09‏/02‏/2017


ترامب والولايات غير المتحدة الأميركية
د.خليل حسي
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
بيروت: 2/2/2017
    عندما صعد ميخائيل غورباتشوف إلى قمة السلطة في الاتحاد السوفياتي السابق ، على حصان البروسترويكا،  منتصف ثمانينات القرن الماضي، حصد شعبية داخلية وخارجية لا مثيل لها، لكن تداعيات المشروع كانت وبالا، تفكك الاتحاد السوفياتي.اليوم وصل الرئيس الاميركي دونالد ترامب ، إلى سدة السلطة بشعارات شعبوية تتقاطع كثيرا مع شعارات غورباتشوف، فهل ستكون النتيجة واحدة مستقبلا.
        فقد علت الأصوات مؤخرا في ولاية فلوريدا الأميركية الداعية للانفصال عن الاتحاد الفدرالي، ويبدو أن ثمة إجراءات دستورية سيتم العمل فيها، وفي الواقع لا  تعتبر هذه المطالبة سابقة في الحياة السياسية الأميركية ، فقد سبقها العديد من المحاولات، في ظروف مختلفة، فهل سيسهم الرئيس ترامب في تحفيز المجتمع الأميركي على الانفصال؟.
     بداية، في قراءة بسيطة للسلوك النفسي والسياسي الذي يحرّك ترامب شخصيا، لها من المفارقات التي تجزم بجدية المأزق الذي يضع بلاده فيه ، ليس على صعيد السياسة الخارجية فحسب، وإنما في جملة قضايا داخلية، ومنها الاتحاد وتأجيج مشاعر الانفصال، بعد تعاظم المعارضة ضده، وتسجيله رقما قياسيا في هبوط شعبيته قياسا بالرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، إذ خلال ثمانية أيام فقط بعد تنصيبه رئيسا، تقلصت شعبيته إلى 51% ، وهو رقم استغرق أسلافه سنوات للوصول إليه، ما يعني أن ثمة ، سابقة أيضا بين الرؤساء الأميركيين وهو ترامب تحديدا ، الذي سيقود أميركا إلى التفكك ، إذا ما استمر بسلوكياته السياسية التي لا تشبه أميركا أصلا.
       صحيح إن المطالبة بالانفصال أمر متكرر في الحياة السياسية الأميركية، لكنه ارتدى صورا خاصة ومتنوعة، منها على سبيل المثال أسبابا قومية وعرقية، وهذا ما أشار إليه بول كيندي مثلا في معرض رؤيته للامتداد الإمبراطوري المفرط للولايات المتحدة، ما يشجع لاحقا بنظره على الدعوة للانعزالية ،وإعادة التركيب والتفكيك للمجتمع الأميركي. وعلى قاعدة التحلل الأخلاقي والإيديولوجي، ترى جويل غارو في كتابها ، الأمم التسع للولايات الشمالية، المظاهر الواضحة للتفسخ والتحلل الأميركي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.والرؤية ذاتها تبناها عالم الاجتماع الفرنسي ايمانويل تود في كتابه ما بعد الإمبراطورية.
        ما يقوم به ترامب حاليا ، المضي بتأجيج هذه النزعات القومية والعرقية،عبر قوانين تتوجه أساسا إلى ما تسميه الإدارات الأميركية المتعاقبة الدول المارقة ، والتي تعكس الإجراءات التنفيذية للقوانين تعزيز الانكفاء الأميركي نحو مطالب انفصالية بعد تذمرها من سياسات سابقة، ويمارسها الرئيس الحالي بسلوك سياسي فظ ، ما يعزز معارضيه الذين لن يجدوا سوى انفصال الولايات عن السلطة الاتحادية حلا للمشاكل التي تعاني منها مختلف الولايات.
     صحيح أن ثمة تململ وتذمر واضحين من قبل شرائح واسعة من المجتمع الأميركي تجاه الرئيس ترامب وسياساته الداخلية والخارجية، إلا أن هذا الاتساع من الصعب أن يثمر سريعا ، في وقت تتسارع فيه موجات المطالبة بالانفصال، فعلى سبيل المثال، بدء ولاية فلوريدا بالإجراءات الدستورية كالاستفتاء،وسبقها في ذلك ولاية ألاسكا في العام 2014، وكذلك ولايتا فيرموت وهاواي في العام 2012، على خلفية أن الاتحاد قام على أساس كونفدرالي لا فدرالي، وتطور إلى أن أصبحت السلطة الفدرالية هي الأساس على حساب القضايا المحلية المتعلقة بالمواطنين تحديا، والذي يتحكم فيها كارتل وتراست المال في وول ستريت. هذا عدا استطلاعات الرأي التي أجريت بين أغسطس / آب وسبتمبر / أيلول 2016 ، والتي أفضت إلى أن 39.3 % تطالب بانفصال ولاياتها عن الاتحاد.
       ما يجري حاليا في الولايات المتحدة الأميركية هو مشابه تماما لما جرى في معظم الإمبراطوريات التي سادت ثم بادت في التاريخ القديم كما الحديث، إلا أن ما تمضي به هذه الإدارة تحديدا، سيسرع في الغليان الاجتماعي ما سيؤدي إلى المزيد من التحلل والتفكك، فهل سيكون ترامب بطل التفكك ، كما سبقه غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي، سؤال مشروع لدى التدقيق فيما يجري في الولايات غير المتحدة الأميركية !.

