دلالات انتفاضة الشتات الفلسطيني وتداعياتها
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 19-5-2011
www.drkhalilhussein.blogspot.com
عندما ينبري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،بوصف ما جرى في ذكرى النكبة،هو تعبير عن خلفية النظرة العربية، إلى ان الصراع مع إسرائيل هو صراع وجود لا صراع حدود، هو مُحقٌ، في وقت أثبتت وقائع مشاريع السلام العربي الإسرائيلي هي غير موجودة وتحتاج إلى الطرف الإسرائيلي الآخر الذي لم يكن يوما مُستعدا له.
فما جرى في ذكرى النكبة يعتبر سابقة عربية وفلسطينية بالتحديد، فاجتياح المئات عبر مجدل شمس في الجولان المحتل،والمواجهات اللافتة في مارون الرأس،تحمل دلالات كثيرة وعميقة في الوجدان الجماعي لفلسطيني الشتات،فهم أسهموا للمرة الأولى في صناعة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة من الخارج هذه المرة،وفي ظروف عربية مربكة،لكل منها قرص من هذا التحرك.
وبصرف النظر عما يمكن ان يُقال ربطا بواقعة مجل شمس وما يجري في سوريا،فان ما سببه هذا الحراك الفلسطيني من إحراج لإسرائيل امنيا وسياسيا،يشكل سابقة هي الأولى من نوعها منذ العام 1948، وكأنها رسالة واضحة ان ما تشهده الساحات العربية من حراك بذرائع مختلفة، لن يكون بعيدا عن شعار الشعب الفلسطيني الذي يريد العودة أيضا ،وهي بطبيعة الحال رسائل متعددة الاتجاهات والأبعاد وكذلك الخلفيات،يمكن ان تستثمر بمجالات ربما مختلفة عن طبيعة ما هدفت في الأساس إليه.
في المقلب الآخر، منذ ثلاثة وستون عاما لم تتلق إسرائيل مثل هذه الصفعة،فبدت مخترقة امنيا في الجولان،ومربكة سياسيا في لبنان، ومضعضة في الداخل الفلسطيني المحتل،وهذا ما يُفسر خروج قواتها العسكرية عن طورها غير المعتاد أساسا فعمدت إلى قتل العشرات وجرح المئات من الفلسطينيين، في دلالة واضحة ان ما جرى قد استشعرت به خطرا حقيقيا لن يكون يتيما في المستقبل اذا توافرت إرادات عربية داعمة لانتفاضة الشتات الفلسطيني.
وإذا كان الحراك الشعبي العربي قد أضاع البوصلة السياسية في غير مكان وبالتحديد بوصلة العداء لإسرائيل ،فان الحراك الفلسطيني سيؤسس لشعلة الانتفاضة الثالثة وان كانت شراراتها من الخارج لا من الداخل، وما يمكن ان يعزز ذلك الاتجاه المصالحة الفلسطينية وما يمكن ان تتركه على علاقتها بدول الطوق العربية. وبصرف النظر عن شروط هذا النجاح وارتباطه بهذه الدول ومواقفها ومشاكلها الداخلية والخارجية، فان حسن تصريفه في الواقع السياسي الفلسطيني والعربي أمر من شأنه تعزيز الوضع الفلسطيني بمواجهة إسرائيل ومشاريعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها أيضا.
ربما ثمة من يقول ،ان كثيرا من الظروف الاستثنائية تقاطعت لإطلاق هذا الحراك الفلسطيني في غير موقع من دول الطوق، لكن الصحيح أيضا، ان انتفاضتا الشعب الفلسطيني السابقتين،جرت في أصعب الظروف الفلسطينية في الداخل والخارج، وتمكنتا ولو بحدود من انجاز الكثير رغم حالات الإجهاض السياسي الذي تعرّضت له هاتين الانتفاضتين.وبالتالي ان التعويل على تثبيط الهمم الفلسطينية أمر لا يعدو أضغاث أحلام،فما قدّمه الشعب الفلسطيني ومؤسساته بمختلف تشكيلاته ربما يفوق بكثير ما قدمته أي حركة تحرر وجدت على مر التاريخ،ويكفي أنها القضية الوحيدة التي لا زالت من مخلفات القرن الماضي،رغم إيجاد الحلول للكثير من الأزمات والصراعات الدولية التي تم توارثها على مدى عقود خلت.
