09‏/02‏/2017

مؤتمر أستانة محطة عابرة في الأزمة السورية


مؤتمر أستانة محطة عابرة في الأزمة السورية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

       بصرف النظر عن طبيعة المؤتمر والمدعوين إليه والنتائج التي يمكن أن يتمخض عنها في حال سارت الأمور وفق الحد الأدنى المخطط له؛ من الصعب تعليق الآمال الكبيرة عليه ، باعتباره محطة تكتية ستستعمله بعض الأطراف ، لتحسين ظروف التفاوض اللاحق في لقاء جنيف المزمع عقده في الثامن من شباط/ فبراير المقبل.
        فالسياق العام الذي رتُب فيه، يحتوي على الكثير من المطبات التي يمكن أن تعطل جوهر أهدافه ، سيما وان الفواعل الرئيسة فيه، ليست على توافق تام فيما بينها، بل تجمع تباينات تصل إلى حد التناقض في وجهات النظر حول الهدف الرئيس منه، وحتى بعض الآليات التنفيذية التي يمكن أن تتبع للوصول إلى نتائج مؤكدة أو محددة المعالم.
        فحرك الميدان العسكري الذي رتب كمقدمة لانعقاد المؤتمر وبخاصة معركة حلب والرقة وحاليا دير الزور، تشي بإشارات واضحة حول الشد والجذب الجارية حليا حتى بين الأطراف التي يفترض أن تكون متفقة على الكثير من الجوانب الأساسية، والمقصود هنا تحديدا كل من روسيا وإيران من جهة ، وكذلك روسيا وتركيا من جهة أخرى، إضافة إلى الفصائل المسلحة المدعوة للمؤتمر.فالتيار الذي تمثله إيران ومن معها من قوى عسكرية منخرطة في الأزمة السورية مثلا ، حاولت تكريس نتائج الوضع العسكري في حلب وإكماله في مسارات أمنية وعسكرية أخرى في غير منطقة سورية ومن بينها محيط دمشق، بهدف تكريس واقع ميداني يصرف بالسياسة لاحقا، وبمعنى آخر تفضيل الحل العسكري لضمان نتائج سياسية مؤكدة، متعلقة بإيران ومن معها . فيما تتجه روسيا إلى فرض مسار سياسي في هذه المرحلة وفقا للتوازنات الحاصلة، وهي بطبيعة الأمر تعكس مبدأ محاولة موسكو الإمساك بالوضع القائم غير المحسوم تماما، بهدف إبقاء كل من إيران والحكومة السورية في دائرة التأثير المباشر التي تحاول فرضه. فيما الحسابات التركية مثلا هي مختلفة عن باقي الأطراف، وتأمل حصد اكبر نتائج ممكنة عبر التقرّب من موسكو أولا، ومحاولة الاستماتة في الحفاظ على استبعاد الأكراد كفصيل فاعل في أي عملية تفاوض جارية أو لاحقة. وبذلك ثمة تباينات لا حصر لها بين أطرف ربما تجمعهم مصلحة واحدة هي الاتفاق على توزيع المغانم لاحقا.
       في المقابل، تبدو الفصائل المسلحة الطرف الأضعف في سياق عملية أستانة، وان كانت تعكس الموازين السياسية للأطراف الداعمة لها، إلا أنها تبدو غير قادرة حتى على فرض شروط شكلية كالتمثيل، وبعض أولويات جدول الأعمال الموضوع للنقاش أصلا. كل ذلك في إطار تصورات لمسارات تجاهر بها، دون التمكن من فرضها، وهي ثلاثة مسارات. يتعلق الأول بتثبيت وقف إطلاق النار وضمان عدم اجتياح النظام لأي منطقة وسحب القوى الاجنبية المسلحة ، إضافة إلى العمل على تنفيذ البنود (12 و13 و14 ) من قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 والتي تضمنت إجراءات بناء الثقة بين النظام والمعارضة قبل مفاوضات الانتقال السياسي. إضافة إلى هدنة عسكرية لا تقل عن ستة أشهر مع آليات تنفيذية لمراقبتها. في الطرح الثاني إنشاء هيئة عسكرية محترفة يكون سقفها " سوريا الوطنية" ، بهدف استيعاب كل الفصائل التي توافق على هذا الخيار، كمقدمة لإطلاق الحل السياسي. فيما الثالث ، يضمن عدة تغييرات رئيسة،  منها، بناء الائتلاف بطريقة مدروسة مع الاحتفاظ باسمه ، والتخلي عن مصطلح المعارضة واستبداله بتعبير "القوى السياسية الوطنية".
            كل ذلك جري بعدم إشراك أطراف إقليمية ودولية فاعلة في الأزمة السورية، كالولايات المتحدة  الذي تسلم رئيسها السلطة إبان الحراك القائم لترتيب أعمال المؤتمر، وكل من السعودية وقطر مثلا  لا حصرا، الأمر الذي سيضعف بيئة انطلاق المؤتمر ويجعله محطة استعراضية ، لن يتمكن منظموه من حصد الكثير منه، وبالتالي لن يكون المؤتمر لا في مكانه ولا زمانه، سوى محطة عابرة في سياق أزمة إقليمية دولية، لها الكثير الكثير من الشروط  التي ينبغي أن تتوفر للمضي في حل واعد.