13‏/08‏/2014

تدعيش لبنان

تدعيش لبنان د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية ثمة مصلحة إقليمية ودولية سادت سابقا ولو على مضض لتحييد لبنان عن بعض ملفات المنطقة ، وبخاصة الأزمة السورية ومتفرعاتها في لبنان. إلا أن ما جرى مؤخرا من تطورات دراماتيكية أمنية وعسكرية في سوريا، وما تبعها في العراق ، أعاد خلط الأوراق من جديد لترتيب إدارة أزمة بعض الملفات الفرعية في المنطقة من البوابة اللبنانية تحديدا، وعبر فتح معركة البقاع اللبناني الشمالي المتصل جغرافيا وديموغرافيا بسوريا. وعلى الرغم من تهيأ الظروف الفعالة لتفجير الأوضاع في لبنان في المرحلة السابقة، جرت تفاهمات متنوعة الأبعاد والغايات لإبقائه في وضع لا هو بالمستقر ولا هو بالمتفجر، أملا بإجراء عمليات استثمار أمنية وعسكرية في غير ملف محلي أو إقليمي لما يحيط بلبنان من ظروف ذاتية وموضوعية مساعدة لذلك. اليوم أطلقت داعش صفارة إدخال لبنان ضمن عملياتها الإرهابية بمواجهة الجيش اللبناني، مستغلة جملة عوامل داخلية لبنانية يأتي في طليعتها الانقسام العامودي بمختلف أنواعه، بدءا بالسياسي وصولا إلى الديني والمذهبي. كما أن ثمة ظروف موضوعية مساعدة لذلك ، من بينها وجود أعداد وأحجام هائلة من النازحين السوريين في معظم المناطق اللبنانية، وهم في طبيعة الأمر بينهم من يوالي جبهة النصرة وداعش وبالتالي إن بيئة تفجير الوضع اللبناني من الداخل هي متوفرة وبشكل خطر، إضافة إلى ذلك ثمة بيئة بعض المخيمات الفلسطينية التي استقطبت مثل تلك الجماعات، علاوة على بدايات النزوح العراقي إلى لبنان أيضا، جميعها تكوّن الأرض الخصبة لتدعيش الواقع اللبناني المهيأ أصلا للفوضى والفلتان الأمني والعسكري. وإذا كان الأمر كذلك ، فما هو مسار ومصير الواقع المستجد في لبنان، صحيح أن داعش فتحت معركتها في لبنان من البوابة البقاعية الشمالية عبر بلدة عرسال ، إلا أن الأمر لن يقتصر على تلك المنطقة بل ستكون بداية انطلاق لمناطق أخرى ولأهداف إرهابية وإستراتيجية بالنسبة لمشروعها في المنطقة. فبعد معارك القصير والقلمون وخسارة داعش وجبهة النصرة لهذه المواقع لم يبق لها سوى المناطق المتاخمة لسلسلة جبال لبنان الشرقية، ووسط عجزها عن الوصول إلى الساحل السوري لإيجاد ممر بحري لعمقها العسكري في سوريا والعراق لم يبق لها خيارات متاحة سوى التغلغل في لبنان من البقاع الشمالي شرقا نحو مناطق عكار وطرابلس غربا، وهو خيار جدي طرحته داعش منذ العام 2013 ومن غير المستبعد العمل عليه بصورة جدية وعملية. والأمر من الناحية العملية لن يقف عند هذا الحد، فمن الطبيعي في خلال تنفيذ هذه المخططات في منطقة بعينها، وعند تعرضها لضغوط ومواجهات كبيرة سوف تستغل العوامل المساعدة في بعض المناطق اللبنانية الأخرى لتخفيف الضغوط العسكرية عليها، وبالتالي إغراق لبنان عمليا في فوضى أمنية وعسكرية تم سابقا الحؤول دون وقوعها بشكل واسع. اليوم جميع الظروف الداخلية اللبنانية قد تهيأت للتفجير رغم وجود بعض الضوابط والرغبة الخارجية بعدم التفجير الواسع لحسابات ومصالح إقليمية، فهل سيتمكن لبنان من الاستفادة من الوقت المستقطع في منطقة باتت على شفير الهاوية العسكرية. فالوقائع الممتدة أصلا من غزة جنوبا وسوريا والعراق شرقا وما تحتويه المنطقة من عوامل الفوضى والفراغ توحي بأن لبنان بات جزءا من لعبة الصراعات في المنطقة ومن الصعب فصله عما يجري في غير منطقة عربية. ان الإرهاب الإسرائيلي في غزة اليوم ، هي جزء واضح من معركة داعش في لبنان، فسلاح المقاومة لم تتمكن إسرائيل من فرض شروطها لانتزاعه في العام 2006، وهي حاولت بشتى الوسائل لتحقيق ذلك عبر شق الوحدة الوطنية الداخلية اللبنانية ، واليوم تراهن إسرائيل على ظاهرة الداعشية في غير منطقة عربية ومنها لبنان ، في محاولة لتحقيق مآربها وغاياتها، ويبدو أن التناغم والتطابق بين أعمال وأفعال الصهيونية والداعشية هي واحدة بالنتيجة. الأولى أقامت دولة يهودية خالصة في فلسطين بوسائل الإرهاب والقتل والترويع عبر عصابات الأرغن وشتيرن وغيرها في مطلع القرن الماضي، واليوم تحاول الظاهرة الداعشية إقامة ما تسميه خلافة إسلامية بالترويع والترهيب والقتل. فهما وجهان لعملة واحدة. فهل سيتمكن لبنان من الإفلات من الفخ الذي نصب له؟ يبدو أن الأمر صعب في ظل المعطيات والوقائع القائمة، إلا أن الملح حاليا ، إن تصبح محاربة الإرهاب الداعشي أولوية إقليمية ودولية قبل أي عمل آخر.