أنواع الدساتير
د.خليل حسين
مدير الدراسات في مجلس النواب
الدساتير المدوَّنة والدساتير غير المدوَّنة
تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى دساتير مدوَّنة أي مكتوبة ودساتير غير مدوَّنة أو غير مكتوبة، والتدوين ليس مجرد تسجيل القاعدة في وثيقة مكتوبة وإنما المقصود به هو تسجيلها في وثيقة رسمية من سلطة مختصة بذلك ويعتبر الدستور مدوَّنا إذا كان في أغلبه صادر في شكل وثيقة أو عدة وثائق رسمية من المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدوَّن إذا كان في أغلبه مستمدّا من غير طريق التشريع أي من العرف والقضاء، ويطلق بعض الفقهاء على الدستور غير المدوَّن اصطلاح الدستور العرفي، إلا إننا نفضل استخدام اصطلاح الدستور غير المدون لأنه أكثر دقة حيث يتسع ليشمل المصادر غير التشريعية سواء تمثلت في العرف أو القضاء.
وكانت أول الدساتير المكتوبة التي ظهرت في القرن الثامن عشر دساتير الولايات الأمريكية التي بدأت توضع ابتداء من سنة 1776 بعد استقلال هذه الولايات عن بريطانيا، فلمَّا كوَّنت هذه الولايات فيما بينها تعاهدا صدر دستور الدول المتعاهدة عام 1781، وبإزدياد الروابط بينها تحوَّلت إلى نظام الدولة الإتحادية، وظهر الدستور الاتحادي سنة 1787 وهو نفسه الذي يحكم الولايات المتحدة اليوم بعد أن أُدخل عليه الكثير من التعديلات.وعندما اندلعت الثورة الفرنسية اعتنق رجالها فكرة الدساتير المكتوبة، وكان أول دستور لهم هو دستور 1791 دستورا مكتوبا ومنذ ذلك الحين وفرنسا تأخذ بالدساتير المكتوبة، ومن فرنسا وأمريكا انتشرت فكرة الدساتير المكتوبة إلى كل دول العالم.
الدساتير المرنة والدساتير الجامدة
الدستور المرن هو الذي يمكن تعديله بنفس الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي، أما الدستور الجامد، الذي يتطلب في تعديله إجراءات أشد من الإجراءات التي يُعدل بها القانون العادي، ويهدف واضعو أي دستور من جعله جامدا إلى كفالة نوع من الثبات لأحكامه وذلك بإشتراط تنظيم خاص يجعل تعديل الدستور صعبا.ويتراوح الدستور الجامد بين أحد أمرين إما حظر تعديل الدستور وإما إجازة التعديل بشروط خاصة أو مشددة،ويعتبر الدستور اللبناني غير مرن لجهة الآليات التي يفرضها الدستور لتعديل مواده.
إن واضعي الدساتير الذين يحظرون تعديلها لا يوردون فيها نصا بالحظر المطلق من كل قيد وإنما يلجأون عادة إلى نوعين من الحظر، الحظر الزمني بمعنى تحديد فترة زمنية تكفى لتثبيت أحكام الدستور قبل السماح باقتراح تعديلها، أو الحظر الموضوعي وذلك بقصد حماية أحكام معينة في الدستور على نحو يحول دون تعديلها أصلا، ويتقرر هذا الحظر بالنسبة للأحكام الجوهرية في الدستور ولاسيما ما يتصل منها بنظام الحكم المقرر. ومن الدساتير التي أخذت بالحظر الموضوعي دستور البرتغال لسنة 1991 الذي يحظر تعديل شكل الحكومة الجمهوري، والدستور المصري لسنة 1923 الذي يحظر تعديل الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابي البرلماني ونظام وراثة العرش ومبادئ الحرية والمساواة.أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة فهي تختلف اختلافا كبيراً فيما تورده من تنظيمات بشأن كيفية تعديلها وكيفية رد هذه الاختلافات للاعتبارات السياسية والفنية.
وتتمثل الاعتبارات السياسية في أن التنظيم المقرر لتعديل الدستور لا بد وأن يراعى جانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، فالتنظيم الذي يتقرر لتعديل الدستور يجب إن يراعى في النظام الديموقراطي الشعب والبرلمان، وفي الدولة التي تتكون على شكل اتحاد الولايات يجب أن يراعي ظروف الأعضاء في الاتحاد.
