العلاقات الفرنسية الإسرائيلية وإبعاد زيارة شارون
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بيروت: 28-7-2005
من مفارقات العلاقات الفرنسية الاسرائيلية انها ارتطبت بشكل عام بالعديد من العوامل والمؤثرات المرتبطة بأوضاع كل دولة منهما على حدة،وظلت مقياسا لحرارة العلاقات او فتورها بحسب تقلبات هذه العوامل وما يمكن ان يطرأ عليها من مستجدات واحداث دولية او اقليمية.وعلى الرغم من مرور العلاقات بين البلدين بمروحة واسعة من التوصيفات المتعلقة بالسياسات الخارجية لكلا الدولتين ،الا انه يمكن ادراج العديد من الملاحظات التي توضح طبيعة هذه العلاقات ومدى التقاطع او التباين في مصالح الدولتين وابرزها:
- ان اشكالية العلاقات ظلت ولفترات ليست بقليلة مرهونة بشكل اساسي بالعلاقة الاستراتيجية التي تربط اسرائيل بالولايات المتحدة الامريكية، بمعنى ان هذه العلاقة الاخيرة ظلت الى حد كبير تتحكم بقرب او ببعد تل ابيب عن باريس،وقد استغلت اسرائيل بشكل فاعل ومؤثر في العديد من التفاعلات الدولية اشكالية العلاقات الامريكية الفرنسية في سبيل تعزيز مواقعها ومواقفها في بعض الملفات الاستراتيجية الاسرائيلية لا سيما في مجال الصراع العربي الاسرائيلي.
- وعلى الرغم من الدور الفرنسي الكبير في تأسيس الملف النووي الاسرائيلي وما له من انعكاس اساسي على التوازنات الاقليمية في الشرق الاوسط ولعبه الدور البارز في اتجاه ميزان القوى المستقبلي لاسرائيل على مستوى وجوده كدولة في المنطقة،وعلى الرغم من الحلف الذي جمعهما الى جانب بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر، فقد عادت العلاقات الفرنسية الاسرائيلية في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي لنوع هو اقرب الى انعدام حرارة العلاقات الدبلوماسية التي كانت بين الطرفين، ذلك يعود بشكل رئيس الى ظروف الحرب العربية الاسرائيلية عام 1967 وما آلت اليها من نتائج،اذ استعادت السياسة الخارجية الفرنسية روعها واندفاعها تجاه تل ابيب لتقف على مسافة متوازنة بين العرب واسرائيل، الامر الذي لم يرض اسرائيل يوما على قاعدة من ليس معها فهو ضدها.
- كما ان الامر لم يقتصر عند هذا الحد فمحاولة اسرائيل الدائمة تهميش الدور الفرنسي في أي عملية تسوية للصراع العربي الاسرائيلي جعل من علاقات البلدين وتحسين ظروفها وعواملها امرا ليس سهلا من وجهة النظر الفرنسية،الامر الذي كان بحاجة دائما الى الترميم والتصحيح بحسب ما تقتضي ظروف البلدين التي تتداخل فيها العديد من الاسباب والمؤثرات،وقد ظهر ذلك جليا في فترات حكم الليكود في اسرائيل لا سيما في السنوات الاربعة الاخيرة حيث كانت العلاقات هي اقرب الى الفتور من أي شيء آخر، سيما وان العديد من الحالات النافرة التي شهدت سوء العلاقة كانت بسبب رعونة السياسة الاسرائيلية واساليب تعاملها حتى مع المسؤولين الفرنسيين الذين زاروا اسرائيل او السلطة الفلسطينية في السنوات السابقة وهناك العديد من الحالات التي تعبر عن تلك الحالة والتي كانت اسرائيل سببها الاول والأخير.
