29‏/04‏/2018

خلفيات التصعيد الأميركي الروسي وضوابطه
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

      
       اعتادت واشنطن وموسكو على إتباع سياسات برغماتية واضحة في الأزمة السورية وتوابعها المتصلة،وفي كل مرحلة منها وضعت ضوابط ومحددات لها وبخاصة عند إشراك أطراف إقليميين آخرين فيها كإيران وإسرائيل وتركيا وغيرها، لكن ما جرى في الفترة السابقة، أنتج وقائع ميدانية سورية تم استثمارها إقليميا بشكل واضح ،ما أثر على طبيعة التحالفات التي تقودها واشنطن وبالتالي مستويات الاستثمار في الأزمة الرئيسة، ما استدعى تصعيدا دبلوماسيا وتصريحات غير معتادة في مثل تلك الحالات.
       ثمة متغيران أساسيان في الوقائع الميدانية، موضوع الغوطة الشرقية ضواحي العاصمة السورية دمشق ، وما يمثله من نقلة نوعية لروسيا وإيران والنظام السوري، في مقابل وقائع عفرين وما أسفرت من نتائج تركية واضحة في الأزمة السورية. ورغم التوضيحات من هنا وهناك أن هذه المتغيرات الإستراتيجية لن تتعدى آثارها إلى مناطق سورية أخرى كشرق الفرات حيث القوات الأميركية أو الوضع الكردي الآخر في الشمال المدعوم في بعض جوانبه أميركيا، إلا أن هذا الوضع لم يقنع الولايات المتحدة، وشعرت بأن ثمة تمددا للمتغيرات قادمة شرقا، علاوة على إمكانية التمدد جنوبا في الجانب الذي تتوجس منه إسرائيل.
       ومما عزز هذه المخاوف الأميركية عمليا ، القمة الثلاثية الروسية الايرانية التركية ، التي ظهرت كتتويج للنتائج الميدانية على الأرض السورية، ما دفع بالعديد من الأطراف المتضررة السعي إلى محاولة رسم خطوط جديدة في التعامل مع هذه المعطيات وحدود الاستثمار السياسي والعسكري فيها إقليميا.وما يؤكد تلك الفرضية وسائل معالجة التصعيد القائم، عبر الوسائل الدبلوماسية في مجلس الأمن حيث سقطت ثلاثة مشاريع قرارات قي جلسة واحد، وهي سابقة لم يشهدها مجلس الأمن في جلسة واحدة.
        في الجوانب الموازية الأخرى، ثمة تصعيد إسرائيلي إيراني واضح بعدما نفذت إسرائيل ضربة عسكرية جوية على مطار تي4 وسقط فيها إيرانيون، وهي محاولة لشبك الموضوع الإيراني وبخاصة الملفين النووي والصاروخي في الاستثمار الإسرائيلي القائم، والتي تمكنت من التأثير فيه عبر مواقف الإدارة الأميركية وبخاصة الرئيس دونالد ترامب الذي وضع شهر أيار القادم للانسحاب من الاتفاق الدولي حول البرنامج الإيراني. كل ذلك شكل بيئة صراعية واضحة للأطراف جميعا. والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا هل ثمة إمكانية لوضع قواعد  اللعبة في المنطقة وفق المتغيرات الحاصلة؟أم ثمة اعتراضات كبيرة من الصعب التوصل إلى قواعد جديدة دون إعادة رسم توازنات جديدة عبر استعمال القوة العسكرية الأميركية في الأزمة السورية؟
       يبدو واضحا إلى الآن أن ثمة إصرار روسي إيراني في الحفاظ على الوقائع الجديدة،مع عدم إغفال تعاطي موسكو مع الأزمة القائمة بوسائل الاحتواء وعدم التصعيد الفعلي والأمر ينطبق على طهران أيضا؛ فيما التصعيد الأميركي الإسرائيلي بلغ ذروته وسط الإعلان الصريح عن البدء في تكوين بيئة للضربة العسكرية والتي من بين أهدافها غير المعلنة توجيه ضربات لروسيا بهدف إعادة أقلمة أظفرها في الشرق الأوسط. 
        لقد سبق وأن نفذت إسرائيل والولايات المتحدة ضربات في آماكن مختلفة وأسفرت عن قواعد محددة. لكن الأمر يبدو الآن مختلفا، باعتبار أن حجم المتغيرات المطلوبة هي أعمق واكبر وأشد تأثيرا في مجريات أزمات الشرق الأوسط، ومن هنا يبدو الوضع حساسا ودقيقا ولكل طرف حساباته الخاصة.فموسكو وطهران تتجهان إلى تهدئة الوضع وإلا المضي في خيارات الحرب الإقليمية الواسعة وهنا المعني المباشر فيها إسرائيل التي تشجع على ذلك شرط حسم موضوع البرنامج النووي الإيراني فيه، وما يعزز من عدم الذهاب في هذا الخيار كلفته الباهظة جدا إقليميا ودوليا .أما الخيار الثاني وهو إمكانية التوصل إلى اتفاقات تحت الطاولة عبر ترتيب ضربات محددة ومعروفة النتائج مسبقا ولا تؤثر عمليا بالوضع القائم ريثما تتوضح وقائع أخرى للتغيير إي تأجيل حسم المعطيات القائمة وهذا ما لا تحبذه لا تل أبيب ولا واشنطن عمليا.
         ثمة قول شائع في إدارة الأزمات الدولية ،مفاده أن الجميع قادر على دخول الحرب لكن أحدا ليس باستطاعته إنهائها آو التحكم بنتائجها، الأمر الذي ينطبق تماما على التصعيد الروسي الأميركي القائم. إلا انه بالنظر للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها كافة أطراف الأزمة تعزز من فرضية عدم التوسّع في تأجيج بؤر الضربات العسكرية والاكتفاء بضربات محدودة لحفظ ماء الوجه السياسي لبعض الأطراف .
         

ĐR KHALIL HUSSEIN