أهداف جولة بوش في المنطقة وتداعياتها
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بعد سبع سنوات على ولايته،وبعد سبع جولات لوزيرة خارجيته في سنة واحدة في المنطقة أيضا، يحاول الرئيس الأمريكي تحقيق عجائب السياسة السبع أولها موضوع الدولة الفلسطينية وثانيها ما تبقى من صراع عربي إسرائيلي وثالثها التطبيع فيما رابعها يتعلق بالأزمة اللبنانية والخامسة العراقية أما السادسة الإيرانية والسابعة مزيج من الباكستانية والأفغانية باختصار حمّل الرئيس جورج بوش نفسه ما لم يحمله أي رئيس أمريكي ممن سبقه،فماذا في هذه الجولة والى أين يمكن أن تصل نهاياتها؟في المبدأ سيل من الأسئلة التي تطرح نفسها وتبحث عن أجوبة في ثنايا ألازمات التي تغرق فيها المنطقة،ومهما يكن من أمر الزيارة وتداعياتها ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها من بينها:
- طبعا ليست الزيارة الأولى بل سبق أن سجل العديد منها وبخاصة الخاطفة وغير المعلنة،لكنها الأولى التي تشمل دولا عدة وبرامج متنوعة،وفيما كانت الزيارات السابقة نوعا من زيارات التبرير والتوضيح والدعم للسياسات الأمريكية في المنطقة تأتي الجولة الحالية في نهاية الولاية الثانية والتي تعتبر بحكم العرف مرحلة الغيبوبة السياسية للسياسات الأمريكية التقريرية والتنفيذية،فعمليا دخلت أميركا زمن الانتخابات الرئاسية ولن يكون بمقدور احد متابعة ملفات السياسة الخارجية بما هو معلن أو بمعنى لن يكون مسموحا به اتخاذ قرارات فارقة في هذه المرحلة، وعليه إن الزيارة في أحلى توصيفاتها لن تكون بأفضل من تصنيفها كلزوم ما لا يلزم.
- تأتي هذه الجولة في خضم تراجع السياسات الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة، وفي ظل تدهور واضح في شعبيته وانهيار حظوظ حزبه تولي الرئاسة مرة أخرى، لا يجد الرئيس جورج بوش بدا من الحراك السياسي في منطقة قابلة للبيع والشراء والاستثمار السياسي في جميع الجهات.
- وإذا كانت من بين الأهداف المعلنة للزيارة تحريك المسار الفلسطيني الإسرائيلي فهو لن يضغط باتجاه الحل المتوازن بدليل ما صرّح عنه علانية بقوله انه لن يجبر أحدا على قبول ما لا يرغب به،وبطبيعة الأمر لن تكون إسرائيل موضع ضغط أو مساءلة أمريكية فمؤتمر انابوليس حدد السقف السياسي للتحرك الأمريكي بإرادة إسرائيلية واضحة وبالتالي إن الجانب الفلسطيني عليه تحمل وزر التنازلات المجانية والتفاوض مع إسرائيل بهدف التفاوض ليس إلا.
- وإذا كان الهمّ الإسرائيلي هو الأبرز مع المسار الفلسطيني فان باقي المسارات لا سيما السوري واللبناني لن يكونا بأحسن حال،فالمسار السوري في هذه الجولة تحديدا استبق بحملات واسعة تحت عناوين مختلفة، ولم تتجاوز واشنطن تفسير الحضور السوري في انابوليس سوى اعتباره سلفة غير قابلة للصرف السياسي حاليا،ومن هنا تأتي الجولة الرئاسية الأمريكية كمرحلة ضغط باتجاه دمشق لتقديم جرعات إضافية لا سما في الملف اللبناني على وقع مستجدات ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
- وفي موضوع متصل تهدف الزيارة ببعض وجوهها ومواقعها إلى تشجيع الجانب العربي على التطبيع مع إسرائيل ولو دون مقابل عملي،فالصور الملتقطة في انابوليس استنفدت غاياتها وباتت أحوج ما تكون فيه إلى جرعات إضافية باتجاه تقارب عربي إسرائيلي علني يمكن أن يستخدم كإنجاز فارق في سياسة بوش الخارجية ولو في آخر ولايتها.
- وغريب المفارقات في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية ما نقلت لبنان إلى رأس اولوياتها وربما مستبقا العراق نفسه،فلبنان بات متلازما للأمن القومي الأمريكي وتحديدا الحكومة الحالية التي باتت مرتكزا أساسيا للاستراتيجية الأمريكية في هذه الفترة،إن مقاربة ما وصلت إليه واشنطن في المنطقة بات معه تحقيق أي إنجاز حتى في لبنان نصرا استراتيجيا يؤسس لمراحل لاحقة حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية واللبنانية على السواء.والمفارقة الأبرز أن بدء جولة بوش بإسرائيل تترافق مع جولة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على القيادات اللبنانية للترويج لمبادرتها على أمل أن يكون الاستثمار الإقليمي للمشروع العربي للبنان قابل للاستثمار باتجاهات أخرى.
