هل سيكون الصيف حارا بين سوريا واسرائيل؟
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ظهرت مؤخرا اجواء سلمية حاولت المبادرة العربية اعطائها اطرا بهدف اطلاقها،إلا ان ثمة مفارقات عديدة بين الجانبين السوري والاسرائيلي توحي عكس ذلك،اذ ان خيارات الحرب بدأت تتجمع ظروفها ومتطلباتها النفسية واللوجستية والعسكرية.فهل الحرب واردة في هذه الظروف؟ ام ان مبادرات السلام يمكن ان تكبح جماحها؟وما هي المعطيات التي ترجح خيارا على آخر؟
لقد اسس العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006 معطيات جديدة لكل من سوريا واسرائيل عززت خيارات الحرب على السلم، في ظل مسارات لم يجد قادة البلدين خيارات أخرى غير تطويرها وإنضاجها، وصولا إلى حالة الترتيبات العسكرية المتسارعة التي يجريها الطرفان، حسب تقارير دولية، وكذلك عمليات الرصد المتبادلة ، كما ساهمت الوقائع والمعطيات الدولية والإقليمية في تظهير مثل هذا الاحتمال.
وعلى الرغم من أن الخطاب السياسي في اسرائيل تحديدا، لم يواكب التحضيرات اللوجستية، ذلك لاعتبارات سياسية متعلقة بالزخم السياسي الهادف إلى تفعيل المسار السلمي في المنطقة، وعدم الرغبة الاسرائيلية بالظهور أمام الرأي العام العالمي بمظهر الساعي للحرب، خاصة أن الدول العربية، بما فيها سوريا، أبدت استعدادها للدخول في عملية تفاوضية مع إسرائيل دون شروط مسبقة. إلا أن ذلك دونه عقبات، من الطرفين السوري والإسرائيلي وكذلك البيئتان الدولية والإقليمية ؟
إن حالة الضعف التي تعاني منها القيادة السياسية الاسرائيلية الحالية تجعلها غير قادرة او مؤهلة على الوفاء بالاستحقاقات التي تتطلبها عملية السلام، بخاصة ما يتعلق منها بالتنازل عن أراض جديدة، ليس بالنظر لأهمية الأرض في الإستراتيجية الإسرائيلية، وإنما انطلاقاً من واقع إدراك القيادة والمجتمع الإسرائيلييين، بأن التنازل عن أراض في ظل حالة الضعف التي يعيشها المجتمع الاسرائيلي يعتبر هزيمة موصوفة يصعب تحمل ضغوطها النفسية وآثارها البعيدة المدى.وعليه فإن الاحتفاظ بالارض يشكل دعامة رمزية للاسرائيلييين مفادها التفوق على العرب مجتمعين،وهي ضرورة بعد تآكل الهيبة الاسرائيلية بعد عدوانها على لبنان.
اضافة الى ذلك ان الصراع الداخلي الذي تعيشه النخبة السياسية في إسرائيل بين مختلف مكوناتها، وهو لا يخص حزبا أو فئة بعينها، بقدر ما هو صراع جيل سياسي وعسكري بكامله بإيديولوجياته وقيمه، في مواجهة وقائع ومتغيرات داخلية وخارجية، باتت تفرض نفسها على إسرائيل بقوة، وفي حكم المؤكد كما هو ظاهر ان هذا الجيل من المتوقع ألا يسلم ببساطة، كما أنه لن يخلي الساحة قبل أن يحاول إثبات قدراته.
في المقلب السوري الآخر تأخذ الامور مسارات مشابهة ذلك أن سوريا التي واجهت حربا دبلوماسية نتيجة سياسة العزل التي تمارسها واشنطن عليها، وفي ظل مواجهة استحقاقات دولية متنوعة رسختها سلسلة القرارات الصادرة عن مجلس الامن منذ العام 2005، والتأييد العربي سواء للقرارات الدولية أو لسياسة واشنطن تجاه دمشق.
