15‏/03‏/2010

العرب واسرائيل بين النضوج وسن اليأس السياسي

العرب واسرائيل بين النضوج وسن اليأس السياسي
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
غريب مفارقات اجتماع وزراء الخارجية العرب، اطلاق ما اسموه فرصة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية خلال اربعة أشهر،فابله رد اسرائيلي طريف،بأن العرب قد بلغوا النضج السياسي في المفاوضات،فهل ثمة ما يستدعي مثل تلك الفرص؟ وهل يمكن البناء عليها حاليا؟وما هي فرصة نجاح اطلاقها ؟.
في المبدا ثمة حراك غير محدد المعالم والاهداف اقليميا ودوليا باتجاه الشرق الأوسط، ففي وقت تتبلد فيه غيوم التأزيم وعدم وجود اي بارقة أمل لاطلاق مشاريع قابلة للحياة،اعطى العرب فرصة مجانية محدودة الزمن بين الفلسطينيين والاسرائيليين،اذ تم تجاوز العديد من المواقف والمقررات السابقة،وكأن القرارات المصيرية باتت من غير اختصاص الزعماء والقادة،او بكلام آخر بات الصراع العربي الاسرائيلي ووسائل حله غير ذي أهمية او في مراتب متدنية من اولويات العرب واهتماماتهم.فلماذا على سبيل المثال تم تجاوز مبادرة قمة بيروت عام 2002 ؟ولماذا ايضا دُفع بورقة التفاوض الجزئية، في وقت لم توافق سوريا على مثل هذه الخطوة وهي المعني الاساسي الآخر، الى جانب لبنان في هذا المسار،ربما اسئلة تستلزم المزيد من التدقيق والمتابعة.
فلم يمض اسبوع على اطلاق المبادرة والرد الاسرائيلي كان وزير خارجية تركيا في دمشق يعزز فرص اطلاق المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة، المتوقفة بإرادة اسرائيلية ، فهل من رابط بين هذا الرفض ومحاولة الاطلاق؟ وهل بامكان تركيا فعل شيء ما في هذا المسار؟ سيما وان تلميح وزير الخارجية التركية الى ان طموح انقرة في هذا السياق اطلاق المفاوضات المباشرة بين تل ابيب ودمشق.ربما سلسلة من الاسئلة التي لا تنتهي باجابات محددة،الا اذا ربطت بالحراك الامريكي على الخط الفلسطيني عبر مبعوث السلام الاميريكي جورج ميتشل، الذي قضى ردحا من الزمن من دون تقديم شيء يذكر في هذا الملف.
ان اجواء دمشق لم تصل الى نقطة النضوج السياسي للمفاوضات المباشرة مع اسرائيل،بل ان قمة الاسد واحمدي نجاد الأخيرة قد اعطت انطباعا خاصا عبر مشاركة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وهو رد واضح من جانب سوريا على المطالب الامريكية الغربية بالابتعاد عن ايران،ما يعني ان دمشق لا زالت تبحث عن السقف الأعلى في اي محاولة لادخالها في بيئة تفاوضية جديدة مع اسرائيل،بل ان التدقيق في نبرة التصريحات السورية الأخيرة تفيد مزيدا من التشدد الذي لا يعني مبدأ رفض التفاوض بهدف السلام، بقدر ما هو السعي وراء الشروط التي تضمن قاعدة انجاح المفاوضات اذا بدأت والتوصّل الى حل نهائي.
علاوة على ذلك،ان لبنان الرسمي وهو الطرف الثالث المعني في هذا الموضوع، لم يقدم حتى الآن اي اشارات معلنة حول موضوع التفاوض،وبالمقارنة مع التجارب السابقة منذ مؤتمر مدريد 1991 اذا استثنينا تجربته عام 1983،ليس بامكانه التحرك او الاتيان بأي موقف دون الرحوع الى دمشق،ما يعني ان طرفا اساسيا بات خارج اطار المسعى التركي او الاميركي،اضافة الى ذلك وان تمكن لبنان في هذه المرحلة التلطي وراء الموقف الفرنسي،فإن الطرف الداخلي الآخر وبخاصة حزب الله لن يكون بمقدوره الا الرفض لتلك الطروح، بصرف النظر عن فشلها او نجاحها.
فالجانب العربي المتمثل بسوريا ولبنان وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية،لم تنضج ظروفهما لا الذاتية ولا الموضوعية لتقبل مثل هذا الثناء الاسرائيلي وهضمه،فإسرائيل حتى الآن لم تقدم اي شيء يذكر للفلسطينيين منذ اطلاق مفاوضات اوسلو واتفاقاتها المعلنة وغير المعلنة،كما لم تقدم لدمشق ما يرضيها ويشجعها على التوغل اكثر،كما انها لم تقدم للبنان سوى المزيد من الخروق والتهديد والوعيد من وقت لآخر.
ان اطلاق المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية غير المباشرة في اطارها الزمني المحدود، هو في حكم الموت السريري،فثمة المزيد من المعوقات التي لا يستهان بها،لجهة موضوع المستوطنات وبخاصة في القدس،علاوة على اعلان اسرائيل لضم بعض المقدسات الاسلامية كالحرم الابراهيمي وغيره،اضافة الى ان واشنطن تحديدا وهي الراعية لهذه المفاوضات لن تعر اهتماما كافيا لها في ظل الانشفال القادم لجهة انتخابات الكونغرس،الا اذا استعمل هذا الملف وهو كذلك من قبيل عدة الشغل السياسية المشتركة بين تل ابيب ووواشنطن،باعتبار حاجتهما الى مكسب دبلوماسي تكتي في هذه الظروف،لجهة الانتخابات النيابية الاميركية وكذلك حاجة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى شيء من الدعم في اطار مأزقه الائتلافي الحكومي الذي يترأسه.
في العام 2006 وفي الوقت الذي كانت تشن اسرائيل عدوانها عل لبنان، كانت تركيا ترعى مفاوضات اسرائيلية سورية غير مباشرة في انقرة،واليوم في الوقت الذي تشتد نبرة الحرب في المنطقة تتحرك انقرة باتجاه دمشق ايضا،فهل ثمة ما ينبئ بجديد ان كان لجهة المفاوضات ام العدوان على لبنان او غزة؟ان الاستناد الى السوابق في الماضي القريب كما البعيد، لا تلغي فرضية استعداد اسرائيل الدائم لشن الحروب هربا من استحقاقات السلام التي اوهمت العرب به.
في الايام القليلة القادمة ستعقد القمة العربية في ليبيا في ظل ظروف عربية واسلامية استثنائية كالعادة، فهل صفة الاستثنائية ستستدعي من العرب مزيدا من التنازلات المجانية وبالتالي اعلان التخلي عمليا وواقعيا عن مبادرة السلام العربية المُقرّة في قمة بيروت ،ام ان استثنائية الظروف ودقتها ستستدعي مزيدا من التصلب بمواجهة اسرائيل والتمسك بالمبادرة.لقد احسنت اسرائيل تعبيرا عندما وصفت مقررات وزراء الخارجية بأن العرب قد وصلوا الى سن النضج السياسي للمفاوضات،بينما واقع الامر كذلك يشير بأن اسرائيل قد تجاوزت سن اليأس السياسي ولم تعد قادرة لا على حمل التفاوض ولا انجاب السلام،وجل ما في الأمر حمل وهمي في احسن أحواله مشروع سلام مشوه غير قابل للحياة سيما لن يتم حمله سوى اربعة اشهر.