23‏/04‏/2008

ماذا في تقرير لارسن عن القرار 1559 ؟

ماذا في تقرير لارسن عن القرار 1559 ؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
بيروت 22-4-2008
ركز مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن، في تقرير سلمه أمس الى أعضاء مجلس الأمن الدولي، على «التكهنات والتقارير» غير المدعومة بأدلة قاطعة، حيث اعتبر ان معلومات وصلته من دول عديدة لم يسمها «يبدو أنها تؤيد الزعم باستمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود السورية اللبنانية»، ورأى ان سلاح «حزب الله» يشكل «عامل تهديد» للامن الاقليمي، منتقدا بشكل ضمني اعتصام المعارضة في وسط بيروت.
ومن المتوقع أن يناقش مجلس الامن تقرير لارسن الأسبوع المقبل، وإن كان من غير المتوقع صدور بيانات من المجلس في أعقاب ذلك، خاصة ان المجلس أصدر للتو بيانا بشأن تقرير الأمين العام حول تنفيذ القرار .1701
وجدد لارسن في تقريره مطالبته بنزع سلاح «حزب الله» والجماعات الفلسطينية، معتبرا ان احتفاظ «حزب الله» بقدراته العسكرية «يمثل تحديا أساسيا لاحتكار الحكومة للاستخدام الشرعي للقوة وتهديدا للسلام والأمن الإقليمي». لكنه قال إن هذه العملية يجب أن تتم من خلال «حوار سياسي موسع يتناول المصالح السياسية والاقتصادية لكل اللبنانيين». وقال ان «سوريا وإيران، اللتين تحتفظان بعلاقة لصيقة مع الحزب، تتحملان مسؤولية كبيرة في دعم مثل هذه العملية من أجل أمن لبنان والمنطقة الأوسع»، وكذلك «تحويله إلى حزب سياسي فقط بشكل يتسق مع اتفاق الطائف».
وأشار لارسن في تقريره إلى تصريحات قادة «حزب الله» بشأن إعادة بناء قدراته العسكرية وكذلك ما تم ترويجه من تقارير تفيد بقيام الحزب «بتطوير شبكة اتصالات مؤمنة عبر البلد، منفصلة عن النظام التابع للدولة. إن مثل هذه التطورات تزيد من الانطباع القائم بأنه يتم بناء مؤسسات مستقلة عن التابعة للدولة». وكان لافتا تعامل لارسن مع هذه «التقارير» على أساس أنها حقائق رغم أن تقريره نفسه أشار اليها بصفة «تقارير» أي أنها ليست مدعومة بأدلة قاطعة.
لكن تقرير لارسن ركز على خطورة استمرار حالة الفراغ السياسي في لبنان في ضوء عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ نحو ستة اشهر قائلا ان «الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية في انتخابات حرة ونزيهة بعيدة عن اي تدخل أجنبي أدى إلى استقطاب الموقف في لبنان وشكل عقبة أساسية أمام تنفيذ القرار .1559 وعلى هذا الأساس، ما زال من المنتظر تطبيق القرار 1559 بشكل كامل».
وفي الوقت الذي أعرب فيه لارسن عن خيبة أمله جراء عدم الاستجابة للدعوات المتكررة لانتخاب رئيس، «فإنني على دراية بالدور الذي تؤديه أطراف خارجية وتدخلها في الشؤون الداخلية اللبنانية والتي تساهم في استمرار حالة الجمود السياسي في البلد. ومثل هذا التدخل الأجنبي يمثل خرقا لقرارات مجلس الأمن».
وجدد لارسن مطالبته سوريا بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع لبنان، قائلا ان «التمثيل الدبلوماسي المتبادل يبقى أكثر الطرق مناسبة من أجل التعامل مع أي قضية ثنائية». وأعرب عن أسفه لعدم تحقيق أي تقدم في هذا المجال. كما كرر مطالبته بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، مشيرا إلى أن ذلك سيمثل «خطوة هامة نحو بسط سيطرة الحكومة على كامل أراضيها ونحو استقرار المنطقة».
وفي الوقت ذاته، عبر لارسن عن «قلقه» من استمرار الخروقات الجوية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية وطالب إسرائيل «بوقف الأعداد المتزايدة من طلعاتها الجوية والتي تمثل خرقا لقرارت مجلس الأمن». كما أشار إلى أن استمرار احتلال إسرائيل للجزء الشمالي من قرية الغجر يمثل كذلك «خرقا لسيادة لبنان».
وجدد لارسن دعوة المجتمع الدولي الى تقديم مساعدات للجيش اللبناني الذي يعاني من زيادة في المهام المنوطة به في ضوء استمرار أزمة الرئاسة وكذلك حفظ الأمن الداخلي والتعامل مع قضايا من قبيل «إغلاق مركز المدينة». وأضاف «أن استمرار وجود الميليشيات والمزاعم الخاصة بإعادة التسلح والتدريب بشكل واسع بين مختلف (الجماعات) تمثل تحديا لسلطة حكومة لبنان على كامل أراضيها».