- وكما ان الاحداث والقضايا الاقليمية كان لها الاثر الواضح على مستوى العلاقات بين الطرفين فان الاوضاع الدولية كان لها النصيب الوافر في هذا المجال،وبخاصة الموقع الريادي الذي تضطلع به الولايات المتحدة في قيادة العالم ومدى استغلال اسرائيل لذلك في تقوية مواقعها الاقليمية والدولية في بعض الملفات.ونذكر منها القضية العراقية والموقف الفرنسي ضمن الترويكا الاوروبية المفاوضة في الملف النووي الايراني وغيرها الكثير الكثير من القضايا وابرزها موضوع الارهاب الدولي ومحاولة اسرائيل الدائمة التأثير في قنوات الاستفادة المباشرة منه،وعليه فان المؤثرات التي تدخل في كنه العلاقت هي اكثر من ان تحصى وتعد في ظروف اقليمية ودولية استثنائية تعتبر اسرائيل الطرف الاقدر على استثماره بشكل فاعل.
- وغريب المفارقات ايضا في العلاقت الفرنسية الاسرائيلية،ان الطرف العربي لم يتمكن يوما من الاستفادة من بعض تلك الثغرات،فرغم ان فرنسا من الناحية العملية قد قدمت مواقف متقدمة للعرب في المحافل الدولية كنموذج الموقف من الغزو الامريكي للعراق او وقوف باريس الى جانب دمشق بشكل لافت في حقبة الرئيس السوري بشار الاسد وغيرها،لم تتمكن الدول العربية من تلقف هذه المبادرات في نسج علاقات استراتيجية قابلة للحياة والاستثمار،بل ظلت مجالا واسعا ومفيدا للاستثمار الاسرائيلي في مستوى العلاقة مع فرنسا وآخرها القرار 1559 .
ومن كل ما تقدم من الصعب عدم ادراج زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون الى فرنسا في مسلسل النجاحات الاسرائيلية في تهيأة الظروف المناسبة لتمرير ما تهدف اليه ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- المحاولة بشكل مباشر التأثير في موقف الترويكا الاوروبية من خلال الموقف الفرنسي في مفاوضات الملف النووي الايراني، سيما وانه وضع على نار حامية في هذه الفترة بعد وصول احمدي نجاد الى الرئاسة الايرانية واعلان الاخيرة عن مواقف يستشف منها تصعيدا في المواقف التفاوضية ان لم نقل العملية.
- العمل على التأثير في الموقف الفرنسي من موضوع تطبيق القرار الدولي 1559 باتجاه حث باريس على عدم التراخي في هذا الامر، وجعله اولوية في السياسة الخارجية الفرنسية باتجاه المنطقة بعد ما ظهر بعض التباين الفرنسي الامريكي في اسلوب التطبيق وبخاصة بعد زيارة وزيرة الخارجية الامريكية للمنطقة التي استشف منها تعويما لبعض القوى السياسية اللبنانية التي ليست على ما يرام مع فرنسا.بمعنى ان التفسير الفرنسي لعدم استشارتها او اعلامها بزيارة كونداليسا رايس الى بيروت لا ينبغي ان يؤثر على مستوى حماستها لتطبيق القرار 1559 .
- كما ان زيارة ارئيل شارون اتت في خضم البدء الاسرائيلي في الانسحاب من قطاع غزة وما يمكن ان تكون ورقة رابحة في يده قابلة للبيع في الاتجاه الفرنسي وتصويرها على انها انجاز تتقاطع والرؤية الفرنسية لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي.
