18‏/10‏/2011

عوامل التغيير والثورات في الوطن العربي

عوامل التغيير والثورات في الوطن العربي
أ د خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
شهدت المنطقة العربية في شهور ما لم تشهده في عقود طويلة. فبعد أن ظل العالم العربي خارج موجات التغيير والتحول الديمقراطي المتتابعة -مما دفع البعض إلي الحديث عن وجود استثناء عربي في هذا المجال أو عن وجود تناقض بين الثقافة العربية وقيم الديمقراطية، بدأ العالم العربي يشهد بدايات تفكك بنية النظم السلطوية بفعل انتفاضات شعبية بداية في تونس ومصر، ثم في ليبيا، والأردن، والبحرين، واليمن، والعراق، وعمان. وأيا كانت أسماء ساحات الاحتجاجات ورمزيتها، فالهدف ظل واحدا وهو سقوط الأنظمة السلطوية، سواء كان كليا عن طريق تغيير شامل للنظام، أو جزئيا عن طريق إدخال بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وبالرغم من الاختلافات المهمة بين النظم العربية، خاصة بين النظم الملكية والنظم الجمهورية، وبين الدول المنتجة للنفط والدول المصدرة للعمالة، فإن هذه النظم كانت تتفق في الكثير من السياسات والخصائص، ولذلك كانت مطالب القوي الثائرة متشابهة إلى حد بعيد. وقد تركزت هذه المطالب على إطلاق الحريات السياسية، وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. تشابهت أيضا استجابة النظم العربية لهذه الثورات بشكل كبير، حيث اتهم الثوار بالخيانة والعمالة، وتم استخدام العنف والترهيب. كما تشابهت تصريحات المسؤولين العرب التي أكدت أن كل دولة عربية لها خصوصيتها،. ولكن واقعا ، ما حدث في تونس تكرر إلي حد كبير في مصر، وبدأت تحركات على الطريق نفسه في ليبيا واليمن، مما قد يشكل بداية نحو التحول الديمقراطي والحرية والعدالة الاجتماعية. كما بدأت بعض دول الخليج العربي، مثل عمان والبحرين، تشهد حراكا اجتماعيا واسعا ومطالبات بإصلاح أو إسقاط النظم الحاكمة.
أولا: عوامل التغيير في العالم العربي
أسهمت عدة عوامل في ظهور الانتفاضات والثورات الشعبية في العالم العربي، علي رأسها أن الشباب (الفئة العمرية بين 15 و29 سنة) يشكل أكثر من ثلث سكان العالم العربي بما يعرف بالطفرة الشبابية. وتعاني تلك الفئة أشكالا متعددة من الإقصاء والتمييز جعلتها ساخطة علي الأوضاع الراهنة. وبالرغم من الثروات البشرية والطبيعية الهائلة التي تتمتع بها المنطقة العربية، فإنها شهدت في العقود الأخيرة خللا كبيرا في منظومة توزيع الثروة، حيث استأثرت نخب ضيقة ذات ارتباط وثيق بالسلطة بمقومات الثروة، بينما همشت قطاعات واسعة من المجتمعات العربية. وقد تزايدت تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، مع التوجه لتبني آليات السوق والتجارة الحرة، وتراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة. كما تعاني المنطقة العربية القمع، والاستبداد، وغياب الحقوق والحريات، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، مع تركيز السلطة في يد نخب ضيقة مرتبطة بالحزب أو الأسرة الحاكمة.
كما أدت حالة الاختناق السياسي الذي تشهده المنطقة العربية إلى ظهور عدد كبير من الحركات الاحتجاجية، بعضها ذات صبغة سياسية أو اجتماعية، وبعضها ذات صبغة دينية أو عرقية. من ناحية أخري، فشلت معظم الدول العربية في تحقيق الاندماج الوطني بين الجماعات الدينية والعرقية والإثنية المختلفة، وتعرضت معظم الأقليات أو الأغلبيات المهمشة في الوطن العربي لمظاهر الإقصاء والتمييز الديني والثقافي والاجتماعي. وفي السنوات الأخيرة ومع تزايد مظاهر القهر السياسي والاجتماعي في العديد من الدول العربية، وتصاعد دور قوي إقليمية وخارجية، بدأت هذه الجماعات تتحرك للمطالبة بحقوقها الثقافية والسياسية، أو للمطالبة بالانفصال بشكل جزئي أو كامل عن الدولة الأم. وأخيرا، أسهم التدخل الخارجي المتصاعد لقوى إقليمية وخارجية في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية في تعميق حالة الضعف والانقسام التي تشهدها دول المنطقة.
1. الطفرة الشبابية:
شهد الوطن العربي ما يعرف بالطفرة الشبابية، حيث يمثل الشباب في المرحلة العمرية من 15 إلي 29 سنة أكثر من ثلث سكان المنطقة. وتعاني هذه الفئة العمرية مظاهر إقصاء اقتصادي واجتماعي وسياسي، جعلتها في مقدمة الفئات المطالبة بالتغيير والمحركة له. وتعد البطالة من أهم المشاكل التي يعانيها الشباب في العالم العربي، حيث ترتفع مستويات البطالة إلى 25% بين الشباب مقارنة بالمتوسط العالمي 14.4%. وتتركز نسب البطالة بشكل كبير في أوساط الشباب المتعلم الحاصل علي تعليم عال، حيث يمثل الشباب المتعلم نحو 95% من الشباب العاطل عن العمل في الوطن العربي. كما ترتفع نسب البطالة بشكل كبير في أوساط الشابات المتعلمات، حيث يشغل الوطن العربي موقعا متدنيا بين مناطق العالم من حيث إدماج المرأة في سوق العمل. يعاني الشباب أيضا تدني مستويات الأجور، وسوء ظروف العمل، حيث يعمل نحو 72% من الشباب في القطاع غير الرسمي. وقد أثر كل ذلك سلبا في الظروف الاجتماعية للشباب في الوطن العربي، حيث تفشت ظاهرة العنوسة، وتأخر سن الزواج بشكل كبير. ووفقا للتقارير الدولية، فإن أكثر من 50% من الذكور في المرحلة العمرية من 25 إلي 29 لم يسبق لهم الزواج، وهي النسبة الأعلى بين الدول النامية. ومن ناحية أخري، يعاني الشباب في الوطن العربي إقصاء سياسيا واضحا، حيث أدى غياب الحريات السياسية والمدنية، وضعف الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان إلي انصراف الشباب عن المشاركة السياسية من خلال القنوات الشرعية.
ولكن في السنوات الأخيرة، ومع انتشار وسائل الإعلام البديلة وأدوات الاتصال الحديثة، والقنوات الفضائية، والهواتف المحمولة والإنترنت، بدأ الشباب في العالم العربي يؤسسون لأنماط مشاركة جديدة مكنتهم من تجاوز العديد من القيود التي فرضتها النظم العربية علي حريات التعبير والتنظيم. لجأ الشباب إلي شبكات التواصل الاجتماعي وإلي المدونات للتواصل مع بعضهم بعضا، وللتعبير عن عدم رضائهم عن الأوضاع القائمة، وكذلك لتنظيم فعاليات احتجاجية نجحت في كسر حاجز الخوف الذي فرضته النظم العربية علي شعوبها لعقود طويلة.
2. التهيمش الاجتماعي والاقتصادي:
على الرغم من الثروات البشرية والمادية الهائلة التي يتمتع بها الوطن العربي، فإن النظم العربية أخفقت في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. لا تزال قطاعات واسعة من الشعوب العربية تعاني الأمية، والبطالة، وتدني مستويات الدخل، وغياب الخدمات والمرافق، كما أن الفجوة بين الطبقات والمناطق في الدولة الواحدة في اتساع مستمر. وقد أدى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتفشي الفساد بشكل واسع، واستئثار نخب ضيقة مرتبطة بالسلطة بعوائد التنمية إلى تزايد حالة السخط السياسي والاجتماعي، وظهور حركات احتجاجية على نطاق واسع في العديد من الدول العربية. ومع اتجاه عدد من الدول العربية إلى تبني سياسات التحرير الاقتصادي واقتصاد السوق في السنوات الأخيرة، تراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية بشكل ملحوظ، مما أثر بالسلب في قطاعات واسعة كانت تعتمد بشكل كبير على دعم الدولة. وقد تزايدت بالتالي مظاهر الفقر والتهميش، واتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل ملحوظ، وشهدت عدة دول عربية تصاعدا في وتيرة الاحتجاجات العمالية والفئوية المطالبة برفع الأجور، ومحاربة الفساد، والغلاء، وتحسين الظروف المعيشية للعمال
[1].
