13‏/09‏/2009

تحديات الأمم المتحدة ووجوب إصلاحها

تحديات الأمم المتحدة ووجوب إصلاحها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الرابعة والستين وهو العمر المديد للمنظمة الدولية الذي يعج بالمصاعب والتحديات التي واجهتها في غير مجال،فما هي هذه التحديات؟ وهل من سبل لإصلاحها أم أن بوادر إحالتها على التقاعد قد بدأت بالظهور؟
في الواقع كان لإنشاء الأمم المتحدة أهداف سامية حاول مؤسسوها تفادي ما وقعت به عصبة الأمم، وإذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن تحقيق بعض ما هو ملقى على عانقها، وإذا كانت أيضاً لسبب أو لآخر قد عجزت عن رفع الظلم عن بعض الدول والشعوب ولم تتمكن من تحقيق العدل ، فإن القراءة الدقيقة تظهر اعتبارات كثيرة لذلك أبرزها:
الاعتبار الأول يتمثل في أن الأمم المتحدة لا تعمل في مجال السياسة الدولية فقط، حيث يصعب عليها في الكثير من الأحيان تحقيق النجاح الكامل وإرضاء الدول كافة والوصول إلى تحقيق العدالة، بل تعمل أيضاً في مجالات أخرى بعيدة عن السياسة من بينها الاقتصاد وحقوق الإنسان والثقافة والصحة والتعليم والبيئة وغيرها، تلك الميادين التي حققت فيها بعض النجاحات لصالح الأمم والشعوب، وهي المجالات التي علق عليها مؤسسو الأمم المتحدة آمالهم في حال فشل المنظمة في تحقيق أهدافها السياسية والأمنية، مثلما حدث لسابقتها عصبة الأمم. أما الاعتبار الثاني، فيتمثل في كون الأمم المتحدة نظاماً من نُظم المجتمع الدولي وأداة من أدوات تطبيق القانون الدولي ، وبالتالي فالأمم المتحدة لا تطبق في الواقع، ما كان يجب من وجهة النظر المثالية، أي أن يسود المجتمع الدولي قواعد العدالة، بل تطبق قواعد القانون الدولي الوضعي، التي وضعتها الدول الكبرى في ضوء مصالحها، والهدف منها ليس تحقيق العدالة بل تطبيق القانون.
ثمَّة ضرورة لمعرفة الأسباب التي أدّت إلى فشل الأمم المتحدة في تحقيق الكثير من الغايات في المجالات السياسية والأمنية والتقنية بهدف معرفة أسس الإصلاح التي ينبغي إتباعها،. وقد نال المجال الأمني القسط الأكبر من الانتقادات، بخاصة بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر وأهمها:
- العجز الواضح في حل بعض المعضلات الدولية الكبرى، ومنها قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي وكشمير وقبرص والبوسنة وغيرها.
- الإخفاق في وضع برنامج عام لنزع السلاح، وحظر أسلحة الدمار الشامل بشكل فاعل.
- عدم النجاح في إنهاء الحرب الباردة والحروب المحلية التي اندلعت في مناطق عدة من العالم.
- الفشل في تنظيم التنمية الاقتصادية، وتنسيق التجارة الدولية، وتوزيع القروض والمساعدات، وإيجاد تسوية عادلة للصراع الطبقي الدولي.ومرد ذلك الفشل يعود إلى ثلاث مجموعات من الأسباب هي:
1- ضخامة الهيكل التنظيمي : إذ أنشأت الأمم المتحدة أجهزة وفروعاً ثانوية تقوم بأعمال منافسة أو مشابهة لعمل وكالات دولية أخرى، ما أدَّى إلى الازدواجية وتضارب الاختصاصات وتبديد الموارد..وعدم وجود آليات تسمح للأمم المتحدة بالاستفادة من إمكانيات المنظمات الإقليمية في العديد من المجالات التي تقوم بها، باعتبار أنَّ تلك المنظمات أدرى وأقدر على فهم المشكلات التي تدور في محيطها ونطاقها الجغرافي؛ ومن هذه المنظمات جامعة الدول العربية، مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة الدول الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي وغيرها. وكذلك الإخفاق في تنسيق علاقاتها بالمنظمات الدولية غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات، وغيرها من الهيئات أو المجموعات العالمية التي أخذت تقوم بدور فاعل ومؤثر على الساحة الدولية ،كذلك بقاء المراكز غير الدائمة في مجلس الأمن على ما هي عليه، فمن المنطقي أن يزيد العدد بنسبة تزايد أعضاء الجمعية العام، إذ أنَّ مجلس الأمن في تكوينه لا يعكس إرادة الأمم المتحدة المكوَّنة من 192 دولة. كذلك عدم منح الجمعية العامة الصلاحيات الكاملة لتصبح مركز الثقل والقوة، فقراراتها عبارة عن توصيات. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان على سبيل المثال لا يمثل إلا توصية صادرة عن الجمعية العامة تخلو من الصفة الإلزامية.وعدم منح محكمة العدل الدولية، صلاحيات أوسع لكي تكون ولايتها إلزامية لا اختيارية، ولكي تتمكن كل منظمة دولية، خارج الأمم المتحدة من استفتائها دون الحصول على ترخيص من الجمعية العامة.
