28‏/01‏/2012

العِراك في العراق


مستقبل العِراك في العراق
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

نشرت في مجلة الشروق الإماراتية / موضوع الغلاف

العدد 1030 تاريخ 2/1/2012

يرقد العراق على بركان من الانقسامات الطائفية - المذهبية والعرقية، يهدد مجتمعه السياسي الهش بحرب أهلية،ويمزق كيانه السياسي إلى أقاليم باتت جاهزة ، والإعلان عنها ربما هي مسألة وقت ،إذ لم تتدارك التيارات السياسية ذلك قبل فوات الأوان.

يأتي ذلك في حالة نرجسية سياسية غريبة،مترافقة مع مظاهر احتفالية بخروج القوات الأمريكية بعد ثماني سنوات من الاحتلال، ومخلفات سلبية لا تعد ولا تحصى،يمتزج فيها الصراع على السلطة وتقاسم المصالح بالفساد، والنزاعات الطائفية والعرقية بأبعادها الخارجية،كل ذلك ضمن نظام سياسي رُتب على عجل وزغل سياسي، لا يخلو من خلفيات صراعية الطابع ظاهرا ومضمونا.

ولا يكفي العراق وشعبه هذا الكم الهائل من أسباب التفجر، لتندلع أزمة سياسية عمرها من عمر تركيبة النظام ورموزه السياسية إبان الاحتلال. فلم يكد الشعب العراقي ينهي مشاهدة رفع العلم العراقي مكان الأمريكي، حتى انفجر الصراع الراكد بين رئيس الحكومة نوري المالكي، ونائب الرئيس طارق الهاشمي،على خلفية اتهامات متبادلة،ظاهرها قضائي على قاعدة أعمال عنف، أدت إلى مقتل عراقيين، وباطنها سياسي طائفي على خلفية تركيبة النظام السياسي وتهميش بعض فئات المجتمع العراقي.

وأيا يكن الأمر من خلفيات ودواعي انفجار الأزمة السياسية حتى الآن، فإن تداعياتها لن تكون سياسية خالصة، بل تردداتها ستتجاوز الأمني،إلى الصراع المذهبي الأهلي،باعتبار ان الانقسام العامودي الحاصل بين المكونات السياسية العراقية هي أكبر من ان تحل بطرق تقليدية معروفة أو معتاد عليها سابقا،بل أكثر من ذلك،ثمة العديد من العوامل المضافة خلال فترة الاحتلال، ما عززت هذا الانقسام ،وجعلت هذا الفرز يأخذ مناحٍ أكثر تعصبا وتشددا،في بلد حكمته عصبة دكتاتورية لعقود مضت قبل الاحتلال وفعلت فيه الكثير قبل وصوله إلى هذه الحال. فما هي خلفيات الأزمة؟ وماذا ترك الاحتلال من تحديات تربك الوضع القائم وتعيق حلوله؟وما هو مستقبل العراق في ظل هذه الانقسامات والنزاعات؟.

ظاهر الأزمة وخلفياتها الداخلية

أولى خلفيات الأزمة القائمة ومظاهرها، نظام الحكم القائم وتركيبته غير المنصفة كما تتصورها الطائفة السنية. فالعرب السنّة يعتبرون توليفة الحكم القائمة هي توليفة أمريكية بامتياز ،وبالتالي هي من مخلفات احتلال ينبغي إعادة النظر به، سيما وأنهم يعتبرون ان مؤسسات الدولة ومفاصلها الأساسية ومقدراتها تحكمها وتتحكم بها الطائفة الشيعية، وتعتبر ان تمثيل السنة تمثيل هامشي لا دور له ولا فاعلية تذكر، في ظل استقلال الأكراد العراقيين في إقليمهم،حيث مكونات الدولة ومقوماتها باتت جاهزة، وحيث ارتضوا كذلك بحصتهم في مؤسسات الدولة المركزية ولا زالوا يطالبون بالمزيد.

