08‏/04‏/2010

قراءة في شروط التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان

قراءة في شروط التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com

عادت المحكمة الخاصة بلبنان الى الواجهة السياسية لبنانيا ودوليا مجددا، بعدما غابت عن الاضواء منذ اطلاق ضباط الاجهزة الامنية الاربع، لكن الإطلالة الجديدة كانت بعناوين مختلفة، وبمسار يبدو متجانسا مع البيئة التي طبعت اعمالها في الفترة السابقة. والجديد القديم ، جاء هذه المرة من باب الاستماع الى اعضاء في حزب الله ومقربين منه،ما دعا امينه العام الى رسم صورة توضيحية لمواقف الحزب من مجمل عمل المحكمة اولا،ووضع خريطة طريق لترميم الثقة بها، تأسيسا على التعاون المطلوب بين الجانبين في المرحلة القادمة.فما هي عناصر بناء الثقة وخريطة طريقها؟وهل المحكمة قادرة على انجازها وبالتالي هل يمكن استشراف مستقبل اعمالها في المرحلة القادمة؟.
ان التدقيق في القضايا التي اضاء عليها الامين العام لحزب الله،تظهر العديد من الملاحظات التي ينبغي التوقّف عندها وتحليل عناصرها وأبعادها،باعتبارها تأتي في ظروف لبنانية خاصة يمكن ان تشكل منعطفا دقيقا في الواقع السياسي وما يندرج تحته من عناوين امنية داخلية وخارجية.فقد وجِهت المواقف المطلقة الى البيئة الدولية المتعلقة بالمحكمة ومن يحيط بها،علاوة على الاشارات الداخلية المتعددة . وعلى الرغم من الهدوء التام الذي ظهر في سياق التحليل المُقدم،الا انه حمل اشارات دقيقة تحدِّد قوة المستند القانوني الذي يإطلق منه اولا ،وبالتالي قوة الحجة والاقناع ثانيا ، كما سهولة البناء عليها ثالثا.
في بناء الثقة وبهدف التعاون مستقبلا، الطلب من المحكمة اولا محاكمة شهداء الزور والذي على اساسه تمَّ توجيه الاتهام الى سوريا وتمَّ زجُ قادة الاجهزة الامنية اللبنانية في السجن لمدة اربع سنوات ونيف،فمن المعروف ان مجمل الاتهامات التي قُدمت لما سميَّ بالجهاز الامني اللبناني - السوري استندت في وقائعها على شهادات زهير الصديق وغيره،وكُشف لاحقا عدم صحة اداعاءاته،وبالتالي بطلان النظرية التي قامت على اساسها كل تلك الحقبة من مرحلة التحقيق التي قادها ديتلف ميلس..ثانيا، محاكمة من يقف وراء شهود الزور على قاعدة ان من ضلَّل التحقيق في هذه الشهادات من مصلحته اخفاء معلومات من الممكن ان تؤدّي الى كشف القتلة الحقيقيين. فالقاعدة القانونية في التحقيقات تولي الاولوية لمن ينشئ البيئة لشهادة الزور بعين الاعتبار أكثر من الشاهد نفسه،باعتبار ان شاهد الزور لا يعدو كونه منفذا لأهداف ربما لا تتعلق مباشرة بموضوع الجريمة او بأهدافها.وبالتالي ان مدبِّر بيئة الشهادات هم من يفترض توجيه الاتهامات لهم ومساءلتهم عن الدوافع الحقيقية لتضليل التحقيق.
وثالثا،اعادة تركيب الفرضيات الممكنة لعملية الاغتيال وعدم توجيهها الى طرف بعينه، ولو من باب الاستماع الى شهادات معينة،بمعنى آخر،لقد طالب حزب الله بعدم استبعاد فرضية ضلوع "اسرائيل" في الجريمة والتعامل مع هذه الفرضية بنفس المستوى الذي يتم التعامل به مع الفرضيات الأخرى السابقة واللاحقة.