وفي ظل هذه الظروف اضطرت سوريا إلى رفع سقف خطابها،إذ بات الحديث عن الحرب، الذي طالما استبعدته سوريا من خطابها السياسي في الثلاثين عاما الأخيرة، أمرا عاديا ومألوفا، وما زاد من هذا الاحتمال تواضع الدور الإقليمي لسوريا في السنتين الأخيرتين بعد خروجها من لبنان، ونتيجة المتغيرات التي شهدتها المنطقة، أو لارتفاع حدة ووتيرة صراع الأدوار بين دول المنطقة.
ان سياسة العسكرة التي أدت إلى رفع أهمية عنصر الجيش في كل من إسرائيل وسوريا، نتيجة للظروف الأمنية المرتبكة في المنطقة عموما وبين الطرفين على وجه الخصوص، وكذلك التجهيزات اللوجستية، وعمليات التخطيط العسكري في الجانبين، أدت إلى طغيان الشأن العسكري، ورجحانه على البيئات السياسية، إذ بات يحدد شكل السياسات والتوجهات السياسية وطبيعتها، وحتى آفاقها المستقبلية. كما يشكل عنصر البيئة الدولية عاملا اضافيا لرفع حالة التوتر بين الجانبين، ودافعا لنشوب الحرب بينهما، فالظروف الدولية التي يعيشها النظام العالمي، خاصة بين أطرافه الفاعلة والمؤشرة، التي توترت في أكثر من مكان ومجال في العالم إن كان بين بكين وواشنطن حيث الخلافات التجارية المزمنة والصراع على الفضاء المستجد بينهما، أو بين موسكو وواشنطن بشأن نظام الدفاع الصاروخي الذي تنوي واشنطن نشره في أوروبا الشرقية. ناهيك عن معطيات أخرى تحاول التتعلق على قاطرة الخطر التي تسير تجاه الجبهات، كالفشل الأميركي في العراق وانكسار مشروع بوش في المنطقة، وحال الانسداد في الساحات اللبنانية والفلسطينية والتوتر الذي تشهده الحدود التركية العراقية، معطوفا على الملف النووي الايراني الذي يزيد الامر تغقيدا في المنطقة.
وما يعزز احتمال اندلاع الحرب ارتفاع أسهمها نظرا لاتساع حجم الرهانات والآمال المعلقة عليها بحيث تبدو معها فرصة مهمة للكثير من الأطراف، إذ ستمنح إدارة بوش فرصة أكبر للاستمرار في تجربة إستراتيجياتها في العراق، كما ستمنح إيران فرصة أكبر للاستعداد لأي مواجهة محتملة مستقبلا، فضلا عن أنها ستمنحها فرصة لمعرفة شكل المواجهة التي تنتظرها. وربما من وجهة نظر الإيرانيين ستكون هذه الحرب طريقا للتسويات الكبرى في المنطقة، على اعتبار أن المنطقة لا تحتمل أكثر من حرب، وبالنسبة للنظام العربي فإن هذه الحرب ستكرس قيادة الجناح المعتدل نهائيا، وتنهي حالة الانقسام التي عاشها النظام الرسمي مؤخرا.