  

مؤتمر أستانة محطة عابرة في الأزمة السورية


مؤتمر أستانة محطة عابرة في الأزمة السورية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

       بصرف النظر عن طبيعة المؤتمر والمدعوين إليه والنتائج التي يمكن أن يتمخض عنها في حال سارت الأمور وفق الحد الأدنى المخطط له؛ من الصعب تعليق الآمال الكبيرة عليه ، باعتباره محطة تكتية ستستعمله بعض الأطراف ، لتحسين ظروف التفاوض اللاحق في لقاء جنيف المزمع عقده في الثامن من شباط/ فبراير المقبل.
        فالسياق العام الذي رتُب فيه، يحتوي على الكثير من المطبات التي يمكن أن تعطل جوهر أهدافه ، سيما وان الفواعل الرئيسة فيه، ليست على توافق تام فيما بينها، بل تجمع تباينات تصل إلى حد التناقض في وجهات النظر حول الهدف الرئيس منه، وحتى بعض الآليات التنفيذية التي يمكن أن تتبع للوصول إلى نتائج مؤكدة أو محددة المعالم.
        فحرك الميدان العسكري الذي رتب كمقدمة لانعقاد المؤتمر وبخاصة معركة حلب والرقة وحاليا دير الزور، تشي بإشارات واضحة حول الشد والجذب الجارية حليا حتى بين الأطراف التي يفترض أن تكون متفقة على الكثير من الجوانب الأساسية، والمقصود هنا تحديدا كل من روسيا وإيران من جهة ، وكذلك روسيا وتركيا من جهة أخرى، إضافة إلى الفصائل المسلحة المدعوة للمؤتمر.فالتيار الذي تمثله إيران ومن معها من قوى عسكرية منخرطة في الأزمة السورية مثلا ، حاولت تكريس نتائج الوضع العسكري في حلب وإكماله في مسارات أمنية وعسكرية أخرى في غير منطقة سورية ومن بينها محيط دمشق، بهدف تكريس واقع ميداني يصرف بالسياسة لاحقا، وبمعنى آخر تفضيل الحل العسكري لضمان نتائج سياسية مؤكدة، متعلقة بإيران ومن معها . فيما تتجه روسيا إلى فرض مسار سياسي في هذه المرحلة وفقا للتوازنات الحاصلة، وهي بطبيعة الأمر تعكس مبدأ محاولة موسكو الإمساك بالوضع القائم غير المحسوم تماما، بهدف إبقاء كل من إيران والحكومة السورية في دائرة التأثير المباشر التي تحاول فرضه. فيما الحسابات التركية مثلا هي مختلفة عن باقي الأطراف، وتأمل حصد اكبر نتائج ممكنة عبر التقرّب من موسكو أولا، ومحاولة الاستماتة في الحفاظ على استبعاد الأكراد كفصيل فاعل في أي عملية تفاوض جارية أو لاحقة. وبذلك ثمة تباينات لا حصر لها بين أطرف ربما تجمعهم مصلحة واحدة هي الاتفاق على توزيع المغانم لاحقا.
