12‏/10‏/2010

تقرير وزير العدل اللبناني حول شهود الزور في اغتيال الرئيس الحريري

تقرير وزير العدل اللبناني حول شهود الزور في اغتيال الرئيس الحريري






لن يمر التقرير المنتظر لوزير العدل ابراهيم نجار حول شهود الزور مرور الكرام، ذلك أن قضية بهذا الحجم السياسي، لن تكون مقاربتها القضائية ـ السياسية، من قبل وزير من لون سياسي معين، محور إجماع وزاري، وهو الأمر الذي بدأت تظهره ردود الفعل الأولية على التقرير.
وفيما لاقى التقرير بعض استحسان فريقي الأكثرية والمعارضة، فإن بعض الشخصيات القانونية المعروفة بتاريخها الناصع، قاربت الموضوع بلغة نقدية، منطلقة من حيث الشكل أولاً، لجهة تكليف ابراهيم نجار، نفسه بإعداد التقرير المذكور، وهو أمر كان يجب أن يخضع للتدقيق، ليس إنقاصاً من كفاءة الرجل المشهود له بعلمه وثقافته وخبرته، قبل الوزارة وبعدها، بل لأنه هو نفسه يدين بتوليه هذا المنصب السياسي (الوزير منصب سياسي بامتياز بعد الطائف) لحزب «القوات اللبنانية» وهو يجاهر صراحة بهذا الأمر، وإلا «لما كان لي نصيب الوزارة».
ومن الشكل، وهو مهم، الى المضمون، حيث اختار ابراهيم نجار، طريقاً لمقاربة الموضوع، جعله يداري في السياسة «فريقه» من دون أن يقطع مع الفريق الثاني، بعدما تبين له أن المعارضة تعول كثيراً على أن يكون امتحان شهود الزور، اختباراً حقيقياً لقدرته على رسم مسافة عن «القوات» التي اختارته لهذه الوظيفة الحكومية.
وأثناء سلوكه هذا الدرب المتعرج بالحسابات الشخصية والسياسية، الآنية والمستقبلية، كان لا بد أن تكون المحصلة، متضمنة كل شيء وفي الوقت نفسه الـ«لا شيء». نعم «ضربة على الحافر وضربة على المسمار» كما يقول المثل.. وبدا أن الوزير نجار تعمد بعض الصياغات التي يريد من خلالها أن يدلل الى تشعب وتعقد وغير ذلك من العبارات التي تبين صعوية المهمة المسندة اليه، كما لمن يريد أن يقارب الملف لاحقاً، لتأتي لاحقاً عملية تحديث التقرير الذي كان يفترض أن يكون منجزاً منذ نحو شهر ونصف الشهر، فيصبح الواضح في التقرير معقداً والمعقد أكثر تعقيداً.. من خلال اللغة التي لم تتسم بها نصوص وزير العدل نفسه من قبل.
ومن تابع من زملائه في العدلية «التحديث»، تبين له أن الفقرة الخامسة، بعنوان: «في إجراءات طارئة لا بد من ذكرها» والتي تضمنت ملابسات استدعاء اللواء جميل السيد المحكمة الدولية الخاصة ورد المدعي العام القاضي دانيال بيلمار عليه ومن ثم قرار قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، وصولا الى الرأي الذي أعلنته الدائرة القانونية في الأمم المتحدة (قال نجار في تقريره «وردت أنباء صحافية» أن كذا وكذا...) والمذكرات السورية، ليخلص أيضا كما في أكثر من مكان، الى مدى «تشعب» النظر بالشكوى!
وبدل أن يكون غرض التحديث هو التسهيل، بدا أن الملف دونه تعقيدات قد تعيق ملاحقة شهود الزور، علماً أن نجار نفسه يدرك أن جريمة شهادة الزور تتوقف على مضمونها ونتائجها وتداعياتها، وهو أمر يقود الى الاستنتاج الذي توصل اليه بلغة جازمة حول عدم صلاحية المجلس العدلي النظر في القضية، علماً أن خير دليل على اختصاص المجلس العدلي ما قاله رئيس الحكومة لصحيفة «الشرق الأوسط»، حرفياً من أن «هناك أشخاصاً ضللوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان، وألحقوا الأذى بنا كعائلة الرئيس الشهيد (رفيق الحريري)، لأننا لا نطلب سوى الحقيقة والعدالة، ولم نطلب أكثر من ذلك. وشهود الزور هؤلاء، خربوا العلاقة بين البلدين وسيسوا الاغتيال. ونحن في لبنان، نتعامل مع الأمر قضائياً».
