09‏/09‏/2014

الأبعاد القانونية والسياسية للقرار2170

الأبعاد القانونية والسياسية للقرار2170 د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 25/8/2014 مع صدور القرار 2170 عن مجلس الأمن، اعتقد البعض أن ثمة سياقا جديا اعتمدته الأمم المتحدة لمتابعة مكافحة الإرهاب الإقليمي والدولي الذي بدأته منذ عشرات السنين، والذي أنجز له سابقا سبع عشرة اتفاقية دولية وعشرات القرارات الأممية كان أشهرها القرار 1373 /2001، إلا إن التدقيق في ثنايا القرار وما هدف إليه من أبعاد قانونية وسياسية ،هي في الواقع مجرد تكرار لمحاولات هي اقرب ما تكون إلى الفاشلة منها إلى معالجة جدية لقضية باتت تقض مضاجع دول العالم ومجتمعاتها أينما وجدت. لقد صدر القرار 2170 بعد ثلاث سنوات ونصف تقريبا على انطلاق حفلات المجازر والقتل الجماعي في منطقة هي الأشد حساسية في العالم، وتعتبر مهد الحضارات والأديان، وكأنه كان يستلزم المزيد من حفلات الجنون لكي يستيقظ الضمير العالمي ويحاول معالجة ما يجري، وعلى الرغم من صدور القرار متأخرا أفضل مما لا يصدر، فإن بعض جوانبه الملتبسة وربما المقصودة في بعض نواحيه يطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات محددة لكي لا يكون القرار كغيره من القرارات التي سبق وأصدرها مجلس الأمن. ففي مجال المقاربة والمقارنة بين القرار وما سبقه من قرارات واتفاقيات،يبدو أن ثمة إجماعا على أن مكافحة الإرهاب الدولي تتطلب بالدرجة الأولى تجفيف منابع تمويله، ومن الطبيعي أن تجفيف المنابع تستلزم أولا وأخيرا تحديدها وتسميتها وتأطير الجهود الدولية لمواجهتها ،الأمر الذي لم يوضحه القرار الذي أتى بصيغ وعبارات عامة غير محددة وغير جازمة، إذ اكتفى بتكرار الصيغ القانونية – الإنشائية التي وردت في عشرات القرارات السابقة. فرغم وجود وقائع وقرائن واضحة ومؤكدة على الكيانات السياسية والدول وغيرها التي تسهل وتمول وترعى عمليات "داعش" في المنطقة، لم يشر إليها لا تصريحا ولا تلميحا، بل أن بعض الفقرات ظلت ملتبسة بحيث يمكن لبعض هذه القوى الاستفادة منها والتملص من بعض القيود الواردة في القرار.فمثلا ، من يموّل هذه الجماعة الإرهابية ؟ وكيف تستفيد من المناطق النفطية التي سيطرت عليها؟ ومن هي الجهات التي تستفيد من توظيف هذه الجماعات سياسيا وعسكريا واقتصاديا؟ جميعها لم تحدد، واكتفى القرار بتجميد أصول ووضع أسماء قيادات على لائحة التعقب الدولية،رغم وجود أسماء وجمعيات فاعلة لم تذكر في القرار. المفارقة الأغرب في القرار ، رغم صدوره وفقا للمادتين 41 و42، أي ضمن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذ القرار، وبالتالي وجوب وضع الأسس العملية والتنفيذية ضمن القرار لكي يكون قابلا للتنفيذ العملي، فيما حاول القرار 2170 إسناد الآليات التنفيذية إلى قرارات سابقة (1373)، ورغم صحة ذلك ، إلا أن خصوصية الإرهاب "الداعشي" تتطلب سياقات تنفيذية أكثر دقة وخصوصية من تلك الواردة في القرارات السابقة. وعليه فالقرار يدعو إلى المواجهة دون سلاح ، وكأنه يعطي الفرصة للأطراف المستفيدة من الإرهاب "الداعشي" الاستفادة قدر المستطاع في الوقت المستقطع من عمر أزمات المنطقة ريثما تعالج بعض القضايا ويكون هذا الملف من ضمن سلة واحدة بعدما يستنفد أغراضه وأهدافه وغاياته. وفي هذا المجال أيضا، إن أهم ما يجب إيراده في القرار هي الآليات العسكرية التنفيذية للمواجهة، والتي غابت بشكل مباشر، وكأن المقصود منه ترك الأمور وفقا للعرض والطلب السياسي في المنطقة ، والاكتفاء فقط بالعمليات الجراحية النوعية كالتي نفذتها الولايات المتحدة ضد "داعش" في منطقة الموصل وبالتحديد المناطق المتاخمة لإقليم أربيل شمالي العراق، أي بمعنى آخر في المناطق التي تتواجد فيها المصالح الأمريكية المباشرة، وهذا ما أعلنه صراحة الرئيس باراك اوباما سابقا. والذي أعلن بعد صدور القرار انه سيترأس وفد بلاده في اجتماع مجلس الأمن في أيلول القادم لمتابعة الموضوع ، ويبدو انه في إطار سلة تسعى الولايات المتحدة الترويج لها ربطا ووصلا في بعض ملفات المنطقة التي ستظهر بدايات نتائجها العملية في تلك الفترة ومن بينها البرنامج النووي الإيراني القابل للاستثمارات الجانبية في سياق مواجهة الإرهاب "الداعشي" في المنطقة. في أي حال من الأحوال، من الصعب الوقوف وراء القرار 2170 كإطار قانوني لمواجهة إرهاب هو الأقصى والأشد فظاعة في تاريخ البشرية، باعتباره لا يملك لا أنياب ولا أظافر، وإنما تم الاكتفاء بتظهيره كقرار ممتلئ الشكل السياسي ، إنما فارغ المضمون القانوني التنفيذي، وبالتالي هو أشيه ببيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن لا يسمن ولا يغني عن محاربة إرهاب بات يهدد حضارات وثقافات وأديان وأقليات بأكملها تميزت بها منطقة الشرق الأوسط لقرون طويلة.وكما جرى سابقا في تحديد اطر مكافحة الإرهاب وأبرزها سنة 2001 مع القرار 1373 والذي تم التعامل به بطرق سياسية استثمارية ، يجري التعامل اليوم مع الإرهاب "الداعشي" بأدوات ووسائل بدائية ممجوجة تعرف هذه المنظمات ومن يدعمها كيفية التملص منها بل استثمارها لمصلحتها في اغلب الأحيان ، ويبقى السؤال الأخطر هل سيستعمل هذا القرار للتدخل لاحقا في بعض دول المنطقة التي لا زالت تواجه بعض السياسات الزاحفة إلى المنطقة!