ورابعا، مساءلة المحكمة ومكتب المدعي العام،حول قضية تسريب المعلومات المتعلقة بالاستماع الى اعضاء في حزب الله،على قاعدة ان تسريب المعلومات بهذه الطريقة يمكن استثمارها في الواقع السياسي اللبناني بسرعة،ما يشيع طابع الاتهام للحزب بدل ان يكون الأمر مجرد استماع لشهود،وفي هذا الجانب ايضا ثمة تغطية قانونية وشرعية لهذه القضية، لجهة وجوب سريّة الاستماع والتحقيق قبل اطلاق اي ادعاء محتمل.وهنا الأمر متعلق بالأشخاص ان كانوا تابعين للمحكمة او سياسيين لبنانيين او غيرهم،كما الأمر متعلق بالفترة الزمنية الحالية واللاحقة.
في المبدأ، ومن وجهة نظر قانونية بحتة ، تبدو هذه المطالب محقة،بل من الأسس القانونية لأي تحقيق او اي اتهام يمكن ان يصدر لاحقا لأي كان،وبالتالي ان التقيّد بهذه المبادئ يوصل حتما الى الحقيقة. فبالإستناد الى التجارب السابقة لعمليات التحقيق التي جرت وما تمَّ البناء عليها،وما بيَّنت لاحقا هشاشة المنهج والفرضيات التي انطلقت منها،تستدعي المطالبة بمناهج واسلوب عمل مختلفين،بهدف الاستفادة من عِبر ماضي التحقيق.
ان ترميم الثقة بآليات عمل التحقيق، تؤدي الى تعاون الحزب من خلال آلية معينة قد تبدو مشروطة في بعض اجزائها، وهي بطبيعة الحال كما وردت مرهونة اولا واخيرا بتحقيق المطالب الأربعة السالف ذكرها،فهل يمكن تحقيقها؟ وبالتالي امكانية التعاون مستقبلا.
في قسم منها،ثمة صعوبة لبعض اطراف شهود الزور لبنانيون وغير لبنانيين،اذ يمكن ان تصل القضية الى مسؤولين كبار في بعض الدول الكبرى، كما يمكن ان تصل الأمور الى سياسيين لبنانيين لهم حصاناتهم ومواقعهم المؤثرة في الحياة السياسية اللبنانية.علاوة على ان المضي في هذا الاتجاه سينسف ما تبقى للتحقيق والمحكمة من ثقة لبنانيا واقليميا ودوليا.
ربما تمر المحكمة بكافة مفاصلها،بمرحلة حرجة جدا،سوف تؤثر على آليات عملها،كما على البيئة التي تعمل بها وبالتالي الوضع اللبناني برمته،في وقت يمضي لبنان في محاولة ترميم ما اصابه خلال السنوات الخمسة الماضية على خلفية البحث عن حقيقة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.وبصرف النظر عما ستؤول اليه الأمور لاحقا،ثمة امر شائع في اوساط المختصين والمتابعين للمحاكم الدولية، مفادها عدم قدرتها على المتابعة الى النهاية بأي قضية دخلت بها الا في ظروف استثنائية جدا بصرف النظر عن صوابية احكامها ام لا.
ثمة اجماع لبناني واضح لا لبس فيه، حول وجوب معرفة حقيقة الاغتيال مُخططا ومنفذا، لإدراك اللبنانيين جميعا ارتباط هذه القضية بواقع لبنان السياسي والامني اولا،وبالتالي مستقبله ثانيا.ما يستدعي التعامل مع هذه المطالب بجدية وموضوعية، لما سيترتب عليها لاحقا،ان لجهة التعاون المطلوب،او لمصداقية التحقيق والمحكمة لاحقا. فهل ستوضع مطالب الحزب في اعتبارات عمل المحكمة ام سيتم تجاهلها؟ وهل سيستجيب الحزب الى التعاون مع التحقيق في المرحلة القادمة؟ امران لا يمكن فصلهما،التعاون مرهون بتحقيق مطالب تبدو محقة، وتحقيق المطالب امر دونه مصاعب رغم ضرورته ووجوبه قانونا.وفي كلتا الحالتين ينتظر اللبنانيون كعادتهم المفاجئات التي غالبا ما تكون غير سارة.