3. غياب الديموقراطية وحقوق الإنسان
تتعرض الدول العربية منذ نهاية الحرب الباردة، خاصة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، لضغوط داخلية وخارجية متزايدة لتبني إصلاحات سياسية وديمقراطية حقيقية تؤدي إلى إطلاق الحريات السياسية والمدنية، وحرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والاتحادات، وإلى وضع ضمانات تضمن نزاهة الانتخابات وحرية الصحافة والإعلام. إلا أن الدول العربية لم تستجب لهذه الضغوطات، واكتفت بإدخال بعض الإصلاحات الشكلية التي لم تغير من مضمون المنظومة السلطوية. وحتى الدول التي سمحت بقدر أكبر من التعددية السياسية، مثل المغرب والكويت ومصر، فقد اعتمدت على سلة واسعة من الأدوات القانونية والأمنية والإدارية لتقييد الحريات والأحزاب والإعلام ومنظمات المجتمع المدني. وقد أدي امتناع الدول العربية عن تبني إصلاحات سياسية حقيقية إلي انصراف المواطنين عن المشاركة في العملية السياسية، وإلي ضعف وترهل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
كما نتج عن انغلاق المجال السياسي اتجاه المهتمين بالشأن العام، خاصة من أبناء الطبقة الوسطي المتعلمة، إلي المشاركة من خلال قنوات بديلة، وفي مقدمتها الحركات الدينية والعرقية والمناطقية، والتي تحولت إلي أهم فاعل سياسي في مواجهة النظم المستبدة في معظم الدول العربية. وفي السنوات الأخيرة، ظهر أيضا العديد من الحركات الاحتجاجية ذات أرضية سياسية ومطلبية نشأت خارج الأطر المؤسسية وخارج الشرعية القانونية، ورفضت تلك الحركات أن تشارك في المنظومة السياسية التي فرضتها الدولة علي معارضيها، وتبنت خطابا يتجاوز مطالب الإصلاحي التدريجي، وطالبت بالتغيير الشامل من خلال تعبئة الشارع في مواجهة النخب الحاكمة. كما لجأ الشباب في السنوات الأخيرة إلى استخدام الفضاء الإلكتروني، والمواقع الاجتماعية لتأسيس حركات احتجاجية شبابية أصبحت محركا مهما للتغيير في العديد من الدول العربية. وظهر في الآونة الأخيرة نمطان رئيسيان للتغيير في المنطقة. النمط الأول يقوم على نجاح حركات ذات طابع عرقي أو طائفي أو ديني في تحدي سلطة الدولة المركزية، وفي الانفصال عنها بشكل كامل، كما حدث في حالة السودان، أو في تأسيس مناطق حكم ذاتي لا تخضع لسيادة الدولة المركزية، كما حدث في حالة الصومال، ولبنان، والعراق، واليمن، وفلسطين. أما النمط الثاني، فيقوم على نجاح حركات احتجاجية ذات طبيعة أفقية لا مركزية تجمع بين فئات مجتمعية وسياسية مختلفة في إسقاط النخب الحاكمة، من خلال تعبئة شعبية واسعة النطاق. وقد ظهر هذا السيناريو في مصر وتونس، وهو مرشح لأن يتكرر في عدد من الدول العربية، ومنها المغرب والجزائر، وربما بعض دول الخليج. ويبدو لنا أن سيناريو الانتقال التدريجي والمنظم نحو الديمقراطية، الذي طرحه العديد من المحللين في سنوات سابقة، أصبح غير مطروح، وأن سيناريوهات التغيير من خلال الثورة أو الانفصال هي المطروحة الآن.
4. غياب الاندماج الوطني:
شهدت الدول العربية في السنوات الأخيرة تصاعد الهويات الفرعية علي حساب الهوية الوطنية، خاصة في تلك الدول التي تتمتع بقدر عال من التنوع العرقي والديني والإثني. وقد نتجت هذه الظاهرة عن عدة عوامل مختلفة، في مقدمتها قيام النظم السلطوية لعقود طويلة بحجب الحريات الثقافية والدينية، وبحرمان جماعات مختلفة من حق التعبير بحرية عن هويتها وعن ثقافتها وعن عقيدتها، كما حدث في حالة الأمازيغ في شمال إفريقيا، أو في حالة الأكراد والشيعة في العراق. كما حاولت النخب الحاكمة في الوطن العربي أن تفرض الهوية الثقافية العربية السنية علي الجماعات الأخرى من خلال المنظومة التعليمية والإعلامية المهيمنة. وكثيرا ما تعرضت الأقليات العرقية والدينية والإثنية في العالم العربي إلي ممارسات تمييزية أثرت ليس فقط في وضعها الثقافي، ولكن أيضا في وضعها السياسي والاقتصادي، كما حدث في حالة مسيحيي جنوب السودان، والشيعة في العراق والخليج ولبنان. وأخيرا، فإن انسداد قنوات المشاركة السياسية وتقييد الحريات السياسية والمدنية منعا هذه الجماعات من التعبير عن مطالبها بشكل شرعي وقانوني. وقد دفعت مظاهر التمييز الثقافي والسياسي والاقتصادي بعدد من الجماعات الفرعية في العديد من الدول العربية إلى الانسلاخ عن الجماعة الوطنية، والالتفاف حول هوياتها الفرعية، واتجاهها إلى الانفصال عن الدولة المركزية، وتكوين دول جديدة، كما حدث في حالة السودان، أو مناطق حكم ذاتي كما نشهد الآن في العراق. ومن المرجح أن تنتشر هذه الظاهرة في المنطقة العربية بشكل أوسع في السنوات القادمة، وقد تشهد المنطقة تفكك عدد من الدول القائمة، وقيام دويلات جديدة تعبر عن تطلعات الفئات والجماعات التي عانت التهميش والإقصاء لعقود طويلة.
5. تأثير قوى خارجية وإقليمية :
التطور الأخير الذي أثر بشكل كبير في استقرار المنظومة السلطوية في الوطن العربي مرتبط بتصاعد دور الفاعلين الدوليين والإقليميين في السياسات الداخلية لدول المنطقة في السنوات الأخيرة، فالتدخل الخارجي ليس بجديد على المنطقة العربية، ولكنه كان في فترات سابقة مرتبطا بالأساس بترسيخ النظام الإقليمي الذي وضعته القوى الاستعمارية في النصف الأول من القرن العشرين، وبدعم النظم السلطوية الموالية للغرب. ولكن في السنوات الأخيرة، دعمت قوى دولية وإقليمية مبادرات تخل باستقرار النظام العربي القائم وبالنظم السلطوية في المنطقة، خاصة تلك التي تبنّت مواقف مناهضة للولايات المتحدة. وقد تجلى هذا التوجه في سياق التدخل الأمريكي في الصومال، والاحتلال الأمريكي في العراق، ودعم مبادرات الانفصال في جنوب السودان، ومحاولات عزل حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان. وحتى النظم المعتدلة تعرضت لضغوط خارجية متزايدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، والربط بين الإرهاب وغياب الحريات لإدخال إصلاحات سياسية، وإطلاق الحريات السياسية والمدنية.
كما شهدت الفترة الأخيرة تصاعدا في نفوذ قوى إقليمية صاعدة، مثل إيران وتركيا، بدأت تؤثر بشكل ملحوظ في مجريات الأمور في الوطن العربي. وبالنسبة لإيران، فقد توّلت ريادة المعسكر المناوئ للسياسات الأمريكية في المنطقة، وقامت بدعم نظم وحركات ، مثل سوريا، وحزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، و الحوثيين في اليمن. مما دفع البعض للتحدث عن بدء حرب باردة جديدة في المنطقة بين المعسكر الممانع بريادة إيران وسوريا، والمعسكر المعتدل بريادة مصر والسعودية، والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية. وقد عزز هذا الصراع بين المعسكرين من نفوذ فاعلين مثل حركة حماس وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
ثانيا: القوى المحركة للانتفاضات الشعبية
شاركت أربع قوى رئيسية في الانتفاضات الشعبية التي شهدتها عدة دول عربية: الحركات الاحتجاجية الشبابية، والأحزاب والقوي السياسية المعارضة، وقوى عمالية ومهنية، وأخيرا قوى ذات أرضية طائفية وقبلية ومناطقية.
فقد شهدت الدول التي تتمتع بقدر عال من التجانس السكاني، مثل تونس ومصر، حراكا علي أرضية سياسية وطبقية، شاركت فيه قوى شبابية وسياسية ونقابية، بينما شهدت دول تعاني استقطابا طائفيا أو قبليا أو مناطقيا، مثل ليبيا والبحرين واليمن، حراكا أوسع علي أرضية مناطقية أو طائفية. ورغم وجود اختلافات مهمة في طبيعة القوى التي قادت هذه الانتفاضات الشعبية ومثلت قوامها الرئيسي، فإن مطالبها تشابهت إلى حد بعيد. ركز الثوار والمتظاهرون على مطلبين رئيسيين هما الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وغابت المطالب ذات الصبغة الطائفية والمناطقية، ذلك بالرغم من محاولة النظم الحاكمة قولبة هذه الثورات في إطار طائفي، كما حدث في اليمن والبحرين، أو في إطار مناطقي كما حدث في ليبيا.
وكان الشباب في مقدمة القوى التي دعت إلى انتفاضات شعبية في مواجهة الفساد والاستبداد، حيث لعب دورا مهما في إدارة وقيادة هذه الانتفاضات. وليس من قبيل المصادفة أن تكون واقعة إشعال الشاب محمد بوعزيزي النار في نفسه هي التي أطلقت الثورة في تونس والمنطقة العربية، حيث تجسّد قصته مأساة فئة واسعة من الشباب المتعلم والعاطل عن العمل في الدول العربية.