ثمة العديد من العوامل والمؤثرات التي عززت هذه الرؤية،من بينها تقاسم السلطة على قاعدة الكوتا الطائفية في المراحل الأولى لإدارة البلاد أثناء الاحتلال، التي تبنّت مقولة الأكثرية الشيعية التي راحت تراكم نفوذها،في ظل تكريس هذا الواقع على مدى ثماني سنوات، في ظل الإحجام عن تعداد سكاني يهدف إلى إعادة النظر بما هو قائم. إضافة إلى توفر البيئة الخارجية الحاضنة لهذه الطائفة وبخاصة من إيران، حيث وجدت كل مقومات الدعم في فترة ما قبل الاحتلال وأثناءه وعلى الأرجح بعده،ما عزز الأفكار المسبقة لدى العرب السنة بأن مشاركتهم في السلطة باتت على المحك،في ظل عدم الرضا والاعتراض على الآليات التنفيذية للحكم،حيث امتد التمييز إلى موازنات المحافظات ذات الأغلبية الشيعية،والتأثير في البرامج التعليمية والمنح وغيرها. وذلك لا يعني بالضرورة ان الغالبية الشيعية في بعض المحافظات تعيش حياة رغد ورفاهية بخلاف غيرها من الطوائف،فباستثناء المنظفة الكردية ثمة العديد من مظاهر العوز والفقر الذي يتساوى فيه العراقيون بمختلف مللهم ونحلهم.

ثاني خلفيات الأزمة القائمة، المؤسستين الأمنية والعسكرية لنظام الحكم الممسك في السلطة حاليا. فبعد ان أقدمت قوات الاحتلال على حل الجيش العراقي،نشأت بيئات أمنية وعسكرية تكاد تكون موازية للجيش المفترض حماية الوطن ومواطنيه قبل حماية النظام والمستفيدين منه. فضباط الجيش العراقي يصنفون إلى فئتين بشكل واضح،الفئة الأولى وتضم ضباطا محترفين وهم بغالبيتهم العظمى من ضباط الجيش المنحل والذين أعيدوا إلى الخدمة، وهم يتمتعون بكفايات وخبرات عالية ، وفيهم من الطائفتين السنية والشيعية،لكنهم مهمشون باعتبارهم من بقايا النظام السابق بمواجهة الفئة الثانية، التي تضم ضباطا ادخلوا إلى الجيش إبان الاحتلال وغالبيتهم من القوى والأحزاب الشيعية،حيث يتسلمون مراكز حساسة يستطيعون من خلالها التحكّم بالمفاصل الأمنية والعسكرية في البلاد، بحيث يصنفون من قبل السنة العرب على أنهم أذرع السياسة الإيرانية في الجيش العراقي.

إضافة إلى ذلك،ان ضعف الجيش لجهة الإمكانات والآمال المعلقة عليه لحماية بلد يحده دولتين غير عربيتين،وأربع دول عربية،جميعها لها ما لها، فيه وعليه، جعل من العرب السنة ينظرون نظرة ريبة وحذر لتلك المؤسسة التي شكلت في عقلها الجماعي سابقا، ضامن وحامٍ بوجه اكثريات أخرى لها امتداداتها الخارجية،طائفية كانت أم اتنية عرقية.

ان هذا الواقع البنيوي ذات الطابع المذهبي،جعل من المؤسستين الأمنية والعسكرية في العراق، أحد ابرز مظاهر النزاعات الأهلية،وبدلا من أن تكون وسيلة للحل باتت بنظر السنّة العرب مشكلة بحد ذاتها،وفي بعض الأحيان رافدا قويا وواضحا للاقتتال والعنف الداخلي في البلاد.كل ذلك وسط سيطرة واضحة وشبه مطلقة للعسكريين الأكراد في منطقة الحكم الذاتي الكردية،رغم أن هذه القوات الكردية تعتبر جزءا من الجيش العراقي لا فصيلا مستقلا عنه.

ثالث خلفيات الأزمة، التحوّل المفاجئ للسنة العرب باتجاه نقل آلية الحكم والسلطة ضمن ما يوصّف بالمحافظة إلى إطار آخر يوصّف دستوريا بالإقليم. وهذا ما حدث في محافظة صلاح الدين ذات الأغلبية السنية التي اختارت تحويل المحافظة إلى إقليم يتمتع بنوع من الاستقلال المالي والإداري، وهي سابقة في السلوك السياسي للعرب السنة في العراق؛حيث وقفوا ضد آلية الفدرالية لجهة النص عليها في الدستور التي طرحها الشيعة آنذاك. الأمر الذي اعتبره رئيس الحكومة نوري المالكي،بداية لمرحلة من التقسيم،سوف تتلوها امتدادات إلى غير محافظة أخرى ذات أغلبية سنية.

