04‏/12‏/2010

واقع الامم المتحدة وتحدياتها في ظل النظام العالمي الجديد / محمد الجباوي

اسم الطالب : محمد الجباوي
موضوع الرسالة : واقع الامم المتحدة وتحدياتها في ظل النظام العالمي الجديد
الشهادة الممنوحة :الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية
تاريخ المناقشة : 2/10/2012
التقدير: جيد جدا
 
في الواقع كان لإنشاء هيئة الأمم المتحدة أهداف سامية، حاول مؤسسوها تفادي ما وقعت به عصبة الأمم. وإذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن تحقيق بعض ما هو ملقى على عاتقها، وإذا كانت أيضاً لسبب أو لآخر قد عجزت عن رفع الظلم عن بعض الدول والشعوب ولم تتمكن من تحقيق العدل؛ فالقراءة الدقيقة تظهر اعتبارات كثيرة لذلك أبرزها:
- الاعتبار الأول يتمثل في أنَّ الأمم المتحدة لا تعمل في مجال السياسة الدولية فقط، حيث يصعب عليها في الكثير من الأحيان تحقيق النجاح الكامل وإرضاء الدول كافة والوصول إلى تحقيق العدالة؛ بل تعمل أيضاً في مجالات أخرى، بعيدة عن السياسة من بينها، الأمن والاقتصاد وحقوق الإنسان والثقافة والصحة والتعليم والبيئة وغيرها، تلك الميادين التي حققت فيها بعض النجاحات لصالح الأمم والشعوب، وهي المجالات التي علّق عليها مؤسسو الأمم المتحدة آمالهم في حال فشلت المنظمة في تحقيق أهدافها السياسية والأمنية، مثلما حدث لسابقتها عصبة الأمم.
- الاعتبار الثاني، يبرز في كون الأمم المتحدة نظاماً من نُظم المجتمع الدولي وأداة من أدوات تطبيق القانون الدولي، وبالتالي فالأمم المتحدة لا تطبق في الواقع، ما كان يجب من وجهة النظر المثالية، أي أن تسود المجتمع الدولي قواعد العدالة، بل تطبق قواعد القانون الدولي الوضعي، التي وضعتها الدول الكبرى في ضوء مصالحها، والهدف منها ليس تحقيق العدالة بل تطبيق القانون.
وإذا كان الأمر يبدو بهذا التعقيد في ظل الثنائية القطبية،فالأمر يبدو أكثر تعقيدا وسوءاً في ظل النظام العالمي الجديد،حيث لا قوى أو تكتلات دولية تمكّنت حتى الآن من مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وكبح جماح سياساتها وبخاصة تجاه الأمم المتحدة،ما أرخى بظلال كثيفة على واقع المنظمة الدولية ومستقبلها ،ما دفع بالعديد من التساؤلات حول جدوى وجود الأمم المتحدة كأحد الفواعل الأساسية الدولية التي تعنى بإدارة التنظيم الدولي.
أولا: أسباب اختيار الموضوع
في الواقع ، ثمَّة أسباب كثيرة ومتنوعة دفعتني للخوض في بحث هذا الموضوع؛من بينها :
- وجود متغيّرات أساسية وجوهرية طرأت في العقد الأخير من القرن الماضي،,أثرت بشكل مباشر في الأمم المتحدة لجهة الدور والمكانة والقدرة،ما يستوجب تسليط الضوء على هذه المتغيرات وآثارها ونتائجها.
- بروز العديد من الأسباب الذاتية المتعلقة بآليات ونظم عمل المنظمة الدولية،ما أعاق عملها وأتاح للدول المتنفذة فيها المجال واسعا لاستغلالها في تحقيق سياساتها الخاصة في النظام العالمي القائم.
- ثمَّة تحديّات كثيرة تواجه الأمم المتحدة في تنفيذ العديد من نشاطاتها الأساسية حاليا،والتي تستوجب البحث والتدقيق في أسباب تفاقمها وتعاظم أثر معوقاتها في عمل المنظمة.
- ثمة بعض المقالات والدراسات التي تناولت هذه الظواهر،لكن بمجملها كانت ذات طابع صحفي يفتقر إلى الدقة العلمية والأكاديمية،سوى النذر القليل منها، والذي لم يفِ بحاجة جامعاتنا ومكتباتنا وباحثينا.