       في المقابل، تبدو الفصائل المسلحة الطرف الأضعف في سياق عملية أستانة، وان كانت تعكس الموازين السياسية للأطراف الداعمة لها، إلا أنها تبدو غير قادرة حتى على فرض شروط شكلية كالتمثيل، وبعض أولويات جدول الأعمال الموضوع للنقاش أصلا. كل ذلك في إطار تصورات لمسارات تجاهر بها، دون التمكن من فرضها، وهي ثلاثة مسارات. يتعلق الأول بتثبيت وقف إطلاق النار وضمان عدم اجتياح النظام لأي منطقة وسحب القوى الاجنبية المسلحة ، إضافة إلى العمل على تنفيذ البنود (12 و13 و14 ) من قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 والتي تضمنت إجراءات بناء الثقة بين النظام والمعارضة قبل مفاوضات الانتقال السياسي. إضافة إلى هدنة عسكرية لا تقل عن ستة أشهر مع آليات تنفيذية لمراقبتها. في الطرح الثاني إنشاء هيئة عسكرية محترفة يكون سقفها " سوريا الوطنية" ، بهدف استيعاب كل الفصائل التي توافق على هذا الخيار، كمقدمة لإطلاق الحل السياسي. فيما الثالث ، يضمن عدة تغييرات رئيسة،  منها، بناء الائتلاف بطريقة مدروسة مع الاحتفاظ باسمه ، والتخلي عن مصطلح المعارضة واستبداله بتعبير "القوى السياسية الوطنية".
            كل ذلك جري بعدم إشراك أطراف إقليمية ودولية فاعلة في الأزمة السورية، كالولايات المتحدة  الذي تسلم رئيسها السلطة إبان الحراك القائم لترتيب أعمال المؤتمر، وكل من السعودية وقطر مثلا  لا حصرا، الأمر الذي سيضعف بيئة انطلاق المؤتمر ويجعله محطة استعراضية ، لن يتمكن منظموه من حصد الكثير منه، وبالتالي لن يكون المؤتمر لا في مكانه ولا زمانه، سوى محطة عابرة في سياق أزمة إقليمية دولية، لها الكثير الكثير من الشروط  التي ينبغي أن تتوفر للمضي في حل واعد.

ديموقراطية أميركا وشوفينية ترامب


ديموقراطية أميركا  وشوفينية ترامب
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
بيروت: 25/1/20

          الشائع أن مجموعة المفارقات التي كوّنت الولايات المتحدة الأميركية امة ونظاما، كانت نتاج تراكم العديد من العوامل الذاتية والموضوعية. ورغم الكم الهائل من هذه المفارقات التي من الصعب أن تجتمع في امة أخرى، ثمة مفارقات ربما تعاكس نظريات وإيديولوجيات ترسخت صحتها العملية، ومن بينها، مثلا لا حصرا ، التحوّل من الديموقراطية بجوانبها المتعددة ، إلى حالة شوفينية ، تفرض نفسها في مجتمع يعتبر نفسه أم الديموقراطية وأبوها.
        والمفارقة الأغرب في هذا المجال، سرعة تقبل المجتمع الأميركي للفكرة، انطلاقا من خطب وتوجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إبان حملاته الانتخابية، وصولا إلى خطاب التنصيب، الذي عكس سلوكياته النفسية والسياسية التي لعبت دورا حاسما في وصوله إلى البيت الأبيض ، والسؤال الذي يُطرح بقوة ، هل سيتقبل المجتمع الأميركي هذا السلوك السياسي ويترجمه واقعا معاشا في مراحل لاحقه ، وإذا كان الأمر كذلك ما هي تداعياته؟

