03‏/07‏/2011

ماذا بعد القرار الاتهامي

ماذا بعد القرار الاتهامي باغتيال الحريري؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 3-7-2011
مفارقة صدور القرار الاتهامي باغتيال الرئيس الحريري ذات دلالات رمزية لا تخلو من أبعاد تأسيسية لمراحل لاحقة، لا تقل خطورة عما مرَّ بها لبنان والمنطقة خلال السنوات الست الماضية من عملية الاغتيال.فأقطاب الحكومة الحالية تلقت ضربة معلم بصدور القرار وهي مجتمعة لإقرار بيانها الوزاري؛فيما نفس الأقطاب سددوا ضربة مماثلة قبل خمسة أشهر لرئيس الحكومة السابقة سعد الحريري حين قدموا استقالتهم من الحكومة أثناء اجتماع رئيسها مع الرئيس الأمريكي باراك اوباما في البيت الأبيض.
وبصرف النظر عن تلك الصورة النرجسية في الواقع السياسي اللبناني، ثمة تداعيات وسياقات للقرار لا بد من ظهورها بغض النظر أيضا عن مواقف الأطراف السياسيين المعنيين به. فالقرار الاتهامي الذي تضمن مذكرات توقيف لأربعة أشخاص ينتمون إلى حزب الله، سجل أيضا مفارقات لافتة ليس بالتوقيت فقط وإنما بالمضمون وبشكل الإعلان عنه.
فعلى الرغم من عدم الإفصاح عن مضمونه أو بمعنى آخر نشره على الملأ،فقد باتت غالبية العناصر الأساسية فيه بمتناول الإعلام وبشكل دقيق،حتى ان التسريبات الإعلامية التي رافقت تسليمه للمدعي العام اللبناني، كانت تنشر على الفضائيات مع أسماء المتهمين مرفقا بمعلومات شخصية شبه تفصيلية عن بعضهم وهو أمر مخالف لأبسط قواعد العدالة الجنائية الدولية.علاوة على التأكيد ان هذه الدفعة من الأسماء لن تكون الأخيرة، بل ستشمل أسماء أخرى يمكن ان تكون غير لبنانية والمقصود هنا سورية.
وإذا كان القرار الاتهامي قد شق طريقه إلى العلن،وبات جزءا من منظومة الحراك السياسي لقوى المعارضة الحالية،فثمة أسئلة تطرح نفسها حول مسارات التعاطي معه لبنانيا وإقليميا ودوليا.
فان كان حزب الله قد اعتبر نفسه غير معني بالقرار ولا بالمحكمة من أساسها،فالبيئة القانونية الحالية المبرمة بين لبنان والمحكمة تجبره على سلوك خيارات محددة ليس له هامش حرية للحركة فيه.فبموجب قانون الإجراءات التمهيدية للمحكمة ،على سلطة الضابطة العدلية في لبنان القيام بتبليغ هؤلاء الأشخاص بمضمون القرار وتوقيفهم وتسليمهم للمحكمة في لاهاي في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ الصدور.وفي حال لم تكن الدولة اللبنانية راغبة أو قادرة على تنفيذ التبليغات،فلمدعي عام المحكمة بعد ثلاثين يوما إعلان التبليغات في وسائل إعلامية،وبعدها تجرى المحاكمات غيابيا ، مع حق رئيس المحكمة الطلب من الانتربول التحرك لإلقاء القبض على المتهمين.كما لرئيس المحكمة خيار اللجوء إلى الأمين العام للأمم المتحدة لعرض القضية على مجلس الأمن لاختيار الطرق المناسبة لذلك،بما فيها الخيارات القسرية استنادا إلى قرار إنشاء المحكمة 1757 المتخذ استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وبصرف النظر عن الإجراءات القانونية وإمكانية تنفيذها أم لا، ثمة سياقات أخرى لاحقة لا تقل حساسية عن البيئة التي أشعلها القرار.فعلى سبيل المثال لا الحصر، من الذي يضمن الانتقال في المراحل اللاحقة إلى مستويات أعلى في الاتهام، وإيصالها إلى مستوى قيادات الصف الأول في حزب الله ،وماذا سيكون الأمر في تلك المرحلة؟ وماذا عن تضمين اللوائح القادمة لأشخاص سوريين؟هل ستستجيب أم لا ؟.جملة من الأسئلة لا تنتهي وتطول بطول أزمات المنطقة وطرق ارتباطاتها بمسائل تخطر ولا تخطر على بال.
لقد صدر القرار الاتهامي في أجواء إقليمية مربكة، من الصعب فصل استثماراته عن العديد من مواقع أزمات المنطقة، وبالتالي سيظل هذا القرار بمثابة السيف المسلط على كل من لا يسلم بالدور الأمريكي والإسرائيلي.بخاصة وقد باتت المحكمة جزءا من منظومة إقليمية - دولية تفعل فعلها في منطقة تعج سلطات دولها بالثغرات التي يمكن النفاد إليها بخسائر لا تذكر في حسابات مثل هذه المشاريع.
ثمة من يقول في لبنان، ان القرار الظني صدر في العام 2006 في فيغارو الفرنسية،ومن ثم في ديرشبيغل الألمانية، ومؤخرا في شبكة سي بي أس الكندية وكذلك في هارتس الإسرائيلية،وفي عملية تدقيق بين تلك الوسائل الإعلامية يتبين ان القرار الاتهامي قد صيغ حرفيا منذ أكثر من خمس سنوات، وتنقلت افتراءاته من طرف إلى طرف بحسب مقتضيات الوضع في المنطقة ومتطلباتها،فتارة لصق الاتهام بسوريا وطورا بحزب الله،وطورا آخر بجماعات أصولية، وفي كل تلك الحالات ثمة خيط تتقاطع فيه الآراء جميعها،مفاده ان ثمة تسييس لقرار الاتهام ومن الصعب أو المستحيل الركون إلى أدلة موضوعية في القرار في الوقت الذي تستثنى إسرائيل من كل تلك القضية،وفي نفس الوقت تعتبر المستفيد الأكبر ان لم تكن الوحيد من عملية الاغتيال وتداعياتها.