27‏/12‏/2008

اين العرب من محرقة غزة؟

اين العرب من محرقة غزة؟
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

عندما اجتاحت اسرائيل في العام 2006 لبنان،انبرت قياداتها السياسية لتتباهى ان اسرائيل لم تكن لتفعل ما فعلته لو لم يكن ثمة تغطية من بعض الدول العربية،واليوم نفذت اسرائيل وعيدها لغزة وسط صمت عربي مطبق،فالى اين تتجه الدول العربية في قمتها المنتظرة ؟وما الجديد الذي ستطلع به الى شعوبها؟ وهل سترتدع اسرائبل من بيانات اكل الدهر عليها وشرب؟.
اليوم كما الامس أدت تسيبني ليفني قسطها للعلا في القاهرة ، قبل يومين من بدء محرقة القرن الواحد والعشرين، في وقت بدأ العرب كعادتهم يتداعون لقمة طارئة علها ترسم مسارا آخرا طال انتظاره،ولم يبق سوى الاعلان عنه والمضيَّ به.سيما وان منعطفات اقليمية ودولية تلوح في الافق.
فقبل اقل من ثلاثة اسابيع من استلام الرئيس الامريكي باراك اوباما مهامه رسميا، اطلقت اسرائيل رسالة المحرقة لتحديد مسار الادارة الجديدة ودفعها باتجاهات معروفة النتائج سلفا بعدما تسّرب نبأ اسناد ملف الصراع العربي الاسرائيلي الى دنيس روس المعروف الاتجاهات والاهواء،وهي رسالة واضحة الى ما ستؤول اليه الامور لاحقا كتداعيات ونتائج لمحرقة العصر لجهة استثمارها السياسي في ادارة الصراع او المفاوضات التي تلوح في الافق.فالادارة الامريكية اعتادت على تلفق الرسائل والعمل وفقها بصرف النظر عن ماهية الادارة جمهورية كانت ام ديموقراطية؛وتأتي هذه الرسالة المحرقة ككلمة سر اسرائيلية للادارة الامريكية بأن نتائجها ينبغي ان تؤخذ بعين الاعتبار في اي سياسة خارجية اميريكية ستُنتهج لاحقا.
فالادارة السابقة الراحلة اعطت وعودا بأنه لن ينتهي العام 2008 والدولة الفلسطينية ستكون محققة،هذا ما اعلن في انابوليس وغيره من المحافل،وفعلا لم ينته العام الا والمحرقة قد تحققت في غزة،فما هو الوعد او المسار الذي ستعطيه ادارة باراك اوباما قبل العام 2012 ،هل هو حلم القضاء على الشعب الفلسطيني ودولته وحقوقه؟ ام ثمَّة وقائع ينبغي ان تظهر لتزيد من التداعيات السلبية على الواقع الفلسطيني والعربي؟.
واذا كان حال الادارة الامريكية يبدو بهذه السذاجة فما هو حال العرب من محرقة غزة؟ فهل سيكون مختلفا عما سبق من محازر وحملات ابادة جماعية بحق الفلسطينيين؟ سوابق كثيرة مماثلة لم يكن للعرب رد فعل يتناسب مع احجام ما تمَّ تنفيذه،فهل ثمَّة معطيات جديدة ستفرض نفسها على مقررات لن تكون مختلفةعن حالات كثيرة سابقة.فدعوة مجلس الامن الدولي للانعقاد،لا يستلزم رفع الصوت العربي الرسمي ولا ينتظر هذه الدعوة، سيما وان اجتماعاته لو عُقدت لن تكون بأكثر من توصيات لن تلامس القرارات واجبة التنفيذ بالقوة ،بخاصة انها موجهة ضد اسرائيل.وفي احسن الاحوال لن يكون للعرب لا حول ولا قوة سوى الاجتماع والتنديد وطلب خرائط طرق للتفاوض الى جانب وقف العدوان،بعدما ابلوا بلاءً حسنا في فك الحصار عن الشعب الفلسطيني!.
والمفارقة االغريبة في الموقف العربي انه دائم الانتظار لما تقرره اسرائيل من تنفيذ مجازر ومحارق جماعية ليهبوا لنجدة اخوتهم في العروبة ،وبالطبع لديهم الكثير من الوقت سيما وان محرقة غزة هي متدحرجة حسب قول القيادات العسكرية الاسرائيلية،وربما ستستمر لأكثر من ثلاثة وثلاثين يوما كما جرى في عدوان 2006 على لبنان. فهل ستتطابق نتائج المحرقة في غزة مع نتائج العدوان على لبنان؟.
ففي اعقاب صدور القرار 1701 في 14 آب 2006 جرت مناقشات واسعة في دوائر القرار الامريكي والاسرائيلي حول امكانية تعميم التجربة الدولية في لبنان على غزة عبر نشر قوات دولية معززة وفقا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة،فهل المحرقة الحالية تؤسس لذلك؟ وما هي تداعياتها المستقبلية وسط مشاريع مفاوضات مباشرة بين اسرائيل وسوريا؟.
فالمفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة والرعاية التركية لها لا تملك فرص الحياة والبناء عليها،وهذا ما يمكن استنتاجه من تصريح الرئيس السوري بشار الاسد لصحيفة نيويورك تايمز، الذي ابرز فيه ان الرعاية الامريكية المباشرة مطلوبة،اضافة الى وجوب انطلاق المسارات الاخرى ولو كانت مستقلة مع الاطراف الاخرى ومنها لبنان والفلسطينيين،فهل ستسهم محرقة غزة في اجبار حماس على الرضوخ للشروط الاسرائيلية لإطلاق مسارات منفصلة لاحقا؟.
ان السلام المنشود عربيا اصبح امرا واقعا يُبحث عنه، بصرف النظر عن مقدماته ونتائجه،لكن واقع الامور الذي تنتظره في قمتها لا ينبئ بالافضل/فكثيرا من التنازلات دُفعت واستتبعت بأُخر،لم يقابله سوى محارق وابادات جماعية اسرائيلية قي لبنان وفلسطين.ثلاث محارق نفذتها اسرائيل في لبنان في الاعوام 1993 و1996 و2006،في وقت كانت مفاوضات عربية اسرائيلية تُجرى لكنها انتجت تصلبا واجبارا لاسرائيل للانسحاب من لبنان.ترافق مع عشرات المجازر في فلسطين وما زالت المقاومة صامدة.فهل ستصل الرسالة للقمة العربية لكي يبنى على الشيء مقتضاه.
المطلوب من القمة العربية أقله البحث عن استراتيحيات بديلة للسلام الموعود،فهل لا زالت مبادرة قمة بيروت صالحة للتفاوض،ام يجب البحث عن اطر اخرى؟ واذا كان السلام امرا لا بد منه عربيا، فليكن بشروط لا تخضع لتداعيات المحارق ونتائجها،فالسلام الاسرائيلي الموعود الذي لم ولن يكن ليبشر يوما سوى بمجازر واعتداءات موصوفة.
سلام من قانا واخواتها اللبنانيات، الى غزة واخواتها الفلسطينيات ، سلام مجبول برائحة دم الشهادة، لا سلام تفوح منه عغن الاستسلام. شهادة قانا واخواتها للتاريخ انجبت هزيمة موصوفة لاسرائيل، ومحرقة غزة واخواتها ستنجب يوما طقلا يرفع علم فلسطين فوق القدس عروس مقاومتكم، لا عربكم ايها المنتظرون.