       في المبدأ، أن الخطب الشعبوية التي اتبعها الرئيس ترامب، أثرت بشكل مباشر على إعادة تعريف الفرد الأميركي على عظمة أميركا كما ينبغي أن تكون بنظره، وهو سلوك معتمد بين بعض القيادات الكاريزمية التي حكمت شعوبها، وأثرت في مساراتها لاحقا. ومن السهل استحضار بعض التجارب السابقة في هذا المجال، منها السلوك الذي اتبعه موسوليني في ايطاليا ، وهتلر في ألمانيا، وما رسخاه من أفكار شوفينية في المجتمع الايطالي ، ونازية مفرطة في ألمانيا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.

          صحيح أن ظروف المجتمعات الثلاثة الايطالية والألمانية والأميركية مختلفة، إلا أن صعود من حكمها ، كان نتاج وقائع عاشته وعكست رغبة هذه المجتمعات إلى إعادة تعريف نفسها داخليا وخارجيا، بصرف النظر عن الوسائل التي اتبعت، لكن مقاربة بسيطة لما حصل في المجتمعين الايطالي والألماني، يقود عمليا إلى النتيجة نفسها التي يمكن أن يمسي عليها المجتمع الأميركي ،وان بنسب ربما تكون أقل ظهورا. كما أن هذا الواقع ، ليس بالضرورة أن يؤدي إلى نفس التداعيات التي أرختها الفاشية والنازية على صعيد العلاقات الدولية في تلك الفترة.  

        فأميركا أولا ، والانكفاء نحو الداخل، ومشاريع العزل عبر الجدران مع المكسيك، والمجاهرة بعدم تأدية الأحلاف التي أقامتها أميركا مع الغير بدورها المفترض كالناتو مثلا، وإعادة قلب السياسات المتبعة مع بعض الدول المنافسة كالصين ، وإتباع سياسات متطرفة تجاه بعض الصراعات الإقليمية كالصراع العربي الإسرائيلي ومتفرعاته ، كالقدس ونقل السفارة الأميركية إليها والمستوطنات وغيرها، علاوة على الأزمات ذات الطابع الدولي كقضايا اللاجئين والهجرة، وإعادة النظر بالسياسات الداخلية الضرائبية والمالية والاقتصادية، جميعها جوانب تشي بظهور الولايات المتحدة الأميركية في الصورة والنمط اللذين لم يتعود العالم على رؤيتها فيه.  

        إن التدقيق في أسباب هذه الردة الأميركية، توضح بعض مبررات هذه الطروح، لكنها ليست بالضرورة أن تكون علاجا ناجعا للأزمات التي مر بها المجتمع الأميركي. فالعودة إلى الداخل مثلا أمر طبيعي في مثل تلك الظروف التي تمر بها أميركا، لكن الأمر لا يعدو بهذه البساطة، فهل ستتمكن عمليا من تنفيذ برنامجها في ظل طموحات الهيمنة المطلقة على النظام العالمي؟ وهل ستتمكن أميركا من العودة إلى مبادئ مونرو الأربعة عشر الشهيرة بخصوص العزلة عن الأزمات الدولية؟.

