27‏/03‏/2010

قمة دورية .. قرارات عادية.. لظروف استثنائية

قمة دورية .. قرارات عادية.. لظروف استثنائية
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com

ربما تحديات العرب وقمتهم العادية تفوق الامكانات المفترضة لما هو مأمول منها،ذلك قياسا على تجارب القمم السابقة.وبصرف النظر عن المقاربة الموضوعية لمجمل الظروف المحيطة بكل انعقاد قمة، وما صدر عنها من توصيات ومقررات وما تم تنفيذه، تبقى الظروف المستجدة أكثر قسوة وتتطلب المزيد من الجهد، لايقاف المزيد من حالات الابتزاز السياسي الذي يلوح في افق المنطقة. فالقمة تعقد في ظروف أفضل بكثير عما سبقها، لجهة اعادة وصل ما انقطع بين بعض دولها،ما يشكل عاملا مساعدا للخروج بحد أدنى من الاتفاق على قضايا مصيرية كانت حتى الأمس القريب، مدار جدل وخلاف قويين، أثَّر حتى على بنية النظام الاقليمي العربي وترك تداعيات سلبية قاسية على مستوى العلاقة بين اركانها الرئيسيين.
صحيح ان ثمة فروق واضحة في مقاربة وسائل وآليات الحلول للكثير من الأزمات العربية البينية،كما العربية الاقليمية،الا ان ما استجد مؤخرا يعطي دفعا باتجاه وجوب تصويب القوى باتجاه الملفات الأكثر الحاحا على الصعيدين العربي والاقليمي. فاللقاءات التي سبقت القمة ومنها الاتصالات السورية السعودية والمصرية، تؤشر الى مسار مختلف عما سبقه خلال السنوات الخمس الماضية ،وهي بطبيعة الحال من المفترض ان تؤثر على اجواء القمة ومداولاتها ومقرراتها.
وعلى الرغم من هذه المقارقة المطلوبة،تبقى العبرة في آليات ومسار استثمارها لاحقا،فالنظام الاقليمي العربي يعج بالقضايا التي تتطلب تحركا فاعلا يؤسس لتضامن عربي من النوع القابل للصرف السياسي،سيما وان الكثير من تلك القضايا تتطلب اجابات واضحة،والا ستصبح كغيرها من القضايا المنسية منذ زمن طويل.
التحدّي الأول الذي يواجه القمة العربية موضوع تهويد القدس، وهو الموضوع الذي استحوذ على القسم الأكبر من مقررات القمم العربية السابقة ،وكذلك مقررات منظمة المؤتمر الاسلامي ولجنتها الخاصة بالقدس،الا ان التدقيق في مجمل تلك القرارات وكيفية التعامل مع آليات تنفيذها،تظهر ان ثمة قصورا كبيرا في فهم كيفية التعاطي العربي مع قضية بهذا الحجم.فلا الادانات ولا الشجب ،ولا اللجوء الى المحافل الدولية كان الحل، ولا اللجان المختصة،ولا الصناديق المالية للدعم كانت كافية،ما جعل القدس وقضاياها عنوانا دائما في كل محافل العرب واجتماعاتهم وقممهم،الا ان شيئا لم يتحقق، المزيد من المستوطنات، المزيد من تغيير المعالم،المزيد من عمليات الضم والفرز والاقتطاع للأراضي ..،فما العمل؟ان التعويل على بعض المقررات في البيان الختامي للقمة العربية، يبدو امرا عاديا ومألوفا في مثل تلك المنتديات الدورية العربية، لكن العبرة في كيفية التعاطي مع اصل الموضوع ومنذ بدايته.فعلى سبيل المثال،لقد كان ردّ فعلنا على بناء كنيس الخراب متأخّرًا ويؤشر على التقصير الواضح في متابعة شؤون القدس والتفاعل معها، فالاحتلال أقرّ بناء الكنيس منذ العام 2001 وبدأ ببنائه في عام 2006، ولو كان ردّ الفعل العربي آنذاك ،مشابها للهبة التي حصلت عند افتتاحه، لربما ، ما كان ليُبنى في الأساس.