ثانيا: فرضيات الرسالة
من الصعب القول أنَّ المجتمع الدولي قادر على الاستغناء أو ابتداع البدائل من الأمم المتحدة كإطار للتنظيم الدولي، من هنا تأتي فرضيات عدة حول جدلية بقاء أو انحلال المنظمة الدولية، وبالتالي طرح الفرضية وإثباتها أو دحضها ومن بينها:
- إذا كان ثمة أسباب لذلك ما هي؟ ومن أين أتت ؟وهل يمكن تفاديها؟
- إذا كان ثمة إمكانية للإصلاح ودرء الآثار السلبية،فما هي الوسائل ؟وهل ستكون فاعلة؟
- وما هو مستقبل المنظمة الدولية التي علّق المجتمع الدولي آماله عليها؟ وما هو دور الدول الفاعلة في النظام العالمي لجهة تفعيل دورها أو تهميشه؟
ثالثا:المنهج المتبع
نظرا لطبيعة الموضوع والأسئلة التي حاولت الإجابة عليها، اتبعت منهجا تاريخيا سياسيا وقانونيا مقارنا،ذلك أنَّ طبيعة الدراسة ومتطلباتها تستدعي مقاربة العديد من الأسباب والنتائج بين مرحلتين أساسيتين للأمم المتحدة،الأولى منذ نشأتها عام 1945 والثانية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وقيام النظام العالمي الجديد بكل تداعياته وآثاره في المنظمة الدولية وعملها.
رابعا:النطاق الزماني للرسالة
تمَّ التركيز على الفترة الزمنية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي،ونشوء النظام العالمي الجديد،وبالتالي إن الفترة التي تركز عليها الدراسة هي العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة،باعتبار أن هذه الفترة شكَّلت وتشكل تحدّيا لواقع الأمم المتحدة ونشاطاتها في ظل تغيّر البيئة الدولية التي قامت عليها في الأساس.
لكل ذلك، ولغيره من الأسباب، قسّمت رسالتي إلى مقدمة وأربعة أقسام ، في المقدمة عرضت لأهمية التنظيم الدولي ودوره في حفظ السلم والأمن الدوليين ،لا سيما دور الأمم المتحدة المفترض من ذلك،فضلا عن فرضيات الرسالة ومنهجها ومضمونها.
أما القسم الأول فقد قسّمته إلى فصلين، الأول خصصته إلى واقع الأمم المتحدة والآمال المعلقة عليها لجهة المبادئ والمقاصد،وهل طبقت عمليا؟وهل ثمة ازدواجية في التعامل فيها؟.فيما االفصل الثاني،عالجت فيه النظام العالمي لجهة الظهور والمفهوم والسمات.
أما القسم الثاني فقد أفردته للأمم المتحدة في النظام العالمي الجديد،حيث عالجت في الفصل الأول منه محاولات الولايات المتحدة الأميركية تهميش دور الأمم المتحدة واستعمالها كأداة طيّعة في سياساتها الخارجية في المرحلتين التي سبقت 11 أيلول 2001 وما بعدها. فيما ألقيت الضوء في الفصل الثاني منه، على مواقف بعض الدول تجاه السياسات الأميركية المختصة بالأمم المتحدة وما أفرزته من تداعيات.
أما القسم الثالث فقد خصصته لدور الأمم المتحدة وبخاصة في النظام العالمي الجديد، ففي الفصل الأول منه استعرضت ما استجد من آليات عمل قوات حفظ السلام الدولية،علاوة على قضايا نزع السلاح والحد من انتشاره.فيما الفصل الثاني عالجت فيه عمل المنظمة لجهة حقوق الإنسان والمحاكم الجنائية الدولية وقضايا البيئة وغيرها.
أما القسم الرابع والأخير، فعرضت في الفصل الأول منه إلى التحدّيات والمعوِّقات التي تواجه الأمم المتحدة من قضايا سياسية وقانونية وإدارية وأمنية وغيرها.فيما خصصت الفصل الثاني لمشاريع الإصلاح التي قُدمت لتطوير وتحسين عمل الأمم المتحدة،كالمشاريع الرسمية التي تقدم بها بعض الأمناء العامين للمنظمة،أو غير الرسمية التي طرحتها بعض المنظمات أو الدول المهتمة بالأمم المتحدة وسبل إصلاحها.
أما الخاتمة فعرضت فيها النتائج والإجابات التي توصلت إليها،إضافة إلى محاولة استشراف وضع الأمم المتحدة ودورها في النظام العالمي القائم.