2- عدم وضوح المبادئ والقواعد العامة: وتظهر على سبيل المثال لا الحصر في:عدم وضوح مبدأي السيادة وعدم التدخل، إذ باتا يستخدمان كذريعة لارتكاب الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان.وعدم وضوح الحدود الفاصلة بين مفهوم حظر اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، كما ورد في الفقرة (4) من المادة (2) وبين حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما ورد في الفقرة (2) من المادة الأولى إضافة إلى عدم التوصّل إلى تعريف دقيق لمفهوم الإرهاب.وفيما يتعلق بالقواعد، وعلى سبيل المثال أيضاً:لم يضع الميثاق معياراً للتفرقة بين المسائل الموضوعية والمسائل الإجرائية في مجلس الأمن، وإن كان التصريح المشترك الصادر عن الدول العظمى يبيّن الفصل فيما إذا كانت مسألة بعينها مسألة موضوعية أو مسألة إجرائية تدخل في دائرة المسائل الموضوعية. وإلى جانب هذه الصعوبة نشأت صعوبة تتعلق بالتمييز بين النزاع والوضع (أو الحالة)، أو ما هي المسائل التي تعتبر أوضاعاً والمسائل التي تعتبر منازعات؟ فالتمييز بينهما مهم، وعليه يتوقف تعيين من له حق التصويت ومن ليس له هذا الحق من أعضاء المجلس. فالميثاق لا يتضمن معياراً معيناً؛ ومع أنّ هذه المسألة قد أثارت الجدل مرّات عدة في مجلس الأمن، فإنَّ المجلس لم يحاول حتى الآن تلافي هذا النقص أو الغموض،ما جعل معايير التميّيز بين المسائل الإجرائية والموضوعية، أو بين النزاع والموقف، غير ثابتة ومتغيّرة تحكمها مصالح الدول الأعضاء في مجلس الأمن.كما أنَّ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن غير ملزمة، باستثناء الحالة التي يتخذ فيها المجلس التدابير العقابية المنصوص عليها في المادة (41)، أو استخدام القوة على النحو المنصوص عليه في المادة (42). فعندئذٍ تتمتع القرارات التي يتخذها المجلس بالقوة الملزمة وتصبح قرارات بالمعنى الدقيق لهذا الاصطلاح، كالقرارات الصادرة بموجب الفصل السابع من الميثاق.
3- سياسات الدول الأعضاء: وتظهر في العديد من المسائل من بينها:تواجه الأمم المتحدة أزمة مالية مستمرة بسبب مماطلة بعض الدول في دفع مستحقاتها المالية، فعشرة دول أعضاء فقط تموِّل أكثر من 90% من إجمالي النفقات. وقد أدَّى هذا الوضع إلى محاولة بعض هذه الدول ممارسة ضغوط على الأمم المتحدة عن طريق الامتناع عن دفع حصصها أو تأخير سدادها ، فباتت الأمم المتحدة، نتيجة لذلك، تواجه تناقضا جلياً، فهي إن لم تتدخل نتيجة الصعوبات المالية بدت هزيلة الشأن وتآكلت مصداقيتها، وهي إن لم تتصرف على النحو المطلوب ووفقاً لمسؤولياتها بدت وكأنها في طريق فقدان حيادها، أو كأنها تسعى لإضفاء الشرعية على تدخل الدول العظمى، سواءً تلك التي تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن أو تلك التي تسهم بقسط كبير في تمويل نشاطات المنظمة.كما أنَّ الاعتبارات السياسية هي التي تتحكم في عملية التعيين بالنسبة للوظائف العليا في المنظمة العالمية أو حتى في اختيار المبعوثين الدبلوماسيين. كذلك لم تساهم الدول الأعضاء في التوفيق بين الوسائل والغايات، فالغايات السامية التي آلت الحكومات على نفسها أن تحققها باسم شعوبها لم تُقدم، في سبيل تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع، ما يوازيها من وسائل مادية ومعنوية. وبالإضافة إلى هذه الأسباب وغيرها، فإنَّ قدرة الأمم المتحدة على الاضطلاع بالوظائف والأدوار الموكلة إليها، تصطدم بالعديد من القيود والمعايير التي وضعها الميثاق، التي تمثل في الحقيقة موازين القوى المواكبة لإنشاء الأمم المتحدة والتي باتت تهدِّد هذا الصرح العالمي. وبذلك أضحت الحاجة لتطويره وإصلاحه ضرورة ملحة للحفاظ عليه وإبقائه، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وفي مقابل هذه الاعتبارات والأسباب ثمَّة العديد من مشاريع واقتراحات الإصلاح،منها ما قدمه الأمناء العامين للمنظمة ومنها ما رفعته بعض الدول،ومنها ما نادت به بعض المنظمات المهتمة بإنجاح عملها،إلا أنَّ القليل منها وجد الآذان الصاغية،ورغم ذلك ظلت الدول الخمسة الكبرى لها الكلمة الفصل في ذلك.وبصرف النظر عن جدية أو عدم جدية القوى المعنية في إصلاحها ،ثمَّة الكثير من عوارض الشيخوخة قد فعلت فعلها في جسم المنظمة،فهل تُحال على التقاعد في عيدها الرابع والستين وهو العمر المفترض للتقاعد في غالبية الأنظمة الدولية !؟