التحدي الثاني وفي الموضوع الفلسطيني أيضا،موضوع الاستيطان،الذي بات هما مزدوجا للعرب بعامة وللفسطينيين بخاصة.فعلى الرغم من عدم مشروعيته وفقا لكافة المقاييس القانونية والأخلاقية والدينية والشرعية،ظلت المطالبات العربية بوقفها من نوع ، لزوم ما لا يلزم، اذا ما رُبطت المطالبة، بالجهة التي يتم التوجه اليها.فالولايات المتحدة بمختلف اداراتها المتعاقبة لم تولي يوما الاهتمام بالمطالبات العربية لجهة الضغط على "اسرائيل" لوقف الاستيطان ،وبدلا من ان يتمكن العرب من التوصّل الى حد معقول في هذه المطالبات،تراجعوا مجددا من صيغة ايقاف الاستيطان،الى صيغة تجميد عمليات الاستيطان، والمضحك المبكي ربطه أيضا باستئناف مفاوضات السلام مع اسرائيل ،والدولة الموعودة للجانب الفلسطيني.فماذا قدمت القمم السابقة، وماذا ستقدم القمة الحالية من مقررات ومتابعات؟
التحدي الثالث،ذات الصلة ايضا بالصراع العربي "الاسرائيلي"، الموقف المفترض من عملية السلام ومفاوضاتها المتعثرة مع بعض العرب،والمتوقفة مع بعضم الآخر.هل سيتم دعم اطلاق المفاوضات الفلسطينية "الاسرائيلية" ذات الأربعة أشهر، بدفع جديد ، وبالتالي اطلاق رصاصة الرحمة على مبادرة قمة بيروت؟ ام ثمة مفاجآت منتظرة ما بعد القمة،بخاصة بعد لقاء نتنياهو اوباما السري اذا جاز التعبير في البيت الابيض؟
التحدي الرابع، يتعلق بالعلاقات البينية العربية، وما يمكن ان تقدمه القمة في مجال اعادة احياء التضامن العربي في حدوده الدنيا، لمواجهة المستقبل القريب المعلوم المجهول؟ ثمة بارقة امل يمكن البناء عليها،لكن التجارب السابقة غير مشجعة البتة،فكثيرا ما كان العرب يفترقون عند اول منعطف يواجهونه ولا يملكون اي اجابات حتى على القضايا المبتوت فيها اصلا.
كثيرة هي التحديات التي تتطلب مواقف مغايرة للتي اعتدنا عليها،وربما تطول اللائحة بطول خطوط العرض والطول، التي تلف عالمنا العربي بأزماته ومشاكله. فرغم خصوصية الظروف واستثنائيتها،عُقدت القمة العادية االثانية والعشرين وسط نكسات ونكبات، فاقت تداعياتها توصيف ذلك الزمن الغابر من عمر العرب وصراعهم مع "اسرائيل".بالأمس اغتصبت فلسطين ومئات التوصيات والقرارات استتبعت لاعادتها الى عرين العروبة والاسلام، واليوم تستكمل حفلات الضم للمقدسات،وغدا تُحضر المجازر،فماذا بعد؟
ربما اهمية انعقاد القمة انها اعادت وصل ما انقطع بين العرب انفسهم،بعد طول خلاف، بين معتدلين ومتطرفين كما اسموهم،وربما ايضا ان المهم هو الاجتماع بصرف االنظر عن المقرارات ومدى فعاليتها،لكن الأهم تدارك ما ينتظرنا بعد كل اقتراح او مشروع او قرار.لقد استنفد العرب كامل اوراقهم العسكرية كما التفاوضية،وبات الجدل قائم الآن، حول بقايا مقترحات من هنا او هناك، أفلا يستدعي هذا الواقع قمة ومقررات استثنائية، بدل ان تكون عادية بانعقادها ومقرراتها وحتما بدون ظروفها ؟!.