12‏/10‏/2010

القراءة الإسرائيلية لزيارة احمدي نجاد للبنان

القراءة الإسرائيلية لزيارة احمدي نجاد للبنان
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الاوسط والسفير 13/10/2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com
يستضيف لبنان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في ظروف تعتبر استثنائية في التوقيت اللبناني وحساسة في الزمنين الإقليمي والدولي. وبصرف النظر عن مواقف مختلف الشرائح السياسية اللبنانية منها، تبقى القراءة الإقليمية والدولية للزيارة هي الأبرز،باعتبارها تقدم رؤية عما هو حال المنطقة وبأي اتجاهات يمكن أن تسير بها الأمور مستقبلا في المدى المنظور.
لبنانيا،مفارقة الزيارة تأتي في سياق المقاربة والمقارنة بين زيارة رئاسية إيرانية سابقة للرئيس محمد خاتمي، في الزيارة الرئاسية الأولى لم تكن ثمة معارضة ولا مشكلة أو إشكالية فالرئيس السابق وُصِف بالإصلاحي وتمَّ التعويل عليه كثيرا في سياق إحداث تغييرات في النظام وبالتالي لم يكن هناك تحريض على انتقاد الزيارة وبرامجها،بينما تأتي الزيارة الرئاسية الثانية في خضم نقاش داخلي حاد حول السياستين الداخلية والخارجية الإيرانية ووسط تحريض غربي وإسرائيلي واضحين للتأثير في برنامجها إذ لم تتمكن من منع إتمامها. وفي مطلق الأحوال للزيارة مفاعيلها وتداعياتها ،وان لم يكن للبنانيين دور فاعل في ذلك.وغريب المفارقات أيضا تكمن في العلاقة بين لبنان وإيران على الصعيد الشعبي وليس الرسمي،فالطائفة الشيعية بأحزابها وجمهورها مثلا كانت من ألد أعداء نظام الشاه،فيما تحوّلت العلاقة مع نظام الثورة الإسلامية إلى علاقة إستراتيجية،بينما الأحزاب اليمينية اللبنانية وجمهورها كان على نقيض تلك المعادلة في وجهيها السابق والحالي.
إسرائيليا، يبدو المشهد مختلفا، مزيج من القلق والتحدّي، تصعيد دبلوماسي غير مسبوق في العلاقات الدولية،دولة تحاول منع دولة أخرى من استقبال رئيس دولة ثالثة،وعند الفشل تحاول التأثير في البرنامج المفترض أو المقرر.وفي كلتا الحالتين ثمة ما يبرر ذلك إسرائيليا، فإيران الشريك الأول والحصري اذا جاز التعبير للنصر الذي أحرزته المقاومة في لبنان في العامين 2000 و 2006،علاوة على ذلك فان الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة ،من معالمها المواجهة لما تبقى من مشروع الشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي يشكل حساسية بالغة للقيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك أن للزيارة الرئاسية الإيرانية قراءة إسرائيلية مختلفة، باعتبار أن الخطاب السياسي للرئيس الإيراني بلهجته ومصطلحاته تعتبر نادرة بين قلة من زعماء العالم التي تدعو إلى محو الكيان الإسرائيلي من الوجود،وما يقلق إسرائيل التداعيات الرمزية للزيارة التي قيل أنها ستشمل جولة على الحدود الشمالية مع لبنان وإمكانية رشق حجر باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي علَّق عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بطريقة تهكمية وساخرة،أن الرئيس الإيراني لا يرمي حجرا، في إشارة إلى الصواريخ الإيرانية ومداها ووظيفتها.
إن القلق الإسرائيلي نابع من تداعيات "الحلف الثلاثي المقدس، إيران وسوريا والمقاومة"،وما يمكن أن ينجم عنه مستقبلا، فالولايات المتحدة تفاوض سوريا علنا وإيران ضمنا حول هزيمتها وانسحابها من العراق. ، والأمر عينه ينسحب على أفغانستان،وبين الاثنين ثمة انتفاضة قانونية سياسية على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وآليات عملها المسيسة،باختصار واقع إقليمي ضاغط استفادت منه كل من طهران ودمشق بالنقاط وتتخوف تل أبيب من الضربة القادمة التي تشيّع إيران بأنها ستكون القاضية.
علاوة على ذلك، إن الهاجس الإسرائيلي الأكبر يكمن في العلاقة الرسمية بين لبنان وإيران والتي يمكن أن تتطور باتجاه تسليح الجيش اللبناني،وبالتالي نشوء قوة عسكرية إستراتيجية شمالا تمثل أبعادا إقليمية من الصعب على إسرائيل تجاهلها وتحمّل تداعياتها ونتائجها،الأمر الذي سيجبرها مستقبلا التصرّف بطريقة مختلفة بصرف النظر عن حدود نجاحاتها ونوعية مكتسباتها،وعليه إن الخشية الإسرائيلية من الزيارة تكمن فيما تعتبره تل أبيب أن ثمة أهداف غير معلنة ليس من الزيارة بحد ذاتها وإنما في دلالاتها ورمزيتها في موازاة الحلف القائم مع دمشق والمقاومة اللبنانية.
ثمة قمم ثنائية إيرانية سورية عديدة جرت مؤخرا ،كان أبرزها ما انضم إليها الأمين العام لحزب الله، والتي جرى تصويرها على أنها الإعلان غير القابل للفكاك أو التراجع،قوامه حماية المقاومة في لبنان،واعتبارها ركنا رئيسا في المواجهة والممانعة،الأمر الذي اقلق إسرائيل واعتبرته تحدّيا استراتيجيا يصعب تجاهله والقفز فوق معطياته وآثاره. وعلى الرغم من الطابع الرسمي لزيارة الرئيس الإيراني للبنان، ثمة صعوبة إسرائيلية كبيرة لبلع الزيارة وهضمها وبالتالي عدم اعتبارها زيارة هدفها تكريس دعم المقاومة اللبنانية.
وبصرف النظر عن البرنامج الرئاسي المعد رسميا وشعبيا ،تبقى للزيارة دلالات رمزية في الذاكرة الجماعية للبنانيين والإسرائيليين على حد سواء. لبنانيا وبالتحديد الطرف الحاضن للمقاومة يرى في الزيارة علامة فارقة في مستوى العلاقات "الجهادية" ضد إسرائيل وهو بطبيعة الأمر أمر نادر بل غير مسبوق لجهة الدعم المادي والمعنوي. أما إسرائيليا ،فالأمر مختلف تماما زيارة تقض مضاجع القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، سيما وأن الرئيس الإيراني ستطأ قدماه أرضا جرت فيها ملاحم بطولية ضد القوات الإسرائيلية. وعيناه ستلمح أرضا فلسطينية محتلة،وإذ لم يرشق حجرا عليها ، ففي بال إسرائيل أن صواريخه قادمة إليها.
في مطلق الأحول، زيارة تقرأها إسرائيل بلغة تخصيب العداء ضدها، وبالتالي توجسها وتخوفها مما بعدها، لذا طبّلت وزمّرت قبل بدئها، فهل ستعاود الرقص حول ضحايا مجازرها ،لقد عودتنا إسرائيل على استيعاب الفعل وحسن رد الفعل،فأين نحن اللبنانيين من فعل الزيارة وكيف سيكون رد فعلنا؟