21‏/04‏/2010

خلفيات السجال الصاروخي الاسرائيلي وآفاقه

خلفيات السجال الصاروخي الاسرائيلي وآفاقه
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الامارايتية 20 - 4 – 2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com
في تموز العام 1981 افتعلت اسرائيل ضجيجا اعلاميا غير مسبوق في الصراع مع سوريا،على قاعدة نصب دمشق لصواريخ سام المضادة للطائرات في الغرفة الفرنسية في عيون السيمان اللبنانية،المنطقة المطلة استراتيجيا حتى مضيق جبل طارق غربا وباب المندب جنوبا وما بينهما من ممرات جوية وبحرية وبرية حساسة، لم تتوان اسرائيل آنذاك عن تصعيد الموقف الى ان نفذت غارات على مواقع البطاريات السورية،والتي اعتبرته اسرائيل اعادة ميزان القوة الاستراتيجي لمصلحتها.
وما عزز الاقتناع السوري في بداية ثمانينيات القرن الماضي اهمية الارتكاز على الدفاع الصاروخي في مواجهة اسرائيل،المعركة الجوية الشهيرة بين الطرفين ابان اجتياح اسرائيل للبنان في حزيران العام 1982.أذ دأب الرئيس الراحل حافظ الأسد على المضي في سياسة بناء التوازن العسكري مع اسرائيل من خلال منظمومة الصواريخ الروسية من فئة سكود بأجيالها المختلفة والمتنوعة قدرة ومدى.
ويأتي السجال "الاسرائيلي" – الامريكي الحالي على قاعدة حصول حزب الله على صواريخ سكود عبر دمشق ،ليعيد اجواء ثمانينات القرن الماضي الى الواجهة مع فرق كبير في الظروف والاهداف والآمال،فما هي الخلفيات وحدود التداعيات؟وهل من الممكن ان تتطور الأمور الى مواجهات تعيد الى الأذهان صورة الزمن الغابر من الصراع العربي – "الاسرائيلي"؟
في الواقع ثمة ظروف مختلفة،كما الوقائع والأهداف،لكن ما يُثار يؤشر الى معطيات تحيكها تل ابيب وتحاول من خلالها النفاذ الى مرحلة القرار بإفتعال حرب بصرف النظر عن نتائجها وتداعياتها.فـ "اسرائيل" تدرك تماما رغم نوعية صواريخ السكود المصنّفة باليستية،أن هذا النوع لا يعتبر بالضرورة لوحده قادر على قلب موازين القوى بشكل دراماتيكي لمصلحة من يمتلكه،وبخاصة في ظروف الحرب النظامية،فلا يعدو كونه سلاحا يشكل ارباكا قويا للمناطق الداخلية لكنه غير قابل لفرض نتائج سياسية لأي معركة محتملة.
لكن الواقعة التي تنطلق منها "اسرائيل" هي تحديدا ما آلت اليه ظروف ومعطيات العدوان "الاسرائيلي" على لبنان في العام 2006، اذ برهن سير المعارك ان المقاومة اللبنانية التي اجادت استعمال صواريخها تمكّنت الى حد بعيد من ارساء معادلات عسكرية جديرة بالمتابعة والتدقيق، فرغم تفوّق "اسرائيل" الجوي الكاسح بالمقارنة مع قوة المقاومة وكذلك العديد من الجيوش النظامية العربية، لم تتمكن من حسم اي معركة جزئية في ذلك العدوان، بل ان احد الأهداف الأساسية المعلنة للعدوان وهو تدمير صواريخ المقاومة لم يتحقق ولو جزئيا،بل كانت معارك صواريخ المقاومة هي التي ادارت الدفة السياسية للعدوان وادت الى ما ادت اليه من نتائج كارثية على الواقع الاستراتيجي "الاسرائيلي". من هنا التخوّف "الاسرائيلي" من امتلاك المقاومة اللبنانية لصواريخ سكود الذي يمكن ان تعيد التجارب السيئة الذكر بالنسبة اليها،انطلاقا من ان الصواريخ قد وقعت او ربما وقعت في يد قوة غير نظامية وهي أخطر واقدر بكثير على استعمال هذا النوع من السلاح، وبالتالي حصد النتائج السياسية غير المرغوبة "اسرائيليا". وما يعزز هذا الاعتقاد منسوب الهيجان السياسي والعسكري للقيادات "الاسرائيلية"،ونوعية التهديدات التي اطلقت تجاه دمشق على قاعدة ضرب البنى التحتية السورية والتهويل بإعادة سوريا الى العصر الحجري.