       ثمة العديد من المتاعب والمصاعب التي ستواجهها السياسات الأميركية في غير مجال، ومن بينها السياسات الخارجية والداخلية أيضا،، فبحكم وضعها لن تكون قادرة على تنفيذ وعود ترامب وبرامجه، حتى في القضايا والجوانب التفصيلية، وإلا ستنعكس الأمور باتجاهات أكثر سلبية. فعلى سبيل المثال، عندما تعرّضت أميركا إلى الهجوم في 11 أيلول / سبتمبر 2001، اتبعت سياسات انكفائية وأمنية ، فتراجعت الهجرة التي تعتبر ميزة النظام الأميركي وتطوره،عبر جذب الكفاءات، وتراجعت معها الكثير من مفاصل الميز الأميركية، فهل ستعيد أميركا ما تعتبره حلا وهو في الواقع خطأ قاتلا؟  ربما ما يميز النظام الأميركي على علاته الكثيرة في الجوانب الخارجية، ديموقراطيته التي تجدد نفسها بنفسها، وبالتالي إن السياسات الشوفينية التي تطل برأسها ،لن تكون سوى علامة فارقة بسلبياتها على المجتمع والنظام الأميركيين.   

           

 

 
الخلفيات القانونية والسياسية للقرار 2334
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 31.12.2016

         ضجت الأوساط القانونية والسياسية العربية بالقرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 23 /12/2016، باعتباره بيئة قانونية -  سياسية لمواجهة إسرائيل في وقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نظرا لخصوصية بعض المواقف إبان التصويت على مشروع القرار ، وبخاصة ما يتعلق بالولايات المتحدة الأميركية.
       في الواقع ، لا يعتبر هذا القرار سابقة قانونية صادرة عن مجلس الأمن،وفي الواقع لا يشكل أيضا بيئة قانونية ملزمة على إسرائيل لتنفيذ ما ورد في القرار. فالقرار 2334 هو كسائر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية خاصة ، والصراع العربي الإسرائيلي عامة، وجميعها أتت وبدون استثناء ، ضمن الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة، الذي يتطلب موافقة الأطراف المعنيين لتنفيذه. وبالتالي إن الحلقة الأساسية في موضوع القرار ليس متوفرا، وهو الجانب الإسرائيلي الذي يرفض أي مقاربة للقضية الفلسطينية عبر الأمم لمتحدة ، وبخاصة موضوع الاستيطان الذي يعتبره جوهر استمرار الكيان وديمومته.
      وعلى الرغم من إسناد بعض الفقهاء  القانونيين، مجمل قرارات مجلس الأمن خاصة ، وباقي الأجهزة عامة إلى المادة 25 من الميثاق، التي توجب التزام الدول بمقررات مختلف الأجهزة ، إلا أن هذه المادة تحديدا آتت في صياغاتها القانونية عامة وذات صفة إجمالية غير محددة ، لجهة نوعية القرارات أو الجهاز الذي يصدره، وبالتالي لا يمكن القياس عليها في معرض التخصيص المتعلق بقرارات مجلس الأمن الذي أفرد الميثاق لقراراته فصلين خاصين ، يوضحان العمليات الإجرائية والتنفيذية لصدور القرارات وتنفيذها وكيفية تعاطي الدول معها.وعليه لا يمكن التعاطي مع تنفيذ القرار المذكور سوى في إطار الفصل السادس وهو بطبيعة الأمر غير ملزم.