- إن فشل واشنطن في العراق تجعل من الجولة الرئاسية الأمريكية الهمّ الأبرز غير المعلن في استهدافات الجولة وتداعياتها، فالترميم الأمريكي لمجمل مآزقها في العراق لم يكن سوى عمليات مقايضة بملفات أخرى ذات صلة أمنية ضد قواتها،ولم تكن معالجة حقيقية لأسباب الأزمة ومؤثراتها،وعليه إن الجولة الرئاسية من الصعب أن تقدم بدائل مناسبة لمشاكلها في العراق بل ستكون ذات طبيعية تبادلية في المنافع والملفات مع أصحاب النفوذ الآخرين في العراق.
- وربما القضية الأصعب والأبرز في الجولة هي القضية الإيرانية بملفاتها المتشعبة والمتنوعة،بدءا بملف البرنامج النووي وانتهاء بعلاقات إيران مع دول الجوار الجغرافي مرورا بالأثر الإيراني على مجمل ملفات المنطقة،وبالتالي ربما يكون هذا الملف من اعقد الأهداف غير المعلنة من الجولة،وهي بطبيعة الأمر تبدأ بالاحتواء وتصل إلى المواجهة،وفي أي حال من الأحوال لا تبدو عدة المقايضة متوازنة بين الأطراف الإقليمية والدولية الوافدة،وبالتالي إن رؤية صورة واضحة للملف الإيراني يبدو أمرا متعذرا في هذه الجولة.
ربما الشيء الملفت الذي لم يثر أي انتباه هو تزامن الجولة مع الذكرى الستين لوعد بلفور والذي سيحتفل به الجانبين الأمريكي والإسرائيلي سوية والذي سيكون علامة فارقة في الجولة والتي لن يتمكن أي إنجاز من تتويجها وفقا للمبتغى الأمريكي تحديدا.فواشنطن غاصت في عناوين مختلفة أدت بغالبيتها إلى فشل موصوف من الصعب تغطيته بأي اختراق،وتبقى الزيارة عنوانا لنهاية مرحلة رئاسية وصفها الكثيرون بمرحلة الهوّج السياسي والعسكري الدولي،على أن هذا الكلام لا يعني بالضرورة أن خروج الجمهوريين من البيت الأبيض سيشكل تغيرا جوهريا مع الديموقراطيين لاحقا،بل قدر العرب دوام المراهنة على تغيّر الرئاسات لتغيّر السياسات،فهل سينتظر العرب شيئا من هذه الجولة أم أن الانتظار سيكون سيد الموقف، إن غدا لناظره قريب.
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بعد سبع سنوات على ولايته،وبعد سبع جولات لوزيرة خارجيته في سنة واحدة في المنطقة أيضا، يحاول الرئيس الأمريكي تحقيق عجائب السياسة السبع أولها موضوع الدولة الفلسطينية وثانيها ما تبقى من صراع عربي إسرائيلي وثالثها التطبيع فيما رابعها يتعلق بالأزمة اللبنانية والخامسة العراقية أما السادسة الإيرانية والسابعة مزيج من الباكستانية والأفغانية باختصار حمّل الرئيس جورج بوش نفسه ما لم يحمله أي رئيس أمريكي ممن سبقه،فماذا في هذه الجولة والى أين يمكن أن تصل نهاياتها؟في المبدأ سيل من الأسئلة التي تطرح نفسها وتبحث عن أجوبة في ثنايا ألازمات التي تغرق فيها المنطقة،ومهما يكن من أمر الزيارة وتداعياتها ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها من بينها:
- طبعا ليست الزيارة الأولى بل سبق أن سجل العديد منها وبخاصة الخاطفة وغير المعلنة،لكنها الأولى التي تشمل دولا عدة وبرامج متنوعة،وفيما كانت الزيارات السابقة نوعا من زيارات التبرير والتوضيح والدعم للسياسات الأمريكية في المنطقة تأتي الجولة الحالية في نهاية الولاية الثانية والتي تعتبر بحكم العرف مرحلة الغيبوبة السياسية للسياسات الأمريكية التقريرية والتنفيذية،فعمليا دخلت أميركا زمن الانتخابات الرئاسية ولن يكون بمقدور احد متابعة ملفات السياسة الخارجية بما هو معلن أو بمعنى لن يكون مسموحا به اتخاذ قرارات فارقة في هذه المرحلة، وعليه إن الزيارة في أحلى توصيفاتها لن تكون بأفضل من تصنيفها كلزوم ما لا يلزم.
- تأتي هذه الجولة في خضم تراجع السياسات الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة، وفي ظل تدهور واضح في شعبيته وانهيار حظوظ حزبه تولي الرئاسة مرة أخرى، لا يجد الرئيس جورج بوش بدا من الحراك السياسي في منطقة قابلة للبيع والشراء والاستثمار السياسي في جميع الجهات.
