تمدد مجلس التعاون الخليجي
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 15-5-2011
www.drkhalilhussein.blogspot.com
شهد العام 1981 حدثين بارزين،الأول انطلاق مجلس التعاون الخليجي، والثاني قمة فاس العربية في المغرب التي أسست لمشروع السلام العربي الإسرائيلي.وبعد ثلاثين عاما تمدد مجلس التعاون ليضم المغرب والأردن إليه؛في ظروف عربية استثنائية،أبرزها الحراك الشعبي الممتد من المحيط إلى الخليج، وسط انهيار شبه كامل للنظام الإقليمي العربي والذي تمثل مؤخرا بتأجيل القمة العربية المقررة في العراق.باختصار ربما هذا التمدد المفاجئ يؤسس لمراحل لاحقة،ينبغي التمعّن والنظر فيها ببصر وبصيرة لئلا تضاف هذه التجربة إلى مجموعة التجارب الإقليمية العربية غير الناجحة.
فمن حيث المبدأ لا يضير هذا التمدد بشيء سيما وأنه مغطى قانونا بالمادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية الذي يعتبر هذه التجمعات مرحلة تكاملية في إطار الطريق العربي الطويل نحو وحدتها.وبصرف النظر عن حجم النجاحات والفشل التي ستواجه هذه الانطلاقة ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها لجهة الزمان والمكان الذي سيشغله هذا التجمع بجغرافيته السياسية والآمال المعلقة عليه.
فالأردن الذي جاهد عقدين من الزمن لدخول هذا التجمع أتاه الفرج على طبق من فضه في ظروف إقليمية عربية وداخلية لا يحسد أي بلد عربي عليها.وهو في الواقع يشترك مع دول المجلس الخمسة بكثير من الجوانب والقضايا لجهة التركيبة الاجتماعية والى حد ما الدستورية – السياسية رغم بعض الفوارق، من بينها مثلا توقيعه اتفاق سلام مع إسرائيل"اتفاق وادي عربة"،فكيف سيكون تأثير ذلك على هذا الانضمام ؟ وهل سيرتب هذا التمدد مفاعيل خاصة في إطار الجغرافيا السياسية للصراع العربي الإسرائيلي،بعد متغيرات مصر المعروفة حتى الآن؟ ثمة حدود أردنية إسرائيلية تبلغ 610 كلم،كما ان ثمة خصوصية للواقع الأردني وارتباطه تاريخيا بالقضية الفلسطينية وملفاتها المتشعبة في غير اتجاه عربي متباين مع عمان وغيرها من عواصم القرار العربي.
في الوقت نفسه،ثمة مصالحة فلسطينية - فلسطينية انطلقت في القاهرة وهي مرشحة للاستمرار والبناء عليها مستقبلا،في ظل انهماك مصري بأوضاعه الداخلية،فهل سينتقل الملف الفلسطيني إلى دائرة القرار السياسي الخليجي تحديدا بعد مروره واحتوائه أردنيا؟ ربما تكون أفكارا أكثر مما هي مشاريع واضحة، لكن الإدارة الأمريكية الديموقراطية ستخوض انتخابات رئاسية العام القادم،فهل ستستغل الملف الفلسطيني وجغرافيته السياسية الجديدة كبطاقة انتخابية رابحة؟
في المقلب الآخر، ماذا عن موقع ودور المغرب في التركيبة الجديدة؟ وما هو مصير المجلس المغاربي المشلول أصلا بفعل التباين الحاصل بين دوله؟ الكثير من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة في ظل حِراك عربي محيّر.وما هي مواقف الدول العربية الأخرى التي يمكن ان ترحِّب وتؤيد، أو يمكن ان تتوجس وتتساءل.لكن في مطلق الأحوال إن أي مشروع يهدف إلى التقارب والتعاون هو أمر مطلوب بل ضروري في ظل أوضاع إقليمية ودولية ضاغطة على مجمل الأوضاع العربية.