هذا المقطع الصادر عن مرجع سياسي لبناني كبير، كفيل بالتدليل على ما تسبب به شهود الزور من نتائج خطيرة وإضرار بعلاقات لبنان وبتسييس الجريمة مع ما يمكن أن تشكله من خطر على الوحدة الوطنية واستجلاباً للفتنة الخ... فهل اطلع الوزير نجار على مقابلة رئيس الحكومة أم أنه اكتفى فقط بالاطلاع على التقارير الصحافية حول رأي الدائرة القانونية في الأمم المتحدة؟
ولعل اهم ما حسمه نجار في تقريره هو قطع الطريق على الإحالة الى المجلس العدلي، ذلك أنه هو صاحب الصلاحية في الأمر، فالإحالة تتم من مجلس الوزراء بناء على طلب وزير العدل، لكن عندما يصدر الوزير المعني هذا الموقف، ما هي الرسالة التي يريد أن يوصلها الى مجلس الوزراء ولماذا قرر بخلاصته قطع الطريق؟
يذكر أن نجار خلص في تقريره المرفوع الى جلسة مجلس الوزراء غداً، الى «ان اختصاص القضاء اللبناني قائم لقبول الادعاء» في هذا الموضوع، وأنه «يعود للقضاء اللبناني باستقلال كامل عن السلطة التنفيذية تقرير ما اذا كان يتوجب السير بالدعوى او استئخارها ريثما يصدر القرار الظني (عن بيلمار)».
وينطلق نجار في تقريره من اعتبار أن المهمة التي كلفه بها مجلس الوزراء هي مهمة قانونية، لا سياسية، وأنه التزم دوره «كوزير للعدل في إطار المهمة المكلّف بها وعلى استقلال القضاء الذي له الكلمة الفصل في نهاية الأمر»، مع الأخذ في الاعتبار المبادئ الآتية:
أ ـ مبدأ فصل السلطات، لا سيما الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
ب ـ مبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه في الدستور وقانون أصول المحاكمات المدنية.
ج ـ احترام الاتفاقات الدولية، لا سيما الاتفاق المعقود بين لبنان والأمم المتحدة حول تشكيل محكمة خاصة بلبنان.
د ـ مبدأ سرية التحقيق استناداً الى المادة 53 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وتضمن تقرير نجار التبويب الآتي:
اولاً، في الوضع الإجرائي والقضائي.
ثانياً، في تحديد شهود الزور والنظام الذي يسري على ملاحقتهم.
ثالثاً، في الصلاحية الإقليمية وفقاً لأحكام المادة 15 وما يليها من قانون العقوبات اللبناني.
رابعاً، في أن قرار السير بالشكوى يعود لسلطان القضاء المختص.
خامساً، في إجراءات طارئة لا بدّ من ذكرها.
سادساً، في صلاحية المجلس العدلي.
وفي ما يلي نص التقرير:


أولاً: في الوضع الاجرائي والقضائي
ألف: في الوضع الاجرائي والقضائي في لبنان
من أجل توفير المعلومات الرسمية عما تمّ اتخاذه من اجراءات قضائية في لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وبالتحديد منذ 1/ 9/ 2005، نرفق ربطاً لائحة بالملاحقات التي حصلت وببعض الملاحظات عليها، كما وردتنا من الجهات القضائية المختصّة (المستند رقم 3)، وهذه خلاصتها:
1- الاجراءات حتى تاريخه
1- في تاريخ 22/ 2/ 2005، تقدّم المدعي العام بادعاء أساسي ضد مجهول بموجب المواد 270، 271، 314، 549، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
2- في تاريخ 7/ 4/ 2005، تمّ الادعاء بحق:
- حسام علي محسن
سنداً الى المواد 270، 271، 314، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
3- بتاريخ 7/ 4/ 2005، تمّ الادعاء بحق:
- اسامه كنفاني
سنداً الى المواد 270، 271، 314، 549، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
4- في تاريخ 1/ 9/ 2005 وبناءً لتوصية من لجنة التحقيق الدولية تمّ الإدعاء بحق كل من: اللواء الركن جميل محمد السيّد، اللواء علي صلاح الدين الحاج، العميد ريمون فؤاد عازار، العميد مصطفى فهمي حمدان. سنداً الى المواد 270 و271 و314 و549 و549/201 من قانون العقوبات، والمواد 2 و4 و5 و6 من القانون الصادر بتاريخ 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من قانون الاسلحة والذخائر.