ربما يبقى السؤال متى وأين يمكن ان تأخذ هذه السناريوهات مجراها،ثمة قضايا كثيرة ومتنوعة باتت تحتاج الى الحسم،كما أن كثيرا من التحركات الدبلوماسية والمبادرات السياسية قد أشرفت على نهاياتها هذا الصيف،ان تأجيل الحرب او الغائها ليس امرا مستحيلا ،لكنه يستلزم معطيات ووقائع كثيرة من الصعب توافرها في المدى المنظور،فالعدوان على لبنان الذي مضى عليه عام لم تستنفد اسرائيل أهدافه ولم تتمكن من تحقيق أي غرض معلن او غير معلن منه،بل باتت الخيارات تضيق بمجمل افرقاء المنطقة ما يعزز خيارات الحرب على السلم،ومهما يكن الأمر فإن الثابت بين الحرب والسلم، ان اي قوة يمكن ان تشعل حربا لكنها بالتأكيد من الصعب تحديد نتائجها وآثارها مسبقا،فهل ستكون الحرب المحتملة مدخلا آخر لتحريك ابواب السلام المقفلة منذو زمن طويل؟
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ظهرت مؤخرا اجواء سلمية حاولت المبادرة العربية اعطائها اطرا بهدف اطلاقها،إلا ان ثمة مفارقات عديدة بين الجانبين السوري والاسرائيلي توحي عكس ذلك،اذ ان خيارات الحرب بدأت تتجمع ظروفها ومتطلباتها النفسية واللوجستية والعسكرية.فهل الحرب واردة في هذه الظروف؟ ام ان مبادرات السلام يمكن ان تكبح جماحها؟وما هي المعطيات التي ترجح خيارا على آخر؟
لقد اسس العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006 معطيات جديدة لكل من سوريا واسرائيل عززت خيارات الحرب على السلم، في ظل مسارات لم يجد قادة البلدين خيارات أخرى غير تطويرها وإنضاجها، وصولا إلى حالة الترتيبات العسكرية المتسارعة التي يجريها الطرفان، حسب تقارير دولية، وكذلك عمليات الرصد المتبادلة ، كما ساهمت الوقائع والمعطيات الدولية والإقليمية في تظهير مثل هذا الاحتمال.
وعلى الرغم من أن الخطاب السياسي في اسرائيل تحديدا، لم يواكب التحضيرات اللوجستية، ذلك لاعتبارات سياسية متعلقة بالزخم السياسي الهادف إلى تفعيل المسار السلمي في المنطقة، وعدم الرغبة الاسرائيلية بالظهور أمام الرأي العام العالمي بمظهر الساعي للحرب، خاصة أن الدول العربية، بما فيها سوريا، أبدت استعدادها للدخول في عملية تفاوضية مع إسرائيل دون شروط مسبقة. إلا أن ذلك دونه عقبات، من الطرفين السوري والإسرائيلي وكذلك البيئتان الدولية والإقليمية ؟
إن حالة الضعف التي تعاني منها القيادة السياسية الاسرائيلية الحالية تجعلها غير قادرة او مؤهلة على الوفاء بالاستحقاقات التي تتطلبها عملية السلام، بخاصة ما يتعلق منها بالتنازل عن أراض جديدة، ليس بالنظر لأهمية الأرض في الإستراتيجية الإسرائيلية، وإنما انطلاقاً من واقع إدراك القيادة والمجتمع الإسرائيلييين، بأن التنازل عن أراض في ظل حالة الضعف التي يعيشها المجتمع الاسرائيلي يعتبر هزيمة موصوفة يصعب تحمل ضغوطها النفسية وآثارها البعيدة المدى.وعليه فإن الاحتفاظ بالارض يشكل دعامة رمزية للاسرائيلييين مفادها التفوق على العرب مجتمعين،وهي ضرورة بعد تآكل الهيبة الاسرائيلية بعد عدوانها على لبنان.
اضافة الى ذلك ان الصراع الداخلي الذي تعيشه النخبة السياسية في إسرائيل بين مختلف مكوناتها، وهو لا يخص حزبا أو فئة بعينها، بقدر ما هو صراع جيل سياسي وعسكري بكامله بإيديولوجياته وقيمه، في مواجهة وقائع ومتغيرات داخلية وخارجية، باتت تفرض نفسها على إسرائيل بقوة، وفي حكم المؤكد كما هو ظاهر ان هذا الجيل من المتوقع ألا يسلم ببساطة، كما أنه لن يخلي الساحة قبل أن يحاول إثبات قدراته.
في المقلب السوري الآخر تأخذ الامور مسارات مشابهة ذلك أن سوريا التي واجهت حربا دبلوماسية نتيجة سياسة العزل التي تمارسها واشنطن عليها، وفي ظل مواجهة استحقاقات دولية متنوعة رسختها سلسلة القرارات الصادرة عن مجلس الامن منذ العام 2005، والتأييد العربي سواء للقرارات الدولية أو لسياسة واشنطن تجاه دمشق.
