08‏/11‏/2017

المواجهة القانونية لوعد بلفور


المواجهة القانونية لوعد بلفور
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبناني
نشرت في صجيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 8/11/2017

          مئة عام مرت على وعد دارت حوله الكثير من الشبهات والتفسيرات والأساطير التي أسست لدولة إسرائيل على ارض فلسطين التاريخية. وبصرف النظر عن سبل مواجهة تداعياته، ثمة سبل قانونية يمكن الاستناد إليها في معرض المواجهة بين العرب وإسرائيل، من بينها تلك المستندة إلى التدليس والخداع في الوعد ذاته، أو استنادا إلى الانتهاكات البريطانية قبل وبعد الوعد، وصولا إلى وضع توصيات ومقترحات يمكن الولوج بها في معرض أي مواجهة قانونية محتملة. فقد تم الاستناد إلى نص الوعد وتمت مراكمة العديد من البيئات القانونية اللاحقة لتأسيس الدولة اليهودية، فماذا في النص وما هي خلفياته والثغر القانونية فيه؟

      أولا لا يعتبر التصريح معاهدة دولية ترسي حقوقا وواجبات على من وقعها. وليس لهذه الرسالة أية قيمة قانونية باعتبار إن الوعد منح أرضاً لم تكن لبريطانيا أية رابطة قانونية بها، فبريطانيا لم تكن تملك فلسطين وقت إصدارها هذا التصريح. كما تنعدم في الوعد الأهلية القانونية ، فطرف التعاقد مع بريطانيا في هذا الوعد هو شخص أو أشخاص وليس دولة، فوعد بلفور خطاب أرسله بلفور إلى شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الرسمي وهو روتشيلد ؛ فمن صحة انعقاد أي اتفاقية أو معاهدة دولية كما هو معلوم في القانون الدولي العام، أن يكون طرفا أو أطراف التعاقد من الدول أولاً ، ثم من الدول ذات السيادة ثانياً, أو الكيانات السياسية ذات الصفة المعنوية المعترف لها بهذه الصفة قانونياً وبالتالي إن هذه العناصر غير متوفرة. إضافة إلى أن التعاقد أو الإنفاق أو التعاهد مع الأفراد هو باطل شكلاً وموضوعاً، وبالتالي لا يمكن في أي حال من الأحوال امتداد أثر التعاقد لغير أطرافه ، كما انه ليس ملزماً حتى لأطرافه.

     كما يعتبر وعد بلفور باطل لعدم شرعية مضمونه ، حيث إن موضوع الوعد هو التعاقد مع الحركة الصهيونية لطرد شعب فلسطين من أراضيه، وإعطائها إلى غرباء استجلبوا من أصقاع الدنيا كافة، فمن أسس التعاقد الدولي مشروعية موضوع التعاقد ، بمعنى أن يكون موضوع الاتفاق بين الطرفين جائز و تقره مبادئ الأخلاق ويبيحه القانون، وبذلك إن طرد شعب من أرضه ترفضه الشرائع الدولية الشارعة. فوعد بلفور هو اتفاق غير جائز بالمطلق ، باعتباره يجسد صورة انتهاك لحقوق شعب فلسطين وبالتالي يعتبر مخالف لمبادئ الأخلاق والقانونين الدولي والإنساني. إذ يرفض القانون الدولي انتهاك حق الشعوب في الحياة والإقامة في بلادها, وتهجيرها قسرا.

      إضافة إلى ذلك ، ثمة ما يعزز المواجهة القانونية عبر تحديد انتهاكات بريطانيا بما يتعلق بوصفها دولة منتدبة على فلسطين ، ومن ثم اعتبارها دولة احتلال في مرحلة لاحقة، ومن بين تلك القضايا،عدم تقيٌد بريطانيا بتصنيف عهد العصبة للانتداب الذي فرض على فلسطين، وهو انتداب من الفئة A. كما تخطي بريطانيا التكليف المنوط بها ، وهو الاسترشاد بالنصائح ومساعدة الدول المنتدبة، كي تتمكن فلسطين من إدارة شؤونها الداخلية والخارجية بنفسها لاحقا. ومن الانتهاكات ايضا، وجوب ألا تزيد مدة الانتداب على ثلاث سنوات. كما انتهكت المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم لجهة وجوب أن يكون لرغبة الشعب الفلسطيني المقام الأول في اختيار الدولة المنتدبة الأمر الذي لم يحصل في الأساس.. إضافة إلى انتهاك آخر لقواعد ميثاق العصبة،عبر إدماج تصريح وعد بلفور في صك الانتداب على فلسطين، وإقراره من قبل العصبة في 24/7/1922. كما يعتبر توزيع الانتدابات مخالف لعهد العصبة وهو ما جرى فعلا مع انتداب بريطانيا على فلسطين. علاوة على خديعة الحكومة البريطانية لمجلس اللوردات ومجلس العموم الذي لم يقر مشروع الانتداب بأغلبية 60 عضوا رفضوا المشروع مقابل 46 ايدو الانتداب ، ورغم ذلك لم تأبه الحكومة البريطانية لقرار مجلس اللوردات. كما تعتبر بريطانيا دولة احتلال وليس انتداب بعدما احتلت يافا وغزة والقدس في مراحل لاحقة، وبالتالي انتهكت بريطانية كقوة احتلال المادة 42 و43 من اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907.

    ثمة سبل للمواجهة استنادا إلى هذه الانتهاكات، إضافة إلى الواقع القانوني للوعد ومن بينها:أولا: اخذ فتوى من محكمة العدل الدولية بعدم قانونية الوعد ، وهو أمر وارد استنادا إلى سابقة فتوى جدار الفصل العنصري الذي أقتت فيه المحكمة لصالح السلطة الفلسطينية . وثانيا العمل على اكتساب السلطة الفلسطينية العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.وثالثا إعادة النظر في المركز القانوني لعضوية إسرائيل في الأمم المتحدة لعدم التزامها بشروط العضوية التي جاءت عبر القرار 181 الصادر عن الأمم المتحدة ، والذي يعتبر استثناءً خاصا لقبول عضوية إسرائيل آنذاك في الأمم المتحدة.ورابعا إلزام إسرائيل بتنفيذ القرار 194 الخاص بعودة الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم لاجئو العام 1948.وخامسا رفع دعاوى أمام القضاء البريطاني وأمام قضاء الدول التي لقضائها الوطني ولاية دولية بهدف إلزام حكومة بريطانيا ودولة الاحتلال دفع التعويض عن كل الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بأبناء الشعب الفلسطيني. وسادسا  مطالبة حكومة بريطانيا بتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني عن الخطأ التاريخي والقانوني، لما بترتب على هذا الاعتذار من موجبات جزائية ذات طابع مادي وجنائي.