09‏/02‏/2017

ديموقراطية أميركا وشوفينية ترامب


ديموقراطية أميركا  وشوفينية ترامب
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
بيروت: 25/1/20

          الشائع أن مجموعة المفارقات التي كوّنت الولايات المتحدة الأميركية امة ونظاما، كانت نتاج تراكم العديد من العوامل الذاتية والموضوعية. ورغم الكم الهائل من هذه المفارقات التي من الصعب أن تجتمع في امة أخرى، ثمة مفارقات ربما تعاكس نظريات وإيديولوجيات ترسخت صحتها العملية، ومن بينها، مثلا لا حصرا ، التحوّل من الديموقراطية بجوانبها المتعددة ، إلى حالة شوفينية ، تفرض نفسها في مجتمع يعتبر نفسه أم الديموقراطية وأبوها.
        والمفارقة الأغرب في هذا المجال، سرعة تقبل المجتمع الأميركي للفكرة، انطلاقا من خطب وتوجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إبان حملاته الانتخابية، وصولا إلى خطاب التنصيب، الذي عكس سلوكياته النفسية والسياسية التي لعبت دورا حاسما في وصوله إلى البيت الأبيض ، والسؤال الذي يُطرح بقوة ، هل سيتقبل المجتمع الأميركي هذا السلوك السياسي ويترجمه واقعا معاشا في مراحل لاحقه ، وإذا كان الأمر كذلك ما هي تداعياته؟

       في المبدأ، أن الخطب الشعبوية التي اتبعها الرئيس ترامب، أثرت بشكل مباشر على إعادة تعريف الفرد الأميركي على عظمة أميركا كما ينبغي أن تكون بنظره، وهو سلوك معتمد بين بعض القيادات الكاريزمية التي حكمت شعوبها، وأثرت في مساراتها لاحقا. ومن السهل استحضار بعض التجارب السابقة في هذا المجال، منها السلوك الذي اتبعه موسوليني في ايطاليا ، وهتلر في ألمانيا، وما رسخاه من أفكار شوفينية في المجتمع الايطالي ، ونازية مفرطة في ألمانيا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.

          صحيح أن ظروف المجتمعات الثلاثة الايطالية والألمانية والأميركية مختلفة، إلا أن صعود من حكمها ، كان نتاج وقائع عاشته وعكست رغبة هذه المجتمعات إلى إعادة تعريف نفسها داخليا وخارجيا، بصرف النظر عن الوسائل التي اتبعت، لكن مقاربة بسيطة لما حصل في المجتمعين الايطالي والألماني، يقود عمليا إلى النتيجة نفسها التي يمكن أن يمسي عليها المجتمع الأميركي ،وان بنسب ربما تكون أقل ظهورا. كما أن هذا الواقع ، ليس بالضرورة أن يؤدي إلى نفس التداعيات التي أرختها الفاشية والنازية على صعيد العلاقات الدولية في تلك الفترة.  

        فأميركا أولا ، والانكفاء نحو الداخل، ومشاريع العزل عبر الجدران مع المكسيك، والمجاهرة بعدم تأدية الأحلاف التي أقامتها أميركا مع الغير بدورها المفترض كالناتو مثلا، وإعادة قلب السياسات المتبعة مع بعض الدول المنافسة كالصين ، وإتباع سياسات متطرفة تجاه بعض الصراعات الإقليمية كالصراع العربي الإسرائيلي ومتفرعاته ، كالقدس ونقل السفارة الأميركية إليها والمستوطنات وغيرها، علاوة على الأزمات ذات الطابع الدولي كقضايا اللاجئين والهجرة، وإعادة النظر بالسياسات الداخلية الضرائبية والمالية والاقتصادية، جميعها جوانب تشي بظهور الولايات المتحدة الأميركية في الصورة والنمط اللذين لم يتعود العالم على رؤيتها فيه.  

        إن التدقيق في أسباب هذه الردة الأميركية، توضح بعض مبررات هذه الطروح، لكنها ليست بالضرورة أن تكون علاجا ناجعا للأزمات التي مر بها المجتمع الأميركي. فالعودة إلى الداخل مثلا أمر طبيعي في مثل تلك الظروف التي تمر بها أميركا، لكن الأمر لا يعدو بهذه البساطة، فهل ستتمكن عمليا من تنفيذ برنامجها في ظل طموحات الهيمنة المطلقة على النظام العالمي؟ وهل ستتمكن أميركا من العودة إلى مبادئ مونرو الأربعة عشر الشهيرة بخصوص العزلة عن الأزمات الدولية؟.

       ثمة العديد من المتاعب والمصاعب التي ستواجهها السياسات الأميركية في غير مجال، ومن بينها السياسات الخارجية والداخلية أيضا،، فبحكم وضعها لن تكون قادرة على تنفيذ وعود ترامب وبرامجه، حتى في القضايا والجوانب التفصيلية، وإلا ستنعكس الأمور باتجاهات أكثر سلبية. فعلى سبيل المثال، عندما تعرّضت أميركا إلى الهجوم في 11 أيلول / سبتمبر 2001، اتبعت سياسات انكفائية وأمنية ، فتراجعت الهجرة التي تعتبر ميزة النظام الأميركي وتطوره،عبر جذب الكفاءات، وتراجعت معها الكثير من مفاصل الميز الأميركية، فهل ستعيد أميركا ما تعتبره حلا وهو في الواقع خطأ قاتلا؟  ربما ما يميز النظام الأميركي على علاته الكثيرة في الجوانب الخارجية، ديموقراطيته التي تجدد نفسها بنفسها، وبالتالي إن السياسات الشوفينية التي تطل برأسها ،لن تكون سوى علامة فارقة بسلبياتها على المجتمع والنظام الأميركيين.