وقد تمّ الإفراج عن الضباط الأربعة من المحكمة الخاصة بلبنان بموجب قرار صادر في 29/ 4/ 2009.
5- وفي تاريخ 19/ 9/ 2005 تمّ الادعاء بحق كل من: مصطفى طلال مستو، أيمن نور الدين طربيه، ماجد حسن الاخرس، رائد محمد فخر الدين سنداً الى المواد 398 و471 و471/454 و219 من قانون العقوبات.
6- وفي تاريخ 28/ 9/ 2005 تمّ الادعاء بحق: فادي الياس النمار. سنداً الى المادة 408 من قانون العقوبات.
7- وفي تاريخ 5/ 10/ 2005 تمّ الادعاء بحق: ماجد غسان الخطيب سنداً الى المواد 398 و471 و471/454 من قانون العقوبات.
8- وفي تاريخ 13/ 10/ 2005 وبناءً على ملف التحقيق المسلم الى المدعي العام التمييزي من قبل لجنة التحقيق الدولية تمّ الادعاء بحق: زهير محمد سعيد الصديق بجرائم التحريض والاشتراك مع آخرين في التخطيط والتنفيذ لجريمة اغتيال دولة رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري ورفاقه، سنداً للمواد 270 و271 و314 و549 و549 /201 عقوبات وبالمواد 2 و4 و5 و6 من قانون 11 /1 /1958 والمادتين 72 و76 من قانون الأسلحة والذخائر. وتمّ إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه وأرسلت للتنفيذ دولياً.
9- في تاريخ 26 /10 /2005 تمّ الادعاء بحق كل من: - محمود أمين عبد العال واحمد امين عبد العال
سنداً الى المواد 270 و271 و314 و549 و549 /201 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 219 منه والمواد 2 و4 و5 و6 من قانون 11 /1 /1958 معطوفة على المادة 219 عقوبات والمادتين 72 و76 أسلحة وذخائر معطوفتين على المادة 219 عقوبات.
10- وفي تاريخ 12 /1 /2006 تمّ الادعاء بحق: ابرهيم ميشال جرجورة سنداً الى المادة 408/فقرة 2 من قانون العقوبات.
11- في تاريخ 20 /12 /2006 تمّ الادعاء بحق كل من: فراس حاطوم، عبد العظيم خياط، محمد بربر، نسيم المصري، خليل العبدالله. سنداً الى أحكام المادة 639 من القانون الجزائي اللبناني. 2- ملاحظات أولية
1- زهير الصديق
- لم يستجوب من القضاء اللبناني ولا من الضابطة العدلية.
- استجوب كشاهد من لجنة التحقيق الدولية ـ خارج الاراضي اللبنانية بعد مغادرته الاراضي السورية في نيسان 2005 ـ ثم اعترف باشتراكه وتدخّله في الجريمة عبر استجواب لاحق فتمّ الادعاء في حقه.
- صدرت في حقه مذكرة توقيف غيابية نفّذت دولياً في فرنسا ونظّم ملف لاسترداده، لكن السلطات القضائية الفرنسية رفضت تسليمه بسبب تطبيق عقوبة الاعدام في القانون اللبناني.
- بناءً على طلب لجنة التحقيق الدولية وبموافقة المدعي العام التمييزي انتقلت المحامية العامة التمييزية القاضي جوسلين تابت الى فرنسا بصحبة محققين دوليين لاستجواب زهير الصدّيق لكنه رفض المثول امام قاضي التحقيق الفرنسي المكلّف إنفاذ الاستنابة.
