المبادئ التي اعتمدها الإمام في القطاع الصناعي، والذي يؤدي إلى مستوى عال من الدقة والجودة. يقول الدكتور يوسف إبراهيم يوسف: "إن الصناع يبلغون من الرفق بالشيء وصناعته درجة لا يبلغها غيرهم، وهذا راجع إلى تخصصهم بالطبع، فهم يكفون المواطنين هذه المهمة، ويقدمون لهم سلعاً وخدمات لا يستطيع غير الصانع أن يوفرها لنفسه بالمستوى الذي يقدمه الصانع" [23].
- الخدمات
ويعتبر الإمام علي كرم الله وجهه أن القضاة والعمال والكتاب وغيرهم من الموظفين المنتجين لمنتجات غير مادية يقومون بدور حيوي في تأمين الخدمات للناس على اختلافها، وتحقيق المنافع التي تشغل مكانة كبرى في سد حاجات مجتمع المتقين، وبلوغ العمارة والتنمية بشتى أنواعها، وقد أطلق عليهم وصف الصنف الثالث فقال: "لا قوام لهذين الصنفين - الجنود وأهل الخراج- إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقدة، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها"[24].
وإلى جانب الأصناف الأربعة - المزارعين، التجار، الصناعيين والموظفين- الذين أوصى بهم الإمام (ع) خيراً، هناك طبقة أخرى من اليتامى والمساكين، والعجزة، والمعاقين والمظلومين حظيت بمزيد رعاية الإمام وحسن اهتمامه. فهو القائل: "ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى ، فإن هذه الطبقة قانعاً ومعتراً، واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قِسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد... فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال... وكُلِّ فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم، وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا يَنْصَبُ للمسألة نفسه... واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك. وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتُقعد عنهم جندك وأعوانك من احراسك وشُرَطِك حتى يكلمك مُكلِمُهم غير متتعتع"[25].
إن نظرات الإمام كرم الله وجهه في المنهج الإسلامي لتحقيق التنمية يتصف بالعمق والصدق والعمومية وهي تعبير عن شكل العلاقة بين الحاكم والشعب والتي يمكن تلخيصها كما اسلفنا بما يأتي:
- تحقيق التماسك الاجتماعي المترتب على إقامة العدل، وتحقيق المساواة بين المواطنين والمنعكس في شعور الجماهير بالرضا عن الحكم والمشاركة بعمليات التنمية.
- توفير الأمن والنظام الذي يستمد جوهره وإمكانية تحقيقه في أمن كل إنسان على نفسه وممتلكاته وانفساح آماله وتطلعاته.
- العناية بشؤون القطاعات الرئيسية للإنتاج بإعانتها وتنظيمها، وتدعيم قطاع الخدمات في شتى إدارات المجتمع، ورعاية الفقراء والعاجزين والمعاقين والمظلومين.
وهناك بعض الوصايا للامام علي (ع) لمالك الاشتر وهو يحاول اقامة حكومة اسلامية في مصر،تدل على منهج وفلسفة الامام بكيفية وجوب العلاقة بين الحاكم والشعب،ونعرضها بايجاز بهدف المقارنة بين عدالة الامام علي(ع) التى جسدت قبل 14 قرنا وبين عدالة دول اليوم من دعاة الديمقراطية وغيرها لنجد الفارق الواضح بين الاسلام كدين ومعتقد وفلسفة وفكر يحمل كل معاني السمو والرقي والتقدير للانسان وبين دساتير اليوم التى أكثر ما تكون شكلية في مضامينها واطروحاتها ومنها:
- واشعر قلبك الرحمة للرعية , والمحبة لهم , واللطف بهم , ولا تكن غليهم سبعا ضاربا تغتنم اكلهم . فانهم صنفان اما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق .
- العفو "فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه , فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك , وقد استكفاك امرهم , وابتلاك بهم".
- سخط العامة ورضا الخاصة :"وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق , واعمها في العدل واجمعها لرضا الرعية , فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة ,وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة ".
- صفات الوزير :"ان شر وزرائك من كان للاشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الاثام ,فلا يكونن لك بطانة , فانهم اعوان الاثمة واخوان الظلمة ".
