13‏/12‏/2009

لبنان والسير في اتجاهين مختلفين

لبنان والسير في اتجاهين مختلفين
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت:11/12/2009

مفارقة الحياة السياسية اللبنانية وبخاصة الخارجية منها، ترتدي أهمية خاصة،باعتبارها انعكاسا لمدى المشاركة والالتفاف حولها بمظهر الوحدة الوطنية،التي كانت غالبا موضع اهتزاز وبخاصة لدى مقاربتها بقضايا الصراع العربي "الإسرائيلي" ومتفرعاته.
ففي الوقت الذي كانت الحكومة اللبنانية تنال ثقة غير مسبوقة لجهة التأييد والدعم،أتت زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان للولايات المتحدة بأجندة سياسة عسكرية لجهة الدعم الموعود من قبل واشنطن؛وفي مقابل ذلك تأتي زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق بمظهر بروتوكولي ،لكن بمضمون سياسي أيضا،لكن في كلا الحالتين، ثمة تباين يصل الى حد الخلاف بين مضمون وأهداف كل من الزيارتين بنظر من يؤيد ومن يعارض الزيارتين.
في المبدأ لم تكن العلاقات الأمريكية اللبنانية من الوجهة الرسمية موضع تجاذب كبير في مختلف العهود الرئاسية باستثناء حقبة الرئيس اميل لحود،بل كان ثمة محاولة دائمة لتمييز العلاقة بهدف الحد من تأثير النفوذ إبان الوجود السوري في لبنان.قابله معارضة شديدة من قبل أطراف سياسية لبنانية وبخاصة التيارات الإسلامية والقومية العربية لاعتبارات متعددة ومتنوعة.وفي اتجاه معاكس أيضا ثمة نفس الوضعية لجهة القبول والرفض بالنسبة للعلاقات مع سوريا وما يتفرع منها في ملفات الصراع العربي الإسرائيلي تحديدا.
وعلى الرغم من مجيء الزيارتين في الوقت الضائع من عمر ملفات المنطقة،فالتدقيق في الأمر يوضح ما يمكن استثماره لاحقا في مسارات يُرسم لبعضها اتجاهات معينة.ومن بينها المفاوضات السورية الإسرائيلية وكذلك ما يمكن ان يتعلق منها بالشق اللبناني تحديدا.
وبصرف النظر عن الرضا والقبول وحتى حجم الاتفاق على زيارة واشنطن في هذا الظرف بالذات،فإنها من الوجهة السياسية السورية تبدو أمرا غير مألوف بخاصة وأن الحوار الأمريكي السوري حول العديد من القضايا لم تصل الى نهاياتها المأمولة او التي يمكن البناء عليها،ولعل استقبال الرئيس السوري بشار الأسد للعماد ميشال عون قبل أيام من زيارة سليمان لواشنطن يمكن أن تُفسر في اتجاه عدم الارتياح أو على الأقل تفهم دمشق لذلك.
وفي مقابل ذلك أيضا، تبدو زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق زيارة غير مبررة من وجهة نظر بعض اللبنانيين وضرورية عند بعضهم الآخر،لكن وطأة هذه الزيارة وتداعياتها أيضا هي بنفس الأهمية التي ترتديها زيارة واشنطن،باعتبارها تؤسس لصفحة جديدة من العلاقات السورية اللبنانية وبخاصة مع بعضهم الذين لا زالوا يعتبرون أن التبادل الدبلوماسي بين البلدين لم يغير في الأمر شيئا بالنسبة إليهم.
إلا إن اللافت في الأمر تزامن الزيارتين توقيتا مع الحراك الإسرائيلي في قرية الغجر المحتلة على الحدود اللبنانية السورية والتي تحاول اسرائيل الانسحاب من الجزء اللبناني منها.فهل يمكن استثمار الأمر والمضي في فتح ملفات التفاوض من جديد بشكل وأسلوب مختلفين عما سبق بالنسبة للمسارين اللبناني والسوري مع اسرائيل؟.
في واقع الأمر، المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة وبالرعاية التركية تعثرت وتعتبر دمشق أنها غير مفيدة ،وطلبت من واشنطن إعادة تموضع جديد من خلال رعايتها لمفاوضات تتخذ شكل رعاية مؤتمر مدريد ومتطلباته.وفي نفس الوقت أيضا عمدت اسرائيل إلى إعدام بيئة التفاوض مع الفلسطينيين وبدعم أمريكي أيضا، ومن هنا يبدو إن مصلحة أمريكية إسرائيلية ما، تلوح في الأفق على قاعدة تحريك الملف التفاوضي الإسرائيلي اللبناني بصرف النظر عن تأمين البيئة المناسبة لإطلاقه أو لتداعياته او لما يمكن أن تصل إليه الأمور لاحقا،وهو أمر كررت اسرائيل المطالبة به في فترات ومناسبات عدة سابقا.
من الممكن أن تشكل زيارة سليمان إلى واشنطن فرصة أمريكية سانحة للضغط على لبنان باتجاه القبول بالمفاوضات ولو على الطريقة السورية الإسرائيلية أي غير المباشرة،في مرحلة أولى، ومن الممكن أن يكون مخرجا مقبولا لدمشق من الناحية المبدئية،لكن المشكلة تكمن في الضمانات والتأكيدات التي يُفترض إن تعطى للجانب اللبناني لا سيما الأمور ذات الصلة.
وكالعادة،هل سيتمكن لبنان من التوفيق بين تداعيات سياستين مختلفتين ؟ام ان الأمر سيكون مثل سوابق كثيرة مر بها؟ثمة أسئلة كثيرة من الصعب الاجابة عليها من دون تذكر مآسي كبيرة مر بها لبنان في تاريخه الحديث كما المعاصر.