وبصرف النظر عن حصول المقاومة على صواريخ سكود عبر سوريا ام لا، فإن لـ "اسرائيل" سوابق كثيرة في افتعال الأزمات والسجالات كما خلق التبريرات للوصول الى تنفيذ قرار ما تكون قد اتخذته ضمنا.فعلى الرغم من الغزل الغربي لدمشق والانفتاح بعد طول اغلاق، المسارب السياسية والدبلوماسية،اضافة الى الوعود المعسولة في بناء بيئة للسلام في المنطقة،ثمة ما يُحاك حاليا لأخذ الوقائع الى اتجاهات مغايرة تمهّد لعمل يعيد خلط الأوراق من جديد في المنطقة.وعلى قاعدة الهروب الى الأمام التي تجيدها القيادات السياسية والعسكرية "الاسرائيلية" يتم ترويج قضية الصواريخ على أنها نهاية الدنيا بالنسبة لتل ابيب،وهي بمثابة الضرب على اليد التي تؤلم،الأمر الذي لن يُسكت عليه طويلا، فالملاحظ ان مستوى التهديد الاسرائيلي والرسائل غير المباشرة، تفيد ان شيئا ما يُحضر،وما يعزز تلك السيناريوهات التسريبات الصحفية الغربية في هذا المجال، وتحذير العاهل الاردني الواضح وتخوفه من قيام "اسرائيل" بتكرار تجربتها في لبنان او قطاع غزة قياسا على العامين 2006 و 2009.
وقياسا على السوابق ايضا، ان ظروف العام 1981 اللبنانية والاقليمية والدولية كانت مختلفة عندما ضربت "اسرائيل" الصواريخ السورية في لبنان؛لقد كانت الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية آنذاك لا تشكل تهديدا حقيقيا لـ "اسرائيل"،بينما اليوم وقياسا على تجربة العام 2006 ، فإن كثيرا من مضامين الردع "الاسرائيلية" قد استنزفت وانتهت،وبالتالي ان اي تجربة "اسرائيلية" اخرى ستكون مختلفة في ظل وجود اضعاف الصواريخ من غير فئة سكود في لبنان، وهي قادرة ايضا على فعل ما يمكن ان يفعله السكود نفسه، ان لم يكن أكثر لجهة غزارة الاطلاق او المدى او النوعية.
ان ارتياب اسرائيل لا يكمن من الصاروخ نفسه او مصدره،،بقدر ما هو من سيستعمله قياسا على تجاربها المريرة مع المقاومة اللبنانية، وربما ما يزيدها قلقا واضطرابا وتوجسا، ما أطلق من تهديد ايراني منذ اسابيع على لسان قائد الحرس الثوري ،ان "اسرائيل" ستُضرب بصواريخ ايرانينة ولم يقل ان ايران سترد على اي عمل "اسرائيلي" موجه لها، في معرض الرد على احتمال قيام "اسرائيل" بتوجيه ضربة للمنشآت النووية، ما فُسِر ان صواريخ ايران وغيرها باتت في قبضة المقاومة.
لفد تزامن الضجيج "الاسرائيلي" على الصواريخ ،مع انعقاد المؤتمر الدولي النووي في واشنطن وبغيابها عمدا،وكأن هذا السجال والضجيج اشارة الى المجتمعين الـ 47 دولة انها دقت ناقوس الخطر وما على الجميع الا اللحاق بركبها.فهل ستقدم "اسرائيل" على تجربة المجرب ؟ ام انها اقتنعت ان التجربة ستثبت ان عقلها قد تخرّب؟ ربما القسم الثاني من الاجابة هو الأكثر رجاحة في هذا المقام!