22‏/06‏/2014

العرب بين البعث وداعش

العرب بين البعث وداعش د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 21/6/2014 لم يتعرض فكر قومي ، كالذي تعرّض له الفكر القومي العربي من ضغوط داخلية وخارجية. فثمة تجربة مريرة عاشها هذا الفكر خاصة في دولتين محوريتين هما سوريا والعراق ، بعدما حكم حزب البعث في القطرين لعقود تجاوزت الأربعة بمقدرات فكرية واقتصادية هائلة، في وقت ظهر الحزبان كمسؤولين عن تداعيات لا تعد ولا تحصى، اقلها مسؤولية إعادة ترتيب الكيانات العربية على أسس معاكسة لما نادى به الحزبان. ثمة الكثير من الظروف الذاتية والموضوعية التي ساعدت كلا الحزبين في الوصول إلى السلطة وتسلمهما دفة إدارة مقدرات هائلة، لكن النتيجة سرعان ما ظهرت في الاحتراب المتواصل بين جناحي الحزب في دمشق وبغداد، امتدت آثاره إلى غير بلد عربي، وصولا إلى مساهمتهما الفعالة في ضرب أسس النظام الإقليمي العربي ، وصولا إلى تسلل جماعات فكرية وإيديولوجية كانت الند والخصم لهما في البيئة الاجتماعية التي تتواجد فيها. في سوريا واجه حزب البعث الأخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي ، إلا أن السياسة المتبعة آنذاك أدت إلى استيقاظ جماعات إسلامية أكثر تطرفا، الأمر عينه حصل في العراق قبل الاحتلال الأميركي وبعده، إلى أن وصل الوضع في كلا البلدين إلى مراحل حرجة أدت إلى تفتيت بنية الدولة ومؤسساتها وحتى مجتمعاتها. ما يحدث اليوم في سوريا والعراق من تمدد سريع للجماعات الإسلامية المتطرفة لا يمكن فصله عن سياق الحكم وأدواته وتداعياته في كلا البلدين، فهو نتاج سياسات خاطئة ، وجدت ظروفها المساعدة في المجتمعات التي احتضنت تلك الجماعات ورأت فيها بديلا عن الإقصاء والتهميش السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فكانت النتيجة التي وصلت إليها الأمور حاليا. والمفارقة الأصعب في هذا الواقع المؤلم، أن الخطر الداهم حاليا لم يعد مرتبطا في الوضعين السوري والعراقي، بل سيشمل مجمل النظم القيمية الإقليمية بما فيها العربية وغير العربية في المنطقة، بالنظر لتداخل العديد من العوامل والاعتبارات في تحريك الأزمة القائمة والتحكم في إدارتها ومساراتها. والأخطر من ذلك كله أن حدود الضوابط لتلك المسارات غير متوفرة وهي متسارعة بحيث يصعب حتى التفكير بأدوات احتوائها والتخفيف من كوارثها. تمددت (داعش) في الجسد السوري ومزقته، وبدأت حاليا تمددها في العراق، بمعنى آخر إن الوقائع العملية ونتائجها الحالية والمحتملة وصول هذا التنظيم إلى تحقيق مشروعه في إعلان الدولة في كل من سوريا والعراق، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستكتفي هذه المجموعات بما وصلت إليه ؟ أم ستدفعها السياسات الإقليمية والدولية إلى تحريكها والاستفادة من تداعيات تمددها؟ بل الأكثر احتمالا أو بالأحرى تأكيدا توفير ظروف مؤججة لأعمالها في غير اتجاه بحيث يمكن توريط أطراف إقليمية كثيرة في مواحهتها وليس بالضرورة على قاعدة التخلص منها بقدر ما يكون الأمر مرتبط بفوضى شاملة . إن اخطر ما تواجهه اليوم الأمة العربية ، نتائج معتقدات وسياسات خاطئة ومدمرة، بدّدت كل أمل بوحدتها، بل نقلتها إلى مواقع التفتت والتجزئة ليس بفعل وتشجيع الخارج فقط ، بقدر ما هو تغلغل عوامل الانشقاق والفراق في المجتمعات العربية، وهو أمر يستلزم عقودا أخرى لرأب صدعه والتخفيف من آثاره الكارثية المدمرة. والمأساة الكبرى، أننا اليوم نحن العرب ، نترحم على حدود (سايكس- بيكو) ، بل نجاهد ونناضل للإبقاء عليها، فأين الأحزاب القومية العربية ؟ وأين فكرها ومعتقداتها وأين وسائل نهضة جماهيرها ؟ أنها غائبة بل في مرحلة سبات عميق إن لم نقل في مراحل الانقراض. بل المأساة الأكبر حاليا أن يُخيّر العرب بين المر والأمر لإبقائهم في ظروف الفوضى وسفك الدماء والمجازر المتنقلة، وليس تخييرهم لحلول ربما لا تسمن ولا تغني من جوع!