23‏/03‏/2009

اميركا وايران : طرفا المقص في مؤتمر لاهاي

اميركا وايران : طرفا المقص في مؤتمر لاهاي
د.خليل حسين
استاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

في سابقة هي الاولى من نوعها في عهد الدموقراطيون الجدد في البيت الابيض،بادر الرئيس الامريكي،باراك اوباما، الى اطلاق سلسلة اشارات واضحة الى ايران،هدفها اطلاق حوار حول العديد من القضايا.وعلى الرغم من تقديم العديد الاوراق المسبقة الدفع سياسيا،اتي الرد الايراني سريعا وبلهجة متحفظة.ويبدو أن أوباما ماضٍ في عزمه على فتح حوار مع إيران، ومن المرجح ان تكون البداية عبر افغانستان، بعد أن قدمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية دعوة إلى طهران للمشاركة في مؤتمر دولي حول أفغانستان سيعقد في 31/3/2009 في مدينة لاهاي بهولندا.
ويعود آخر اجتماع ايراني - اميركي الى أواخر عام 2001 في بون الألمانية، حيث تمَّ وضع ترتيبات مرحلة ما بعد سقوط طالبان، وبعد أكثر من سبع سنوات، يتكرر المشهد حيث تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتعاون الإيراني بهدف الخروج من المأزق الأفغاني ولاحقا العراقي.وما بين دعوة كلينتون ومن ثم اوباما ،والردود الإيرانية المتحفظة، ظهرت أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول ما يمكن أن تقدمه طهران لواشنطن للخروج من ورطتها الأفغانية ، وما الذي تريده في المقابل من واشنطن؟ وكيف يمكن لهذا التقارب أن يخدم أهداف الطرفين في المنطقة؟ وما تأثيره على بقية الملفات العالقة ؟.فبحكم الجوار الجغرافي، والتاريخ الديني والثقافي المشترك ، تملك طهران أوراقا هامة من بينها:
- الحدود المشتركة التي تصل إلى 978 كيلومترا ، وتشكل أحد أهم المرافق الحيوية لربط أفغانستان بالبحر وبالشرق الأوسط وأوروبا، كما تشكِّل أفغانستان ممرا هاما لإيران إلى آسيا الوسطى والصين.
- المهاجرون الأفغان الذي يبلغ عددهم أكثر من مليون يعيشون في إيران، وتشكل قضية ترحيلهم أحد الأمور الخلافية بين البلدين.
- العلاقات القريبة مع أطراف أفغانية وبخاصة الأحزاب الشيعية وكذلك التيارات السياسية غير البشتونية من عرقية كالطاجيك والأوزبك والهزارة.
- العلاقات الثقافية المشتركة كانتشار اللغة الفارسية في أفغانستان حيث يتحدث بها أكثر من 60% من مختلف عرقيات الشعب ويقرأ بها معظم المثقفين.
- العلاقات القريبة مع الجوار الإستراتيجي كأفغانستان وطاجكستان والصين وروسيا.
- الدور الإيراني في جهود إعادة إعمار أفغانستان إيران تعهدت بتقديم 500 مليون دولار لهذا الغرض منذ أوائل عام 2002، وقامت بتنفيذ العديد من المشاريع خصوصا في الغرب الأفغاني.
اما في الجهة الامريكية المقابلة،ففي إطار جهودها للخروج من الورطة الأفغانية، تقوم إدارة الرئيس أوباما بمراجعة شاملة لإستراتيجيتها في أفغانستان، ويشكل أقلمة الحل أحد أهم دعائم هذه الإستراتيجية الجديدة التي بدأت ملامحها تظهر في الأفق.فقد جرّبت واشنطن في عهد الجمهوريين تدويل الحل، عبر إدخال الناتو والاتحاد الأوروبي في إدارة الملف الأفغاني في مرحلة ما بعد طالبان، لكن فشل التدويل في إرساء الأمن وضمان الإعمار والرفاهية دفع الشركاء الدوليين إلى التفكير عن حل أكثر إرضاءً للأطراف الإقليمية المؤثرة في المشهد الأفغاني ومنها ايران.