        كما أن القرار 2334 ، لا يعتبر سابقة قانونية لجهة النوع أو المضمون، فقد سبق وأصدر مجلس الأمن قرارا مماثلا شكلا ومضمونا القرار 446 تاريخ 1979 ، لجهة اعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ،عملا غير مشروع ويخالف الاتفاقيات الدولية الشارعة وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة والحروب. والى جانب هذين القرارين ثمة عشرات التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة وبعض الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة التي تناولت القضية ، إضافة إلى البيانات الرئاسية الصادرة عن مجلس الأمن تحديدا ، وجميعها غير ملزمة عمليا.
        إلا أن المفارقة السياسية في هذين القرارين تحديدا ، 2334 /2016 و446 / 1979، في أن التركيز عليهما من الوجهة السياسية يتعلقان بكل من الولايات المتحدة ومصر.ففي القرارين امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ولم تستعمل حق النقض لعدم تمرير القرار، وبالمناسبة هنا، فقد استعملت الولايات المتحدة حق النقض ثلاثين مرة في مراحل سابقة على قرارات مشابهة تتعلق بإدانة إسرائيل وإقامة المستوطنات. أما ما يتعلق بمصر، فهي التي قدمت مشروع القرار 2334 وسحبته في خلال عرضه باللون الأزرق،( في المراحل التمهيدية للمداولات قبل التصويت) ومن ثم تبنت طرحه نيوزيلندا ودول أخرى. أما القرار 446 فكان بناءً لطلب مباشر من قبل مصر آنذاك وامتنعت واشنطن عن التصويت حينها، في مرحلة حساسة كانت تمر بها المنطقة والمتعلقة بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد.
        في المحصلة يعتبر القرار 2334 قرارا كغيره من القرارات ، ولا يعبر بالضرورة عن سياسة أميركية محددة تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وأن التدقيق في خلفياته السياسية يظهر بأنه كان نتاج تضارب المزاج السياسي بين الرئيس الأميركي المنتهية ولايته الشهر القادم باراك أوباما ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سبق لهذا الأخير أن تجاوزه في العديد من المراكز السياسية الأميركية المقررة ، ومن بينها لجوئه إلى الكونغرس الأميركي وتحريضه على أوباما في معرض النقاش المتصل بالملف النووي الإيراني. وفي أي حال من الأحوال ثمة حراك مستعر في مراكز القرار الأميركي حول سلوك الرئيس المنتخب دونالد ترامب في هذا الملف، وبخاصة أن مواقفه واضحة جدا في هذا لشأن والمتمثل في دعم إسرائيل المباشر في مجمل ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، ومن بينها مثلا وعده الشهير بنقل مقر السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، الذي اعتبر تحديا رئيسا للإدارات الأميركية المتعاقبة على السلطة.
      في المحصلة أيضا، ثمة ما يربو على خُمس قرارات الأمم المتحدة ذات صلة بالصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن أيا منها لا صلة له لا من قريب ولا بعيد بنوعية الإلزام ،وبخاصة الفصل السابع، فإسرائيل تعتبر استثناءً لقرارات الأمم المتحدة، إن لجهة قبول عضويتها في المنظمة الدولية أو بالسلوك السياسي المعتاد معها، فقد علقت عضويتها على شرط قبولها القرارين الشهيرين قرار التقسيم 181 وعودة اللاجئين 194، وهو امتياز لم تحصل عليه أي دولة منضمة إلى المنظمة سوى إسرائيل، فهل أن القرار 2334 سيوقف الاستيطان؟  انه فهلا أمر غريب عجيب!