أما الأحزاب والقوى السياسية، فقد أعلنت تضامنها والتحامها مع الانتفاضات الشعبية، لكن من الملاحظ أنها لعبت دورا تابعا لدور القوى الشعبية الشبابية. فلم تبادر النخب السياسية بالدعوة إلى هذه الانتفاضات الشعبية، بل في بعض الأحيان تأخرت في الإعلان عن تأييدها للقوى الشبابية، كما حدث في الحالة المصرية والحالة التونسية. ولكن مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات وانضمام كتل اجتماعية مهمة إليها، تراجعت الأحزاب عن حذرها، وأعلنت التحاقها بالحراك الشعبي. وقد رأي البعض في موقف الأحزاب والقوى السياسية محاولة ركوب موجة الاحتجاجات الشعبية، واختطافها لصالح مصالحها الخاصة.
كما لعبت القوى العمالية والمهنية دورا مهما في تأييد الثورات الشعبية وتأجيجها. ففي الحالة التونسية، كان لاتحاد الشغل، وهو التنظيم العمالي الوحيد في تونس، دور رئيسي في إنجاح الثورة، حيث أعلن في مرحلة مبكرة عن انضمامه للانتفاضة الشعبية التي اندلعت بشكل عفوي. وقد أسهم انضمام الاتحاد بشكل كبير في تغيير موازين القوى، وفي تشجيع قوى سياسية ونقابية أخرى، مثل الأحزاب والنقابات المهنية، ومنظمات حقوق الإنسان، على إعلان تأييدها للثورة، مما دفع الجيش التونسي في النهاية إلى الانشقاق عن الرئيس بن علي وإجباره على مغادرة البلاد. وفي الحالة المصرية، كان الحراك العمالي والفئوي الذي شهدته البلاد في السنوات الخمس الأخيرة من المحركات الرئيسية للثورة، وكان لانضمام قوى عمالية ومهنية دور مهم أيضا في دفع المؤسسة العسكرية للانشقاق على مبارك، وإرغامه على التنازل عن السلطة.
وفي الدول التي تعاني مظاهر الانقسام القبلي والطائفي، كان لقوى ذات أرضية طائفية أو قبلية أو مناطقية دور مهم في الحراك الشعبي ضد النظم الحاكمة. ففي اليمن، كان للحراك الجنوبي والتمرد الحوثي دور كبير في إضعاف الدولة وتحجيم شرعيتها، مما فتح المجال أمام قوى أخرى، مثل الشباب الجامعي وأحزاب التحالف المشترك، الانضمام للقوى المطالبة بإسقاط النظام. وكذلك في ليبيا، كانت المناطق الشرقية التي تعاني التهميش والاستبعاد أول من تحرك ضد نظام القذافي. وأخيرا في البحرين، اتخذ الحراك الشعبي صبغة طائفية، حيث مثلت الطائفة الشيعية (التي تعاني الإقصاء السياسي والاقتصادي والتمييز الثقافي، وذلك بالرغم من أنها تمثل الأغلبية السكانية القوام الأعظم للحركة الشعبية ضد بينة النظام السلطوية.
ثالثا: دراسات الحالة
1. تونس
كشفت الثورة الشعبية التي اندلعت في جميع أنحاء تونس عن سقوط النموذج التونسي، وذلك لأربعة أسباب رئيسية هي: النمو غير المتكافئ، ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب المتعلم، غياب الحريات السياسية، وأخيرا الفساد.
فاندلاع الثورة التونسية في ولاية سيدي بوزيد وانتقالها فيما بعد إلى تالة والقصرين، قبل أن تصل إلى المدن المركزية في تونس وصفاقس، يعبر بشكل واضح عن أزمة النمو غير المتكافئ، والفجوة الكبيرة بين المركز والأطراف. فقد تركزت 80% من الاستثمارات الحكومية والخاصة في المناطق الساحلية الشمالية والشرقية للبلاد، بينما عانت المحافظات الداخلية في الغرب والجنوب نقص الاستثمارات والخدمات والوظائف. ووصلت معدلات البطالة في ولاية سيدي بوزيد إلي 30%، مقارنة بالمتوسط الوطني الذي يتراوح وفقا للأرقام الرسمية- بين 13% و16%. شهدت تونس أيضا اتساعا كبيرا في الفجوة الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، في ظل نمو طبقة رأسمالية استحوذت على نصيب الأسد من ثمار عملية التنمية الاقتصادية.
وكشفت ثورة الشعب التونسي أيضا عن أزمة البطالة التي يعانيها الشباب المتعلم. حيث يمثل الشباب تحت سن 30 نحو نصف عدد سكان تونس، التي شهدت أيضا توسعا كبيرا في التعليم الجامعي، حيث ارتفع عدد الخريجين من 40 ألفا إلى 80 ألف خريج خلال العقد الماضي. إلا أن نسبة البطالة ارتفعت بشكل كبير في أوساط خريجي الجامعات، حيث وصلت إلى 30 %، وتوجد فجوة كبيرة في تونس بين مخرجات العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل، مما يحول دون التعامل بفاعلية مع مشكلة البطالة في تونس.
وعلي الصعيد السياسي، كان النظام السياسي في تونس من أكثر النظم استبدادا وانغلاقا في العالم العربي، بينما الشعب التونسي من أكثر الشعوب تجانسا وتعليما وتقدما، مما خلق فجوة كبيرة بين تطلعات الشعب وحقيقة النظام السياسي. دفع الشباب التونسي إلى اللجوء إلى العمل الاحتجاجي المباشر، وإلى الانقلاب على النظام السياسي القائم، بدلا من السعي إلى التغيير من خلال قنوات المشاركة الشرعية، مثل الأحزاب والنقابات والانتخابات، التي تحولت إلى هياكل شكلية خاضعة لسيطرة الدولة. كذلك، فإن تراجع المد الإسلامي ساعد على تراجع حالة الاستقطاب، التي استخدمت لتبرير الاستبداد في مراحل سابقة.
كما كشفت الأحداث عن أزمة فساد النخبة الحاكمة في تونس، حيث أدى التداخل الكبير بين العائلة والسلطة والثروة، مع غياب آليات المساءلة والمحاسبة الديمقراطية، إلى تفشي الفساد بشكل واسع، وإلى ظهور طبقة طفيلية استخدمت علاقاتها بالسلطة لتحقيق ثروات طائلة
[2].
إن نجاح الانتفاضة الشعبية التي شهدتها تونس يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية. أولها: وجود ظروف موضوعية مواتية لانتهاء الحقبة السلطوية في تونس، وفي مقدمة هذه الظروف تمتع تونس بقدر عال من التجانس السكاني، وارتفاع معدلات التعليم والدخل والتنمية البشرية، وتراجع الاستقطاب الأيديولوجي بين الإسلاميين والعلمانيين، وظهور توافق حول الأجندة الديمقراطية بين مختلف القوي السياسية في تونس.والسبب الثاني الذي ساعد على إنجاح الانتفاضة التونسية هو ظهور تحالف واسع بين مختلف فئات المجتمع التونسي في مواجهة نظام بن علي في الأسابيع الأربعة الأخيرة. فبالرغم من أن الانتفاضة بدأت على أرضية مطلبية من قبل الشباب العاطل عن العمل، فإن التفاف الأحزاب السياسية، والمنظمات الحقوقية، والاتحادات العمالية، والنقابات المهنية، والمثقفين، والفنانين حول الشباب وتضامنهم معهم وانضامهم إلى انتفاضتهم، كل ذلك ساعد على توسيع نطاق الانتفاضة التونسية طبقيا ومناطقيا، مما أدى إلى تزايد الضغوط على النظام بشكل غير مسبوق.اما السبب الثالث، وربما الأهم الذي ساعد علي إنجاح الثورة التونسية، هو ظهور انشقاقات داخل النخبة الحاكمة، خاصة بين المجموعة المحيطة بـ "بن علي" وأسرته وبين المؤسسة العسكرية، التي رفضت أن تستخدم القوة ضد المتظاهرين. وقيل إن الجيش في تونس منع أجهزة الشرطة بالقوة من إطلاق النار علي المتظاهرين، ولعب دورا مهما في إجبار بن علي علي التنحي عن منصبه.
2. مصر
عندما بدأ دور حركات التغيير، التي يطلق عليها أيضا الحركات الاحتجاجية، يزداد في مصر منذ عام 2005، استهان كثير من السياسيين والمراقبين بها.ووصفت هذه التحركات بـ "شوية عيال".كان ذلك عندما دعا بعضهم إلى إضراب شامل في 6 نيسان / أبريل 2006، وأسس حركة اتخذت من ذلك اليوم اسما لها. وبالرغم من أن تلك الدعوة كانت قفزا على الواقع في حينها، فقد أسهمت في توفير الأجواء التي خلقت نموذجا جديدا للتغيير في مصر، بعد أقل من خمسة أعوام.
وقد شهدت تلك الفترة تنامي حركات احتجاجية شتى يعتمد معظمها على الشباب، بالرغم من أن بدايتها كانت تقليدية على أيدى سياسيين كانت لهم تجاربهم في أحزاب وحركات سياسية ومنظمات مدنية في الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، التي أعلنت في نهاية عام 2004، وكانت بداية لنمط جديد في العمل العام في مصر، يختلف عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في شكله وطابعه واتجاهه. لقد برز نمط الاحتجاج المنظم على الأوضاع القائمة، والعمل بهدف التغيير الديمقراطي، من خلال البيانات والمطبوعات والمؤتمرات، ثم عبر المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي لجأت إليها "كفاية" منذ تأسيسها في آخر عام 2004، تحت شعار "لا للتمديد. لا للتوريث".