ان ظروف المنطقة ليست باستثنائية فقط بل تدخل في مخاض امني وسياسي كبير يترتب عليه مستقبل امم وشعوب وجغرافيا سياسية اشبه ما تكون فيه تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وفي جو يعصف بالضغوط الخارجية مترافقا مع فوضى منظمة وارهاب منظم،فهل ستكون الحفاوة التي استقبل فيها شارون في باريس مقدمة لفصل استثماري اسرائيلي جديد في قضايا وملفات عملت عليها زمنا هو من عمر كيانها في المنطقة؟ لقد عودنا حُسن التدبير الاسرائيلي وسوء التدبير العربي على ذلك !.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بيروت: 28-7-2005
من مفارقات العلاقات الفرنسية الاسرائيلية انها ارتطبت بشكل عام بالعديد من العوامل والمؤثرات المرتبطة بأوضاع كل دولة منهما على حدة،وظلت مقياسا لحرارة العلاقات او فتورها بحسب تقلبات هذه العوامل وما يمكن ان يطرأ عليها من مستجدات واحداث دولية او اقليمية.وعلى الرغم من مرور العلاقات بين البلدين بمروحة واسعة من التوصيفات المتعلقة بالسياسات الخارجية لكلا الدولتين ،الا انه يمكن ادراج العديد من الملاحظات التي توضح طبيعة هذه العلاقات ومدى التقاطع او التباين في مصالح الدولتين وابرزها:
- ان اشكالية العلاقات ظلت ولفترات ليست بقليلة مرهونة بشكل اساسي بالعلاقة الاستراتيجية التي تربط اسرائيل بالولايات المتحدة الامريكية، بمعنى ان هذه العلاقة الاخيرة ظلت الى حد كبير تتحكم بقرب او ببعد تل ابيب عن باريس،وقد استغلت اسرائيل بشكل فاعل ومؤثر في العديد من التفاعلات الدولية اشكالية العلاقات الامريكية الفرنسية في سبيل تعزيز مواقعها ومواقفها في بعض الملفات الاستراتيجية الاسرائيلية لا سيما في مجال الصراع العربي الاسرائيلي.
- وعلى الرغم من الدور الفرنسي الكبير في تأسيس الملف النووي الاسرائيلي وما له من انعكاس اساسي على التوازنات الاقليمية في الشرق الاوسط ولعبه الدور البارز في اتجاه ميزان القوى المستقبلي لاسرائيل على مستوى وجوده كدولة في المنطقة،وعلى الرغم من الحلف الذي جمعهما الى جانب بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر، فقد عادت العلاقات الفرنسية الاسرائيلية في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي لنوع هو اقرب الى انعدام حرارة العلاقات الدبلوماسية التي كانت بين الطرفين، ذلك يعود بشكل رئيس الى ظروف الحرب العربية الاسرائيلية عام 1967 وما آلت اليها من نتائج،اذ استعادت السياسة الخارجية الفرنسية روعها واندفاعها تجاه تل ابيب لتقف على مسافة متوازنة بين العرب واسرائيل، الامر الذي لم يرض اسرائيل يوما على قاعدة من ليس معها فهو ضدها.
- كما ان الامر لم يقتصر عند هذا الحد فمحاولة اسرائيل الدائمة تهميش الدور الفرنسي في أي عملية تسوية للصراع العربي الاسرائيلي جعل من علاقات البلدين وتحسين ظروفها وعواملها امرا ليس سهلا من وجهة النظر الفرنسية،الامر الذي كان بحاجة دائما الى الترميم والتصحيح بحسب ما تقتضي ظروف البلدين التي تتداخل فيها العديد من الاسباب والمؤثرات،وقد ظهر ذلك جليا في فترات حكم الليكود في اسرائيل لا سيما في السنوات الاربعة الاخيرة حيث كانت العلاقات هي اقرب الى الفتور من أي شيء آخر، سيما وان العديد من الحالات النافرة التي شهدت سوء العلاقة كانت بسبب رعونة السياسة الاسرائيلية واساليب تعاملها حتى مع المسؤولين الفرنسيين الذين زاروا اسرائيل او السلطة الفلسطينية في السنوات السابقة وهناك العديد من الحالات التي تعبر عن تلك الحالة والتي كانت اسرائيل سببها الاول والأخير.