فمن وجهة نظر السنة ما قامت به محافظة صلاح الدين، أمر مبرر بما يعتبرونه تهميشا واضحا ومدروسا لجهة الموازنات والمشاريع وغيرها من الأمور التنموية ذات الصلة بالمحافظات، علاوة على حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها حكومة نوري المالكي مؤخرا في المحافظة،والتي شملت فئات عمرية شابة اعتبرتها الحكومة من مخلفات البعث، عطفا على حملة التطهير الواسعة التي امتدت إلى القطاعات التربوية في الجامعات والمدارس حيث أقيل وصرف العديد من الكادرات السنية.

ليس ثمة خلاف على ان هذه الخطوة تحرر المحافظة من الارتباطات الإدارية والمالية في تسيير شؤونها عن الحكومة المركزية،لكن الأمر الذي تتخوف منه حكومة المالكي نفسها، هو انسحاب الأمر عينه على باقي المحافظات ذات الأغلبية السنية أيضا،مثل نينوى وديالي والأنبار،وتحوّلها فيما بعد إلى تكتل إداري - سياسي سني يتعدى إطار الإقليم من الناحية الدستورية إلى حالات انفصال وتقسيم، وما يعزز هذه الفرضية لدى المالكي، وضع الأكثريات الأخرى في باقي المحافظات ان كانت سنية أو شيعية أو تركمانية. عدا الكردية التي تحتفظ من الناحية المبدئية بوضع الحكم الذاتي في ثلاث محافظات. علاوة على ذلك إمكانية انتقال النزاعات والصراعات على حدود المحافظات نفسها في المناطق المختلطة مثلا،أو في المحافظات التي يصعب فرزها مذهبيا أو اتنيا.

الأبعاد الخارجية للأزمة

ثمة عاملان خارجيان يتحكمان في الأزمة العراقية الحالية ومستوى إدارتها ان لم يكن تفجيرها. العامل الإيراني الذي يعتبر الانسحاب الأمريكي من العراق مناسبة ودافعا قويا لمراكمة نفوذه أو بمعنى آخر،ملء الفراغ. والعامل الثاني الأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار ومن بينها العراق ولبنان أيضا لما له من ارتباط عملي بمجمل المنظومة السياسية الإيرانية – السورية.

في المقلب الأول، يعتبر العرب السنة ان الإيرانيين تمكنوا خلال العقدين الماضيين أي فترة الاحتلال وما قبلها،من مد الجسور القوية مع القيادات الشيعية سياسية كانت أم دينية، انطلاقا من محاربتها لنظام صدام حسين،أو مواجهتها غير المباشرة للأمريكيين في العراق.فأنشأت ما يشبه البيئة الحاضنة لأذرع السياسة الخارجية والأمنية التي تحتاجهما في مد نفوذها الإقليمي. وبنظرهم أيضا،تمّكن الإيرانيون من التغلغل إلى كافة مفاصل ومؤسسات الدولة العراقية،العسكرية منها والأمنية، والاقتصادية والنفطية والمالية،باختصار يعتبر معارضو رئيس الحكومة نوري المالكي، ان من يحكم العراق حاليا هم الإيرانيون بواسطة بعض القيادات السياسية الشيعية،وأيضا عبر تنظيمات سياسية وعسكرية بعضها معلن عنه،وبعضها الآخر ليس كذلك،ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، حزب الدعوة والتيار الصدري،وجيش المهدي، وعصائب أهل الحق وحزب الله – العراق.

وما يعزز المخاوف السنية ويفاقم من مستوى الأزمة الحالية، شعور السنة العرب بأنهم متروكين لقدرهم،حيث لا بُعد استراتيجي لهم، لا عربيا ولا إقليميا.فالحراك القائم في غير بلد عربي صرف النظر عن أي التفاتة تجاه الداخل العراقي، علاوة على ان السياسات التركية عبر حزب العدالة والتنمية جعل من إدارتها للملف العراقي ذات أبعاد دقيقة بالنظر لعلاقاتها مع طهران.

