14‏/03‏/2015

مصر بعد العراق وسوريا

مصر بعد العراق وسوريا - خليل حسين - نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 27-2-2015 في مقاربة بسيطة ، وبالعودة إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، فاز الإسلاميون في الجزائر، وكان ثمن إلغاء الانتخابات، ضرب الجيش الجزائري، الجيش الذي ورث أيقونة المليون شهيد للوصول إلى الاستقلال، وراكم إيديولوجيته السياسية بمساهماته الفعالة في سياق الحروب العربية "الإسرائيلية"، الأمر عينه ينطبق على الجيش العراقي، ذلك بصرف النظر عن طبيعة النظامين السياسي في كل من العراق والجزائر . وبذلك تم القضاء عملياً على جيشين شك لا خط الدفاع الثاني في مسار الصراع العربي "الإسرائيلي"، بصرف النظر عن أشكال وطرق ضرب هذين الجيشين . منذ العام ،2010 يُستنزف الجيش السوري في متاهات حرب داخلية بأبعاد إقليمية ودولية واضحة، إلا أن الهدف يبدو جلياً، هو إنهاء دوره المركزي في الصراع العربي - "الإسرائيلي"، بصرف النظر عن حجم هذا الدور بعد حرب العام ،1973 وفترة السكون العسكري على جبهة الجولان . اليوم العيون شاخصة على الجيش المصري، كأن قدره آت بعد الجيشين العراقي والسوري، فلسلسة الضربات الأمنية والعسكرية التي وجهت له في سيناء في السنوات الماضية، يشي بسياق سبق وإن جُرب في غير جيش عربي، حيث تم تهميشها وإضعافها وتحويلها إلى قوى أمنية داخلية، أُدخلت في أتون الاقتتال الداخلي وأُلهيت بصراعات ونزاعات ثانوية ليست من اختصاصها في الأساس . وعلى الرغم أيضاً من إخراج الجيش المصري من موقعه الطبيعي بمواجهة "إسرائيل" بعد معاهدات كامب ديفيد ومندرجاتها، لم يطمئن هذا الوضع "إسرائيل" تحديداً، فعمدت في مناسبات عدة للتأثير في تغيير وتحويل بوصلته، لكن عقيدته السياسية المغروزة في عقله الباطني ظلت القوة التي يحسب لها حساب في أي صدام محتمل مع "إسرائيل"، وهو شعور جماهيري عام بموازاة العقيدة العسكرية للجيش ، أقلها غير المعلنة رسمياً . إن السهام الموجهة اليوم للجيش المصري، ليست من صور نمطية عبثية، إنما تستند إلى جملة معطيات وثوابت من الصعب أن يتم تجاهلها، لا من "إسرائيل" ولا من غيرها في المنطقة . لما للدور الريادي الذي يضطلع به الجيش المصري داخلياً وخارجياً . ففي الداخل يعتبر صمام أمان اقتصادي إلى حد كبير، لما له من يد طولى في المؤسسات الصناعية الثقيلة، علاوة على مساهمتها في ثلث موازنة الدولة، معطوفاً على شبكة العلاقات التجارية والاقتصادية الخارجية التي أنشأها وراكم خبراتها لتصبح سنداً فاعلاً في أدائه السياسي الداخلي كما الخارجي . إضافة إلى ذلك، تعتبر المؤسسة العسكرية المصرية من صانعي السياسات الخارجية المصرية وصاحبة الكلمة الفصل فيها، ما يؤهلها لأن تكون الذراع الأقوى في أذرع النظام في كل الحقب السياسية التي توالت على الحكم في أرض الكنانة . وقد سبق هذه الاستهدافات المباشرة وغير المباشرة للجيوش العربية الأخرى، وأدت إلى السياقات والنتائج نفسها كما حصل للبنية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها بعد العام ،1982 إضافة إلى الجيش اللبناني الذي ادخل في متاهات النزاعات الداخلية، كما المحاولة مؤخراً للجيش الأردني . وفي قراءة دقيقة للوقائع السالفة، تثبت أن ثمة استهدافاً واضحاً لكل القوى العسكرية لدول الطوق وللدول العربية المساندة لها، بصرف النظر عن ثقل وفعالية هذه القوى في الصراع مع "إسرائيل" . إلا أن الأمر الأخطر في كل ذلك، التصويب على الجيش المصري من بوابة محاربة الإرهاب الداعشي في ليبيا، وهي خصوصية قاتلة للعلاقات المصرية - الليبية التي فيها الكثير مما يقال، وذلك لا يعني بالضرورة أن على الجيش المصري أن يحيّد نفسه في مواجهة الإرهاب، إلا أن الطرق والوسائل التي يُجر إليها، تنذر بعواقب قاسية على وضعه في تركيبة النظام العام . لقد قضى ما سميَّ يوما بالربيع العربي على معظم الأنظمة، بعضها تلاشى وبعضها الآخر ينتظر، ونتيجة لذلك تمزقت المجتمعات العربية وأدخلت في أتون نزاعات وصراعات طاحنة، واليوم يأتي الدور على الجيوش التي تمكّنت ولفترات من مكابدة ما جُرت إليه ومن بينها أن تكون طرفاً في النزاعات الداخلية داخل أنظمتها، وربما اليوم نشهد الفصول الأخيرة من تمزيق الجيوش التي كانت في يوم من الأيام صمام أمان لمجتمعاتها، بصرف النظر عن أدوارها في حماية أنظمتها في الداخل، وبعضها لمحاربة "إسرائيل" في الخارج . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a83f3711-c233-49bf-92d4-6a505192a36b#sthash.g8ka64zw.dpuf