اليأس
الفرنسي من لبنان
د.خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
18-6-2022
ثمة شائعة متعارف عليها في الحياة السياسية
اللبنانية مفادها ، ان مهما وصلت ظروف الضغط في لبنان او عليه، هناك الام الحنون
فرنسا التي ستسعى بكل ثقلها لمساعدة لبنان على تخطي ازماته التي لا تنتهي .
ان التدقيق في الموقف الفرنسي سابقا يثبت
هذه الفرضية لكن السؤال الذي يطرح نفسه حاليا، هل ان باريس لا زالت لديها الأسباب
الفعلية والعملية للوقوف الى جانب لبنان وهل لدبها القدرة على فعل ذلك؟ في المبدأ
ثمة ثابتة ان فرنسا لم تتخل عن دورها التقليدي في لبنان بصرف النظر عن حجم المواجهات
الدولية وسياساتها وبخاصة سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتحديدا
اللبنانية منها.
الا ان ثمة ظروفا مغايرة تشي بتحوّل باريس عن
مواقفها التقليدية تجاه لبنان، بالنظر للعديد من الاعتبارات الفرنسية الخاصة
والدولية، وبصرف النظر عن حجم هذا التحوّل ،ثمة من يقول ان السياسات الفرنسية تجاه
لبنان لن تتسبب بتركه وحيدا يواجه قدره في ظل أسوأ الأوضاع التي يمر بها في تاريخه
السياسي المعاصر.
لدى فرنسا اليوم اهتمامات خاصة تتعلق
بأوضاعها الداخلية والخارجية، في الداخل ثمة تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد
وعدم قدرة فرنسا حاليا التفلت من النتائج الاجتماعية والسياسية للوضع الاقتصادي
ودليل ذلك تسارع وتيرة الضغط بعد موجة الاحتجاجات التي شهدتها مؤخرا، وهي مرشحة
للتصاعد وسط متطلبات كثيرة عليها إنجازها في هذه المرحلة بالذات، علاوة على ذلك
ثمة مؤشرات واضحة وعلنية على أولويات تعطيها السياسة الخارجية الفرنسية للقارة
الافريقية وبخاصة شماله لجهة المغرب العربي إضافة الى الوضع الليبي والدخول التركي
لتسعير الوضع هناك وما سيستتبع من تقاطع وتشابك المواقف مع واشنطن من مجمل الأوضاع
الافريقية.
ورغم كل تلك الصور الضاغطة على محددات
السياسة الخارجية الفرنسية الدولية ومنها اللبنانية، يبقى ان ثمة ثوابت من الصعب
على أي توجه فرنسي تخطيه تجاه لبنان، مفاده التزام باريس بسياسات ومواقف لا
تتجاوزها في أسوأ الظروف، لكن المشكلة تكمن في الأساس في الوضع اللبناني الذي يقرأ
بالميؤوس منه لجهة عدم الجدية في اجراء تغييرات واصلاحات جذرية ليصبح المجال ممكنا
لمساعدته في المحافل الدولية وبخاصة الاقتصادية والمالية منها. ففرنسا التي دعمت
لبنان بشكل مطلق عبر مؤتمرات باريس الثلاثة السابقة لاعادة تعويمه ماليا واقتصاديا
تواجه ضغوطا كبيرة حاليا من خلال مسار صندوق النقد الدولي الذي تُتابع مفاوضاته
حاليا مع لبنان، وهي تواجه بمواقف حاسمة من فاعلين آخرين في هذا الموضوع كالولايات
المتحدة التي لها القرار الفصل في ذلك، علاوة على ذلك ثمة قانون قيصر الذي بدأ
العمل فيه والذي سيصيب لبنان مباشرة الى جانب سوريا المستهدفة فيه بشكل أساسي.
ثمة سباق
محموم مع الزمن بين لبنان ومجموعة الدول المهتمة بأوضاعه المزرية حاليا. في لبنان
ثمة انهيار اقتصادي ومالي لا مقر منه، وسط مفاوضات شاقة وغير معروفة النتائج مع
صندوق النقض الدولي الذي يطالب بسلة إصلاحات وتوجهات هي ضرورية بالمناسبة، وباريس
نفسها طالبت بها أيضا مع حكومات لبنان التي تعاقبت على السلطة سابقا لكن دون جدوى،
الامر الذي احرج ويحرج فرنسا مع الفاعلين الآخرين وبخاصة واشنطن.
في المحصلة ثمة يأس فرنسي واضح من مجمل
أوضاع لبنان، وسط غياب أي مؤشر لتبدل الأوضاع، ما سيسهم بتعقيد قدرة فرنسا على
مساعدة لبنان بالكيفية التي ربما تريدها
او القادرة عليها. وفي أي حال من الأحوال، مهما بلغ الغرام الفرنسي بلبنان لن تتمكن باريس من تجاوز بعض المتطلبات
الرئيسة ومنها الإصلاحات المنشودة التي باتت جزءا من مطالب دولية للمساعدة قبل ان
تكون مطالب داخلية وسببا رئيسا من أسباب الحراك القائم حاليا.
لقد تغيرت الظروف الدولية المتعلقة
بالسياسات الخارجية الفرنسية ومن بينها المتعلقة بملعبها الخاص ومنه لبنان، اذ لم
تعد باريس قادرة على التقرير منفردة فيما
يتعلق بلبنان، وهي مجبرة لسماع والأخذ برأي ان لم نقل بشروط آخرين وفي طليعتهم
الولايات المتحدة، الأمر الذي تسبب بيأس فرنسي واضح تجلى بمواقف الرئيس الفرنسي
ماكرون مؤخرا، وهو أمر لا يُبشر بالخير بما يتعلق بوضع لبنان وسلسلة الأزمات التي
يتخبط بها.