ما يعنينا اليوم ما جرى في مجدل شمس ومارون الرأس، دلالة الزمان والمكان، في جغرافية وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.فالمشاركون فيها هم من جيل الشتات الفلسطيني الثالث الذي لم ير أرضه البتة. فهم ولدوا في دول الطوق ولأسباب مختلفة لم يتمكّنوا حتى من ممارسة حقهم في استرجاع أرضهم.واكتفوا بممارسة حقهم سلما لا حربا،ودفعوا دما كالعادة لكن هذه المرة ليست بالضرورة مجانا. كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها اجتياح مدني لخطوط عسكرية إسرائيلية على أراضي عربية محتلة. ما يعني إسقاط العديد من المحرمات السياسية والأمنية وان بظروف استثنائية.
كما يعنينا أيضا،في هذه الواقعة بالذات أن الرسالة وصلت إلى الإسرائيليين وفهمتها قياداتها السياسية والأمنية والعسكرية، أن ربما زمن السلام قد ولّى،في زمن الحراك العربي،وان تكن بوصلته السياسية ليست موجهة إلى فلسطين المحتلة، بل ان فيها الكثير من المعطيات التي تهدف إلى حرف تلك البوصلة عن وجهتها المفترضة.ففي إسرائيل اليوم ثمة من يفكر ان خطرا داهما أتى من المكان الذي تفاخر في هدوءه على مدى عقود خلت، ومن مكان يعرف انه لُقن فيها درسا لن ينساه في العام 2006.
في مطلق الأحوال، ثمة أثمان تُدفع لاسترجاع الأرض والكرامة، وهذه المرة الشعب الفلسطيني أراد العودة ومن أماكن حساسة جدا في الحسابات الإسرائيلية سلما أو حربا، فهل ستجتمع الظروف وتتقاطع مرات أُخر؟إن واقع المنطقة بظروفها الداخلية والخارجية تشير إلى ذلك وربما بحراك اشد عنفا وأقسى آثارا وتداعيات.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 19-5-2011
www.drkhalilhussein.blogspot.com
عندما ينبري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،بوصف ما جرى في ذكرى النكبة،هو تعبير عن خلفية النظرة العربية، إلى ان الصراع مع إسرائيل هو صراع وجود لا صراع حدود، هو مُحقٌ، في وقت أثبتت وقائع مشاريع السلام العربي الإسرائيلي هي غير موجودة وتحتاج إلى الطرف الإسرائيلي الآخر الذي لم يكن يوما مُستعدا له.
فما جرى في ذكرى النكبة يعتبر سابقة عربية وفلسطينية بالتحديد، فاجتياح المئات عبر مجدل شمس في الجولان المحتل،والمواجهات اللافتة في مارون الرأس،تحمل دلالات كثيرة وعميقة في الوجدان الجماعي لفلسطيني الشتات،فهم أسهموا للمرة الأولى في صناعة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة من الخارج هذه المرة،وفي ظروف عربية مربكة،لكل منها قرص من هذا التحرك.
وبصرف النظر عما يمكن ان يُقال ربطا بواقعة مجل شمس وما يجري في سوريا،فان ما سببه هذا الحراك الفلسطيني من إحراج لإسرائيل امنيا وسياسيا،يشكل سابقة هي الأولى من نوعها منذ العام 1948، وكأنها رسالة واضحة ان ما تشهده الساحات العربية من حراك بذرائع مختلفة، لن يكون بعيدا عن شعار الشعب الفلسطيني الذي يريد العودة أيضا ،وهي بطبيعة الحال رسائل متعددة الاتجاهات والأبعاد وكذلك الخلفيات،يمكن ان تستثمر بمجالات ربما مختلفة عن طبيعة ما هدفت في الأساس إليه.