وفي الواقع لم تأت أهمية التّنظيم الدّولي مِن الفراغ. فالحاجة إليه في البداية كانت ضرورية، لبسط التعايش السلمي بين مجموعة من الدّول والتكاتف فيما بينها ضد الاعتداءات والانتهاكات، إضافة إلى نشر روح التعاون في ميادينَ ومشاريعَ عدةٍ. ولكنه تطوّر لاحقاً ليصبح تنظيماً دولياً، تنضم إليه الدّول الراغبة في أن تصبح عضواً فيه.
ونتيجة لتقصير المنظّمة الدّولية الحالية بتحقيق الأهداف والمهام التي قامت من أجلها، سواءً لأسبابٍ ذاتيةٍ أو موضوعية خارجة عن إرادتها، ونتيجة للأزمة الكبيرة التي سببتها الممارسات الأميركيّة للشرعية الدّولية، فقد انقسم خبراء القانون الدّولي بين مؤيد للإبقاء على المنظّمة الحالية، وإدخال إصلاحات عليها وعدم إلغائها، وبين مؤيد لإلغائها، وإنشاء نظام دولي جديد، لا يقوم على المزاج والهوى، ولا تديره الإمبراطورية الأميركيّة، بل يقوم على احترام القواعد الدّولية، وإلزام أعضاء الجماعة الدّولية كافةً بتطبيقها دون استثناء.
ونعتقد أنه من الأجدى، قبل التفكير في الإبقاء على الأمم المتّحدة، أو في عدم الإبقاء عليها، واستبدالها بمنظّمة أخرى، كنتيجة لعدم قدرتها على مواجهة المشاكل الإقليميّة والدّولية، الانكباب على البحث في جذور تلك المشاكل، ومعرفة أسبابها، لمعالجتها والقضاء عليها. فكلما استطاعت المنظّمة أن تعالج الجذور الاقتصاديّة والاجتماعية للمشكلات الدّولية، وتسوية الأزمات بالطرق السلمية، أصبح العبء لمواجهة حالات العدوان المحتملة، أو لإصلاح ما خرّبته الحروب وإعادة بناء ما دمّرته، أو ما هدمته، أقلّ وقعاً عليها. وفاعلية الأمم المتّحدة هنا لا تُقاس بحجم وفاعلية أدوات قمع العدوان ووسائله وآلياته أو ردعه فقط، بل أيضاً، وعلى وجه الخصوص، بقدرة المنظّمة على حشد كل الموارد المتاحة، وتعبئتها، وتوظيفها للحيلولة دون اندلاع الأزمات أصلاً، أو إيجاد تسويات دائمة وعادلة لها، بالطرق السلمية إذا ما اندلعت.
وللتمكّن من معالجة تلك المشاكل، والقضاء على أسبابها، ثمة عواملُ مساعدة لا بد من أن تتوافر، منها بقاء مستقبل الأمم المتّحدة بعيداً عن الهيمنة الأميركيّة. فخدمة الإنسانية بعيداً عن المصالح الاقتصاديّة، وعن التمييز بسبب العرق، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، تتطلب بناء مستقبل على أسسٍ أخرى، من بينها أسس ذات أبعاد إنسانية، يقوم على تفاعل متبادل بين الثّقافات والحضارات، ووضع حد لكل أنواع الهيمنة والتبعية بكل أشكالها. وكحلّ بشكل خاص للتنوع بين الثّقافات، يجب على المنظّمة الدّولية بدورها، أن تعمل جدياً على تحقيق التسامح والحوار.
إن الولايات المتّحدة الأميركيّة التي يمتلكها غرور القوة، ويسيطر عليها الشعور بعدم الحاجة إلى الأمم المتّحدة، هي في الحقيقة أحوجُ ما تكون إلى هذه المنظّمة الدّولية، لكسب السلام إلى جانب كسب المعارك العسكرية، بخاصة في ظل تصاعد مشاعر العداء لأميركا وبالتحديد في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. لذلك على الولايات المتّحدة أن تحاول التعاون مع دول العالم بهدف تقوية الأمم المتّحدة ودعمها في مواجهة جيل جديد من التحدّيات العالميّة بهدف جعلها هيئة أكثر فاعلية في حماية النظام العالمي. وتفويت الولايات المتّحدة هذه الفرصة سيؤدي بها وبالعالم إلى خسائر فادحة.
ومن العوامل الأخرى التي تسهم، وبشكل أساسي في معالجة المشاكل الدّولية والإقليميّة والمحليّة، والقضاء على أسبابها، هو توفير ميزانية مُعتبرة للأمم المتّحدة، بعيداً عن العجز، وعن الأزمات والأعباء المالية، بحيث تكون قادرة على دعم خطط الأمم المتّحدة، وتقوية نشاطاتها.