- الشفافية في الحكم "ثم ليكن اثرهم عندك اقولهم بمر الحق لك , واقلهم مساعدة فيما يكون منك , ثم رضهم على ان لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله , فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من العزة "- الشورى في الحكم : "واكثر من مدارسة العلماء , ومنافسة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه امر بلادك, واقامة ما استقام به الناس قبلك".- العدل اساس الحكم : "وان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية , وانهم لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدورهم ..فافسح في امالهم , واوصل في حسن الثناء عليهم , وتعديد ما ابلى ذووا البلاء منهم , فان كثرة الذكر لحسن ، فعالهم تهز الشجاع ، وتحرض الناكل - الجبان - ان شاء الله" .
- البذل للجنود من الاموال : "ثم اسبغ عليهم الارزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح انفسهم , وغنى لهم عن تناول ما تحت ايديهم , و حجة عليهم ان خالفوا امرك , او ثلموا امانتك".
- التنمية والاعمار : "وليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج,لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة, ومن طلب الخراج بغير عمارة اضر بالبلاد واهلك العباد, ولم يستقم امره الا قليلا ... فان العمران محتمل ما حملته".
- اسباب تدهور الاقتصاد:"وانما يوتى خراب الارض من اعواز اهلها ,وانما يعوز اهلها لاشراف انفس الولاة على الجمع , وسوء ظنهم بالبقاء, وقلة انتفاعهم العبر ".
- الضمان الاجتماعي: "ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين ,و المحتاجين , واهل البؤس والزمنى , فان في هذه الطبقة قانعا ومعتزا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم , واجعل لهم قسما من بيت مالك , وقسما من غلات صوافي الاسلام في كل بلد ,فلا يشغلنك عنهم بطر , فانك لا تعذر بتضييعك التافه لاحكامك الكثير المهم . ففرغ لاولئك ثقتك من اهل الخشية والتواضع فليرفع اليك امرهم ,ثم اعمل فيهم بالاعذار الى الله يوم تلقاه فان هؤلاء من الرعية احوج الى الانصاف من يرهم , وكل فاعذر الى الله في تأدية حقه اليه".
ان فلسفة الحكم عند الامام علي (ع) هي بيان محكم بضوابط وحدود الشرع والدين،وهي بذلك تقدمت على سواها من النظريات والمعتقدات الفكرية والايديولوجية. فعلاقة الحاكم بالشعب هي علاقة عضوية متلازمة لا فكاك ولا افتراق بينهما،فصلاح الاول هو صلاح للثاني، وعدل الاول هو واجب كما هو حق للثاني،وما الضوابط التي اتى بها فكرا وممارسة الا دستورا اذا احتذى به ضمنت الدولة رخاءها واستقرارها،واذا خالفته تهالكت وانتهت .
ان مجتمعاتنا الاسلامية اليوم هي بأمس الحاجة لهذا النظام الحق الذي يؤمن وحدة المجتمع ومنعته في ظل الظروف الدولية الضاغطة على امتنا الاسلامية والعربية،فلا صلاح لنا الا بالتمسك بهذه الضوابط والعمل على تطبيقها واحقاقها في مجتمعاتنا التي هي بأمس الحاجة للوحدة بين الشعوب وحكامها،والوحدة هذه لا تتأمن الا بضوابط العلاقة بين الحكومات والشعوب وفقا لما اسلفنا من بينات وأدلة لا لبس بها كما اتت في فكر ومنهج الامام علي(ع).
[1] - نهج البلاغة الخطبة: 177.
[2] - نهج البلاغة، الحكمة: 420.
[3] - نهج البلاغة، الخطبة: 200.
[4] - نهج البلاغة، الحكمة: 469.
[5] - نهج البلاغة، الخطبة: 173.
[6] - نهج البلاغة، الكتاب: 62.
[7] - ميزان الحكمة 3: 359
[8] - نهج البلاغة، الكتاب: 27.
[9] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص 94-95.
[10] - المرجع نفسه، م.س، ص 28-29.
[11] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص42.
[12] - المرجع نفسه، م.س، ص24.
[13] - الجامع الصغير، ج1، ص85.
[14] - رواه البخاري.
[15] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص33
[16] - المرجع نفسه، ص33.
[17] - المرجع نفسه، ص33.
[18] - يوسف، يوسف إبراهيم، استراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، م.س، ص168
[19] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص36
[20] - المرجع نفسه،ص36-37.
[21] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص26-27.
[22] - المرجع نفسه، ص36.
[23] - يوسف، يوسف إبراهيم، استراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، م.س، ص172
[24] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص26.
[25] - الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص37-38