ولكن هذه الحركة تراجع دورها تدريجيا منذ عام 2006، بسبب الصراعات الداخلية فيها، إذ عانت الأمراض نفسها التي تفشت في الساحة السياسية المصرية، ولذلك كانت الحركة التي اقترنت بالدعوة إلى إضراب 6 أبريل هي التي أحدثت التراكم الذي خلق نموذج التغيير في مصر.
فبالرغم من فشل الدعوة إلى ذلك الإضراب، فقد حققت الحركة التي أسسها الداعون إليه نجاحا تدريجيا عبر دورها في استثمار "الإنترنت" في خلق شبكة انضم إليها عدد متزايد من الشباب الذين وجدوا وسيلة فاعلة للتواصل، ولم ينتموا إلي أي تيار سياسي.
وشهدت السنوات الأربع التالية تأسيس عدد من الحركات التي جمع بينها طابعها التغييري، واعتمادها على شبكة "الإنترنت"، وبراعة أعضائها في امتلاك تقنيات التواصل عبرها.
ويعرف من تابعوا الدعوة إلي مظاهرة 25 كانون الثاني / يناير بدقة وعن قرب أن هذه الحركات هي التي أطلقتها وخططت لها، وأن نشطاءها هم الذين قادوها، وانضم إليهم شباب من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية.وبالرغم من أن الحديث عن حركات التغيير الشبابية لم ينقطع منذ 25 يناير 2011، فلا تزال هذه الحركات غير معروفة جيدا، وكأنها أشباح تلوح من بعيد، بالرغم من أن أعضاءها انتقلوا من فضاء "الإنترنت" إلى أرض الواقع.
فإلى جانب حركة 6 أبريل، هناك مجموعة "خالد سعيد" التي بدأت كصفحة علي "الفيس بوك" أسسها وائل غنيم، وحركة الإصلاح المصري ، وحركة شباب العمال التي جمعت عددا كبيرا من شباب الحركات العمالية التي ظهرت في الفترة من 2004 إلى 2007، فضلا عن حركات قامت بدور رئيسي في محاولة تأطير ثورة 25 يناير، ومنها - علي سبيل المثال لا الحصر- حركة شباب من أجل العدالة والحرية، وحملة دعم البرادعي، وحملة طرق الأبواب، وحركة شباب مصر، وغيرها.
وهكذا، كان الشباب هم صانعي نموذج التغيير الذي أنتج ثورة شاركت فيها عدة ملايين من مختلف الفئات الاجتماعية، جمعهم إصرار علي التخلص ليس فقط من الاستبداد والقهر، ولكن أيضا من الظلم والمهانة. وهذا نموذج صنعه شباب لم تؤثر الكتب الماركسية في فكرهم، ولم تشكل الدروس الدينية والشعارات الإسلامية وعيهم. أطلقوا ثورة بدأت عبر "الفيس بوك"، وانتقلت إلى الأرض.
ولذلك، بدت المظاهرات التي بدأت في 25 كنون الثاني / يناير 2011، وانطلقت معها الثورة، غير مسبوقة ليس فقط في حجمها، ولكن أيضا في نوع المتظاهرين وشعاراتهم وطرقهم في الحشد والتنظيم، والتعامل مع قوات الأمن.
كان الاعتقاد السائد هو أن "الإخوان المسلمين" وحدهم يستطيعون ذلك، وأن أية حركة شعبية كبيرة لا يمكن إلا أن تكون من صنعهم. غير أن شباب 25 يناير دحضوا هذا الاعتقاد، وأطلقوا ثورة اجتذبت معظم شرائح المجتمع وفئاته، خاصة أبناء الفئات الوسطي ، ومعهم فقراء وأثرياء، ومسلمون ومسيحيون، وسافرات ومحجبات، وقليل من المنتقبات وعمال ، وطلاب ، وأزهريون، وقسس، وفنانون، وغيرهم.
ملايين خرجت إلى الشوارع والميادين جمعتهم أهداف مشتركة، والتحموا وتوحدوا دون أن يفقدوا تنوعهم واختلافهم وتمايزهم في ثورة وضعها تمسكها الصارم بالحد الأقصى لأهدافها في مصاف الثورات الجذرية (الراديكالية)، من دون أن يفقدها ذلك محتواها الديمقراطي، وطابعها السلمي، اللذين بلغ الإصرار عليهما أعلى مبلغ. وهذه، كذلك، ثورة لعبت الفتيات فيها دور البطولة، جنبا إلي جنب مع شبابها.
كان للشعار الافتتاحي في 25 يناير (عيش، حرية، كرامة إنسانية)، ثم شعار (إيد واحدة) دور مهم منذ البداية في تحييد الخلافات السياسية والفكرية. وظل الشعار التونسي الأصل (الشعب يريد إسقاط النظام) ثانويا في ذلك اليوم. ولكن الوحشية التي استخدمتها قوات الأمن في تفريق المعتصمين في "ميدان التحرير" في 26 كانون الثاني / يناير 2011 جعلته شعارا أساسيا، اعتمد بعد يومين في "جمعة الغضب"، وصار معبرا عن الهدف الرئيسي للثورة، واقترن به شعار (ارحل) الذي كتب باللغة العربية بطرق مختلفة، وبلغات أجنبية مختلفة.
نجحت ثورة 25 كانون الثاني / يناير 2011 في إسقاط رأس النظام السياسي، ولكنها لم تكن مهيأة لبناء نظامها السياسي البديل بشكل فوري، فتولي الجيش السلطة بدعم منها، واضطلع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد مؤقتا في مرحلة انتقالية.
لذلك، يتداخل السؤال عن طابع النظام السياسي الجديد مع السؤال عن مستقبل الثورة التي لم يمض علي نجاحها في إسقاط رأس النظام أيام، حتى تبين أن الأخطار التي تواجهها ليست هينة. وفضلا عن الثورة المضادة لها، واجهت الثورة خطر الانقسام السريع بين القوى التي شاركت فيها، وما كان لها أن تنجح بدون تضامنها وتلاحمها.
وأظهر الخلاف الذي حدث بين هذه القوى على التعديلات الدستورية، التي طرحت لاستفتاء عام في 19 آذار / مارس 2011، أن توحدها خلال أيام الثورة وعملها المشترك لم يوفرا لها أي مقدار من المناعة ضد الانقسام الذي بلغ حد التراشق والاتهامات المتبادلة. ويمتد هذا الانقسام إلى مقومات النظام السياسي الجديد، وفي مقدمتها بعض أسس الدستور، وخصوصا قضية العلاقة بين الدين والدولة التي بدأت تخلق صدعا في صفوف قوى الثورة بسرعة شديدة.
وربما يكون هذا الانقسام هو الخطر الأكبر الذي يتوقف مستقبل الثورة، وبالتالي إمكانات بناء نظام سياسي جديد، على قدرتها على مواجهته، واستيعاب دروس ثورات أخرى ضمن الموجة التي بدأت في العقد الماضي، وخصوصا الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004 .
في هذه الثورة، التي تجمعها والثورة المصرية قواسم قليلة، ولكنها مهمة، دروس غنية. ولعل أهم هذه الدروس أن سرعة انقسام قوى الثورة وعجزها عن المحافظة على حد أدنى من التفاهم لبعض الوقت يمكنان القوى المضادة لها من إحباطها.
لقد انقسمت قوى الثورة البرتقالية، فور نجاحها الأول الذي لم يكن كاملا، ولم تكن المعضلة في الانقسام في حد ذاته، بل في العجز عن الحوار، واستسهال الاتهامات المتبادلة التي دمرت ما كان بين قوي الثورة من تفاهم مكنها من تحويل ميدان الاستقلال في كييف إلي ما بدا أنه ساحة لحرية لن تنضب. وهذا هو ما يحدث مثله في مصر، منذ أن اشتد الخلاف على التعديل الدستوري، الذي أجري في 19 مارس 2011 بعد خمسة أسابيع فقط على إنهاء حكم مبارك.
وفضلا عن الصراعات الصغيرة التي تشتد في غياب المناعة اللازمة لمقاومتها، في لحظة انتصار تغري الصغار بأن يتخاطفوا الثمار، كان الانقسام السياسي والفكري بين قوى الثورة البرتقالية كبيرا. ولكنه لم يكن أكبر من أن يمكن حله عبر حوار جاد، في حال توافر مقوماته. كانت قوى الثورة خليطا من ليبراليين، واشتراكيين متنوعي المشارب، فضلا عن شعبويين يعنيهم قبل كل شيء أن يكونوا في المقدمة بخطابهم الحماسي، وسعيهم لتملق الجماهير، علي نحو وضعهم في صدام مع من يرون أن الإصلاح الجاد يتطلب اتخاذ قرارات قد لا تكون شعبية، ولكنها ضرورية للإقلاع والتقدم.