- وكما ان الاحداث والقضايا الاقليمية كان لها الاثر الواضح على مستوى العلاقات بين الطرفين فان الاوضاع الدولية كان لها النصيب الوافر في هذا المجال،وبخاصة الموقع الريادي الذي تضطلع به الولايات المتحدة في قيادة العالم ومدى استغلال اسرائيل لذلك في تقوية مواقعها الاقليمية والدولية في بعض الملفات.ونذكر منها القضية العراقية والموقف الفرنسي ضمن الترويكا الاوروبية المفاوضة في الملف النووي الايراني وغيرها الكثير الكثير من القضايا وابرزها موضوع الارهاب الدولي ومحاولة اسرائيل الدائمة التأثير في قنوات الاستفادة المباشرة منه،وعليه فان المؤثرات التي تدخل في كنه العلاقت هي اكثر من ان تحصى وتعد في ظروف اقليمية ودولية استثنائية تعتبر اسرائيل الطرف الاقدر على استثماره بشكل فاعل.
- وغريب المفارقات ايضا في العلاقت الفرنسية الاسرائيلية،ان الطرف العربي لم يتمكن يوما من الاستفادة من بعض تلك الثغرات،فرغم ان فرنسا من الناحية العملية قد قدمت مواقف متقدمة للعرب في المحافل الدولية كنموذج الموقف من الغزو الامريكي للعراق او وقوف باريس الى جانب دمشق بشكل لافت في حقبة الرئيس السوري بشار الاسد وغيرها،لم تتمكن الدول العربية من تلقف هذه المبادرات في نسج علاقات استراتيجية قابلة للحياة والاستثمار،بل ظلت مجالا واسعا ومفيدا للاستثمار الاسرائيلي في مستوى العلاقة مع فرنسا وآخرها القرار 1559 .
ومن كل ما تقدم من الصعب عدم ادراج زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون الى فرنسا في مسلسل النجاحات الاسرائيلية في تهيأة الظروف المناسبة لتمرير ما تهدف اليه ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- المحاولة بشكل مباشر التأثير في موقف الترويكا الاوروبية من خلال الموقف الفرنسي في مفاوضات الملف النووي الايراني، سيما وانه وضع على نار حامية في هذه الفترة بعد وصول احمدي نجاد الى الرئاسة الايرانية واعلان الاخيرة عن مواقف يستشف منها تصعيدا في المواقف التفاوضية ان لم نقل العملية.
- العمل على التأثير في الموقف الفرنسي من موضوع تطبيق القرار الدولي 1559 باتجاه حث باريس على عدم التراخي في هذا الامر، وجعله اولوية في السياسة الخارجية الفرنسية باتجاه المنطقة بعد ما ظهر بعض التباين الفرنسي الامريكي في اسلوب التطبيق وبخاصة بعد زيارة وزيرة الخارجية الامريكية للمنطقة التي استشف منها تعويما لبعض القوى السياسية اللبنانية التي ليست على ما يرام مع فرنسا.بمعنى ان التفسير الفرنسي لعدم استشارتها او اعلامها بزيارة كونداليسا رايس الى بيروت لا ينبغي ان يؤثر على مستوى حماستها لتطبيق القرار 1559 .
- كما ان زيارة ارئيل شارون اتت في خضم البدء الاسرائيلي في الانسحاب من قطاع غزة وما يمكن ان تكون ورقة رابحة في يده قابلة للبيع في الاتجاه الفرنسي وتصويرها على انها انجاز تتقاطع والرؤية الفرنسية لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي.
ان ظروف المنطقة ليست باستثنائية فقط بل تدخل في مخاض امني وسياسي كبير يترتب عليه مستقبل امم وشعوب وجغرافيا سياسية اشبه ما تكون فيه تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وفي جو يعصف بالضغوط الخارجية مترافقا مع فوضى منظمة وارهاب منظم،فهل ستكون الحفاوة التي استقبل فيها شارون في باريس مقدمة لفصل استثماري اسرائيلي جديد في قضايا وملفات عملت عليها زمنا هو من عمر كيانها في المنطقة؟ لقد عودنا حُسن التدبير الاسرائيلي وسوء التدبير العربي على ذلك !.