- بقي زهير الصديق ملاحقاً بصفة مدعى عليه كشريك ومتدخّل في الجريمة الى حين رفع يد القضاء اللبناني عن الملف إنفاذاً لقرار قاضي الاجراءات لدى المحكمة الدولية، واستردت مذكرة توقيفه، واستردت مذكرات التوقيف الوجاهية في حق الضباط الأربعة كما سبق البيان.
2- هسام هسام
- لم يستجوب من قاضي التحقيق العدلي.
- انتقل الى سوريا وصرّح عبر مؤتمر صحافي بأن ما سبق أن أدلى به امام لجنة التحقيق الدولية غير صحيح.
3- ابرهيم ميشال جرجورة
- أدلى بأقوال امام المحقق العدلي ثم تراجع عنها معترفاً بأنه كاذب، وجرى الادعاء بحقه بجناية الادلاء بشهادة كاذبة، وتمّ توقيفه وجاهياً ثم أخلي سبيله بعد حوالى ثلاث سنوات.
4- أكرم مراد
- كان في تاريخ 14 /2 /2005 موقوفاً بجناية الإتجار بالمخدرات.
- ورد من السجن أن لديه معلومات عن الجريمة.
- صار الاستماع الى اقواله من المحقق العدلي ولم يتخذ بحقه اي تدبير وأحيلت الأوراق على لجنة التحقيق الدولية للتثبت من صحة زعمه المتعلّق بوجوده في مركز المخابرات السورية في عنجر أثناء اجتماع ضمّ ضباطاً لبنانيين وسوريين.
باء: في الوضع الاجرائي والقضائي امام المحكمة الخاصة بلبنان
بعدما بادر موقّعه الى توجيه كتاب الى المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان في تاريخ 19-08-2010، تبلّغ اشعار تسلّم هذا الكتاب في 22-08-2010 (المستند رقم 4)، ثم بناءً على مراجعته، تبلّغ رداً مؤرخاً 6-09-2010 من المدعي العام (المستند رقم 5) وقد أبدى المدعي العام أن من يسمّون «شهود الزور» هم بالفعل «شهود ذو صدقية مشكوك فيها à crédibilité douteuse» ما لم يصدر قرار نهائي ومبرم في شأنهم عن المحكمة.
ويضيف المدعي العام أن أحكام المادة 134 من نظام الاجراءات المطبّقة لدى المحكمة تحول دون ملاحقة من قدّموا شهادات أمام السلطات اللبنانية أو لجان التحقيق، لأن نظام الاجراءات لا يطبّق بمفعول رجعي، فيكون المدعي العام قد اعتبر ان صلاحيات المحكمة الخاصة بلبنان لا تطول ما حصل قبل نشوء المحكمة، وذلك وفق نظام اجراءاتها، الا أنه اذا تبيّن أن ثمة شهادات قدّمت أمام المحكمة واتضح أنها هدفت الى تضليلها فعندئذٍ يجوز تطبيق الاجراءات الخاصة بالمحكمة وتصحّ ملاحقة أصحاب العلاقة بسبب إهانة القضاء ( outrage au Tribunal).
ثانياً: في تحديد شهود الزور والنظام الذي يسري على ملاحقتهم
إن النصوص التي ترعى هذا الموضوع عديدة، وأبرزها مدرج في قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (يراجع المستند رقم 6 حيث أدرجت هذه النصوص).
يعرّف الشاهد الزور بالاستناد الى النصوص الآنفة الذكر، وتحديداً في القضايا الجنائية بشكل عام وبمعزل عن اية حالة خاصة، بأنه كل من يدلي بافادة بصفته شاهداً في اثناء تحقيق جنائي او امام قاضي التحقيق الذي يطبّق الأصول الملحوظة في المادة 89 أصول محاكمات جزائية، او امام محكمة الجنايات، او امام المجلس العدلي اللذين يطبّقان الأصول الملحوظة لكل منهما، فيجزم بالباطل او ينكر الحقيقة او يكتم بعض او كل ما يعرفه من وقائع القضية التي يسأل عنها، فيعاقب بجرم شهادة الزور المنصوص عليها في المادة 408 عقوبات، الفقرات 2 و3 و4.