وفي مصر مثل هؤلاء جميعهم، مضافا إليهم إسلاميين التقوا جميعهم في فعاليات الثورة، وجعلوا ميدان التحرير اسما علي مسمي، قبل أن يدب الانقسام في صفوفهم، وتتطاير الاتهامات المتبادلة بينهم. فهل تستطيع قوى ثورة 25 يناير أن تضع حدا لهذا الانقسام على نحو يمكنها من اجتياز المرحلة الانتقالية، والخروج منها بنظام سياسي ديمقراطي حر، يتوق إليه المصريون؟ السؤال مطروح، والإجابة في رحم المرحلة الانتقالية.
ان أولى مظاهر امتصاص النقمة الشعبية على إدارة المرحلة الانتقالية،تمثل في إطلاق محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك وأركان حكمه،وبصرف النظر عن نهايات هذه المحاكمة،يبدو أنها ستشكل إنعاشا لذاكرة الشعوب العربية حول الكثير من المسائل التي كانت تحلم بها وتتخيلها.
3. اليمن :
تمثلت مطالب الاحتجاجات الشعبية في اليمن في القضاء على الفساد، وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية، والحد من الفقر والبطالة، والإصلاح السياسي، متمثلا في ضرورة إجهاض سيناريو التوريث. بدأت التظاهرات شبابية في منتصف كانون الثاني / يناير 2011، بالتزامن مع تظاهرات تونس. ولكن سرعان ما واجه الرئيس اليمني احتجاجات من قوى معارضة أساسية في اليمن.
ففي 22 شباط / فبراير 2011، انضم مجلس التضامن الوطني - وهو تكتل سياسي قبلي يقوده الشيخ حسين الأحمر- إلى المعتصمين أمام جامعة صنعاء للمطالبة برحيل الرئيس .وازداد الوضع تفاقما بالنسبة للنظام اليمني في 26 شباط فبراير، بعدما أعلنت قبيلتا حاشد وبكيل - وهما من أهم قبائل اليمن - انضمامهما إلى المظاهرات، احتجاجا على قمع المتظاهرين المسالمين في صنعاء وتعز وعدن وسقوط قتلى وجرحى في المواجهات. وفي تطور لافت وغير مسبوق، أعلن عدد من قبائل مأرب والجوف وصنعاء والبيضاء وذمار الانضمام إلى الاحتجاجات السلمية في صنعاء، والتي تطالب بإسقاط النظام، بهدف الإسهام في كبح جماح الاعتداءات التي وصفتها بالهمجية التي تقوم بها أجهزة الأمن وميليشيات الحزب الحاكم ضد المتظاهرين.
وكان من أوائل التكتلات الأساسية التي انضمت إلى الاحتجاجات "مجلس التضامن الوطني" - وهو تكتل سياسي قبلي - وأيضا حزب الإصلاح الإسلامي المعارض، الذي يقود تكتل "أحزاب اللقاء المشترك"، وهو ائتلاف مكوّن أساسا من الحزب الاشتراكي، وحزب الإصلاح، وعدة أحزاب صغيرة. اتفقت هذه الأحزاب على معارضة الرئيس اليمني رغم الاختلافات الأيديولوجية فيما بينها، ورغم وجود اتفاقات مسبقة بين أحزاب اللقاء المشترك والرئيس اليمني على مزيد من التمثيل لها في البرلمان في الفترة السابقة، فإن قرار حزب المؤتمر الحاكم اعتماد تعديلات دستورية تتيح للرئيس اليمني البقاء مدى الحياة أدى إلى إعلان أحزاب اللقاء المشترك عن مقاطعتها للجلسات البرلمانية وانسحابها من البرلمان.
كما ثمة اختلاف في الرؤية بين مختلف الفصائل المعارضة للرئيس اليمني. فبينما ترى أحزاب اللقاء المشترك ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن وترفع شعار "لا للانفصال"، نجد تحرك الجنوب يعمل علي الانفصال. ولكن بالرغم من هذا الاختلاف، أكد الفريقان أن هدفهما واحد، وهو سقوط النظام. فقد دعا الرجل الثاني في قيادة الحراك اليمني الجنوبي مناصري الحراك إلى الالتحام بالتظاهرات المطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، مقدما بذلك، مرحليا علي الأقل، مطلب إسقاط النظام علي "فك الارتباط" مع الشمال.
أما الحوثيون في الشمال - وهي حركة شيعية من أتباع المذهب الزيدي، اعتمدت في السابق أسلوب النضال المسلح ضد النظام اليمني - فقد أعلنوا أنهم يؤيدون المظاهرات الشبابية، وسيناضلون معهم بصورة سلمية.
بالنسبة إلى الرئيس علي عبدالله صالح،فقد قدم عددا من التنازلات من بينها عدم ترشحه لانتخابات رئاسية قادمة وإجراء انتخابات نيابية .إلا انه أصيب بقذيفة مدفعية انتقل بعدها إلى المملكة العربية السعودية للعلاج.
4. ليبيا :
بدأت الاحتجاجات الليبية بدعوة عدد من الشباب ليوم غضب في 7 شباط / فبراير 2011. وأعلن المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية وناشطون ليبيون انضمامهم ليوم الغضب الليبي، كما أيد الدعوة أيضا المعارضون الليبيون في المنفي. ثم ساند عدد من القبائل تلك التظاهرات. ومن المرجح ان يكون دور القبائل في ليبيا محوريا في حسم الصراع الدامي ، حيث تزداد أهمية دور القبائل بسبب عدم وجود جيش قوي. ومن ضمن القبائل التي انضمت إلى الاحتجاجات: قبيلة ورفلة (وقد انضمت إلي الاحتجاجات في 20 شباط / فبراير 2011 وهي أكبر قبائل ليبيا)، وقبيلة ترهونة، وقبيلة الزوية في جنوب ليبيا في المناطق النفطية، وقبائل الطوارق في الجنوب، وقبيلة الزنتان، وقبيلة بني وليد، وقبيلة العبيدات، وأخيرا قبيلة المقارحة، وقبيلة أولاد سليمان. وحتى قبيلة القذاذفة، التي ينتمي إليها القذافي، بدأت تشهد انشاقاقات واضحة، منها مثلا استقالة أحمد قذاف الدم(12). رفعت المظاهرات العلم الليبي المستخدم في الحقبة الملكية التي امتدت ما بين 1951 وحتى انقلاب القذافي في عام 1969 . ومن غير المتوقع أن يلعب الجيش الليبي دورا حاسما في الأحداث، حيث عانى طوال حكم الزعيم القذافي إهمالا، لخوف الأخير من قيامه بانقلابات، ولم يزوده إلا بأسلحة قديمة، ولم يقدم له الذخيرة اللازمة، وركز القذافي على الميليشيات والقوات الخاصة التي تعرف بالكتائب، التي يقودها الموالون له .
لم تتركز الاحتجاجات الليبية في ساحة واحدة، أو حتى ساحات، ولكن الدولة ككل مثلت ساحة للكر والفر بين العقيد القذافي والثوار. فبعد تحرير بني غازي من قبل الثوار، تم تشكيل "المجلس الوطني الانتقالي المؤقت" ليكون الممثل الشرعي للشعب الليبي وواجهة للثورة الشعبية المتواصلة. وسارع الثوار إلى السيطرة على مناطق أخرى في مدينة الزاوية ومدينة رأس لانوف النفطية ذات الأهمية الشديدة بسبب وجود العديد من آبار النفط بها.
وقد استخدم القذافي والميليشيات التابعة له الأسلحة الثقيلة، والقذف الجوي، والدبابات لمواجهة الثوار ولاستعادة المناطق التي تم تحريرها. كما لجأ القذافي إلى استجلاب مرتزقة من الدول الإفريقية المجاورة بهدف محاربة الثوار. وقد أدت المواجهات بين ميليشيات القذافي والقوى المناهضة له إلى سقوط آلاف القتلي والجرحى وهو ما لم يحدث بالنسبة لأية دولة عربية أخرى شهدت تظاهرات. بل والأكثر من ذلك أن المحكمة الجنائية الدولية أكدت أنها ستخضع الزعيم الليبي للتحقيق بسبب جرائم ارتكبتها قواته. ومع اعتراف فرنسا بالمجلس الوطني الانتقالي المؤقت كممثل شرعي للشعب الليبي، وموافقة مجلس الأمن وقادة الغرب علي تطبيق الحظر الجوي علي ليبيا، بتأييد من جامعة الدول العربية، دخلت القضية الليبية منعطفا آخر. فهناك دعم من الغرب للثوار علي حساب القذافي. فانهيار نظام العقيد بات شبه مؤكد، ولكن لم تتضح بعد معالم النظام الذي سيحل محل نظام الجماهيرية الليبية الذي ابتدعه العقيد القذافي، وظل يحكم به البلاد لفترة طويلة.
5. البحرين :
البحرين دولة ذات أغلبية شيعية، يحكمها نظام سني يحصل على دعم من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي، كما تحصل على دعم من دول الخليج العربي أيضا. وقد اندلعت الاحتجاجات بشكل خاص بين الأغلبية الشيعية لإسقاط الدستور، وإقامة دولة ملكية دستورية، وطالب المحتجون بتغييرات سياسية واقتصادية جذرية، بما في ذلك إعطاء سلطات أوسع للبرلمان، وكسر سيطرة الملك على المواقع المهمة في السلطة. وهذه الاحتجاجات ليست بالجديدة، فقد شهدت البحرين في السنوات السابقة تظاهرات - أقل عددا وتأثيرا بالطبع عن الاحتجاجات الحالية - للمطالبة بعدم تجنيس الوافدين السنة بالجنسية البحرينية. يذكر أن الأغلبية الشيعية في البحرين، التي تشكل 70% من عدد السكان، تشكو منذ فترة طويلة من تمييز النظام الحاكم ضدها، خاصة فيما يتعلق بالتجنيس، والسكن، والوظائف.
