14‏/11‏/2013

حدود التنافس الروسي - الأمريكي في مصر



حدود التنافس الروسي - الأمريكي في مصر
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 14/11/2013
     
 
خليل حسين
شكلت مصر مركزاً للشد والجذب السياسي والأمني للقوى العالمية الكبرى ماضياً وحاضراً، ذلك لموقع مصر الجيوسياسي ومجموعة العوامل التي تمتلكها والتي تمكنت من استثمارها بشكل جيد في الواقع السياسي المتأزم في المنطقة . وفي واقع الأمر لم يغب التنافس الروسي الأمريكي عن محاولة الحضور الفاعل في دولة لعبت وتلعب دوراً مفصلياً في أزمات إقليمية ذات امتدادات دولية . وما يعزّز عودة هذا التنافس فتور العلاقات المصرية الأمريكية بعيد عزل الرئيس محمد مرسي واتخاذها أشكالاً تصاعدية، لكن السؤال المركزي الذي يثار في هذا المجال حول حدود هذا التنافس وآثاره وتداعياته بخاصة على واشنطن التي بذلت جهوداً استثنائية قبل أربعة عقود لإخراج موسكو من منطقة تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية الأشد حيوية لمصالحها الاقتصادية والسياسية .
ثمة صورة نمطية ظهرت مؤخراً وعززت الاعتقاد بأن السباق الأمريكي - الروسي على إعادة ترتيب ملفاتهما في بعض دول المنطقة، انطلاقاً مما جرى من تحولات سريعة في بعض الأنظمة العربية وما أنتجت بيئة تنافسية دولية واضحة في هذا المجال .
ففي مجال الوقائع ذات الصلة قام وزير الخارجية الروسي ووزير الدفاع بزيارة القاهرة، بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في وقت ربطت وقائع هذه المنافسة والسباق بملف الأزمة السورية ووسائل إدارتها من قبل كل من موسكو وواشنطن .
فموسكو التي خرجت من مصر بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بقرار مصري واضح عنوانه التحوّل الكبير في سياسات مصر الخارجية إبان عهد الرئيس الراحل أنور السادات، شكّل ضربة موجعة للاستراتيجية السوفييتية آنذاك، ما أعطى دفعاً متجدداً لعلاقات موسكو بدمشق استثمرت بعلاقات ومعاهدات صداقة ذات بعد استراتيجي إقليمي رفيع المستوى، تعويضاً عن خروج حيوي من مياه دافئة تشكل حلماً روسياً دائماً عوّضته في ميناء طرطوس على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط . وإذا كانت هذه الميّزة تشكل نوعاً من ورقة ترضية، فإن عين موسكو ظلت شاخصة على الموانئ المصرية بالنظر لخصائصها الجيوسياسية الفاصلة بين آسيا وإفريقيا وبالتحديد قناة السويس التي تشكل أهميتها أهمية ممري الدردنيل والبوسفور المنفذ الروسي الوحيد إلى المياه الدافئة .
لقد شكلت ثورة مصر الثانية على حكم الأخوان نوعاً من التحوّل السلبي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وأدت إلى تداعيات وآثار لافتة هي الأولى منذ عقود خلت، فقد أقدمت الإدارة الأمريكية على تجميد المساعدات المالية والاقتصادية المقررة سلفاً كنوع من العقاب على أداء ذات طابع سيادي داخلي، كما جمّدت صفقة طائرات عسكرية (خمسون طائرة اف 16) وألغت مناورات عسكرية مقرّرة (النجم الساطع)، في وقت شهد الشارع المصري مزاجاً مختلفاً إعادة إلى حقبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وصورها النمطية لجهة العلاقة السلبية مع الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية .
في مقابل التحوّل الأمريكي المصري، ثمة غزل سياسي وعسكري واقتصادي روسي مصري واضح المعالم . فمن جملة ما عرضته موسكو على القاهرة صفقات سلاح طائرات حربية متطورة من نوع ميغ، إضافة إلى برامج تدريبية عسكرية، علاوة على تقديم قمر اصطناعي ذات بعد عسكري بهدف مواجهة أوضاع سيناء الأمنية غير المريحة للقاهرة . ما يعني أن ثمة قراراً روسياً بإعادة تموضع شرق أوسطي يعطي ميزة استراتيجية إضافية على تواجدها في طرطوس بعد جملة التحوّلات الأمنية والعسكرية الحاصلة في الأزمة السورية حالياً، والخروج الروسي المدوي من ليبيا سابقاً
وإذا كانت هذه الوقائع والقراءات تفيد أن ثمة تنافساً قوياً يلوح في أفق العلاقات الروسية الأمريكية حول مصر، إلا أن ثمة وقائع أخرى مفادها محدودية نتائج هذا التنافس وصعوبة تخلي الإدارة الأمريكية عن موقع مصر في استراتيجيتها الشرق أوسطية . بالنظر للموضع الذي اتخذته مصر في الصراع العربي “الإسرائيلي” سابقاً وحالياً ومحاولة تكريسه لاحقاً في ظل المتغيرات المصرية الحاصلة . علاوة على ذلك، إن الاندفاعة الروسية باتجاه القاهرة ستواجهها عقبات ليس بالسهل تجاوزها ومن بينها الموقف “الإسرائيلي” الذي يملك أوراقاً ضاغطة كثيرة في كل من موسكو وواشنطن لكبح جماح أي ترتيب إقليمي دولي في التحالفات يمكن أن يمس القضايا والمسائل الاستراتيجية والحيوية “الإسرائيلية” .من هنا يبدو أن التنافس والسباق الأمريكي الروسي في مصر دونه عقبات كثيرة للوصول إلى أهدافه النهائية من وجهة نظر كلا الطرفين، وبالتالي إن استمراره من دون حدوث خروق لافتة فيه، سيعزز من فرص إعادة إحياء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن ربما على قواعد وملفات تعتبر الأكثر حساسية لكلا الطرفين في منطقة هي من أشد المناطق قابلية في العالم لاستيعاب واحتواء الاستثمارات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية، وبالتالي انفجارها وتفلتها من أي عقال ممكن للحل .في سبعينات القرن الماضي أُخرجت موسكو من منطقة اعتبرتها بمثابة الرئة للجسد، واكتفت بتنفس لا تتحكم فيه كلياً، خيضت حروب الواسطة في غير صولة وجولة ضمن إطار الصراع العربي “الإسرائيلي”، وأدت إلى ما أدت إليه من وقائع ونتائج، اليوم تنافس وسباق وربما حروب باردة وحتى ساخنة جديدة يمكن أن تنطلق بهدف إعادة كتابة تاريخ وترتيب جغرافيا لا تزال تُشكل على خلفية سايكس - بيكو جديدة قديمة قبل قرن من الزمن!