أما الإعتبارات الفنية فتتمثل في أساليب الصياغة التي يأخذ بها واضعو الدساتير فيما يتعلق بالتعديل الدستوري. والجدير بالذكر أن التعديل الدستوري يمر بأربع مراحل أساسية هي اقتراح التعديل، وتقرير مبدأ التعديل، إعداد التعديل، إقرار التعديل نهائيا.
وقد يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور للحكومة وحدها أو للبرلمان وحده أو لكليهما معا، أو لكل من البرلمان والشعب. أما تقرير مبدأ التعديل فهو عادة ما يمنح للبرلمان سلطة الفصل فيما إذا كان هناك محل لتعديل الدستور بإعتبار أن البرلمان يمثل الأمة وهو بهذا الوصف أكثر السلطات صلاحية للفصل في مدى ضرورة التعديل، على أن بعض الدساتير تتطلب، بالإضافة إلى موافقة البرلمان على إقرار مبدأ التعديل، موافقة الشعب.
أما إعداد التعديل فبعض الدساتير تتطلب انتخاب هيئة خاصة يعهد إليها بمهمة التعديل، إلا إن معظم الدساتير عهدت بمهمة إعداد التعديل إلى البرلمان وفقا لشروط خاصة أهمها اجتماع البرلمان في شكل مؤتمر أو اشتراط نسبة خاصة في الحضور لصحة جلسات البرلمان أو في التصويت لصحة القرارات الصادرة عنه أو في كليهما معا. وبالنسبة للإقرار النهائي للتعديل فإن معظم الدساتير تجعل نفس الهيئة التي توليها اختصاص إعداد التعديل الدستوري مختصة أيضا بإقراره نهائيا وهذه الهيئة تكون هيئة تنتخب خصيصا لأداء المهمة الموكولة إليها، مع تطلب شروط خاصة فيه. وتجعل بعض الدساتير سلطة إقرار التعديل في يد الشعب ومن ثم تشترط استطلاع رأيه عن طريق الاستفتاء الدستوري.
د.خليل حسين
مدير الدراسات في مجلس النواب
الدساتير المدوَّنة والدساتير غير المدوَّنة
تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى دساتير مدوَّنة أي مكتوبة ودساتير غير مدوَّنة أو غير مكتوبة، والتدوين ليس مجرد تسجيل القاعدة في وثيقة مكتوبة وإنما المقصود به هو تسجيلها في وثيقة رسمية من سلطة مختصة بذلك ويعتبر الدستور مدوَّنا إذا كان في أغلبه صادر في شكل وثيقة أو عدة وثائق رسمية من المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدوَّن إذا كان في أغلبه مستمدّا من غير طريق التشريع أي من العرف والقضاء، ويطلق بعض الفقهاء على الدستور غير المدوَّن اصطلاح الدستور العرفي، إلا إننا نفضل استخدام اصطلاح الدستور غير المدون لأنه أكثر دقة حيث يتسع ليشمل المصادر غير التشريعية سواء تمثلت في العرف أو القضاء.
وكانت أول الدساتير المكتوبة التي ظهرت في القرن الثامن عشر دساتير الولايات الأمريكية التي بدأت توضع ابتداء من سنة 1776 بعد استقلال هذه الولايات عن بريطانيا، فلمَّا كوَّنت هذه الولايات فيما بينها تعاهدا صدر دستور الدول المتعاهدة عام 1781، وبإزدياد الروابط بينها تحوَّلت إلى نظام الدولة الإتحادية، وظهر الدستور الاتحادي سنة 1787 وهو نفسه الذي يحكم الولايات المتحدة اليوم بعد أن أُدخل عليه الكثير من التعديلات.وعندما اندلعت الثورة الفرنسية اعتنق رجالها فكرة الدساتير المكتوبة، وكان أول دستور لهم هو دستور 1791 دستورا مكتوبا ومنذ ذلك الحين وفرنسا تأخذ بالدساتير المكتوبة، ومن فرنسا وأمريكا انتشرت فكرة الدساتير المكتوبة إلى كل دول العالم.