بدأت الاحتجاجات في البحرين، بعد أن ظهرت دعوات على مواقع تويتر وفيس بوك لتنظيم "يوم غضب" في المملكة في 14 شباط / فبراير 2011، مستلهمة ثورتي تونس ومصر، ذلك للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية. ثم تطورت المطالب حتى اتخذت المظاهرات بعدا طائفيا بصورة أكبر).
ومع بداية الاحتجاجات الشبابية، وبعد المواجهات الدامية بين الشرطة والمتظاهرين، انسحب نواب جمعية الوفاق الشيعية من المجلس النيابي، لكن الجمعية لم تنضم إلى تحالف شيعي آخر يدعو للإطاحة بالملكية وإقامة جمهورية. هذا التحالف الذي يضم جماعات شيعية أصغر، هي تيار الوفاء الإسلامي، وحركة حق، وحركة أحرار البحرين - رفض الاشتراك في حوار مع كتل سياسية سنية.
طالب البعض، وأكثرهم شيعة، بإقالة رئيس الوزراء، وهو أقدم رئيس وزراء في العالم، كما طالبوا برئيس وزراء شيعي، وقد رفض سنة البحرين ذلك. وهذا ما أكده تجمع الوحدة الوطنية - الذي يضم أطياف الشارع السني - بالبحرين، فقد رفض إقالة الحكومة الحالية شرطا لبدء الحوار الوطني تحت رعاية ولي العهد البحريني، وهو ما كانت القوى الشيعية قد طالبت به، في الوقت الذي تواصلت فيه المسيرات المطالبة بإصلاحات سياسية
[3].
وقد تعاملت قوات الشرطة مع ذلك بمنتهي العنف، مما أسفر عن مقتل وإصابة المئات. وتطور الأمر بعد ذلك، حيث شارك زهاء 30 ألف بحريني في الاحتجاجات، من بينهم سائقو سيارات الإسعاف، الذين شاركوا في نقل وإسعاف المصابين في عملية إخلاء دوار اللؤلؤة في بداية التظاهرات. كما تظاهر المعلمون ممثلين في (جمعية المعلمين البحرينية). شهدت البحرين أيضا إضرابات عامة في المدارس والجامعات والعمل، ومسيرة للكتاب والمثقفين والفنانين، كما كانت هناك تظاهرات أمام مبني البرلمان. ثم أعقب ذلك مسيرات لتأكيد الوحدة بين السنة والشيعة.
في بداية الاحتجاجات، أعلن الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة، ملك البحرين - في محاولة لنزع فتيل التوتر - أنه سيمنح كل أسرة بحرينية ألف دينار (2650 دولارا) بمناسبة الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني، إلى جانب منح أخرى، والإعلان عن مشاريع خدماتية بمختلف المناطق. وبعد تصاعد الاحتجاجات، تم الإفراج عن عدد كبير من معتقلي الشيعة، وعودة كثير من المعارضين الشيعة إلى البحرين من المنفى، وتم الإعلان عن إسقاط 25% من القروض الإسكانية علي المواطنين. وبعد مواجهات بين الشرطة والشعب، والتي أسفرت عن الكثير من المصابين والجرحى والقتلى، تمت إقالة وزير الداخلية، كما انتشرت مدرعات الجيش في شوارع المنامة بعد مقتل أشخاص جراء استعمال قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. كما أقال ملك البحرين حمد بن عيسي آل خليفة أربعة وزراء بوصفهم "وزراء تأزيم".
اشترطت قوى المعارضة التي يتزعمها الشيعة استجابة الحكومة لأربعة "مبادئ" قبل الدخول في الحوار الذي دعا إليه العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسي آل خليفة، أهمها إلغاء دستور عام 2002، وانتخاب مجلس تأسيسي يقوم بوضع دستور جديد للبلاد.
وقد تصاعد ميل بعض المجموعات الشبابية إلى المطالبة ب-"إسقاط النظام"، فأصدرت جماعة "شباب 14 فبراير" - تاريخ بدء الاحتجاجات - بيانا تضمن المطالبة بإطاحة نظام آل خليفة القمعي. ودعت إلى محاكمة مهاجمي التظاهرات السلمية، وقيام حكومة منتخبة، ونزع الجنسية عن الأجانب الذين حصلوا عليها. وفي دوار اللؤلؤة، ترددت للمرة الأولي شعارات وهتافات تطالب بإلغاء الملكية.
وفي مواجهة هذه الاحتجاجات، طلب ملك البحرين من قوات مجلس التعاون الخليجي التدخل لحفظ الأمن والنظام، ولحماية المؤسسات الإستراتيجية، مثل منشآت النفط والكهرباء والمياه، مما أغضب الشيعة الذين وصفوا هذه الخطوة بأنها بمثابة إعلان حرب. يؤكد هذا التدخل اتفاق قادة مجلس التعاون الخليجي على ضرورة منع الشيعة البحرينيين من الاستمرار في مطالبهم، حيث ترى الأنظمة الخليجية أن صعود الشيعة في البحرين سيكسب إيران مزيدا من النفوذ، وسيهدد منظومة الخليج العربي كلها.
في النهاية، فإن تحليل ما جرى عمليا في الحالات السابقة، التي لم تكتمل "ذروة الثورات" في بعضها، يشير إلى أنه رغم الاختلافات الكبيرة بين الدول العربية، فإنه يمكن تحديد "محركات مشتركة" للتغيير، وقوى متقاربة في طبيعتها، أدت إلى تحريك الانتفاضات الشعبية في المنطقة. ورغم أن تلك الأحكام لا تزال مبكرة، فإنه على الأقل سقطت مقولة "الاستثناء العربي" بالنسبة للمنطقة عموما، وكل دولها تقريبا.
6. الجزائر
اكتسب النظام في الجزائر فن تنظيم انتخابات تعددية توصف بالديمقراطية دون تغيير في طريقة وأسلوب الحكم، مع المحافظة على النخبة السياسية نفسها، وتطعيمها من حين إلى آخر بعناصر تحمل نفس الملمح السوسيولوجي، مما أدى إلي تثبيت المنفور منه شعبيا، وكأن يأس المواطن لم يؤخذ بعين الاعتبار، مما أدى إلي زيادة الإحباط.
إن الواقع السياسي السالف خلف وضعا اقتصاديا صعبا في بلد نفطي، إذ لا يزال رقم البطالة مقلقا: 10% حسب الإحصاءات الرسمية، 20% حسب الخبراء. ولا يزال التضخم مكلفا بالنظر للحد الأدنى للأجور: 5.4% حسب الأرقام الرسمية، وأكثر من 10% حسب الخبراء. كما لا تزال نسبة الفقر تبعث علي القلق: 6% حسب الحكومة، 40% حسب الخبراء. يضاف إلى ذلك غرق النظام في حالة من الفساد الهيكلي الشبكي.
تلك المؤشرات المتدنية جعلت النظام القائم في الجزائر أشبه بنظام تصريف أعمال لا يمكن أن يعول عليه في القيام بإصلاح جذري علىي المستويين السياسي والاقتصادي، يتماشى وتطلعات قوي التغير الشبابية الجديدة غير الأيديولوجية التي أصبحت بحكم التكوين والواقع الإعلامي الجديد من أكثر الشرائح الاجتماعية تضررا بحالة الانسداد السياسي والاقتصادي.
إن هذه القوى الشبابية الجديدة التي خرجت في 5 كانون الثاني / يناير 2011 أصبحت من الناحية التنظيمية مستقلة وخارج تأطير منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، إذ فقدت أحزاب المعارضة القدرة على استقطاب هذه الشريحة المتطلعة للحرية والعدالة الاجتماعية. وحتى الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية التي كانت فائقة القدرة على التجنيد والتأطير في فترة التسعينيات دخلت هي الأخرى في رحلة من التيه، وتحول البعض منها إلى كيانات مجهرية، نتيجة ضعف خطابها وعدم جديته، إلى جانب صراعاتها الداخلية.
وأصبح البعض من الأحزاب الإسلامية مثل باقي العائلات الحزبية السياسية، تخطط للاستحقاقات الانتخابية وفق إستراتيجية أساسها القرب والبعد عن برنامج الرئيس (عبد العزيز بوتفليقة)، وليس على أساس الرهانات الأيديولوجية والسياسية المستقاة من مرجعية كل حزب، وهو ما حطم بالفعل جوهر التعددية المنصوص عليها في دستور 1989.
إن ما يميز هذه الحركات الشبابية أنها غير منظمة ومتعددة المطالب، كما تضم تركيبات فئوية (الشباب العاطل، طلاب الجامعات، سكان الأحياء الشعبية الفقيرة ... غير أن هذه الحركات الشبابية التي تتحرك على ربوع الوطن لا تملك الاستمرارية الاحتجاجية، كما تبدو أحيانا أحادية المطلب (البطالة، السكن، الأجور).
