07‏/06‏/2008

ماذا في مشروع المعاهدة الأمريكية العراقية؟

ماذا في مشروع المعاهدة الأمريكية العراقية؟
د.خليل حسين
رئيس المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية والدولية

على الرغم من أن تفاصيل المعاهدة التي يجري التفاوض بشأنها -التي اتفق عليها في تشرين الثاني 2007 في مذكرة التفاهم بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس الأمريكي جورج بوش- سرية، ، فقد سربت مصادر عراقية مسودة هذا الاتفاق والذي كشف عن صيغة تبرر الوجود العسكري الأمريكي لأجل غير محدد، إذ تسعى لإحلال القوات الأمريكية محل الأمم المتحدة هناك بما يبيح للولايات المتحدة القيام بعمليات عسكرية غير محدودة في العراق واستباحة أرضه وسمائه ومياهه ولو ضد دول الجوار.أما ابرز خلفيات ما جاء في الاتفاق:
- البحث عن صيغة قانونية قبل انتهاء عهد الرئيس الأمريكي الحالي بوش تضمن بقاء القوات الأمريكية بشكل شرعي في العراق وتوفير ما بين 4 و12 قاعدة عسكرية دائمة أو غير دائمة في الأراضي العراقية؛ بغرض إظهار إدارة بوش على أنها خرجت منتصرة من الحرب، وبما يسمح بسحب جزء من القوات لتخفيف ضغط الديمقراطيين وغالبية الشعب الأمريكي المعارضين لاستمرار الاحتلال الأمريكي؛ بسبب حجم الخسائر البشرية.

- محاولة التوصل لصيغة بهدف إقامة قواعد عسكرية أمريكية دائمة أو مراكز لتجمع القوات، كبيرة وبعيدة عن أماكن التجمعات السكانية والمدن الكبيرة، وتشير تقارير عراقية في هذا الصدد إلى أن واشنطن تدرس فكرة استخدام المعسكرات القديمة للجيش العراقي كمراكز تجمع تتحول لقواعد دائمة في المستقبل بحيث يجرى تجميع هذه القواعد العراقية (106 قواعد) إلى 14 قاعدة موزعة على أرجاء متفرقة من العراق بما يضمن سيطرة هذه القوات على أنحاء العراق، ويمكن تحويلها لأربع قواعد عسكرية كبرى مستقبلا هي: (قاعدة السعد) في غرب العراق، و(قاعدة بلد) في الوسط، و(قاعدة أربيل) أو (القيارة) في الشمال، و(قاعدة في جنوب العراق غير محددة)، بحيث تتكامل مع القواعد الأمريكية في الكويت والخليج، وهو ما يعتبره خبراء عسكريون مقدمة لتنفيذ المخططات الأمريكية في المنطقة لتطويق إيران وربما ضربها.

- بحجة الإرهاب والأخطار الخارجية –خصوصا إيران– يطرح الأمريكيون في الاتفاق فكرة قيام القوات الأمريكية بالإشراف على وزارتي الداخلية والدفاع والاستخبارات العامة لمدة عشر سنوات؛ ما يعني إلغاء السيادة العراقية تماما وتحويل هذه الأجهزة لحماية قوات الاحتلال والدفاع عن مصالح المتحالفين معها ووضع العراق تحت الوصاية الأمريكية.

- تسعى معاهدة الوصاية الأمريكية لتوقيع اتفاقيات نفطية بعيدة الأمد مع العراق تعطي لشركات النفط الأمريكية السيطرة على الآبار العراقية بما يضمن إمداد العراق لأمريكا بالنفط لسنوات طويلة بأسعار أرخص من الأسواق العالمية ضمن ما سمي "قانون النفط الجديد" الذي يمنح الشركات الأمريكية حقوقا وامتيازات تسمى "بالمشاركة" التي تستمر إلى نحو 33 عاما.
- تسعى المعاهدة للإيحاء بوجود علاقات دبلوماسية بين طرفين سياديين وفتح سفارة أمريكية في العراق، بيد أن المعلومات التي نشرت عن هذه السفارة الأمريكية في العراق تشير لأبعاد أخرى تتعلق بنظرية الوصاية على العراق وتظهر السفارة كدولة داخل الدولة العراقية؛ إذ إنها من أكبر السفارات في العالم على الإطلاق، فمساحتها 104 هكتارات وفيها 21 مبنى ضخما وتتوفر فيها آخر مقتنيات العصر في توفير الراحة والأمن ووسائل الاتصال، وحتى السينما والمسرح وحمامات السباحة والمطاعم ، وقد بلغت تكلفة هذه السفارة ما بين 750 مليون دولار إلى بليون دولار؛ ما يحولها لمركز لإدارة المهمات العسكرية والدبلوماسية في العراق وفي الشرق الأوسط كله مستقبلا.
ويعتبر المطلب الخاص بحصانة الجنود الأمريكان ومرتزقة شركات الأمن الأمريكية الخاصة من أخطر المطالب الأمريكية في العراق بالنظر لجرائم هؤلاء في الآونة الأخيرة.إذ أن هذه الشركات المرتزقة العاملة في العراق تعمل وفق مرسوم وضعه الحاكم الأمريكي للعراق عقب احتلاله بول بريمر، فوفقا للعقود المبرمة معها واستنادا كذلك إلى المرسوم الذي أصدره الحاكم الأمريكي السابق في العراق بول بريمر عام 2004 والمسمى "القاعدة 17"، فإن "القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات ورعايا هذه الدول المقيمين في العراق والشركات الأمنية الخاصة "معفون من أي مساءلة قانونية أمام المحاكم العراقية ولا يشملهم القانون العراقي"!
وبالتالي فليس للحكومة العراقية الحالية أي سلطة على هؤلاء المرتزقة وليس لهم أي سند قانوني يخولهم سحب ترخيص بلاك ووتر، أو أي من الشركات الأمنية الخاصة، بل لا تستطيع الحكومة -قانونا- محاكمة أي مجرم من هذه الشركات ارتكب مجازر بحق المدنيين؛ لأن هذه الشركات الأمنية الخاصة في العراق تتمتع نظريا بحصانة دبلوماسية وتتوقف الملاحقات القضائية المحتملة ضدها على القرار السياسي.