إن المرجع القضائي المختص للقول إن شاهداً ما يعتبر شاهد زور هو:
1- قاضي التحقيق الذي يحيل المحضر المدوّنة فيه افادة الشاهد الى النيابة العامة المختصة لتلاحقه بجرم شهادة الزور (المادة 89 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
2- القاضي المنفرد الجزائي الذي يضع تقريراً يرفعه الى النائب العام في شأن الشهادة الكاذبة (المادة 188 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
3- رئيس محكمة الجنايات الذي، كلما ظهر تباين او تغيير بين شهادة الشاهد واقواله في التحقيق الأولي او الابتدائي، يباشر اجراءات تطبيق أحكام المادتين 261 و262 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
4- قاضي التحقيق العدلي الذي يطبّق في هذا المجال الأصول المتّبعة أمام قاضي التحقيق وفقاً للمادة 363 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
5- رئيس المجلس العدلي الذي يطبّق اصول المحاكمات لدى محكمة الجنايات وفقاً للمادة 366 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
تجدر الاشارة الى أن عبارة « تحقيق جنائي» المذكورة في مطلع المادة 408 من قانون العقوبات والتي تنص على ما حرفيّته: «اذا أديت شهادة الزور أثناء تحقيق جنائي...» تشمل ايضاً التحقيق الأولي الذي تجريه الضابطة العدلية بإشراف النيابة العامة. وبالتالي اذا تم الادلاء بشهادة الزور في معرض تحقيق أولي يتحقق جرم المادة 408 من قانون العقوبات.
في ضوء ذلك، يمكن إحالة شاهد الزور وفقاً للأصول الى النيابة العامة المختصة لملاحقته بجرم شهادة الزور، وذلك في أي مرحلة من مراحل المحاكمة في الدعوى العامة الجنائية وتحديداً:
1- اثناء التحقيق من قاضي التحقيق، وفقاً للمادة 89 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقبل صدور القرار الظني.
2- قبل صدور الحكم في الأساس وليس ضرورياً أن يكون هذا الحكم مبرماً.
3- بعد صدور الحكم في الأساس، حيث تطبّق عندها اجراءات الملاحقة العادية.
الا أنه يبقى، بالطبع، أن أمر اعتبار ما إذا كان أحد الشهود شاهد زور يعود الى المرجع القضائي الواضع يده على الدعوى العامة بمادة جرمية هي شهادة الزور بذاتها، وليس الى المرجع الواضع يده على الدعوى المبنية على مادة جرمية أخرى والتي يدلى في معرضها بشهادة يمكن أن تتصف بالزور.
إن العنصر الأساسي في دعوى شهادة الزور المعطاة في اطار دعوى أخرى عالقة يتوقف في غالب الحالات على نتيجة الدعوى الأساسية. أما اذا كان المرجع القضائي واضعاً يده على دعوى شهادة الزور بذاتها، وبشكل منفصل عن الدعوى الاساسية، فهو لا يستطيع أن يتصدّى لها بالتفصيل ويستثبتها، اذ يخشى صدور قرارين متناقضين عن مرجعين قضائيين مختلفين: الأول هو المرجع الذي ينظر بشهادة الزور على حدة، والثاني هو الناظر بشهادة الزور في معرض الدعوى الاساسية.
وخلاصة القول في هذا المجال أنه إذا كان من الممكن نظرياً التسليم بجواز الفصل بدعوى شهادة الزور قبل الدعوى الأساسية، إلا أنه يتعذّر ذلك من الناحيتين العملية والمنطقية، لا سيما متى كانت الدعوى الأساسية ذات ظروف غامضة ومعقّدة، فيقتضي عندها انتظار نتيجتها لإعطاء الوصف القانوني الصحيح للشهادات المدلى بها في معرضها.
تجدر الاشارة الى أنه بعدما رفع القضاء اللبناني يده عن الدعوى الأساسية، أصبح من غير الجائز تحريك دعوى شهادة الزور والسير بها الا وفقاً للاجراءات العادية لتحريك الدعوى العامة (ادعاء النيابة العامة أو الشكوى المباشرة).