لكن هذه الحركات لم تصل إلى درجة العاصفة -كما في مصر وتونس- التي يمكن أن تؤدي إلي تغيير جذري علي مستوي النظام الجزائري الذي اكتسب فن التحكم في الوسائل التي تضمن بقاءه، ومنها استغلال تخوف المواطن من الرجوع إلى حالة عنف التسعينيات، والتي استمرت لعقدين، ولا تزال آثارها قائمة على مستوي الروح البشرية وتدمير إمكانيات البلاد المادية.
ورغم أن شعارات حركة 5 كانون الثاني / يناير 2011 ضد الفقر والإقصاء الاجتماعي وغلاء المعيشة تبقي ماهيتها السياسية واضحة بامتياز، فإنها لم تهمل مسألة التسلط والاستبداد وفقدان الحريات الفردية والجماعية.
إن الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها الجزائر في عامي 2010 و2011 تنقلت من منطقة إلى أخرى، وتجمعها طبيعة عدم التأطير، إلى جانب افتقارها للتواصل المنظم بين الشرائح المحتجة.
بيد أن الحركة لم تكن أول الاحتجاجات الواسعة في مناطق البلاد، بل عرفت الجزائر انتفاضات شعبية قد تنفجر فجأة ولأسباب كثيرة قد تبدو واهية للمراقب غير المدقق، مثل المطالبة بالسكن، وغيرها. كما أن هذه الانتفاضات تتسم بطابعها العنيف. فعلي سبيل المثال، استخدم النظام أقصى درجات العنف في مواجهة انتفاضة الربيع القبائلي ذات المطلب الثقافي في عام 1980، التي قادها شباب الجامعات المنضوي تحت الحركة الثقافية البربرية.
كما شهدت البلاد أيضا انتفاضة سكان قسنطينة في عام 1986، ثم انتفاضة أكتوبر سنة 1988 التي كانت دافعا للإصلاحات الكبرى في 1989، والتي تم التراجع عنها، مما مهد الطريق إلي انتفاضة سنة 2001 التي راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلا، ومثلت الضربة القاضية لأحكام الدستور التعددي سنة 1989، بل أدخلت الجزائر في ممارسات سياسية جهوية التي يمثلها ما بات يعرف "بتنسيقية العروش" التي تأسست في 14 يونيو من السنة ذاتها.
إن التراجع عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجذرية في شقها الاجتماعي كان أخطر نتائجه العكسية أحداث العنف المذهبي التي عرفتها منطقة وادي ميزاب ذات الأغلبية الإباضية في جنوب البلاد ما بين 2008 و2010، والتي فسرها البعض بالتناحر المذهبي، برغم حقيقة أن تلك المناطق تعاني بؤسا اجتماعيا، ودلت هذه الأحداث على انقسام جديد على مستوى البنية الثقافية للمجتمع الجزائري.
ويظل أنه رغم أن الدوافع الظاهرة لانتفاضة الشباب في 5 كانون الثاني / يناير هي غلاء المعيشة والتوزيع غير العادل للسكنات الاجتماعية، فإن أسبابها العميقة ترجع إلى طبيعة النظام السياسي الذي كبح حريات التنظيم، والتجمع والتعبير المنظم الفاعل.
فسَّر النظام الحاكم انتفاضة يناير 2011 بغير طبيعتها السياسية، كونها اتسمت بذات الخصائص لسابقتها من الانتفاضات كعدم الاستمرارية، والتأطير وفق برنامج واضح للتغير الجذري، وغياب المطالب السياسية الواضحة، عكس الحالتين المصرية والتونسية اللتين شهدتا إصرارا على الاستمرار في الاحتجاج ومطالبات سياسية محددة.
ويبقي الباب مفتوحا على كل الاحتمالات في الجزائر أمام عدم قدرة النظام علي إجراء إصلاحات جوهرية، وعجز أحزاب المعارضة، وسد الطريق أمام التداول السلمي، مثلما كان الحال في مصر وتونس قبل ثورتيهما.
مجمل القول إن تكرار الحركات الاحتجاجية ضد النظام ليس ميزة تخص التاريخ السياسي للجزائر وحدها، بل هي سمة مشتركة مع النظم العربية. لكن الاختلاف يكمن في المدى الذي وصلت إليه هذه الحركات في كل بلد عربي، فالتراكم الاحتجاجي بلغ منتهاه بثورة في مصر وتونس، وعنف مسلح في ليبيا، بينما لم يصل إلي ذلك في الجزائر.
7. الأردن
على الرغم من أن النزول إلى الشارع للمطالبة بالإصلاحات في الأردن قد تزامن مع المظاهرات والمسيرات في مصر وتونس، فإن التحرك نحو التغيير المرتقب أردنيا يبدو أكثر بطئا وتعقيدا، مقارنة بهذه الحالات، بينما تشي اتجاهات التحول بمسار مختلف عن "النموذج الثوري" المطروح في بلاد عربية أخرى، كما حدث في مصر وتونس، وكما يحدث حاليا في ليبيا واليمن.
يعود الاختلاف بين "السيناريوهات" الأردنية المطروحة والنماذج العربية الأخرى لشروط موضوعية رئيسية، سواء من حيث طبيعة النظام نفسه وسياسات الاستجابة التي تبناها في مواجهة حركة الاحتجاج، أو من حيث طبيعة المجتمع الأردني وتركيبته الديموغرافية، التي تنعكس على مطالب واتجاهات القوى المتحركة في الشارع.
في المشهد الأردني، ثمة توافق حاليا بين الأحزاب السياسية والحركات الجديدة علي "المظلة الملكية" للحكم، وعلى عدم السعي إلى تغيير النظام، بقدر ما تكرست الصورة الحالية من المطالب في صيغة "إصلاح النظام". بيد أن ذلك لا يمنع وجود بعض القوى الشعبية لا تؤمن بالنظام الملكي ولا بالديمقراطية، كما هي الحال في مسيرة تيار "السلفية الجهادية" الموالي لتنظيم القاعدة.
الفارق الرئيسي بين الحالة الأردنية والحالات الأخرى أن هنالك اختلافا واضحا بين أجندات القوى الفاعلة التي قادت المسيرات وحركت الشارع، ولديها منابر إعلامية وبيانات سياسية. وهو اختلاف لا يسمح إلي الآن بتشكل جبهة موحدة للإصلاح، وأجندة محددة عامة تشكل ضغطا باتجاه واحد محدد على صانعي القرار.
في المقابل، فإن الاستجابة الرسمية لمطالب التغيير تمثلت في إقالة حكومة سمير الرفاعي، وتكليف حكومة جديدة بكتاب تكليف يجعل لأول مرة من الإصلاح السياسي أولوية محددة، ويطالب الحكومة بقانون انتخاب متطور يعكس توافقا وطنيا. الحكومة الجديدة، بدورها، وبالرغم من الاختلاف بين القوي السياسية في تقييمها، فإنها ضمت شخصيات سياسية قريبة من الألوان المختلفة في المشهد السياسي، بعد أن اعتذرت جماعة الإخوان المسلمين وشخصيات شعبية أخري عن عدم المشاركة في الحكومة.
المفارقة أن المقاربة الرسمية كانت تفضل تأجيل استحقاق الإصلاح السياسي الجذري بالتذرع بالمعادلة الديموغرافية وارتباطها بالحل النهائي للتسوية الفلسطينية. أما اليوم، ومع المتغيرات الإقليمية والضغوط الدولية ونشاط الدفع الشعبي باتجاه الإصلاح السياسي، فإن صانعي القرار يبحث عن صيغة جديدة للإصلاح تجيب على الأسئلة المطروحة من الأطراف المختلفة، وتكون موضعا لتوافق داخلي.
ضرورة التغيير لدى صانعي القرار تكمن اليوم لأسباب رئيسية، في مقدمتها عجز قواعد اللعبة السياسية الحالية عن إدارة المعادلة الداخلية، مما أدى إلى انفجار أزمات متعددة، تتمثل في العنف الاجتماعي الواسع، وتراجع هيبة الدولة وتضعضع حكم القانون، وفجوة الثقة بين الحكومة والمجتمع، وبروز سؤال الهويات الفرعية في السنوات الأخيرة بصورة مقلقة.
المعادلة السياسية الراهنة بنيت على شروط اقتصادية- اجتماعية انقلبت رأسا على عقب، إذ تشكلت وفق تداعيات المواجهة الدموية بين الجيش الأردني والمنظمات الفدائية الفلسطينية في عام 1970، ونجم عنها حرص الدولة على تجنيد الشرق أردنيين بدرجة رئيسية وعامة في المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية الحساسة، فيما تركز الاهتمام الفلسطيني في القطاع الخاص داخليا وخارجيا.
خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، (مرحلة بناء مؤسسات الدولة)، شهد القطاع العام ازدهارا وتوسعا ونشاطا، وكبرت الطبقة الوسطي فيه، ذات السمة الشرق أردنية، بينما كان القطاع الخاص يقوم بأدوار هامشية محدودة، اقتصاديا وسياسيا.
