14‏/09‏/2012

ابعاد زيارة البابا للبنان

ابعاد زيارة البابا للبنان
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 16/9/2012

زيارتان بابويتان نعم بهما لبنان،لكل منها دلالاتها ورمزيتها ، ورغم التقاء الكثير من العناوين فيهما،إلا ان ثمة فوارق كثيرة يمكن ملاحظتها،منها ما يتعلق بالظروف اللبنانية،ومنها ما يتعلق بالظروف الاقليمية.فما هي ابعادها اللبنانية والشرق اوسطية
في العاشر من أيار 1997 اطلق بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني السينودس من اجل لبنان ، وهو عبارة عن ارشاد رسولي لمسيحي لبنان ، وبعد خمسة عشر عاما أطلق البابا بنديكتوس السادس عشر الارشاد الرسولي لمسيحي الشرق الأوسط. بين الارشادين ثمة الكثير من المتغيرات اللبنانية والشرق اوسطية التي فعلت فعلها في المجتمع العربي القائم على التنوع والتعدّد في بعض دوله وبخاصة الشرقية منها.
فلبنان الذي وصف فيما مضى بالرسالة الكونية التي تجمع في طياته الاجتماعية المكونين الاسلامي والمسيحي،كان في العام 1997 خارجا من حرب اهلية اختزلت الكثير من التناقضات الاجتماعية والسياسية والطبقية،فكان الارشاد آنذاك على قياس لبنان ومشاكله المزمنة، والمفارقة هنا ان حيثيات الارشاد بكل تفاصيله رسمت خطوطا عريضة للواقعية السياسية والاجتماعية التي ينبغي على اللبنانيين اتباعه في محاولة لشد اللحمة الوطنية بعد سني قتال مرير، بينما في الواقع لم تكن الحرب بين مسامين ومسيحيين في المعنى العام ، بقدر ما هو نزاع بين افر قاء لبنانيين حول قضايا وطنية وقومية وسياسية واجتماعية تم فيها فرز ذات بُعد طائفي ومذهبي واضح،ساعد الكثير من العوامل الداخلية والخارجية في تظهير تلك الصورة بأبشع مظاهرها.
طبعا نعم لبنان في تلك الفترة اي قبل عقد ونصف من الزمن بفترة ذهبية من العشق الاسلامي المسيحي اذا جاز التعبير، اما اليوم فالمشكلة ليست بالضرورة في لبنان بقدر ما هي المشكلة بما آلت اليه الأوضاع في غير بلد عربي،وبالتالي بات الارشاد الحالي اوسع نطاقا وأكثر إبعادا. فالحراك العربي قلب انظمة وضعضع سلطات كثيرة، وأوجد حالة من الخوف لدى بعض المسيحيين في الشرق ، ورغم عدم دقة التوصيف،فالخوف هنا يشمل المسلمين كما المسيحيين على مستقبلهم في ظل انظمة لا زالت تتمايل دون ان تستقر على بر ما.
بداية كان الأمر مع مسيحي العراق،والآن ما يروّج لمسيحيي سوريا ولبنان وغيرهما ، وبصرف النظر كما اسلفنا عن دقة التوصيف ونوعية الخوف ومبرراته اذا وجدت ، ثمة تصوّر شائع في مشرقنا العربي مفاده تعاظم الخوف على مسيحيي الشرق من بعض الذين اسموهم متطرفين، إلا ان الواقع مختلف تماما والخوف هنا يشمل الجميع اقليات كانت أو اكثريات، بخاصة ان ثمة الكثير من الشائعات التي تروّج ان سقوط الانظمة سوف يؤدي إلى جولات عنف طائفية ومذهبية هنا أو هناك.
ان الارشاد البابوي بنسخته المنقحة والمزيّدة لا شك هو انعكاس لواقع موجود ينبغي الاعتراف ببعض جوانبه،وهو تعبير يغطي مساحات كبيرة من عالمنا العربي،ويحمل في ثناياه ما يشبه الوصايا العشر لسيدنا المسيح،في مشرق يشهد متغيرات متسارعة من الصعب استيعاب ابعادها بسهولة والاتقاء من تداعياتها.
الزيارة الثانية لبابا الفاتيكان للبنان ، لها من الابعاد المعنوية الكثير الدلالات الرمزية وبخاصة للكنيسة المشرقية الارثوذكسية التي تتخذ من دمشق مقرا لها ، سيما ما يمر به الشعب السوري مسلميه ومسيحييه من آلام درب الجلجلة،التي ينبغي ان تتوّج بإرشاد شعبي يكون بمثابة البوصلة السياسية لكل من يتوق لحياة كريمة.