- وإذا كانت من بين الأهداف المعلنة للزيارة تحريك المسار الفلسطيني الإسرائيلي فهو لن يضغط باتجاه الحل المتوازن بدليل ما صرّح عنه علانية بقوله انه لن يجبر أحدا على قبول ما لا يرغب به،وبطبيعة الأمر لن تكون إسرائيل موضع ضغط أو مساءلة أمريكية فمؤتمر انابوليس حدد السقف السياسي للتحرك الأمريكي بإرادة إسرائيلية واضحة وبالتالي إن الجانب الفلسطيني عليه تحمل وزر التنازلات المجانية والتفاوض مع إسرائيل بهدف التفاوض ليس إلا.
- وإذا كان الهمّ الإسرائيلي هو الأبرز مع المسار الفلسطيني فان باقي المسارات لا سيما السوري واللبناني لن يكونا بأحسن حال،فالمسار السوري في هذه الجولة تحديدا استبق بحملات واسعة تحت عناوين مختلفة، ولم تتجاوز واشنطن تفسير الحضور السوري في انابوليس سوى اعتباره سلفة غير قابلة للصرف السياسي حاليا،ومن هنا تأتي الجولة الرئاسية الأمريكية كمرحلة ضغط باتجاه دمشق لتقديم جرعات إضافية لا سما في الملف اللبناني على وقع مستجدات ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
- وفي موضوع متصل تهدف الزيارة ببعض وجوهها ومواقعها إلى تشجيع الجانب العربي على التطبيع مع إسرائيل ولو دون مقابل عملي،فالصور الملتقطة في انابوليس استنفدت غاياتها وباتت أحوج ما تكون فيه إلى جرعات إضافية باتجاه تقارب عربي إسرائيلي علني يمكن أن يستخدم كإنجاز فارق في سياسة بوش الخارجية ولو في آخر ولايتها.
- وغريب المفارقات في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية ما نقلت لبنان إلى رأس اولوياتها وربما مستبقا العراق نفسه،فلبنان بات متلازما للأمن القومي الأمريكي وتحديدا الحكومة الحالية التي باتت مرتكزا أساسيا للاستراتيجية الأمريكية في هذه الفترة،إن مقاربة ما وصلت إليه واشنطن في المنطقة بات معه تحقيق أي إنجاز حتى في لبنان نصرا استراتيجيا يؤسس لمراحل لاحقة حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية واللبنانية على السواء.والمفارقة الأبرز أن بدء جولة بوش بإسرائيل تترافق مع جولة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على القيادات اللبنانية للترويج لمبادرتها على أمل أن يكون الاستثمار الإقليمي للمشروع العربي للبنان قابل للاستثمار باتجاهات أخرى.
- إن فشل واشنطن في العراق تجعل من الجولة الرئاسية الأمريكية الهمّ الأبرز غير المعلن في استهدافات الجولة وتداعياتها، فالترميم الأمريكي لمجمل مآزقها في العراق لم يكن سوى عمليات مقايضة بملفات أخرى ذات صلة أمنية ضد قواتها،ولم تكن معالجة حقيقية لأسباب الأزمة ومؤثراتها،وعليه إن الجولة الرئاسية من الصعب أن تقدم بدائل مناسبة لمشاكلها في العراق بل ستكون ذات طبيعية تبادلية في المنافع والملفات مع أصحاب النفوذ الآخرين في العراق.
- وربما القضية الأصعب والأبرز في الجولة هي القضية الإيرانية بملفاتها المتشعبة والمتنوعة،بدءا بملف البرنامج النووي وانتهاء بعلاقات إيران مع دول الجوار الجغرافي مرورا بالأثر الإيراني على مجمل ملفات المنطقة،وبالتالي ربما يكون هذا الملف من اعقد الأهداف غير المعلنة من الجولة،وهي بطبيعة الأمر تبدأ بالاحتواء وتصل إلى المواجهة،وفي أي حال من الأحوال لا تبدو عدة المقايضة متوازنة بين الأطراف الإقليمية والدولية الوافدة،وبالتالي إن رؤية صورة واضحة للملف الإيراني يبدو أمرا متعذرا في هذه الجولة.
ربما الشيء الملفت الذي لم يثر أي انتباه هو تزامن الجولة مع الذكرى الستين لوعد بلفور والذي سيحتفل به الجانبين الأمريكي والإسرائيلي سوية والذي سيكون علامة فارقة في الجولة والتي لن يتمكن أي إنجاز من تتويجها وفقا للمبتغى الأمريكي تحديدا.فواشنطن غاصت في عناوين مختلفة أدت بغالبيتها إلى فشل موصوف من الصعب تغطيته بأي اختراق،وتبقى الزيارة عنوانا لنهاية مرحلة رئاسية وصفها الكثيرون بمرحلة الهوّج السياسي والعسكري الدولي،على أن هذا الكلام لا يعني بالضرورة أن خروج الجمهوريين من البيت الأبيض سيشكل تغيرا جوهريا مع الديموقراطيين لاحقا،بل قدر العرب دوام المراهنة على تغيّر الرئاسات لتغيّر السياسات،فهل سينتظر العرب شيئا من هذه الجولة أم أن الانتظار سيكون سيد الموقف، إن غدا لناظره قريب.