في مرحلة التسعينيات، ومع خضوع الأردن لبرنامج صندوق النقد الدولي وسياسات التكيف الهيكلي والخصخصة، بدأت المعادلة الاقتصادية بالتغير، فانتقل مركز الثقل من القطاع العام إلى الخاص، وتراجع مستوى دخل الطبقة الوسطى فيه، مقارنة بتراجع القيمة الشرائية للدينار. ومع وصول الملك عبد الله الثاني إلى الحكم، جعل من التحول نحو اقتصاد السوق والاندماج بالاقتصاد العالمي أولوية له، مما انعكس على القطاع الخاص وأهميته وتراجع دور القطاع العام، الذي أصبحت النظرة إليه باعتباره مترهلا وعبئا علي الموازنة، وعقبة في وجه جذب الاستثمارات، والقفز بسرعة في برنامج اقتصادي يقوم على بيع ممتلكات الدولة وخصخصة الموارد.
في المقابل، طغى المنظور الأمني على المعادلة السياسية الداخلية، ولم تحدث فيها تطورات لملاحقة المتغيرات الاقتصادية الجديدة. بل على النقيض من ذلك، كان هنالك خصخصة اقتصاديا، وتأميم للحياة السياسية، مع تراجع منسوب الحريات العامة، وتزوير الانتخابات النيابية والبلدية، وضعف المجتمع المدني.
أفرزت الفجوة بين المسارين الاقتصادي والسياسي جملة من المشكلات، وولدت معارضات جديدة وحركات احتجاج أكثر صلابة من المعارضة التقليدية. ويتخذ أغلب الحركات الجديدة سمة شرق أردنية، بما أن هذه الشريحة لم تستطع التكيف مع التحولات الاقتصادية الجديدة، كما هي الحال في حركة عمال المياومة والاعتصامات العمالية، وكذلك حركة المعلمين التي طالبت بنقابة تحمل قضاياهم وهمومهم، وحركة المتقاعدين العسكريين التي طالبت بالحفاظ علي هوية الدولة، ومنع التجنيس السياسي للفلسطينيين.
برزت ظاهرة الحركات المعارضة الجديدة بوضوح ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، وتحالفت مع المعارضة التقليدية الأكثر حضورا، جماعة الإخوان المسلمين، في مقاطعة الانتخابات النيابية 2011، ومن ثم نشطت مع المعارضة التقليدية في المسيرات الأخيرة المطالبة بالإصلاح والتغيير.
حاليا، ثمة اختلافات وهواجس واضحة بين الأطراف الرئيسية في البنية الاجتماعية والمعادلة السياسية، فيما يمتاز موقف الدولة باللون الرمادي، مع عدم امتلاكها إجابات لأسئلة هذه القوى: من هو المواطن ؟ وكيف يمكن حل مشكلة المواطنة؟، وما هي حدود التداخل بين المعادلة السياسية الداخلية والتسوية السلمية? وهي أسئلة ليست من الطراز الثانوي، بل الرئيسي الذي يمكن أن يحول حلم الإصلاح السياسي إلي كابوس الاحتراب والصدام السياسي الداخلي.
من المرجح إن السيناريو المطروح هو الوصول إلي "صفقة مزدوجة" تقوم أولا على عقد مجتمعي، يتفاهم فيه الجميع على كيفية التعامل مع الثنائية الديموغرافية والسيناريوهات الإقليمية والداخلية لذلك. ثانيا بين المجتمع والدولة، أو بين الملك والبرلمان المقبل على صيغة النظام السياسي المقبل، وحدود صلاحيات المؤسسات المختلفة، مع وجود حكومة تمثل الأغلبية البرلمانية. هذه هي الملامح العامة للسيناريو الأنسب للانتقال من الصيغة الحالية لنظام الحكم إلى الصيغة الجديدة، وهي الأكثر ضمانة واستقرارا، لعدم تحول المسار الحالي إلى سيناريو الفوضى أو الصدام، في حال لم يحدث توافق داخلي على ذلك.
8. سوريا
في الحالة السورية، ثمة طريقان للتغيير، الأول: إصلاحي يأخذ رأس النظام المبادرة فيه، ويقود عملية تغيير تدريجي تنتهي بنظام تعددي، والثاني: طريق الحراك الشعبي. فالرئيس السوري كان من أوائل من تحدث عن تفهمه للضغوط الشعبية، وضرورة تقديم تغييرات سريعة. لكن اعتبرها آخرون، أن نوعية الإصلاحات التي وعد بها، بدا أنها من نوع التغييرات الشكلية التي لا تمس جوهر النظام أو الممارسة السياسية في سوريا.
وسعيا نحو التهدئة، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة في سوريا قبل تاريخ 7 آذار / مارس 2011. وفي الثامن عشر من آذار / مارس 2011، انطلق الحراك من مدينة درعا جنوبي البلاد، حيث خرجت مظاهرات تندد بالفساد، وامتدت المسيرات إلى بعض المدن السورية ومنها دمشق.
وفي محاولة للحد من اتساع الحراك ، أصدر الرئيس بشار الأسد عدة مراسيم تشريعية قضت بزيادة الأجور والرواتب ، وتعديل معدل الضرائب، بحيث يتم رفع الحد الأدنى المعفى من الضريبة من الدخل الصافي، كما أمر بإخلاء سبيل جميع الموقوفين على خلفية الأحداث التي جرت في درعا. بيد أن تلك الإجراءات لم توقف التظاهرات.
عمد الرئيس الأسد إلى المضي بإجراءات تنفيذية إصلاحية ،كقانون الأحزاب ،والانتخابات التشريعية،لكن التظاهرات اتخذت منحى آخر،مطالبة بإسقاط النظام،حيث امتدت التظاهرات إلى غير مكان،وبدا حسب بعض التحليلات ان أجندات خارجية تحرك قسم كبير من المعارضة.

[1] من الملاحظ أن معدلات التنمية البشرية طبقا لتقرير الأمم المتحدة الإنمائي لا تعكس الواقع في عدد من الدول العربية. فالجماهيرية الليبية تأتي في الموقع 53، وهذا يمثل مستوى مرتفعا في التنمية البشرية. أما تونس، فتقع في الموقع 81، ومصر في الموقع 101.وفي هذا الصدد، يقول جلال أمين: "في (تونس وليبيا)، حدث تحسن في المؤشرات التي يعلق عليها الصندوق (النقد الدولي) أهمية، ويقيس بها النجاح والفشل، بينما حدث تدهور في المؤشرات التي يتجنب الصندوق الكلام عنها، ولا يعيرها اهتماما في توزيع عبارات الثناء أو النقد: معدل نمو الناتج القومي يرتفع، ومعه متوسط الدخل، والاستثمارات الأجنبية تزيد. (حدث هذا في تونس في العشرين سنة الماضية، وبدأ يحدث في مصر منذ ست سنوات). ولكن حدث التدهور الشديد في ثلاثة أمور لا يحب الصندوق أو المؤسسات المالية الدولية الحديث عنها إلا مضطرة وهي: زيادة البطالة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة انكشاف الاقتصاد أمام المتغيرات العالمية، ومن ثم زيادة تأثره بما يحدث في الخارج من تقلبات. كانت النتيجة أن تونس، بعد أكثر من عشرين عاما من تطبيق سياسة الصندوق، زاد الناتج القومي فيها بمعدل يفوق 5% سنويا (أي أكثر بنحوالخمس مما حدث في مصر)، ولكن زاد أيضا معدل البطالة بشدة، فأصبح أكبر من معدل البطالة في مصر بنحو 50% (14% من إجمإلي القوة العاملة بالمقارنة ب- 9% في مصر، طبقا للإحصاءات الرسمية التي يرجح أنها أقل بكثير من الحقيقة في الدولتين). كذلك، اتسعت بشدة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فأصبحت أكبر بكثير منها في مصر (أغني 10% من السكان في مصر يحصلون علي 8 أضعاف ما يحصل عليه أفقر 10% من السكان، بالمقارنة ب- 13 ضعفا في تونس)، طبقا لإحصاءات الأمم المتحدة عن سنة 2007 /2008. والأرجح أن الحقيقة أسوأ هنا أيضا بكثير، إذ إن كثيرا مما يحصل عليه الأغنياء لا يري ولا يحسب".
[2] إن سبع عائلات مرتبطة بعلاقات قرابة أو مصاهرة بعائلة الرئيس بن علي، وفي مقدمتها عائلة زوجته ليلي الطرابلسي، أصبحت تتحكم في السياسة والاقتصاد. كما ترددت أنباء عن وجود خطط لنقل السلطة في مرحلة قادمة إلي زوجة أو صهر الرئيس، مما عمق من أزمة شرعية النظام السياسي في تونس في السنوات الأخيرة.
[3] شارك الكثير من الطوائف في تلك التظاهرات، ومن بينها يسار وسنة، ولكن الأغلبية كانت شيعية. ولمواجهة ادعاءات الحكومة بأنها تظاهرات شيعية مدعومة من الحكومة الإيرانية، فقد هتف المشاركون بهتافات "لا سنية ولا شيعية، فقط بحرينية". كما رددوا هتافات تدعو إلى الوحدة، بينها "إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه"، و"لن تخمدوا أنفاسه .. محمد البوفلاسة"، وقد اعتقل هذا المتظاهر السني بعد إلقائه خطبة في دوار اللؤلؤة.