14‏/02‏/2014

فدرالية اليمن وأخواتها

فدرالية اليمن وأخواتها
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 14/2/2014

       في العام 1945 انقسمت سبع دول عربية مستقلة حول جنس وطبيعة جامعتهم العربية، واستقر الرأي على كونفدرالية لا تغني ولا تسمن من جوع الوحدة بعدما رُفضت الفدرالية كآلية للوحدة الشاملة ، تحت مبررات وأعذار جلها تعود إلى تمسك الزعماء العرب آنذاك بسيادة دولهم ، وعدم الميل إلى الاندماج باعتباره يذيب الزعامات القطرية.
       اليوم انضم اليمن غير السعيد إلى مسار الفدرالية كنظام دستوري على قاعدة حل بعض جوانب الازمة الداخلية التي يتخبط بها ، باعتبار ان الحل يكمن في ست اقاليم ترتبط باتحاد هو أهون من الانقسام وأقل من الوحدة.فهل سيستقيم وضع اليمن في هذا الاطار من الحل المجرّب قبلا في غير منطقة من العالم ؟ وهل تكمن المشكلة في طبيعة أو نوع الاتحاد أو التعاون المقترح ؟ ثمة اسئلة كثيرة ومتنوعة بكثرة وتعدد خلفيات المشاكل لتي يتخبط بها اليمن كغيره من البلدان العربية الأخرى.
      لا شك ثمة اسباب وجيهة تحتم المجتمعات والشعوب المتعددة اللجوء إلى خيارات كانت مستبعدة في الماضي ، على قاعدة اهون الشرور اذا جاز التعبير السياسي والدستوري الذي يحكم بعض الأنظمة العربية ومنها اليمن. فاليمن الذي يهيمن عليه طابع النزاع القبلي الذي وصل في بعض مراحله إلى الاحتراب السياسي والعسكري ،  تجذر في الحياة السياسية والدستورية بعد فشل تجربتين قاسيتين ، الاولى تجربة الانقسام بين الشمال والجنوب ، وهي تجربة تعكس جو الحرب الباردة التي صبغت المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ابان مرحلة نشوء العديد من الكيانات العربية، والثاني اعادة تركيب ودمج اليمنين الشمالي والجنوبي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وموجة الوحدة والديموقراطية التي سادت غير منطقة في العالم.
      وفي ظل هذه الوحدة المزعومة ،  كانت ترسم مخططات اخرى في غير منطقة عربية لإعادة تفكيك وتركيب كيانات اخرى ، ومنها العراق على سبيل المثال، فالحروب التي خاضها في الخارج والداخل ومن ثم غزوه واحتلاله، هيأ البيئة المناسبة لإطلاق واستقرار الفدرالية السياسية ضمن اطر دستورية داخلية لأقاليم مختلفة في العراق ، وهي في المناسبة الخطوة الاولى التي خطاها نظام عربي باتجاه اقرار الفدرالية السياسية وهي بطبيعة الحال ، تعتبر انقسامات بغلاف دستوري مشرعن، لا يلغي صورة وفكرة التجزئة والانقسام والتفتيت التي نخافها نحن العرب اكثر من اي شيء آخر ، باعتبارها ربما الحالة الوحيدة التي تظهر عجزنا وضعفنا ، لكن في الواقع ثمة عشرات الأسباب للضعف والعجز والوهن الذي اوقعنا انفسنا به.
       في المقلب الآخر ثمة حالة اخرى ظهرت وأخذت مكانا وحيزا واسعا من النقاشات الفكرية في الحياة السياسية اللبنانية ، حيث طرحت فكرة الفدرالية وحتى الكونفدرالية كصيغ لحل الأزمات اللبنانية المتعاقبة فصولا وأشكالا وأنواعا منذ نشأة الكيان اللبناني في العام 1920. وعلى الرغم من عدم اقرارها أو اعلانها بصيغ دستورية وقانونية واضحة ، إلا ان بعض التفسيرات والممارسات الدستورية والقانونية والعرفية تخفي وراءها نوعا من الحنين باتجاه الفدرالية ، التي ترجمت وصرفت بطريق غير مباشر عبر اللامركزية الادارية الموسعة التي أخفت بدورها مطالب ذات نزعات سياسية طائفية مذهبية لا تخفى على احد.
      ان التدقيق في بعض الاوضاع الخاصة التي مرّت وتمر بها العديد من الأنظمة العربية ، توحي وتشير إلى العديد من المشاريع التي ظهرت في العقل الباطني لبعض دعاة التجزئة والتفتيت في المجتمع العربي.بدءا من اقصى المغرب العربي مع صحرائه وادعاء البوليساريو بها، مرورا بقضية الامازيغ والبربر وقضية جنوب السودان ولبنان والعراق والأردن وحتى بعض الدول الخليجية . باختصار ثمة خليط غريب عجيب يمكن ان يستثمر في اتجاه التفتيت والتجزئة التي تلمع صورتها بصيغ دستورية كالفدرالية التي ستستتبع حتما بالكونفدرالية السياسية التي تعني التقسيم وتشتيت طاقات الأمة العربية أكثر مما هي مشتتة.
      صحيح ان ثمة قضايا متصلة بأوضاع الاقليات القومية والاتنية والطائفية وحتى المذهبية تعشش في وطننا العربي ، وصحيح أيضا ان الفكر القومي العربي لم يستطع تجاوز مشكلة الاقليات وطرح الحلول لها ، وصحيح ان معظم الحكام العرب ، قد استفادوا من هذا الواقع المؤلم ، إلا ان جميع هذه الوقائع وان كان بعضها مبالغ به أو محجم لسبب أو لآخر ، فذلك لا يعني بالضرورة مضي العرب واستسلامهم لمشاريع التجزئة والتفتيت التي تُقدم بحلل وألوان ولبوس تبدو زاهية ووردية. صحيح ان مثل تلك المشاريع يمكن ان تكون حلا ناجعا في بعض الظروف، إلا انها ليست بالضرورة ان تكون ناجحة في بعض تجاربنا العربية. فمثال السودان الذي انتقل من فدرالية غير معلنة إلى التقسيم تحوّل جنوبه وشماله إلى مشروع حرب قائم ودائم لأسباب متعلقة بالموارد وبالتالي هي اسباب مالية اقتصادية أكثر من كونها اسبابا قومية أو اتنية او غيرها. اضافة إلى التجربة العراقية بعد دستور العام 2005 الذي اعتمد صيغة الاقاليم ضمن طبيعة فدرالية ، واليوم تبدو النزاعات الداخلية هي اقرب للصراع على الموارد منها على الخلفية القومية او غيرها.
       باختصار نحن العرب نعيش ازمات متلاحقة ، ومنها المسألة القومية وكيفية تجاوز بعض مشاكلها ، الحل يكمن في اعادة النظر في الكثير من المفاهيم ، وحتى في الأوهام التي نسجناها حولنا وحول فكرنا وعقائدنا. ربما يكمن الحل في اعادة قراءة موضوعية لمشكلة الأقليات والتبصر في كيفية حلها لئلا تصبح لاحقا ذريعة وسببا للنزاعات والصراعات البينية العربية وحتى ضمن المجتمع في البلد الو احد.