في المقلب الخارجي الثاني المؤثر في الأزمة القائمة، اثر الأزمة السورية وتداعياتها على مجمل الوضع العراقي.فمن المعروف ان لكلا البلدين وضعهما الجيوسياسي الشرق الأوسطي عدا عن العربي، معطوفا على الخلفية السياسية القومية للبلدين بحكم الايديولوجيا القومية لحزب البعث الذي حكم كل من العراق وسوريا وما تركه من أثر متبادل سلبي أم ايجابي في مراحل مختلفة سابقة. علاوة على تعدد أوجه السياسات السورية من القضايا العراقية من بينها غزو الكويت ومراحل الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله،كل ذلك أعطى بُعدا عضويا لارتباط مصير النظامين وتداعياتهما على الواقع الداخلي في العراق.

فسوريا التي قبلت على مضض بترؤس نوري المالكي للحكومة العراقية نزولا عند رغبة طهران، لا تعكس بالضرورة المواقف التقليدية المبدئية السورية التي كانت تتخذها في القضايا العراقية، بقدر ما تعكس سلوكا برغماتيا‘قوامه المقايضة في السياسات الإقليمية والعربية ومن بينها الملف العراقي، حتى ولو اقتضى الأمر تحولات دراماتيكية على مستوى التحالفات والعلاقات الإقليمية الوازنة. وما يؤكد السلوك السياسي السوري،ما أعلنه وزير الخارجية السوري،وليد المعلم، في أعقاب زيارته لبغداد في الفترة الماضية،عن رغبة دمشق بشكل واضح، الابتعاد عن أنقرة لصالح الانخراط في ما يشبه مجالا سياسيا حيويا يمتد من طهران مرورا ببغداد وصولا إلى بيروت.

وبصرف النظر عن علمانية النظام في دمشق من عدمه، فثمة رابط وبُعد طائفي في السياسات التي تربط البلدين،لا سيما التوزّع الديموغرافي للطوائف على كلا الجانبين من الحدود، حيث الأكثرية السنية العراقية تشكل امتدادا معنويا لسنّة سوريا،كما الأمر نفسه ينسحب على الحالة الكردية بين شرق سوريا وغرب العراق. وبالتالي ان أي تغيّر مهما بلغت بساطته في سوريا يمكن ان يؤثر في التركيبة السياسية - المذهبية في العراق،وبالتالي على طبيعة الأزمة القائمة وتداعياتها مستقبلا.

جيش من المعوقات

من أبرز وأهم معوقات انطلاق العملية السياسية بعد الانسحاب الأمريكي،ما تركه من آثار لا تعد ولا تحصى من المشاكل الاجتماعية التي انعكست بدورها على المواقف السياسية لأطراف النزاع،من خلال الاتهامات والاتهامات المضادة،لجهة الأداء السياسي في معالجة تلك التفاصيل التي يتساوى فيها عمليا كل العراقيين بمختلف مذاهبهم وانتماءاتهم.

ثمة جيش من الأرامل واليتامى والمهمشون اجتماعيا واقتصاديا، فقد وصلت أرقام القتلى إلى المليون ونصف المليون، وأربعة أضعاف هذا الرقم من المهجرين في الداخل والخارج،يُضاف إليهم مليون معتقل في 160 سجنا ( شهادة الشيخ حارث الضاري،الجزيرة نت 24/9/2010).باختصار ثمة نهر ثالث من الدماء يسير في ارض العراق إلى جانب نهري دجلة والفرات، فبغداد تعتبر المدينة الأكثر دموية في العالم، كما يعتبر العراق كأكبر معتقل على وجه الأرض أيضا. يضاف إلى ذلك التدمير المنهجي لمؤسسات الدولة كافة،حيث الاغتيالات للكادرات العلمية العالية.وثمة عشرة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر أي ثلث الشعب العراقي،الذي تزايد نسبة الأمية بينه ووصلت إلى 30%، أكثر من 65% منهم من النساء (جريدة الصباح العراقية 2/1/20101).والى جانب كل هؤلاء ثلاثة ملايين عراقي مصابون بإعاقات جسدية ونفسية لم تتمكن الحكومة من تقديم مساعدات تذكر لهم (رويتر 22/1/2010).

