08‏/09‏/2012

واقع العلاقات الايرانية المصرية ومستقبلها

واقع العلاقات الايرانية المصرية ومستقبلها
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 10/9/2012


غريب المصادفات ان تشكل قمة عدم الانحياز مناسبة للقاء رئاسي مصري إيراني على قاعدة التسلم والتسليم، ورغم كل ما بين البلدين من حالات شد وجذب،وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية،ثمة ما يلامس العلاقات نوع من الحذر المتبادل للعديد من الخلفيات والأسباب. فهل يمكن لكل من طهران والقاهرة القراءة في كتاب واحد؟ ام ان ثمة معوقات لذلك؟
في المبدأ حكمت شعارات الثورات في كلا البلدين نوعا من القراءة المختلفة للسياسات الاقليمية وبخاصة قضايا الصراع العربي الاسرائيلي والأحلاف التي انشأت في المنطقة. فثورة 1952 الناصرية كانت سببا لاهتزاز العلاقة ابان حكم الملكيات في الدولتين، وشكل اعتراف ايران الشاه بإسرائيل في العام 1960 قطيعة دبلوماسية، ما لبثت ان عادت إلى طبيعتها ابان حكم الرئيس انور السادات بحكم صداقته للشاه.لم يدم الوقت طويلا حتى أقدمت طهران على قطع العلاقات الدبلوماسية من طرفها بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد،وافتتاح سفارة فلسطين في مقر السفارة الاسرائيلية في طهران، ما لبثت ان توترت العلاقات أكثر فأكثر مع اطلاق اسم خالد الاسلامبولي قاتل انور السادات على احد شوارع طهران.
ونتيجة الشد والجذب الدائم بين البلدين، استطاعت ايران المضي في سياسات برغماتية لا مبدئية،فأحسنت استخدامها في العديد من الملفات ذات الصلة بالبلدين، وتوِّجت بتوقيع اتفاق للنقل بين الطرفين في العام 2012، وعلى الرغم من ان التبادل التجاري بين الجانبين ليس بذات قيمة عملية بالنظر إلى حجم الناتج المحلي لكلا الاقتصادين،فان هذه القاعدة التجارية يمكن ان يؤسس عليها مستقبلا، فعلى سبيل المثال فقد وصل حجم الاستثمارات الإيرانية في مصر الى 331 مليون دولار من خلال 12 شركة منذ عام 1970 وحتي عام 2010 .
وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت في مصر مؤخرا والتي تعتبرها طهران إيجابية ثمة معوقات يمكن ان تسهم في عدم تسريع اقامة علاقات طبيعية،ومنها أولا ان طبيعة النظامين السياسيين في كلا البلدين يرتكزان على ايديولوجيات مختلفة نسبيا، وذات نوازع سياسية مختلفة ومتباينة،ابرزها قضية العلاقة مع اسرائيل ومعاهدة كامب ديفيد، كما السياسيت الخارجية للعديد من ملفات المنطقة. وثانيا،سياسة الخوف والحذر المتبادل والدائم الحضور،حيث تجلت مؤخرا بطرد الدبلوماسي الايراني من القاهرة على خلفية تجسس مزعومة،ما آثار حفيظة طهران وقيامها بخطوات وسلوكيات تنم عن رغبة في عدم الاندفاع تجاه الآخر. وثالثا يعد استمرار السياسات الأمريكية الضاغطة على صناع القرار في مصر واستجابتهم لها من أهم العوامل التي تراها طهران سببا مباشرا في إعاقة عودة العلاقات مع مصر. إذ إن ما يعنيه هذا الاستمرار في الاستجابة للضغوط الغربية هو منح المزيد من الدعم الأمني المقدم لإسرائيل من ناحية، والضغط على حلفائها في المنطقة من ناحية أخرى، بخاصة في حال استمرار تردي الوضع الأمني الداخلي في مصر، وامتداده إلى سيناء التي تعد بالنسبة لواشنطن محددا استراتيجيا للتوازن العسكري بين مصر وإسرائيل. ولذلك، يكمن الخطر هنا من وجهة النظر ألإيرانية في احتواء الغرب، ممثلا في الولايات المتحدة ، للثورة المصرية ، والعودة مجددا الى السياسات السابقة التي تدفع باتجاه التباعد بين إيران ومصر.
وعلى الرغم من تلك المعوقات، فالعودة الى سياسات التوتر والتصعيد أمر مستبعد بين البلدين، بالنظر الى السياسات البرغماتية التي تنطلق منها كل من طهران والقاهرة علاوة على التغيرات الحاصلة في هذه الأخيرة.
ان عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وضمان حد أدنى من التعاون ، يمكن أن يلعب فيه الاقتصاد دور القاطرة، بالنظر الى حاجة كل منهما للآخر اقتصاديا. كما يمكن أن يشهد هذا السيناريو تنافسا سياسيا في المنطقة ، إذ إن تعاون كل من مصر وإيران ودخولهما عصرا جديدا من العلاقات الدبلوماسية الطبيعية لن ينهي بالضرورة تطلع كل منهما للعب أدوار اقليمية بارزة، وهو ما ستتحكم فيه بطبيعة الحال المصالح الملحة لكلا الطرفين.
ان المواقف المعلنة للرئيس المصري في خطابه في قمة عدم الانحياز،وبخاصة الموقف من الأزمة السورية،لم يستفز ايران التي تربطها علاقة استراتيجية بسوريا، ما يعني ان طهران لا زالت تتخذ مواقف مرنة باتجاه القاهرة وهي راغبة بتطوير العلاقات اذ لم يدخل على الخط طرف ثالث،وهو امر معتاد ومتوقع في مثل تلك الحالات والظروف.