إسرائيل ومعاقبة الأمم المتحدة


إسرائيل ومعاقبة الأمم المتحدة
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
      في قراءة لا عناء فيها، يتبيّن الغنج السياسي الذي تتمتع به إسرائيل في البيئة الخاصة بالأمم المتحدة.فما يصح لها لا يصح لغيرها،  بل تكاد إسرائيل تستحوذ دون منازع ، على أنها استثناء من قرارات الأمم لمتحدة وبكل ما يتعلق بعملها.

       وعلى الخلفية ذاتها، اعترضت إسرائيل على القرار 2334 المتعلق بعمليات الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتبرته عملا عدائيا ، وشنّت حملة دبلوماسية وإعلامية غير مسبوقة على أجهزة المنظمة ،ومن صوّت مع القرار وعلى من امتنع (الولايات المتحدة الأميركية منفردة)، وتوّجت حملتها بمعاقبة المنظمة باقتطاع ستة ملايين دولار من التمويل الذي تقدمه للمنظمة، والذي وُجه تخصيصا لخمس لجان متخصصة بحقوق الإنسان ذات صلة بالفلسطينيين.

     وإذا كن هذا السلوك أمرا شائعا بين أعضاء الأمم المتحدة من الوجهة السياسية، فهل له معيار قانوني ، وما هي تداعياته على عمل الأمم المتحدة؟.في المبدأ، يعتبر تمويل الأمم المتحدة امرأ ملزما للأعضاء المنضمين ، وهو يشكل جزءا لا يتجزأ من الالتزامات المفروضة على الدول ، ويمتد هذا الإلزام إلى جوانب أخرى مرتبطة أصلا بممارسة الدولة لحقوقها وواجباتها ضمن إطار أجهزة الأمم المتحدة، ودليل ذلك مثلا لا حصرا، أن الدولة التي تنقطع عن دفع المستحقات المترتبة عليها للأمم المتحدة، لمدة سنتين مثلا، يُفرض عليها عقوبة عدم الحق بالمشاركة في التصويت ضمن أجهزة المنظمة. وبالتالي إن عملية التمنع عن دفع المستحقات ، يعتبر إخلالا بالالتزامات المنصوص عليها في نص الميثاق، سيما وأن التمويل الأساسي والرئيس لأعمال الأمم المتحدة ، يتأتى من اشتراكات الدول الأعضاء تحديدا، وبنسب متفاوتة بحسب إمكاناتها المالية والاقتصادية، وفي أي حال من الأحوال ، تعتبر نسبة المشاركة الإسرائيلية في عمليات التمويل، من النسب المتواضعة جدا، مقارنة مع غيرها من الدول من جهة، ومقارنة بالكلفة التي تنفقها الأمم المتحدة على العمليات المتعلقة بإسرائيل تحديدا، إن كانت لقوات اليونيفيل لحفظ السلام بين لبنان وإسرائيل ، أو الاندوف في الجولان السوري المحتل ، أو غيرها من المهام الإنسانية التي تقوم فيها بعض أجهزة المنظمة المتعلقة بشؤون اللاجئين، القضية التي تعتبر فيها إسرائيل المسؤول الأول عن مآسي مئات الآلاف من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي العديد من دول الطوق.

      وفي الواقع أيضا، لا تمثل هذه الحادثة تحديدا امرأ جديدا، ففي تاريخ العلاقات الإسرائيلية مع المنظمة عشرات الحالات المماثلة، لجهة التمويل أو غيره من الجوانب المتعلقة بعمل المنظمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالقوات سبق واعتدت قصفا وقتلا على العديد من المراكز الأممية في غزة ولبنان مثلا ، وألحقت أضرارا جسيمة بالممتلكات وأزهقت الكثير من الأرواح ، ولم تقدم تعويضات مناسبة مع حجم الأضرار التي تسبّبت بها، هذا في حال تم الدفع أساسا.

        وفي الواقع إن معاقبة إسرائيل للأمم المتحدة باقتطاع ستة ملايين دولار من حجم التمويل، لا يعتبر الأول ولن يكون الأخير، وهو أمر اعتادت عليه إسرائيل وغيرها من الدول وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتمد هاتان الدولتان تحديدا ، سياسة الامتناع عن التمويل كسياسة عقابية وتأديبية في أي حالة لا تأنس فيها لقرارات الأمم المتحدة. علما أن إسرائيل وحدها حتى الآن، التي تمتعت بين الدول 193 المنضمة للأمم المتحدة بامتياز القبول المشروط للانضمام لعضوية المنظمة، وهو تعليق اشتراط القبول في العضوية على قبول إسرائيل لقرار التقسيم 181 وعودة اللاجئين 194 القراران اللذان لا يزالان حبرا على ورق منذ نشأة المنظمة، إنها فعلا مفارقة يصعب إيجاد تبرير منطقي لها! فإلى متى سيظل هذا الاستثناء الذي بات عرفا ، بل قانونا مطبقا في أعمال الأمم المتحدة وقراراتها؟.