ويأتي مؤتمر لاهاي حول قضية الأمن في أفغانستان ليؤكد هذا التوجه، ومن المتوقع أن تشارك بجانب دول الثمانية الكبار دول إقليمة هامة مثل: باكستان والهند والسعودية والإمارات المتحدة والصين وتركيا، وهناك احتمال قوي لمشاركة إيران في المؤتمر، خصوصا بعد مناشدة وزراء خارجية باكستان وأفغانستان إيران، للمشاركة في هذا المؤتمر نظرا للدور الحيوي الذي تلعبه إيران في حل قضية أفغانستان.اذ يشكل التوجه نحو الأقلمة خطوة تصالحية أمريكية للمحيط الأفغاني الإستراتيجي، الذي يؤثر بشكل لافت في الأهداف الحقيقية للوجود الأمريكي في أفغانستان.
كما تسعى واشنطن إلى إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المتقاطعة لهذه الأطراف الإقليمية في أفغانستان، بهدف تحقيق حالة من الوفاق الإقليمي ينتج حالة من الوفاق الداخلي يضمن تجريد القاعدة من أي تأييد ودعم محلي وإقليمي محتمل.كما يظهر أن التوجه الأمريكي الجديد يصب نحو تحييد الدور الإيراني تجاه أي دعم محتمل للمقاومة المسلحة التي تقودها حركة طالبان وغيرها من المجموعات المسلحة داخل أفغانستان، كما تسعى سياسيا إلى كسب دعم طهران لأي خطوات باتجاه فتح الحوار مع طالبان.وفي المقابل تدرك إيران أيضا أن غيابها عن أي ترتيبات دولية وإقليمية جديدة حول أفغانستان، قد يعرّض مصالحها إلى الخطر، وأن الوقت المناسب قد حان لفرض بعض شروطها على المحاور الأمريكي، الذي يرى أن الوقت ملائم للتنازل مؤقتا عن بعض المكاسب، لتحقيق مكاسب لجهة الحجم والتأثير.
وإذا كانت واشنطن راغبة في دفع ايران لمواقف إيجابية لإستراتيجيتها العسكرية والسياسية القادمة في أفغانستان، فماذا يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لإيران إزاء الحياد الإيجابي؟.قد يكون الثمن الذي ستدفعه واشنطن محاولة الضغط على المجموعات المسلحة التي تقوم بعمليات عسكرية في إقليم سيستان بلوشستان والمناطق القريبة من الحدود الأفغانية، حيث تتهم إيران الولايات المتحدة وبريطانيا بالوقوف وراء دعم هذه الجماعات.
من الصعب رفع سقف التوقعات من الحوار الأمريكي - الإيراني حول الملف الأفغاني من حيث حصول تنازلات مجانية أو حتى مقايضات كبيرة، غير أن الحوار لو تمَّ والتعاون لو حدث، يمكن أن يشكل بداية المضي في تنفيذ سياسة كسر الجليد التي انتهجتها إدارة الرئيس أوباما في علاقاتها الخارجية خصوصا مع إيران وسوريا وروسيا.كما تشكل أفغانستان فرصة قوية للحوار بين العدوتين لوجود مصالح تبدو مشتركة في بعض وجوهها، ويمكن لمثل هذا الحوار في جو إقليمي يضم أطرافا أخرى هامة في قضايا الشرق الأوسط مثل تركيا والسعودية والإمارات أن يفسح المجال لحوارات أكثر جدية حول قضايا مصيرية في المنطقة.
في صفحة التنازلات الامريكية،للمرة الاولى سمى الرئيس الامريكي ايران بالجمهورية الايرانية الاسلامية،وهو اكثر من اعتراف واقعي ويقترب من الاعتراف القانوني بالنظام الاسلامي.وهي خطوة ربما تعتبر امريكيا كبيرة لكنها ليست كافية من وجهة النظر الايرانية ،وهذا ما اشار اليه تحديدا مرشد الثورة السيد علي خامنئي،الذي اختار عباراته الحذرة لتصل الرسالة الى واشطن واضحة دون لبس،القفاز الحريري،الذي يحوي يدا من حديد،وهو تعبير يدل على ازمة العلاقات التاريخية بين البلدين.لكن مناسبة مؤتمر لاهاي حول افغانستان ربما تكون البداية لتغيير افق التفاوض قبل الحوار المنشود اميركيا.ثمّة تعبير طريف في توصيف العلاقات المأزومة بين الدول عندما تتقاطع مصالحها،وهو "علاقة طرفي المقص في تقطيع المغانم"فهل ينطبق هذا التوصيف على علاقة واشنطن – طهران؟ ثمة الكثير من المصالح المتقاطعة في جمهوريات آسيا الوسطى!.