وبعد تحريك الدعوى العامة وفق الأصول يقتضي التمييز بين حالتين من شأنهما التأثير حتماً على السير بها:
1- اذا انتهى القرار الظني الى عدم الظن بمن يعتبر نفسه متضرراً من الشهادة، فيمكن السير بدعوى شهادة الزور فور صدور هذا القرار، لأنه بمجرد صدوره يكون قد أصبح خارج إطار الملاحقة ويثبت عدم علاقته بالجريمة. وكل شهادة تكون قد انطوت على عكس ذلك تعتبر حينها شهادة زور.
2- إذا انتهى القرار الظني الى الظن بأحد الأشخاص فلا يمكن السير بدعوى شهادة الزور إذا ادعى أنه متضرر منها إلا بعد صدور حكم نهائي ومبرم عن المحكمة يحدّد مدى مسؤولية هذا الشخص، فإذا انتهى الى إعلان براءته يمكن السير مجدداً بدعوى شهادة الزور التي تكون قد انطوت على وقائع غير صحيحة ومعاكسة لما استثبته الحكم المذكور.
ثالثاً: في الصلاحية الاقليمية وفقاً لأحكام المادة 15 وما يليها من قانون العقوبات
ألف: في وجوب عدم الاستنكاف عن «احقاق الحق»
من المبادئ العامة الراسخة والمكرّسة في القانون الوضعي أنه ما من سبب يمكن أن يبرّر الاستنكاف عن إحقاق الحق من القضاء (المادة 4 من قانون أصول المحاكمات المدنية).
وبناءً عليه، لا يجوز ردّ شكوى يقدّمها متضرّر أمام القضاء اللبناني بحجة أن لا صلاحية مكانية له للنظر فيها او لقبولها او للسير بها، إذا كان الجرم واقعاً في لبنان او اذا تفرّع عن جرم واقع في لبنان.
فضلاً عن ذلك، إن المادة 6 من قانون أصول المحاكمات المدنية تنص على أنه «تتبع القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات المدنية اذا وجد نقص في القوانين والقواعد الاجرائية الأخرى».
كما تنصّ المادة 76 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على انه:
«تختص المحاكم اللبنانية بالنظر في أي قضية تتعلّق بأحد اللبنانيين أو بمصالح كائنة في لبنان
«إذا لم تكن هناك محاكم أخرى مختصة».
باء: في صلاحية المحاكم اللبنانية
يقتضي القول، في الأصل، أن الاختصاص في ملاحقة جريمة شهادة الزور المعنية بهذا الرأي عائد إلى السلطات القضائية اللبنانية التي لم ينزع اختصاصها خلال عمل لجنة التحقيق الدولية، والدليل على ذلك هو استمرار المحقق العدلي بإجراءات التحقيق الاستنطاقي وإصدار المذكرات والاستنابات وبشكل عام القيام بأعمال التحقيق الاستنطاقي كاملة.
من هذا المنطلق تكون الشهادات المدلى بها أمام لجنة التحقيق الدولية بمثابة الشهادات المدلى بها أمام السلطات القضائية اللبنانية، وخير دليل على ذلك أن محاضرها ضمت إلى ملف المحقق العدلي وأصبحت جزءاً من التحقيق الذي يجريه، وان الإدلاء بها أمام هذه اللجنة ليس من شأنه أن ينفي عنها هذه الصفة لأن عمل اللجنة ليس منفصلاً عن التحقيق الذي يجريه المحقق العدلي، إنما يوجد تكامل بين عملها وهذا التحقيق.