ان تأجيل القمة العربية الدورية هي رسالة واضحة لفشل النظام الإقليمي العربي في احتواء التحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهنا نحن العرب، فهل يكون البديل تجمعات فرعية ذات خصوصية تكون قادرة على مواجهة التحديات؟. على مدى عقود سبقت عشرات المحاولات برزت بين البلدان العربية من مشرقها إلى مغربها،لكن بجميعها لم تكن مشجعة بالمطلق،فكيف السبيل لأن يأخذ هذا التجمع دوره المأمول والمعوّل عليه؟
لا شك ان هذا التجمع يمتلك مقومات فارقة، اقتصادية ومالية وجغرافية وبشرية، علاوة على انضمام بلدين لهما موقع سياسي خاص في المنطقة ما سيفتح المجال واسعا أمام آفاق أخرى اذا أحسن التعاطي مع ظروفه الموضوعية.فالتجمع يجاور بلدان عربية أخرى تواجه تحديات البقاء والاستمرار،أقه اليمن وسوريا شرقا والجزائر وليبيا وغيرها غربا،وبذلك من المفترض ان لا يكون شكلا من أشكال التحدّي للبلدان الأخرى، وعنوانا يطمئن ويخف حالات التوجّس والتخّوف.
ثمة العديد من المحطات الريادية التي تمكن من تحقيقها مجلس التعاون الخليجي بين دوله وبين الدول العربية الأخرى، وبالتأكيد نحن العرب اليوم بأمس الحاجة إلى حراك تعاوني يؤمن الحد الأدنى لمواجهة المخاطر التي تعصف بالعرب دون استثناء.
ربما محاولة استشراف واقع التجمع الجديد هو أمر مبكر ومن الصعب تكوين صورة واضحة عنه،لكن في المقابل وليس من باب التمنيات بقدر ما هو باب من أبواب الآمال،ان يسهم في إيقاف التدهور العربي ،وإعادته إلى الخارطة السياسية بعدما توزّع الثقل السياسي الفاعل في المنطقة بين أيدي غير عربية.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 15-5-2011
www.drkhalilhussein.blogspot.com
شهد العام 1981 حدثين بارزين،الأول انطلاق مجلس التعاون الخليجي، والثاني قمة فاس العربية في المغرب التي أسست لمشروع السلام العربي الإسرائيلي.وبعد ثلاثين عاما تمدد مجلس التعاون ليضم المغرب والأردن إليه؛في ظروف عربية استثنائية،أبرزها الحراك الشعبي الممتد من المحيط إلى الخليج، وسط انهيار شبه كامل للنظام الإقليمي العربي والذي تمثل مؤخرا بتأجيل القمة العربية المقررة في العراق.باختصار ربما هذا التمدد المفاجئ يؤسس لمراحل لاحقة،ينبغي التمعّن والنظر فيها ببصر وبصيرة لئلا تضاف هذه التجربة إلى مجموعة التجارب الإقليمية العربية غير الناجحة.
فمن حيث المبدأ لا يضير هذا التمدد بشيء سيما وأنه مغطى قانونا بالمادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية الذي يعتبر هذه التجمعات مرحلة تكاملية في إطار الطريق العربي الطويل نحو وحدتها.وبصرف النظر عن حجم النجاحات والفشل التي ستواجه هذه الانطلاقة ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها لجهة الزمان والمكان الذي سيشغله هذا التجمع بجغرافيته السياسية والآمال المعلقة عليه.