مخارج الأزمة القائمة

بطبيعة الأمر لا تعتبر الاتهامات الموجهة إلى نائب الرئيس طارق الهاشمي،وحدها التي أشعلت الأزمة الحالية في العراق،وان تعتبر الأبرز في انطلاقتها للأسباب والخلفيات السالفة الذكر. وبصرف النظر عن مآلاتها ونهاياتها،ثمة حراك داخلي،يقوده الرئيس العراقي جلال الطالباني، ورئيس إقليم كردستان العراق،مسعود البرزاني، ويؤيده بعض الأطراف الأخرى كتيار مقتدى الصدر، مفاده الدعوة إلى مؤتمر عراقي عام للتوافق على أسس النظام وآلياته، كما الدعوة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، تحسم الخلافات والقضايا القائمة.لكن هل بمقدور العراقيون لوحدهم الانطلاق في مثل هذه الآليات والبناء عليها للتوصل إلى حل قابل للحياة؟. ثمة معطيات ووقائع لا تبشر بهذه الخيارات، إذ ان الشروخ باتت عميقة،والتدخلات الخارجية باتت افعل وأكبر، وهذا ما برز من خلال بعض الوساطات الخارجية ومن بينها الإيرانية والأمريكية عبر نائب الرئيس جورج بايدن، الذي كان له أكثر من بصمة سابقا للتوصل إلى حلول مؤقتة،فهل ينجح هذان "الوسيطان" اذا جاز التعبير حاليا؟.ثمة رأي شائع ومبرر إلى حد بعيد من وجهة نظر العرب السنة،مفاده ان لإيران مصالح قوية في العراق وبالتالي تفتقد صفة الوساطة،كما ان الأمريكيين باتوا في وضع اللاعب المتحرر من الضغوط العراقية، وبالتالي سيتحركون كما قبلا وفقا لمصالحهم الخاصة،ومن بين الأدوات والأساليب المعروفة تبادل المصالح والمنافع مع أي طرف آخر ولو كانت إيران، ما يجعل سنّة العراق أكثر ضعفا في أي عملية سياسية مفترضة.

باختصار عراق مدمر،شعب مهمش وممزق، مؤسسات متهاوية ينهش فيها الفساد، أطراف سياسية بينها الكثير من الاتهامات والقليل القليل من العمل،عراق مثخن بالجراح وسط غياب أي برامج قابلة للحياة. وبصرف النظر كما أسلفنا عن إمكانية التوصل إلى حلول ناجعة،ثمة واقع صعب يؤدي إلى احتمالات أحلاها مرٌّ،ومن بينها:

1. استمرار الوضع القائم كما هو،وظهور مسارات تدير أزمة هي الأصعب في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، تؤدي بالنتيجة إلى انفلات الوضع الأمني على نطاق واسع،تحت عناوين ومسميات مختلفة من بينها صراعات طائفية – مذهبية أو عرقية اتنية. كما نزاعات على حدود المحافظات والأقاليم.

2. انهيار حكومة نوري المالكي بفعل مقاطعتها أو استمرارها،كأحد أدوات إدارة الأزمة وفي ظل عدم القدرة على إنتاج مسار حكومي جديد ،سيما وان هذه الحكومة نفسها قد استهلكت تسعة أشهر العام الماضي لتكوينها وإطلاقها .

3. بقاء العراق ساحة مفتوحة للصراعات الخارجية بأدوات داخلية لكن على نطاق أوسع وأشمل عما شهده في المراحل السابقة،سيما وان كثيرا من الفواعل الإقليمية والدولية بات لها مصالح أكثر عمقا في سياق تبادل المصالح والمنافع في العراق وجواره.

يبقى أخيرا القول، بالأمس ضاعت فلسطين، وتلاها حروب أهلية عربية لم تبق ولم تذر،إلى ان قٌسِّم السودان، وبات اليمن غير السعيد قاب قوسين أو أدنى للحاق به، فهل تستحق بلاد روافد الحضارات والثقافات هذا الكم الهائل من الإجرام الخارجي والداخلي فيها وعليها؟! أسئلة يصعب الإجابة عليها وإيجاد الحلول لها سوى من العراقيين أنفسهم ،الذين ينبغي عليهم التعلّم من تجارب غيرهم وتجاربهم السابقة،للوصول إلى بر الأمان الذي بات ضرورة ملحة لشعب عانى الكثير ولا يزال.