إستناداً إلى ذلك يكون القضاء اللبناني هو المختص للنظر في الدعاوى المسندة إلى جرم شهادة الزور في الشهادات المشار إليها وذلك بالاستناد إلى الصلاحية الإقليمية المنصوص عليها في المادة 15 من قانون العقوبات باعتبار أن هذا الجرم حاصل في لبنان وامام سلطة تجري تحقيقاً أولياً في جريمة تعود صلاحية الملاحقة فيها أصلاً للقضاء اللبناني الذي كان يمارس هذه الصلاحية خلال الادلاء بالشهادات المذكورة قبل ان تنتفي صلاحيته وفق النظام الخاص بالمحكمة الخاصة بلبنان، وخصوصاً أن صلاحية الملاحقة في الجرائم الجزائية الواقعة في اقليم الدولة هي مسألة سيادية ولا تزول حتى في حال ملاحقة هذه الجرائم من قبل قضاء أجنبي وصدور حكم مبرم عنه وذلك سنداً للمادة 28 من قانون العقوبات.
مع العلم أن تحريك الدعوى العامة في هذا الجرم يتمّ في الأصل بموجب ادعاء من النيابة العامة وذلك وفق المادتين 5 و6 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والنيابة العامة قد تتحرك عفواً إذا ما اتصل بعلمها وقوع هذا الجرم أو تقدّم أحدهم بإخبار أمامها، أو بناءً على شكوى يتقدّم بها الفريق المتضرر.
ولكن يجوز أيضا للمتضرر أن يحرّك الدعوى العامة باتخاذه صفة الادعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق الأول وفق المادة 8 من قانون أصول المحاكمات الجزائية باعتبار أن جرم شهادة الزور المدلى بها في معرض تحقيق جنائي يتصّف بالجناية.
رابعاً: في أن قرار السير بالشكوى يعود إلى سلطان القضاء المختص
انطلاقاً مما تقدّم، يتضح أن الملاحقة بجرم شهادة الزور يمكن أن تباشر فوراً وأن يتم تدوين تقديمها رسمياً، على أن يقوم القضاء بمهماته بكل استقلال وحياد. إلا أن الأمانة القانونية والمنطق السليم يفرضان لفت الانتباه إلى إن أثارة مسألة شهود الزور، بل تحريك الادعاء والملاحقة أمام القضاء اللبناني بشأنها، لا يعوق ولا يؤجل أعمال المحكمة الخاصة بلبنان ما دامت هذه الأخيرة اعتبرت أن مسألة ملاحقة موضوع إفادات شهود الزور المدلى بها قبل إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان لم تعد (او لم تكن) من صلاحياتها من حيث تطبيق القانون في الزمان.
أما امام القضاء اللبناني، فان هذا الموضوع، إنما يخضع للقواعد القانونية المرعية الإجراء ويعود تقديره للقضاء، بمنأى عن تدخّل من السلطة التنفيذية وحتى عن تدخّل وزير العدل الذي وإن كانت صلاحية طلب الملاحقة (المادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) تعود إليه، فليس له صلاحية التأثير على قناعة القاضي (المادة 20 من الدستور).
ويرجّح موقّعه أن القضاء اللبناني الذي اتخذ إجراءات بحق عدد ممن يوصفون بشهود الزور وادعى عليهم، كما هو ثابت أعلاه (المستند رقم 3)، لا يستطيع التأكيد أن شاهدًا هو شاهد زور قبل الإطلاع على مجمل القرار الظني على الأقل لمعرفة ما هي ظروف الجريمة، ومدى تأثير إفادة الشاهد على مجرى التحقيق،
غير أن هذا الأمر يعود كلياً إلى سلطان القضاء اللبناني.
خامساً: في إجراءات طارئة لا بدّ من ذكرها
في هذا السياق، لا بدّ من الاشارة على سبيل المعلومات والمقارنة إلى ما طرأ أخيرا، أي بعد تبلغنا ردّ المحقق الدولي (المدعي العام) دانيال بلمار، في قضية تطرح إشكالية قريبة من موضوع هذا الرأي القانوني، وهي المتعلّقة باستدعاء الإفراج عن محاضر ومعلومات رسمية دونت فيها إفادات وشهادات في سبيل توصيفها كشهادات زور.
فقد استدعى اللواء جميل السيد في تاريخ 17-3-2010 المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «تسليمه عناصر ثبوتية عائدة إلى جرائم شهادة زور وتوقيف اعتباطي»، فقرّر رئيس المحكمة المذكورة إحالة القضية على قاضي الإجراءات التمهيدية في 15-04-2010.