الدساتير المرنة والدساتير الجامدة
الدستور المرن هو الذي يمكن تعديله بنفس الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي، أما الدستور الجامد، الذي يتطلب في تعديله إجراءات أشد من الإجراءات التي يُعدل بها القانون العادي، ويهدف واضعو أي دستور من جعله جامدا إلى كفالة نوع من الثبات لأحكامه وذلك بإشتراط تنظيم خاص يجعل تعديل الدستور صعبا.ويتراوح الدستور الجامد بين أحد أمرين إما حظر تعديل الدستور وإما إجازة التعديل بشروط خاصة أو مشددة،ويعتبر الدستور اللبناني غير مرن لجهة الآليات التي يفرضها الدستور لتعديل مواده.
إن واضعي الدساتير الذين يحظرون تعديلها لا يوردون فيها نصا بالحظر المطلق من كل قيد وإنما يلجأون عادة إلى نوعين من الحظر، الحظر الزمني بمعنى تحديد فترة زمنية تكفى لتثبيت أحكام الدستور قبل السماح باقتراح تعديلها، أو الحظر الموضوعي وذلك بقصد حماية أحكام معينة في الدستور على نحو يحول دون تعديلها أصلا، ويتقرر هذا الحظر بالنسبة للأحكام الجوهرية في الدستور ولاسيما ما يتصل منها بنظام الحكم المقرر. ومن الدساتير التي أخذت بالحظر الموضوعي دستور البرتغال لسنة 1991 الذي يحظر تعديل شكل الحكومة الجمهوري، والدستور المصري لسنة 1923 الذي يحظر تعديل الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابي البرلماني ونظام وراثة العرش ومبادئ الحرية والمساواة.أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة فهي تختلف اختلافا كبيراً فيما تورده من تنظيمات بشأن كيفية تعديلها وكيفية رد هذه الاختلافات للاعتبارات السياسية والفنية.
وتتمثل الاعتبارات السياسية في أن التنظيم المقرر لتعديل الدستور لا بد وأن يراعى جانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، فالتنظيم الذي يتقرر لتعديل الدستور يجب إن يراعى في النظام الديموقراطي الشعب والبرلمان، وفي الدولة التي تتكون على شكل اتحاد الولايات يجب أن يراعي ظروف الأعضاء في الاتحاد.
أما الإعتبارات الفنية فتتمثل في أساليب الصياغة التي يأخذ بها واضعو الدساتير فيما يتعلق بالتعديل الدستوري. والجدير بالذكر أن التعديل الدستوري يمر بأربع مراحل أساسية هي اقتراح التعديل، وتقرير مبدأ التعديل، إعداد التعديل، إقرار التعديل نهائيا.
وقد يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور للحكومة وحدها أو للبرلمان وحده أو لكليهما معا، أو لكل من البرلمان والشعب. أما تقرير مبدأ التعديل فهو عادة ما يمنح للبرلمان سلطة الفصل فيما إذا كان هناك محل لتعديل الدستور بإعتبار أن البرلمان يمثل الأمة وهو بهذا الوصف أكثر السلطات صلاحية للفصل في مدى ضرورة التعديل، على أن بعض الدساتير تتطلب، بالإضافة إلى موافقة البرلمان على إقرار مبدأ التعديل، موافقة الشعب.
أما إعداد التعديل فبعض الدساتير تتطلب انتخاب هيئة خاصة يعهد إليها بمهمة التعديل، إلا إن معظم الدساتير عهدت بمهمة إعداد التعديل إلى البرلمان وفقا لشروط خاصة أهمها اجتماع البرلمان في شكل مؤتمر أو اشتراط نسبة خاصة في الحضور لصحة جلسات البرلمان أو في التصويت لصحة القرارات الصادرة عنه أو في كليهما معا. وبالنسبة للإقرار النهائي للتعديل فإن معظم الدساتير تجعل نفس الهيئة التي توليها اختصاص إعداد التعديل الدستوري مختصة أيضا بإقراره نهائيا وهذه الهيئة تكون هيئة تنتخب خصيصا لأداء المهمة الموكولة إليها، مع تطلب شروط خاصة فيه. وتجعل بعض الدساتير سلطة إقرار التعديل في يد الشعب ومن ثم تشترط استطلاع رأيه عن طريق الاستفتاء الدستوري.