24‏/02‏/2018

سيرة المراسم الدبلوماسية اللبنانية اااميركية

سيرة المراسم الدبلوماسية اللبنانية الأميركية..
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

      وفقا لقواعد المراسم والبروتوكول المعتمدة والمتعارف عليها بين الدول وفقا لاتفاقيات دولية شارعة كاتفاقية جنيف الدبلوماسية 1963، أو وفقا لاتفاقات ثنائية بين الدول، تبقى الدول ملزمة بتطبيق قواعد دقيقة عند استقبال الوفود الرئاسية أو الوزارية أو الدبلوماسية الزائرة للبلد المضيف. وفي أحيان كثيرة وشائعة تتدهور مستويات العلاقة بين مطلق بلدين عند حدوث خلل في مراسم الاستقبال، وغالبا ما تظهر للعيان عندما يكون ثمة تباين في المواقف إزاء قضايا إستراتيجية، وغالبا ما تؤدي إلى تخفيض مستوى التمثيل وصولا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وفي بعض الحالات النادرة سحب الاعتراف بنظام الدولة الخارقة لقواعد البروتوكول المرعية الإجراء.
      فقد أثارت مراسم استقبال وزير خارجية الولايات المتحدة ، ريكس تليرسن خلال زيارته لبيروت، أسئلة وخلفيات كثيرة عما جرى،ورغم التوضيحات التي أعلنتها وزارة الخارجية اللبنانية والقصر الجمهوري، ظل الجدل قائما حول طبيعة الاستقبال وعلاقته بالمواقف السياسية الأميركية حول بعض القضايا اللبنانية والعربية. فقد انتظر رئيس الدبلوماسية الأميركية ست دقائق قبل أن يستقبله رئيس الجمهورية. وفي حين أوضحت دوائر القصر الجمهوري، أن الرئيس لم يتأخر في الاستقبال بل أن الوزير وصل قبل الموعد يست دقائق؛ لكن الموضوع لم ينته عند هذا الحد ،بل رُبط بكيفية وصول الوزير تليرسون إلى مطار بيروت، حيث لم يتم استقباله من قبل وزير الخارجية اللبناني ، وتم تبرير ذلك، بأن الخارجية اللبنانية تعاملت بالمثل لجهة عدم استقبال وزير الخارجية الأميركي نظيره اللبناني عند زيارته الولايات المتحدة، وهو أمر شائع بين الدول لجهة التعامل بالمثل ، وهذا ما تفعله الدبلوماسية الأميركية حيث ترسل مدير المراسم لاستقبال الضيف ، وهذا ما فعله لبنان أيضا في المطار وكذلك عند وصوله للقصر الجمهوري اللبناني.
      ثمة من فسَّر خلفية مراسم الاستقبال وما جرى في بعض فصولها، على خلفية استياء لبنان من المواقف الأميركية وسياستها ، وما يحمله الوزير تليرسون خلال جولته الشرق الأوسطية، وبخاصة الشق المتعلق بالنزاع اللبناني الإسرائيلي حول البلوك النفطي رقم 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية وكيفية ترسيمها، إضافة إلى قضية الجدار الفاصل الذي تقيمه إسرائيل على الحدود مع لبنان والخروق المسجلة فيه، حيث أصرَّ لبنان على مواقفه في اللقاءات التي تمّت بين الجانبين اللبناني والأميركي.
       في الواقع ثمة بعض السوابق بين الطرفين اللبناني والأميركي التي ترجمت بفتور المراسم والبروتوكولات والاتيكيت في بعض المناسبات التي لها خلفيات سياسية. فمثلا لم يلب الرئيس اللبناني ميشال عون دعوة نظيره الأميركي العشاء الذي أقامة للرؤساء المشاركين في افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي،على خلفية موقف الرئيس دونالد ترامب من قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، حيث اعتبرته واشنطن تجاوزا دبلوماسيا وبروتوكوليا.
      سابقتان أخرتان سجلتا في عهد الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، الأولى مع وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت ، حيث انهي الرئيس لحود المكالمة الهاتفية للوزيرة تعبيرا عن استيائه لأسلوب الضغط خلال المكالمة وإصرارها على قبول لبنان للسياسات الأميركية الشرق الأوسطية في العام 2002. والثانية تكررت بين الرئيس لحود والوزيرة كونداليسا رايس في بيروت أيضا، حيث تم استقبالها بفتور ولم يودعها إلى باب الردهة حيث كان اللقاء والذي لم يدم أكثر من ربع ساعة بدلا من النصف، وهو تعبير عن اختلاف في وجهات النظر تمّت ترجمته بفتور المراسم والبروتوكول أيضا.
        كما اضطر الرئيس اللبناني الأسبق الراحل سليمان فرنجية إلى إنهاء لقائه بوزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر قبل الموعد المحدد في القصر الجمهوري، تعبيرا عن رفضه للطروح الأميركية حول الأزمة اللبنانية. خرق المراسم والبروتوكول واجهه الرئيس فرنجية أيضا في أيلول العام 1974على طائرته في مطار نيويورك من قبل السلطات الأميركية، على قاعدة الكلمة التي كان سيلقيها باسم المجموعة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي أدت إلى اعتبار السفير الأميركي في بيروت شخصا غير مرغوب فيه ، وبسبب ذلك كادت أن تقطع العلاقات الدبلوماسية الأميركية اللبنانية وظل الفتور وتخفيض التمثيل سائدا لوقت ليس بقليل.
       ثمة سجل حافل بخرق المراسم والبروتوكول وتجاوز بعض قواعد الاتيكيت بين لبنان والولايات المتحدة.لكن الثابت فيها أنها لم تصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية رغم بعض مراحل التوتر، ذلك بفعل حاجة الطرفين لضبط قواعد الاشتباك الدبلوماسي في بعض الحالات التي لا تخلو أيضا من بعض الطرافة والغرابة لجهة القدرات والإمكانات لكلا الطرفين!.