08‏/12‏/2016

الفلسطينيون وجدار الفصل في لبنان

الفلسطينيون وجدار الفصل في لبنان                                                            
د.خليل حسين
فجأة ودون مقدمات، انطلقت أعمال بناء جدار عازل حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، ما يثير جملة أسئلة حول هذا التوقيت وأهدافه وخلفياته. وإذا كان هذا الجدار من وجهة النظر اللبنانية، انطلق على خلفية حصار المجموعات الإرهابية التي تمكنت من التسلل إلى المخيم، وإقامة بيئات لوجستية وعملية للعمليات التي تنفذها مجموعات متطرفة إرهابية، فإن الأمر في الواقع يمثل حصاراً لشعب بكامله ضمن المخيم، والذي لا يمثل بالضرورة بيئة حاضنة حقيقية لهذه المجموعات الإرهابية.
فالفلسطينيون في لبنان كغيرهم من فلسطينيي الشتات في غير منطقة من العالم، يعيشون في ظروف قاسية، من الوجهة القانونية والاجتماعية والاقتصادية، وتحت مسميات ومبررات مختلفة، لا ترقى إلى الحد الأدنى من متطلبات الحقوق الإنسانية التي يفترض أن تقدم لهذه التجمعات البشرية في القرن الواحد والعشرين. وفي هذا السياق، لطالما عاش الفلسطينيون هذه الظروف واقعياً ومعنوياً، وفي قراءة بسيطة أقلها للعقود الخمسة الماضية، يتبين، أن ثمة وجهاً عنصرياً للتعامل مع قضية الشعب الفلسطيني ومتطلباتها الواقعية والعملية. حيث زجت هذه القضية في أتون النزاعات الداخلية اللبنانية، وباتت في كثير من مراحلها، وقوداً لأزمات ممتدة لا حل لها. ومما يغذي هذا النمط من التعامل وأسلوب التعاطي غير السّوي، جملة معطيات، ليس للشعب الفلسطيني، أمر في منعها أو تقريرها، بل في غالبها فرضت عليه ودفع أثماناً غالية فيها.
وجدران الفصل العنصري هي في الواقع عملياً وواقعياً، ولو بصور غير مادية، تكرّست ببيئة قانونية وواقعية على مدى عقود من الوجود الفلسطيني في لبنان، فالفلسطينيون مكدّسون كلاجئين في مخيمات متفرقة في معظم الأراضي اللبنانية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من ظروف الحياة البشرية، لا خدمات ولا تقديمات، تحت مسميات منع التوطين وحق العودة وفقاً للقرار الدولي 194، في وقت أسهمت هذه البيئة من التعامل المذل، في خلق بيئة عدائية ممتدة بين الفلسطينيين وشرائح اجتماعية لبنانية، أدت بدورها إلى صدامات عسكرية في غير محطة من محطات الأزمة اللبنانية، حتى وصل بعضها إلى جرف وتهجير بعض المخيمات في غير منطقة لبنانية، كمخيمي تل الزعتر والضبية في شرق بيروت، ومخيم نهر البارد في الشمال اللبناني وغيره من التجمعات، وصولاً إلى مشروع، ربما صدام جديد مع مخيم عين الحلوة، الذي يعتبر من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان.
من الناحية الأمنية والعملية، من حق السلطات اللبنانية اتخاذ ما يلزم من إجراءات، وما يناسب الواقع الموجود في المخيم وحوله، لدرء ومحاصرة المجموعات الإرهابية التي ينبغي القضاء عليها، لكن هذه الإجراءات لا يجب أن تصبح عقاباً جماعياً له تداعياته المادية والمعنوية السيئة على المجتمعين اللبناني والفلسطيني، وبدل أن تحل المشكلة بوسائل استباقية متعارف إليها، سيشحن هذا المخيم وغيره بوسائل وأدوات الاستفزاز، والذي سيؤدي بدوره إلى عواقب وخيمة سبق للبنانيين والفلسطينيين أن مروا بها سابقاً واختبروها.
فالمسألة ليست -بنت ساعتها-، بل ثمة تراكمات عمرها من عمر اللجوء الفلسطيني إلى لبنان منذ عام 1948، وليس ثمة محاولة عملية لحل الكثير من القضايا التي باتت تشكل معضلات أمنية وعسكرية خطرة، ينبغي التعامل معها بدراية وحرفية عالية، فالشائع هو التعاطي مع هذه القضايا والمشكلات الفلسطينية تعاطياً أمنياً، في وقت ثمة الكثير من الجوانب، لا تتطلب مثل تلك المسالك والوسائل، فعلى سبيل المثال إن تحسين ظروف الحياة الطبيعية والمعتادة للشعب الفلسطيني كفيل بعقلنة السلوك الاجتماعي، والقضاء على أي محاولات تسلل للفكر الإرهابي إلى هذه المخيمات.
إن ما يجري حالياً حول مخيم عين الحلوة من بناء جدار عازل، لا يمكن فهمه واقعياً، إلا حصاراً وعزلاً عنصرياً، مهما كانت مبرراته العملية والواقعية في ظل إمكانية إيجاد حلول بديلة لما يجري بداخله، فهل سيتم تدارك ما يجري حالياً، أم هي مقدمات لجولات عنف أخرى، ستكون تداعياتها أسوأ بكثير مما شهدته العلاقات اللبنانية الفلسطينية. وفي نهاية الأمر ألا يكفي الشعب الفلسطيني جدار الفصل العنصري الذي أنشأته «إسرائيل»؟ ثمة أسئلة كبيرة ستوجّه للبنان وشعبه، الذي كان دائماً نصيراً طليعياً للقضايا الفلسطينية والعربية المحقة.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/b0d5e10a-f5db-4093-99ff-00159ae79304#sthash.gGaI367h.dpuf