وأضاف لارسن أنه في ضوء الأزمة الداخلية الخاصة بالرئاسة، «تزايدت التقارير والتكهنات بأن الميليشيات تقوم بتوسيع ترسانات أسلحتها أو تقوم ببناء قدرات تسليحية. كما تم التعبير عن مخاوف بأنه حتى الوضع الحالي الموقت والمتوتر والمتواصل منذ انتهاء الحرب الأهلية ـ والذي تخلت بمقتضاه معظم الجماعات السياسية اللبنانية في ما عدا حزب الله عن قدراتها العسكرية ـ قد ينتهي ويؤدي إلى عملية إعادة تسلح واسعة وهو ما من شأنه أن يزيد من فرص تجدد المواجهات بين اللبنانيين».
وقال لارسن انه رغم أن الأمم المتحدة لم تستطيع تأكيد هذه التقارير، فإنها «قد تؤدي في الواقع إلى تسريع، إن لم يكن الدفع نحو سباق تسلح في لبنان ونتائج لا يمكن التنبؤ بها. وفي هذا السياق، فإنه من المهم أن تقوم كل الدول، وخاصة الدول المجاورة، بالالتزام بحظر توريد الأسلحة كما ورد في القرار 1701».
وفي ما يتعلق بنزع سلاح الميليشيات الفلسطينية، قال لارسن انه «لم يحدث أي تقدم» في هذا المجال. لكنه رحب في تقريره بالوثيقة التي أصدرها ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي في مطلع العام 2008 والتي حددت «للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية سياسة منظمة التحرير نحو لبنان والعلاقة الثنائية التي تحكم الطرفين» خاصة في ما يتعلق بقضيتي التوطين والتسليح.
واعتبر لارسن ان المخيمات الفلسطينية «لا تزال تمثل تحديا أساسيا لاستقرار وأمن لبنان، وتحديدا بسبب تواجد عدد من الأطراف غير التابعة للدولة في المخيمات. وما زلت أشعر بالقلق من استمرار التهديدات الصادرة من جماعات متأثرة بالقاعدة في المخيمات الفلسطينية»، مشيرا في هذا الصدد إلى الاشتباكات التي شهدها مخيم عين الحلوة بين تنظيم فتح وتنظيم جند الشام الذي قال انه يتنبى أيديولوجية القاعدة.
كما عبر لارسن عن مخاوفه من احتمال انتقال العنف من داخل المخيمات إلى المناطق المجاورة وخاصة في جنوب لبنان، وكذلك مخاوفه من احتمال ظهور جماعات متشددة جديدة في ضوء الظروف المعيشية الصعبة داخل المخيمات والمناخ الأمني المتوتر. واضاف أن اشتباكات نهر البارد «مثلت دليلا واضحا على الخطر الذي تمثله الجماعات المسلحة لاستقرار وسيادة لبنان وضرورة الإسراع في نزع سلاحهم».
وعبر التقرير عن القلق العميق من استمرار أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وفتح الانتفاضة «اللتين تحتفظان ببنية تحتية عسكرية خارج المخيمات وعلى الحدود بين سوريا ولبنان. كما أن مقر هاتين الجماعتين يقع في دمشق. ولذلك فإنني أذكر حكومة سوريا بأنها تتحمل مسؤولية لحث هذه الجماعات على الالتزام بقرارات مجلس الأمن وقرارات حكومة لبنان».
وأعرب التقرير عن القلق بشكل عام من المزاعم الخاصة بعودة ظهور الميليشيات التابعة لكافة الأحزاب في مخالفة لاتفاق الطائف. وأشار في هذا السياق إلى تزايد حالات إطلاق النار في الهواء عندما يلقي الزعماء السياسيين خطاباتهم والتي اعتبرها ظاهرة «مزعجة بشكل عميق وتعرض حياة المدنيين للخطر». ودعا كل الأحزاب اللبنانية إلى التخلي الفوري عن أي خطط لإعادة التسلح والعودة للحوار عبر المؤسسات الشرعية «وخاصة البرلمان» باعتبارها الوسائل الوحيدة لحل الأزمة السياسية المتواصلة.
كما تناول تقرير لارسن غياب لبنان عن القمة العربية الأخيرة في ضوء تواصل خلافات الحكومة مع دمشق حول الانتخابات الرئاسية. وحيا التقرير ما وصفه بالجهود الحثيثة التي يبذلها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من أجل مساعدة اللبنانيين على تجاوز خلافاتهم وملء منصب الرئاسة الشاغر.