في المقلب الآخر، منذ ثلاثة وستون عاما لم تتلق إسرائيل مثل هذه الصفعة،فبدت مخترقة امنيا في الجولان،ومربكة سياسيا في لبنان، ومضعضة في الداخل الفلسطيني المحتل،وهذا ما يُفسر خروج قواتها العسكرية عن طورها غير المعتاد أساسا فعمدت إلى قتل العشرات وجرح المئات من الفلسطينيين، في دلالة واضحة ان ما جرى قد استشعرت به خطرا حقيقيا لن يكون يتيما في المستقبل اذا توافرت إرادات عربية داعمة لانتفاضة الشتات الفلسطيني.
وإذا كان الحراك الشعبي العربي قد أضاع البوصلة السياسية في غير مكان وبالتحديد بوصلة العداء لإسرائيل ،فان الحراك الفلسطيني سيؤسس لشعلة الانتفاضة الثالثة وان كانت شراراتها من الخارج لا من الداخل، وما يمكن ان يعزز ذلك الاتجاه المصالحة الفلسطينية وما يمكن ان تتركه على علاقتها بدول الطوق العربية. وبصرف النظر عن شروط هذا النجاح وارتباطه بهذه الدول ومواقفها ومشاكلها الداخلية والخارجية، فان حسن تصريفه في الواقع السياسي الفلسطيني والعربي أمر من شأنه تعزيز الوضع الفلسطيني بمواجهة إسرائيل ومشاريعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها أيضا.
ربما ثمة من يقول ،ان كثيرا من الظروف الاستثنائية تقاطعت لإطلاق هذا الحراك الفلسطيني في غير موقع من دول الطوق، لكن الصحيح أيضا، ان انتفاضتا الشعب الفلسطيني السابقتين،جرت في أصعب الظروف الفلسطينية في الداخل والخارج، وتمكنتا ولو بحدود من انجاز الكثير رغم حالات الإجهاض السياسي الذي تعرّضت له هاتين الانتفاضتين.وبالتالي ان التعويل على تثبيط الهمم الفلسطينية أمر لا يعدو أضغاث أحلام،فما قدّمه الشعب الفلسطيني ومؤسساته بمختلف تشكيلاته ربما يفوق بكثير ما قدمته أي حركة تحرر وجدت على مر التاريخ،ويكفي أنها القضية الوحيدة التي لا زالت من مخلفات القرن الماضي،رغم إيجاد الحلول للكثير من الأزمات والصراعات الدولية التي تم توارثها على مدى عقود خلت.
ما يعنينا اليوم ما جرى في مجدل شمس ومارون الرأس، دلالة الزمان والمكان، في جغرافية وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.فالمشاركون فيها هم من جيل الشتات الفلسطيني الثالث الذي لم ير أرضه البتة. فهم ولدوا في دول الطوق ولأسباب مختلفة لم يتمكّنوا حتى من ممارسة حقهم في استرجاع أرضهم.واكتفوا بممارسة حقهم سلما لا حربا،ودفعوا دما كالعادة لكن هذه المرة ليست بالضرورة مجانا. كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها اجتياح مدني لخطوط عسكرية إسرائيلية على أراضي عربية محتلة. ما يعني إسقاط العديد من المحرمات السياسية والأمنية وان بظروف استثنائية.
كما يعنينا أيضا،في هذه الواقعة بالذات أن الرسالة وصلت إلى الإسرائيليين وفهمتها قياداتها السياسية والأمنية والعسكرية، أن ربما زمن السلام قد ولّى،في زمن الحراك العربي،وان تكن بوصلته السياسية ليست موجهة إلى فلسطين المحتلة، بل ان فيها الكثير من المعطيات التي تهدف إلى حرف تلك البوصلة عن وجهتها المفترضة.ففي إسرائيل اليوم ثمة من يفكر ان خطرا داهما أتى من المكان الذي تفاخر في هدوءه على مدى عقود خلت، ومن مكان يعرف انه لُقن فيها درسا لن ينساه في العام 2006.
في مطلق الأحوال، ثمة أثمان تُدفع لاسترجاع الأرض والكرامة، وهذه المرة الشعب الفلسطيني أراد العودة ومن أماكن حساسة جدا في الحسابات الإسرائيلية سلما أو حربا، فهل ستجتمع الظروف وتتقاطع مرات أُخر؟إن واقع المنطقة بظروفها الداخلية والخارجية تشير إلى ذلك وربما بحراك اشد عنفا وأقسى آثارا وتداعيات.