16‏/05‏/2014

رئاسيات العرب وانتخاباتهم

رئاسيات العرب وانتخاباتهم
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 10/5/2014
      في المبدأ تبقى الانتخابات برلمانية كانت ام رئاسية مظهرا من مظاهر تداول السلطة في الانظمة السياسية على الصعيد النظري. لكن اي انتخابات في مطلق نظام سياسي تتطلب الكثير من المعطيات والوسائل والآليات لتصل إلى غاياتها المرجوة، فماذا يجري في دولنا العربية ؟ وهل هي وسيلة للخروج من مأزق الديموقراطية التي وقعنا فيه ، وهل تعبر عن حالة التحوّل التي تجتاح مجتمعاتنا وأنظمتنا منذ سنوات؟
       ولكي نكون منصفين ومتصالحين مع انفسنا ، ربما تبدو المقاربة صحيحة من زاوية اجراء الانتخابات بصرف النظر عن وقائعها ونتائجها التي تبدو للكثيرين ملتبسة ، وربما لا تعبر عن تطلعات شرائح اجتماعية وسياسية واسعة في مجتمعاتنا العربية. وهذه حال معظم حالات الانتخاب التي جرت مؤخرا في بعض البلدان العربية ، وربما سينطبق الأمر عينه على واقع الانتخابات المقبلة في بعضها الآخر.
      ففي اصل المشكلة تبدو إلى حد كبير مرتبطة بشكل أو بآخر في فهمنا للتغيير والوسائل والآليات التي نتبعها لذلك، ثمة اجماع على ضرورات التغيير ،لكن هل وضعنا تصورا ولو مبدئيا لذلك عبر احزابنا وهيئات مجتمعاتنا المدنية ؟ وهل ما قمنا به من حراك ادى إلى تغيير مماثل لحجم التقديمات التي دفعت؟ وهل بتنا اليوم في واقع افضل مما كنا فيه تمثيلا وانتخابا ومشاركة وتداولا للسلطة ؟ تبدو الاجابة سلبية في اغلب الصور النمطية التي رأيناها في اي بلد عربي. وهي مأساة كبيرة بحجم الآمال الكبيرة التي علقت عليها ، كما بحجم الأثمان التي استنزفتنا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا دون فائدة تذكر.
       انتخابات تمثيلية افضت إلى وصول حكومات سرعان ما انهارت  امام تحديات ضخمة واجهتها، كالنموذج التونسي والليبي مثلا. انتخابات نيابية اجلت في بعضها الآخر ، نتيجة ظروف خاصة مثل لبنان، وبعضها الآخر اجري على عجل كالعراق ومصر وسوريا وغيرها. والمشترك بينها جميعا الحاجة الاجتماعية والسياسية للتغيير ، لكن جميعها أيضا كانت شكلا من اشكال كبح جماح المطالبة بالتغيير وتداول السلطة ، رغم انها لم تبدّل في صورة المشهد السياسي العام في مجتمعاتها ودولها. وظلت كغيرها من الصور النرجسية التي اعتادت مجتمعاتنا العربية على بلعها وهضمها ولو عنوة.
        وفي موازاة ذلك، اجريت انتخابات رئاسية اسقط بعضها نتيجة تسلق بعض جماعاتها السياسية السلطة على اكتاف اصحاب المصلحة الحقيقة في التغيير ، كما حدث في مصر بعد عزل الرئيس حسني مبارك، فمارس الاخوان سياساتهم الخاصة في مفاصل الدولة الرئاسية وغيرها كمثل من سبقوهم وربما افظع، فهل ستبدّل الانتخابات الرئاسية القادمة هذه الصورة؟ انتخابات رئاسية اخرى كرّست شعار الجمهوريات الملكية كمثال الجزائر والولاية الرابعة لرئيسها. والأمر ربما سيتكرر في نفس الآليات والوقائع والنتائج في الحالة السورية ، فيما العراق الذي ينتظر ائتلافا حكوميا لن تكون رئاستها بمعزل عن التحديات التي واجهتها سابقا وهي بطبيعة الامر من العيار الثقيل.
      وفي لبنان الامر يبدو اكثر تعقيدا ، في ظل دخوله اجواء ازمة فراغ قاتلة للسلطة ومفاصلها. اذ من الواضح ان لا انتخابات رئاسية ضمن المهلة الدستورية ، وبالتالي يبدو ان الأمر مؤجلا إلى حين ايجاد تسويات اقليمية واضحة تتضمن سلة ملفات من بينها لبنان وسوريا والعراق ربطا بتبريد الاجواء السياسية بين دول الاقليم الفاعلة.
       فالشهر الحالي واللاحق سيكونان اختبارا مفصليا لاتفاق الاطار الايراني مع الدول الست بخصوص البرنامج النووي، وهو بطبيعة الأمر سيكون مفتاحا لإعادة تبريد الاجواء أو تسخينها في المنطقة بحسب نتائجه ، وبالتالي ان اغلب المعطيات والمؤشرات تشير إلى ان ثمة ربطا مباشرا في هذا الاستحقاق الاقليمي ومجموعات الاستحقاقات الرئاسية في المنطقة. فهل ستكون عمليات الانتخابات الرئاسة في بلد عربي ما ، مرتبط إلى حد كبير بدور وموقع النظام في سلة التفاهمات المقترحة في المنطقة ؟ يبدو ان هذه الفرضية إلى الأقرب احتمالية وصوابية .