وفي ظل هذه الظروف اضطرت سوريا إلى رفع سقف خطابها،إذ بات الحديث عن الحرب، الذي طالما استبعدته سوريا من خطابها السياسي في الثلاثين عاما الأخيرة، أمرا عاديا ومألوفا، وما زاد من هذا الاحتمال تواضع الدور الإقليمي لسوريا في السنتين الأخيرتين بعد خروجها من لبنان، ونتيجة المتغيرات التي شهدتها المنطقة، أو لارتفاع حدة ووتيرة صراع الأدوار بين دول المنطقة.
ان سياسة العسكرة التي أدت إلى رفع أهمية عنصر الجيش في كل من إسرائيل وسوريا، نتيجة للظروف الأمنية المرتبكة في المنطقة عموما وبين الطرفين على وجه الخصوص، وكذلك التجهيزات اللوجستية، وعمليات التخطيط العسكري في الجانبين، أدت إلى طغيان الشأن العسكري، ورجحانه على البيئات السياسية، إذ بات يحدد شكل السياسات والتوجهات السياسية وطبيعتها، وحتى آفاقها المستقبلية. كما يشكل عنصر البيئة الدولية عاملا اضافيا لرفع حالة التوتر بين الجانبين، ودافعا لنشوب الحرب بينهما، فالظروف الدولية التي يعيشها النظام العالمي، خاصة بين أطرافه الفاعلة والمؤشرة، التي توترت في أكثر من مكان ومجال في العالم إن كان بين بكين وواشنطن حيث الخلافات التجارية المزمنة والصراع على الفضاء المستجد بينهما، أو بين موسكو وواشنطن بشأن نظام الدفاع الصاروخي الذي تنوي واشنطن نشره في أوروبا الشرقية. ناهيك عن معطيات أخرى تحاول التتعلق على قاطرة الخطر التي تسير تجاه الجبهات، كالفشل الأميركي في العراق وانكسار مشروع بوش في المنطقة، وحال الانسداد في الساحات اللبنانية والفلسطينية والتوتر الذي تشهده الحدود التركية العراقية، معطوفا على الملف النووي الايراني الذي يزيد الامر تغقيدا في المنطقة.
وما يعزز احتمال اندلاع الحرب ارتفاع أسهمها نظرا لاتساع حجم الرهانات والآمال المعلقة عليها بحيث تبدو معها فرصة مهمة للكثير من الأطراف، إذ ستمنح إدارة بوش فرصة أكبر للاستمرار في تجربة إستراتيجياتها في العراق، كما ستمنح إيران فرصة أكبر للاستعداد لأي مواجهة محتملة مستقبلا، فضلا عن أنها ستمنحها فرصة لمعرفة شكل المواجهة التي تنتظرها. وربما من وجهة نظر الإيرانيين ستكون هذه الحرب طريقا للتسويات الكبرى في المنطقة، على اعتبار أن المنطقة لا تحتمل أكثر من حرب، وبالنسبة للنظام العربي فإن هذه الحرب ستكرس قيادة الجناح المعتدل نهائيا، وتنهي حالة الانقسام التي عاشها النظام الرسمي مؤخرا.
ربما يبقى السؤال متى وأين يمكن ان تأخذ هذه السناريوهات مجراها،ثمة قضايا كثيرة ومتنوعة باتت تحتاج الى الحسم،كما أن كثيرا من التحركات الدبلوماسية والمبادرات السياسية قد أشرفت على نهاياتها هذا الصيف،ان تأجيل الحرب او الغائها ليس امرا مستحيلا ،لكنه يستلزم معطيات ووقائع كثيرة من الصعب توافرها في المدى المنظور،فالعدوان على لبنان الذي مضى عليه عام لم تستنفد اسرائيل أهدافه ولم تتمكن من تحقيق أي غرض معلن او غير معلن منه،بل باتت الخيارات تضيق بمجمل افرقاء المنطقة ما يعزز خيارات الحرب على السلم،ومهما يكن الأمر فإن الثابت بين الحرب والسلم، ان اي قوة يمكن ان تشعل حربا لكنها بالتأكيد من الصعب تحديد نتائجها وآثارها مسبقا،فهل ستكون الحرب المحتملة مدخلا آخر لتحريك ابواب السلام المقفلة منذو زمن طويل؟