التدخل التركي في الازمة اللبنانية
د. خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت : 22
/5/2020
هيأت تركيا الأجواء الإقليمية والدولية
لتنفيذ سياسات خارجية مختلفة عن تطلعات شعوب المنطقة وحتى انظمتها السياسية.
فتركيا رجب طيب اردوغان اختارت العثمانية بأسوأ صورها التي تبدأ بالتدخل في ملفات
بعض الدول مرورا بتغذية الخلافات وصولا الى تفجير المجتمعات والأنظمة, وثمة نماذج
واضحة وكثيرة في هذا المجال بدءا من ملف الأزمة السورية وما تفرع عنها من ملفات
متصلة وصولا الى الأزمة الليبية والامتدادات التركية نحو افريقيا.
الا ان الأكثر غرابة اليوم ما جرى مؤخرا
من تدخل واضح وسافر في الأزمة اللبنانية وبدعم قطري أيضا، تجلى بمحاولة شق فئة
لبنانية عبر دعم وتسويق وتلميع صورة بهاء الدين الحريري لمنافسة أخيه رئيس الحكومة
السابق سعد الحريري، وفي الواقع لم تكن هذه المحاولات هي جديدة، فقد سبق لأنقرة
وحاولت في هذه الوسائل وغيرها لتأجيج الخلافات اللبنانية الداخلية وتفجير الأوضاع
الأمنية في ظل ازمة اقتصادية لم بشهدها لبنان سابقا. فقد دخلت انقرة الملف
اللبناني من بوابة ازماته الاقتصادية والمالية التي ارخت ثقلها القوي على مختلف فئات
الشعب اللبناني ومنها تيار المستقبل، والتي تحاول تركيا استغلاله وامتصاص التوتر
الشعبي لصرفه في السياسات الإقليمية التركية قدر الإمكان.
هذا التدخل التركي ليس جديدا في الواقع
فقد مهدت اليه ومنذ اربع سنوات خلت لتكوين بيئة سياسية اقتصادية مالية تفسح المجال
لوضع خطط مستقبلية لسياسات تركية ليست خافية على احد، ذلك عبر مشاريع صحية وتربوية
وغيرها، بهدف استثمار واستغلال الوصع الاجتماعي اللبناني، الا ان ما يجري حاليا
يشكل علامة فارقة سيئة في تاريخ العلاقات لتركية اللبنانية ، فهي سابقا تعاملت مع
الازمة اللبنانية كملف فرعي او متصل في الأزمة السورية ، فيما اليوم تحاول ان تبي
خططا وبيئات تصل ال تكوين ملف لبناني متكامل تنطلق من خلاله لإدارة أزمات مماثلة
في المنطقة، سيما وان تدخلها في الأزمة الليبية أعطاها نوعا من التفلّت والتوسّع
الافريقي بصرف النظر عن نتائجه العملية ومدى فاعليته في السياسات الإقليمية.
صحيح ان ثمة عوامل كثيرة مؤثرة في نجاح
خطط السياسات التركية في لبنان، الا انها دونها عقبات كذلك، فالدخول عبر تلميع
صورة بها الدين الحريري كما يبدو لم تكن موفقة بشكل كاف لإطلاق المشروع ، فقد
عارضته قوى لبنانية كثيرة من بينها اطراف سياسية على خصومة سياسية مع تيار
المستقبل الذي يتزعمه الرئيس سعد الحريري، ذلك للعديد من الخلفيات التي لا تتوافق
مع سياسات اطراف لبنانية لها ميول واضحة تجاه تيارات سياسية عربية خليجية معادية
للدور التركي ومنها الامارات العربية المتحدة.
لم
تترك تركيا مناسبة الا وحاولت الاستفادة من تناقضات الوضع العربي وبخاصة ابان
الحراكات العربية في غير بلد، الا ان ما تقوم به حاليا يعتبر امتدادا لمشروع حاولت
البدء به قبل اربع سنوات في الأزمة اللبنانية عبر محاولة التأثير في الاعتراض على
سياسات الحكم في لبنان، كما حاليا عبر محاولة النفاد الى الحراك الذي انطلق مؤخرا
في نوفمبر / تشرين الثاني 2019، باعتباره بيئة ومناسبة لتحريض فئات في الشارع
مناهضة لسياسات الرئيس سعد الدين الحريري. وفي أي حال من الأحوال، ان الظروف
الداخلية اللبنانية وان تهيأت بها بعض الظروف ، الا انها غير كافية لتمكين انقرة
من التغلغل بفاعلية ونجاح في تكوين مدخل وبيئة مناسبتين لها.