03‏/06‏/2008

تحديات المحكمة الخاصة بلبنان ولجنة تحقيقها

تحديات المحكمة الخاصة بلبنان ولجنة تحقيقها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

ثمة شعور سائد لدى المتابعين أن المبادرة المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان ولجنة التحقيق الدولية باتت خارج نفوذ أصدقائهم التقليديين في بيروت. كما أن الصداقات في لبنان والمنطقة بدأت تتغير. وبالتالي يتوقّعون الكثير من التطورات لاحقا، باعتبار ان الأجهزة الأمنية تتمتع بحرية سياسية أكبر في «الأزمنة الرمادية». وبالتالي تخشى أن يلجأ كل فريق إلى مزيد من التكتم في تحركاته ضمن معادلة زواج الضرورة السياسي الحاصل وبغية طمس ما قد يكشف حقيقة أعماله عندما كان متمتعاً بقسط اكبر من حرية الحركة.إضافة إلى ذلك ثمة ملاحظات متصلة أبرزها:

- ثمة من يقول أن «صبر السلطات اللبنانية قد نفد فيما يختص بقضية بدء عمل المحكمة الدولية، كما بدأت تشعر بأنها سراب وبأن المجتمع الدولي يتخلى عنها، وبالتالي أن إطالة عمل لجنة التحقيق الدولية الخاصة باغتيال الحريري ستة أشهر سيؤدي إلى تأخير انطلاقة المحكمة إلى أجل غير مسمى.
- كما أن الاحتفاظ بالضباط الأربعة رهن الاعتقال لن يطول، وإذا خرجوا من السجن فستكون الموالاة في وضع حرج على الصعيدين الداخلي والدولي.كما ثمة خشية من تبديد جهد اللجنة والتمديد لها مرة أخرى في نهاية العام الحالي، ولن يكون من شأن ذلك، إذا حصل، تمكين المدعي العام الدولي من التوصل إلى اتفاق مع قاضي ما قبل المحكمة. وحتى لو جرى اتفاق، قد لا تقبل هيئة المحكمة بتوجيه اتهامات دون إرفاقها بقرائن وإثباتات تتناسب مع المعايير القانونية.
- ثمة خشية من المناخ الأمني الانتقالي الحالي في لبنان. ففي المناخ السابق كانت لجنة التحقيق تعمل في تنسيق مستقر نسبياً مع قوى أمنية منسجمة معها، لكنها في الصيغة الجديدة ستستغرق عملية بناء الثقة بينها وبين قادة الأمن وقتاً
طويلاً.
- ثمة خوف لدى أعضاء اللجنة الدولية، حتى قبل الأحداث الأخيرة. فمنذ تقديم القاضي بلمار تقريره الأول، وبعد اختفاء الشاهد محمد زهير الصدّيق، لم تعد الثقة كسابق عهدها بين بلمار من جهة وسلطات الأمن الداخلي اللبناني من جهة أخرى. حتى إنه تحرّك أحياناً في الشارع دون إبلاغ السلطات الأمنية عن وجهته، كما جرى في التحقيق في قضية اغتيال جورج حاوي.
- بقد ابتعد بلمار كثيراً عن مسار التحقيق الأول الذي رسمه المحقق الألماني الأسبق ديتليف ميليس الذي حظى برضا فريق 14 آذار. وبدا بلمار مكملاً لخط سلفه سيرج براميرتس الذي تعرّض معه لنقد الموالاة، وكذلك ميليس نفسه. وجه بلمار اتهامه الواضح نحو «شبكة إجرامية»، وبذلك كاد يخرج سوريا والضباط الأربعة ضمناً من دائرة الشبهة الأولى، أو هكذا بدت الأمور لهم في الوقت الراهن. ثم إنه ترك الباب موارباً أمام تشعبات القضية، ومنها التقاطع بين الجماعات المتطرفة السنيّة وميليشيات استنبتت في مرحلة ما من مراحل الأزمة اللبنانية التي تلت 14 شباط 2005. وإذا مضى بعيداً في البحث عن «الحقيقة»، فربما لن تسرّ الحقيقة التي سيكتشفها أولئك المستثمرون فيها.
- ثمة أمر ىخر وهو الانفتاح الفرنسي ـــ السوري، والمفاوضات السورية ـــ الإسرائيلية عبر تركيا، التي لا تبدو أن واشنطن تفعل ما يكفي لتعطيلها. كلها أمور قد تضعف الرهان على تغيير النظام في سوريا، التي كانت العدو الأول لـ«ثورة الأرز». ولا يزال التمويل الخجول لمشروع المحكمة يُقلق، فصندوقها يضم أربعين مليون دولار من أصل 130 مليوناً مطلوبة للسنوات الثلاث الأولى. وفي عالم التقلّب الراهن، من السهل على الدول التملص من أي التزام إذا تضاربت مصالحها السياسية مع انطلاق عمل المحكمة.
بلمار تحرك في الأشهر الماضية في تحقيقاته بسرية باغتت حتى القوى الأمنية الخاصة في بيروت، في ظروف أمنية وصفها هو نفسه لأعضاء مجلس الأمن الدولي بالخطرة، علماً بأن تقريره سبق الأحداث الدرامية التي دارت في بيروت الأسابيع الأخيرة.
ربما لم تتأثر لجنة التحقيق مباشرة بالأحداث الأخيرة، لكن ما جرى يستدعي مضاعفة عدد أفرادها وعدد حراس الشهود، ولا سيما إذا ما ظلت الأمور على توترها، كالجمر تحت الرماد. وحتى لو هدأت الأوضاع بفعل جهود عربية ودولية، فإن السنة الانتخابية في لبنان وخارجه قد تترافق مع مخاض مؤلم، وهذا يقتضي توافر مساهمات مالية كبيرة، وكوادر بشرية غير اعتيادية.إذ أنه من الصعب في الظروف الانتقالية الراهنة الإتيان بعناصر أمنية أجنبية من الخارج قد توصف من جانب هذا الفريق أو ذاك بأنها تنتمي إلى جهة معينة.
ثمة مصاعب كثيرة تنتظر عمل لجنة التحقيق والمحكمة إذ أنها ستكون مرتبطة بالعديد من القضايا التي يمكن استثمارها بطريق أو بآخر ،وبالتالي إن ما يشاع عن قرب انطلاقة فاعلة لا يعدو كونه آمال وتمنيات لا تمت للواقع بصلة.