فالأردن الذي جاهد عقدين من الزمن لدخول هذا التجمع أتاه الفرج على طبق من فضه في ظروف إقليمية عربية وداخلية لا يحسد أي بلد عربي عليها.وهو في الواقع يشترك مع دول المجلس الخمسة بكثير من الجوانب والقضايا لجهة التركيبة الاجتماعية والى حد ما الدستورية – السياسية رغم بعض الفوارق، من بينها مثلا توقيعه اتفاق سلام مع إسرائيل"اتفاق وادي عربة"،فكيف سيكون تأثير ذلك على هذا الانضمام ؟ وهل سيرتب هذا التمدد مفاعيل خاصة في إطار الجغرافيا السياسية للصراع العربي الإسرائيلي،بعد متغيرات مصر المعروفة حتى الآن؟ ثمة حدود أردنية إسرائيلية تبلغ 610 كلم،كما ان ثمة خصوصية للواقع الأردني وارتباطه تاريخيا بالقضية الفلسطينية وملفاتها المتشعبة في غير اتجاه عربي متباين مع عمان وغيرها من عواصم القرار العربي.
في الوقت نفسه،ثمة مصالحة فلسطينية - فلسطينية انطلقت في القاهرة وهي مرشحة للاستمرار والبناء عليها مستقبلا،في ظل انهماك مصري بأوضاعه الداخلية،فهل سينتقل الملف الفلسطيني إلى دائرة القرار السياسي الخليجي تحديدا بعد مروره واحتوائه أردنيا؟ ربما تكون أفكارا أكثر مما هي مشاريع واضحة، لكن الإدارة الأمريكية الديموقراطية ستخوض انتخابات رئاسية العام القادم،فهل ستستغل الملف الفلسطيني وجغرافيته السياسية الجديدة كبطاقة انتخابية رابحة؟
في المقلب الآخر، ماذا عن موقع ودور المغرب في التركيبة الجديدة؟ وما هو مصير المجلس المغاربي المشلول أصلا بفعل التباين الحاصل بين دوله؟ الكثير من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة في ظل حِراك عربي محيّر.وما هي مواقف الدول العربية الأخرى التي يمكن ان ترحِّب وتؤيد، أو يمكن ان تتوجس وتتساءل.لكن في مطلق الأحوال إن أي مشروع يهدف إلى التقارب والتعاون هو أمر مطلوب بل ضروري في ظل أوضاع إقليمية ودولية ضاغطة على مجمل الأوضاع العربية.
ان تأجيل القمة العربية الدورية هي رسالة واضحة لفشل النظام الإقليمي العربي في احتواء التحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهنا نحن العرب، فهل يكون البديل تجمعات فرعية ذات خصوصية تكون قادرة على مواجهة التحديات؟. على مدى عقود سبقت عشرات المحاولات برزت بين البلدان العربية من مشرقها إلى مغربها،لكن بجميعها لم تكن مشجعة بالمطلق،فكيف السبيل لأن يأخذ هذا التجمع دوره المأمول والمعوّل عليه؟
لا شك ان هذا التجمع يمتلك مقومات فارقة، اقتصادية ومالية وجغرافية وبشرية، علاوة على انضمام بلدين لهما موقع سياسي خاص في المنطقة ما سيفتح المجال واسعا أمام آفاق أخرى اذا أحسن التعاطي مع ظروفه الموضوعية.فالتجمع يجاور بلدان عربية أخرى تواجه تحديات البقاء والاستمرار،أقه اليمن وسوريا شرقا والجزائر وليبيا وغيرها غربا،وبذلك من المفترض ان لا يكون شكلا من أشكال التحدّي للبلدان الأخرى، وعنوانا يطمئن ويخف حالات التوجّس والتخّوف.
ثمة العديد من المحطات الريادية التي تمكن من تحقيقها مجلس التعاون الخليجي بين دوله وبين الدول العربية الأخرى، وبالتأكيد نحن العرب اليوم بأمس الحاجة إلى حراك تعاوني يؤمن الحد الأدنى لمواجهة المخاطر التي تعصف بالعرب دون استثناء.
ربما محاولة استشراف واقع التجمع الجديد هو أمر مبكر ومن الصعب تكوين صورة واضحة عنه،لكن في المقابل وليس من باب التمنيات بقدر ما هو باب من أبواب الآمال،ان يسهم في إيقاف التدهور العربي ،وإعادته إلى الخارطة السياسية بعدما توزّع الثقل السياسي الفاعل في المنطقة بين أيدي غير عربية.