وعلى الرغم من اعتراض المدعي العام لدى المحكمة الخاصة، ومنازعته في صفة اللواء السيد المستدعي وغيرها من نواحي استدعائه، فقد قرّر قاضي الإجراءات التمهيدية، بتاريخ 17-09-2010، أي بعد شهر تقريباً من تاريخ تكليف موقّعه بتقديم هذا التقرير، ما حرفيته (المستند رقم 7):
«يعلن أن للمستدعي الصفة للادعاء أمام المحكمة بغية الحصول على مواد الملف الجزائي» المتعلّق بقضية الحريري المتعلق به.
«ويقرر، قبل الفصل في أساس الطلب أن تودع المذكرات الخطية للمستدعي والمدعي العام «التي تضم اجابتيهما على الاسئلة المطروحة في الفقرة 57 من هذا القرار لدى قلم المحكمة «ضمن مهلة أقصاها الأول من تشرين الأول أكتوبر 2010»
استأنف المدعي العام هذا القرار في تاريخ 29-09-2010، قبل قيام اللواء السيد بتقديم لائحته بإنفاذ القرار أعلاه في 30-09-2010
وفي تاريخ 7-10-2010 وردت أنباء صحافية مضمونها أن المستشارة القانونية للأمين العام للأمم المتحدة، السيدة باتريسيا أوبراين، قد أبدت رأياً قانونياً مؤرخاً 1-10-2010، مفاده أنه، بحسب رأيها، «كل مستندات المحكمة الدولية هي ملك للأمم المتحدة»
وأضافت أنه يتعيّن بالتالي على المحكمة الخاصة الامتناع عن الافصاح عن مضمونها بدون إذن من الامم المتحدة.
بالطبع لا يجوز لموقّعه، في هذا السياق، سوى ابداء حرصه الكامل على استقلال القضاء اللبناني.
الا ان ما سبقت الاشارة اليه من اجراءات يبرز مدى تشعّب النظر بالشكوى أساساً.
سادساً: في صلاحية المجلس العدلي
أما في ما يتعلّق بإمكان إحالة هذا الموضوع الى المجلس العدلي وتعيين محقق عدلي وفقاً لما ينص عليه الباب الخامس من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (المواد 355 وما يليها - في حدود ما تنص عليه المواد 270 الى 336 ضمناً من قانون العقوبات فقط) (ربطاً صورة عن الباب الخامس – المستند رقم 8) فيتّضح من مراجعة هذه المواد أنها تتناول:
- الجرائم الواقعة على أمن الدولة (اغتصاب السلطة، الفتنة، الارهاب، النيل من الوحدة الوطنية أو تعكير الصفاء بين عناصر الأمة)، الخ...
- التجسّس
- الجرائم الماسّة بالقانون الدولي
- النيل من هيبة الدولة
وبالتالي يتبيّن أن لا صلاحية للمجلس العدلي في المبدأ للنظر في هذا الموضوع، اذ إن القانون قد حدّد اختصاص المجلس العدلي وحصره بالحالات المعدّدة في المواد المذكورة أعلاه.
من هنا لا يعود لمجلس الوزراء إحالة القضية إلى المجلس العدلي إلا في حدود الجرائم المعدّدة حصراً في القانون.
صفوة القول، في حدود المبادئ التي اشرنا إليها في مطلع هذه المتابعة القانونية، يرى موقّعه:
اولاً: ان اختصاص القضاء اللبناني قائم لقبول الادعاء في موضوع شهود الزور.
ثانياً: يعود للقضاء اللبناني، باستقلال كامل عن السلطة التنفيذية، تقرير ما اذا كان يتوجب السير بالدعوى أو استئخارها ريثما يصدر القرار الظني».
وأرفق نجار تقريره بـ«مسرد النصوص القانونية التي ترعى موضوع شهود الزور» وهي الآتية: بعض نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان، قرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين، مذكرات التوقيف القضائية الصادرة عن المحامي العام الأول بدمشق بتاريخ 4/10/2010، النصوص المتعلقة بالمجلس العدلي. كما تضمن التقرير 109 إحالات (هوامش) بالإضافة إلى مستندات بينها المراسلات الحاصلة بين نجار وبلمار.