وثمة عاملٌ آخرٌ، يكمن في ضرورة عدم ميل الدّول الغنية إلى تنظيم أمورها بعيداً عن الأمم المتّحدة، والتجمّع في أطر مؤسسّية خاصة بها، وعدم اتجاه الأطر التّنظيمية للدول الفقيرة نحو التفكك والانهيار، كما حصل لمجموعة الـ 77. ففي كلتا الحالتين، لن يساعد ذلك على إصلاح الأمم المتّحدة، على النحو الذي يكفل إقامة نظام فعَّال للأمن الجماعي، أو الأمن التعاوني.
في النهاية، يقتضي الاعتراف أن العيب الحقيقي يكمن في تنفيذ الميثاق، وليس في نصوصه بشكل عام. فلكي يتحقق السلم والأمن الدّوليين، لا بد من احترام الشرعية، وتنفيذَ القرارات الدّولية مطبقاً على الجميع، ليسود السلام الشامل والعادل. كما لا بد من أن تتوافر لدى الدّول الإرادة للقضاء على جذور أي خلاف، إذ دون ذلك لن تفلحَ أيةُ إجراءات جزئية أو مؤقتة دون استمراره أو اتساع نطاقه. أما التحدّي الأكبر الذي نواجهه فيكمن في ضرورة التزام الحكومات بآلاف الوعود التي قطعتها على نفسها وعلى شعوبها وعلى المجتمع الدّولي بأسره، وأقسمت أنها ستلتزم بتنفيذها بجدية.
في المحصلة،وبصرف النظر عن حجم ونوعية الانجازات التي تمكَّنت المنظمة من تحقيقها،أو تلك التي لم تتمكن من انجازها،تبقى هذه المنظمة ضرورة من ضرورات النظام العالمي؛فالذي استجد من معطيات التفاعلات الدولية وما نتج عنها من بيئة جديدة مكوِّنة للنظام العالمي القائم، أرخت بظلال كثيفة على واقع المنظمة ومستوى التحدّيات التي تواجهها.من هنا إن واقع الحال يقتضي التدقيق بوسائل تحسين أدائها،في ظل انعدام الشروط الواجب توفرها للانطلاق بمنظمة دولية جديدة تحل محل الأمم المتحدة.
إن أسس دفاعنا عن المنظمة لا ينطلق من كونها منظمة مثالية لجهة البنية الذاتية،بل ينطلق من مبدأ عدم وجود البديل القادر على الأقل، لاستيعاب واحتواء النتائج الحاصلة من ضعفها وعدم قدرتها على حل الكثير من المشاكل التي واجهتها،وبخاصة في ظل النظام الحالي.
في أي حال،تبقى المنظمات العالمية،انعكاسا لموارين القوى الدولية،وأن فعالية عملها ونجاحاتها مرهون برغبة القوى الفاعلة في النظام العالمي على إعطائها المجال لذلك.علاوة على ذلك،إن مقاربة مختلف المؤثرات التي أدت إلى نشوء تكتلات وأحلاف وما نجم عنها من مكونات لنظم عالمية أو إقليمية،تثبت أنه كلما كانت النظم الإقليمية أو الدولية قائمة على قاعدة تعدد الأقطاب كلما كانت فرص النظام قائمة لفترات أطول؛وكلما تفرّدت قوة واحدة في إدارة النظام العالمي، كلما اشتدّت وتنوّعت مظاهر الفوضى،وبالتالي عدم قدرة المنظمة الدولية على القيام بما يتوجب عليها،من حفظ للأمن والسلم الدوليين وهذا ما واجه الأمم المتحدة تحديدا.
أخيرا،يكاد لا تمر ثانية إلا ويكون للأمم المتحدة أثر فيها،ما يعني أن ثمة استحالة للاستغناء عنها،بعدما أصبحت من يومياتنا المعاشة سياسيا واقتصاديا،امنيا وعسكريا،وبالتالي إن خيار الإلغاء أمر دونه محاذير خطيرة ،ومن الأفضل البحث عن وسائل وآليات تساعد في تخطي مصاعبها وتحدياتها.
واجتمعت اللجنة بتاريخ 2 - 12 - 2010 المؤلفة من الأستاذ الدكتور خليل حسين رئيسا ومشرفا وعضوية كل من الدكتور علي صبح والدكتور حسين عبيد،وبعد المداولة قررت قبول الرسالة ومنح السيد محمد حسين الجاوي درجة الماجستير في العلوم السياسية بدرجة جيد جدا.