06‏/08‏/2014

عِزّةُ غزّة

عِزّةُ غزّة د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية عندما أطلقت إسرائيل عنوان الجرف الصامد لعدوانها على غزة ، اعتقدت بأنها قادرة على جرف غزة إلى البحر كما تمنى في تسعينيات القرن الماضي رئيس وزرائها الأسبق اسحق شامير، لكن سرعان ما انقلبت موازين القوى عبر صمود الشعب الفلسطيني بوجه آلة القتل الإسرائيلية، وفرضت معطيات جديدة هي سابقة في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تحديدا. أقه في هذه المرحلة إجبار إسرائيل التفتيش عن مخرج يحفظ ماء الوجه الإرهابي الذي مارسته ضد أطفال غزة لا مقاوميها. وهنا تكمن أهمية الصمود في الحفاظ على المكتسبات وعدم إتاحة الفرصة لإسرائيل في تحويل النصر الفلسطيني إلى هزيمة ، كما برعت به سابقا في تاريخ مواجهاتها مع العرب عموما ومع الفلسطينيين خصوصا. اليوم دفعت غزة ما يفوق الألف شهيد وسبعة آلاف جريح ووضعت إسرائيل أمام استحقاق كانت تخشاه بداية العدوان، وهو الوصول إلى مكان تبحث فيه عن سبيل لوقف إطلاق النار ولو تحت مسمى هدنة إنسانية تصورها وتسوقها لمصلحة الفلسطينيين ، إنما في الواقع هو تقطيع الوقت في محاولة إسرائيلية مكشوفة لتعبئة الضغوط العسكرية والسياسية لفرض شروط ما بعد العدوان، وهي شروط بالمناسبة لا تتناسب أصلا وحجم المأزق الذي وضعت نفسها به؛ ما يعني اعتراف مبدئي بالفشل وعدم القدرة على مجرد رفع السقف السياسي للمفاوضات الجارية حاليا. إسرائيل اليوم مقهورة عسكريا بنخبتها في لواء غولاني ومجموعات ايغوز ، وهي تحتمي بقبة كرتونية لم تحمِ حتى مطار بن غوريون من أشعة الشمس لا من صواريخ المقاومة التي وصلت إلى الألفي صاروخ خلال عشرين يوما.وسياسيا محشورة في الداخل قبل الخارج بكيفية استجداء العالم لوقف إطلاق النار، وسط مبادرة أميركية لا تعدو فخا تفاوضيا اعتادت إسرائيل اللجوء إليه عند الحشرة السياسية والعسكرية في مثل هذه الحالات. وهنا بيت القصيد في استمرار الصمود السياسي الفلسطيني بوجه الضغوط الهائلة التي تمارس عليه للقبول بوقف إطلاق نار مقرون بمواصلة العدوان تحت شعار تدمير الإنفاق والصواريخ الفلسطينية ، في موازاة محاولة لتكريس واقع مستقبلي مفاده عدم اللجوء إلى تصنيع الصواريخ أو نقلها من الخارج ، مقابل وعود بفك الحصار وإعادة الإعمار . ربما اليوم القيادة الفلسطينية والعسكرية مطالبة بمزيد من التشدد التفاوضي بمواجهة إسرائيل ، لكي لا يتحول الصمود والنصر إلى جرف وهزيمة، ولعل الاتعاظ من تجارب المقاومة اللبنانية في العام 2006 دليلا وطريقا لترجمة الصمود لتحقيق مطالب هي من مسلمات حقوق الشعوب والدول ولو نظريا . ففك الحصار ليس مطلبا حديثا أو آنيا، وهو أمر مزمن مارسته إسرائيل عبر الاحتلال وعبر علاقاتها بالسلطة الفلسطينية لاحقا ، ولم يكن يوما قضية طارئة وبالتالي إن فك الحصار ينبغي أولا وأخير عدم ربطه بمطالب إسرائيلية أخرى لا بوقف القتل ولا بغيره من المطالب كقضايا الأنفاق التي تعتبر أصلا نتيجة للحصار لا فعلا سابقا له. إن محاولة إسرائيل ربط وقف العدوان بشروط هي من الحقوق الأساسية للشعوب والدول، هو خروج اعتادت إسرائيل القيام به ومحاولة المضي به إلى نهاياته ، وسط ظروف إقليمية ودولية مساعدة لها، إلا أن ظروف اليوم هي متغيرة إلى حد كبير ويمكن للفلسطينيين تحسين وترقية شروط التفاوض للمرحلة المقبلة بأكلاف سياسية وعسكرية معقولة بعد العدوان. ولنكن واقعيين هنا ونتحلى بالجرأة المفترضة، إن القيادة الفلسطينية بشقيها السياسي والمقاوم المحتضنة شعبيا لديها فرصة تاريخية لإعادة رسم وسائل وطرق تموضعها السياسي اللاحق في منطقة تعج بالمفاجئات والمشاريع من هنا وهناك. عِزّةُ غزة اليوم ، قدرتها على فرض سابقة عسكرية وسياسية على إسرائيل لم تعتد عليها منذ العام 2006، والمبادرة الأمريكية والفرنسية المطروحة اليوم عبر الأمم المتحدة سقفها محاولة الوصول إلى قرار أممي مشابه للقرار 1701 في لبنان ، يحاول تقطيع أوصال الجغرافيا السياسية الفلسطينية المقطعة أصلا ، وينهي القوة النوعية العسكرية الفلسطينية . ففي تموز العام 2006 حاولت إسرائيل عبر الأمم المتحدة فرض سياق عسكري وامني وسياسي على المقاومة اللبنانية، النتيجة كانت مضاعفة قوة المقاومة اللبنانية أضعاف المرات حيث فرضت معادلات وقواعد اشتباك سياسية وعسكرية وحتى استخبارية مذلة لإسرائيل ، فهل ستتمكن المقاومة الفلسطينية من استنساخ التجربة اللبنانية؟ إن حجم التضحيات التي قدمها أطفال غزة تستحق ذلك!