25‏/02‏/2014

الارهاب يجرف لبنان إلى جنيف

الارهاب يجرف لبنان إلى جنيف
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 24/2/2014
 
        ثمة من اعتقد في لبنان ان حكومة المصلحة الوطنية التي ولدت بعد احد عشر شهرا ، ستنهي أو تخفف من جولات الارهاب التي تجرفه هذه الايام ، لكن سرعان ما تبيّن عمق الازمة اللبنانية وارتباطها الوثيق في الازمة السورية ، وبالتالي من الصعب النظر إلى مكونات حل الازمة اللبنانية من دون النظر إلى ما يجري في سوريا. ففي الماضي القريب دخلت السيارات المفخخة الساحة السياسية اللبنانية من بوابة معركة القصير السورية ، وازدادت حدتها مع فتح جبهة القلمون، ومع وصول مفاوضات جنيف السورية إلى حائط مسدود في جولتها الثانية، ومع ارتفاع نبرة الجدل الروسي الامريكي في اوكرانيا ومصر وغيرهما، ومع دخول قضية الصواريخ البالستية الايرانية على خط مفاوضات الخمسة زائد واحدا،يبدو ان خليطا من الاوراق الاقليمية الوازنة يُعاد تركيبها وإعادة جدولة استثماراتها في غير ملف تفصيلي في المنطقة.
       واليوم أيضا ، يُعاد تركيب جدولة الازمة السورية ونوعية الملفات المثارة في ادارتها ربطا بمجمل تفرعاتها التي بدا لبنان اليوم ، احد اضلعها الرئيسة. فبعد فشل جنيف 2 ، بات البحث عن مقدمات جنيف 3 امرا ضروريا في سياق تهيئة البيئة لإطلاق جولة المفاوضات القادمة ، ويبدو ان معركة يبرود في القلمون السوري ، فتحت الباب واسعا  لإعادة تعريف جديد لإدارة الازمة في المرحلة القادمة والتي سيكون للجبهة الجنوبية السورية ولبنان دور وازن فيها ، ما يعني مزيد من العبء السياسي والأمني على لبنان الذي يترجم هذه الايام بارتفاع منسوب الضغوط عبر السيارات المفخخة  في غير منطقة لبنانية ذات الدلالة والرمزية المحددتين.
     وما يعزز تلك الرؤى، المواقف اللبنانية المعلنة تلميحا وتصريحا قبل اطلاق الحكومة وبعدها مباشرة ، وما ترافق مع تفجيرات امنية تصرف سياسيا في هذا السياق. فهل ان لبنان وضع مباشرة وتزامنا مع ما حُضر ويحضر في جنيف السوري وحتى الايراني ؟ في مبدأ المقاربة واستنساخ ادارة الازمات السابقة يبدو ان الامر كذلك ، ما يعني ان لبنان ادخل بشكل مباشر وقوي في اتون الارهاب تحضيرا لمتغيرات ربما تمس تركيبة النظام السياسي القائمة،ان لم يكن كيانه ربطا بما يُحضر من جغرافيا سياسية للكثير من المعارك في المنطقة ، ومن هنا ان للإرهاب المزدهر حاليا في الساحة اللبنانية له صلة وظيفية للبيئة التي تحضر لرسم نظام اقليمي تبدو معالمه هلامية حتى الآن.
         في عقد الثمانينات من القرن الماضي ، وفي زمن التحولات التي كانت ترسم اقليميا ودوليا ، وضع لبنان تحت ضغط الاحتراب الداخلي بنكهات ولمسات خارجية واضحة ، وباتجاه تغليب الدور الخارجي في ادارة ازماته الداخلية، ربطا ووصلا في العديد من ملفات المنطقة، اليوم يبدو ان لبنان وضع مرة اخرى في هذه الصفة التوظيفية وان كانت بأدوات ووسائل مغايرة عما سبق ، لكن النتائج والآثار المبتغاة تبدو شديدة الصلة بنتائج ما يحصل في اقليميا.
      ويبدو ان قدر لبنان حتى ما قبل ولادته قانونا في العام 1920 ، مرتبط بتسويات وموازين قوى اقليمية ودولية ، وهو عرضة لمتغيرات سريعة عند  اي مفترق ليس بالضرورة ان يكون مفصليا في حياة امم وشعوب المنطقة ، فلبنان الذي بدا هلامي التكوين والمصير والمسار السياسي ، ارتبط واقعه بالكثير من المتغيرات وليس بالثوابت كما هو متعارف عليه في في حياة الامم والشعوب والدول.
       لقد اثبتت التجارب والسوابق الدولية ، ان من اخطر ادارات الازمات الاقليمية والدولية،ان تلصق وسائلها وموضوعاتها وأدواتها مع آثار وتداعيات ونتائج الافعال الارهابية ، وهذا ما ادخل لبنان عمليا فيه ، ما يعني بالمحصلة ان لبنان قادم على موجة كبيرة من العنف العبثي المترجم عمليا بالتفجيرات والموت المجاني ، وصولا إلى الترتيبات التي ستفرضها ظروف المرحلة القادمة، التي ليست بالضرورة ان تكون على غرار ما يشتهيه اللبنانيون.
      وإذا كان نجم جنيف قد لمع  مع ملفات الازمتين السورية والإيرانية مؤخرا ، فلبنان سبق وان تشرّف بهذه الميزة التي لا تتمناها اي دولة ، لكن قدر لبنان ، أو بالأحرى عدم قدرة ابنائه على تحديد مصيرهم ، هي من وضعت لبنان ومجتمعه في هذا المصاب الذي لا يحسد عليه!