22‏/03‏/2025

 

الفدرالية ومئوية الكيان اللبناني

د. خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

بيروت: 10/6/2020

     ليست سابقة تاريخية ولا سياسية ان تنتشر فكرة الفدرالية كمشروع نظام سياسي لتكوين الدولة اللبنانية، فهي فكرة لطالما برزت بين الفينة والفينة وبخاصة مع ارتفاع منسوب الخلافات الداخلية حول قضايا مختلفة في الحياة السياسية اللبنانية. واذا كانت هذه الفكرة اقتصر مؤيدوها على فئة محددة من الشعب اللبناني او فئة سياسية بعينها، الا ان هذه المطالبة بدأت تتمدد وتدخل في غير مشروع ، بل بات لها تنظيم سياسي له اتصالاته ومؤيدوه على الساحة اللبنانية.

       ولبنان الذي يحتفل هذا العام بمئوية انشاء كيانه ، يواجه تحديات من نوع مختلف، وهي بطبيعة الحال تحديات سياسية اقتصادية تمتد لتطال بنية الدولة ومؤسساتها وصولا الى طبيعة النظام السياسي الدستوري، الذي يرتبط بشكل مباشر بوحدته او الذهاب الى اشكال أخرى للنظام ومن بينها الفدرالية وربما وصولا الى الكونفدرالية. واذا كانت بعض النظم الدستورية السياسية التصقت عمليا بالمجتمعات المتعددة ، فان للفدرالية أسس وشروط ينبغي ان تتوافر فيها وفي المجتمع الذي يراد تطبيق النظام فيه، فهل يشكل النظام الفدرالي حلا لمجموعة المشاكل اللبنانية الكبرى؟ ام ان هذا المشروع لا يعدو مناسبة لإطلاق حفلة احتراب جديدة ، اما لتمريره او لتمرير مشاريع كبرى في المنطقة يكون هذا المشروع غطاءً له؟

      في المبدأ، وعبر مقاربات سياسية ودستورية عديدة، تبيّن ان النظام الفدرالي في المجتمعات المتعددة، يمكن ان يشكّل مدخلا لإعادة ترتيب البنى السياسية والاجتماعية، كما يمكن ان يؤمن بيئات مناسبة للتقليل من أسباب الصدامات والمشاكل والتداعيات الناجمة عنها، اقله أولا، ان يتم القبول به ويتفق على اطره العامة، لا ان يكون سببا للاحتراب والصدامات. وثمة من يتنصر لهذا المشروع ويدافع عنه على اعتبار ان بدء القبول به وتطبيقه في غير بلد عربي في المنطقة ، كاليمن والعراق وحاليا ما يتم التداول به في سوريا، وهنا ما ينبغي التوقف مثلا عنده ، وهو اشتراك جميع هذه الدول بمظاهر الصدامات الداخلية والحروب الممتدة، وبالتالي جيء بهذا النظام كمشروع لإنهاء الصدامات، بينما التدقيق في الأمر يظهر خلفيات أخرى، من بينها انهاء الدولة الموحدة ،وربما الوصول الى مرحلة تفتيت الكيانات بعد تطبيق النظم الفدرلية، اذ ثمة مظاهر وأسس ينبغي التوكيد فيها، فمثلا ان الأنظمة الفدرالية تسهم في تكوين وحدة النظام الجديد بعدما كان مفتتا او متعددا في الأساس، كالولايات المتحدة الأميركية التي تشكل النموذج الأبرز لذلك، الا ان من الصعوبة بمكان ان يكون الامر معاكسا، أي يتبع النظام في نظام موحد ، فثمة من يعتبر انه سيؤدي الى تفتيت الدولة وتقسيمها بين مجموعات  مختلفة ، ربما تتابع صداماتها لاحقا ويكون الامر اشد خطورة في هذه الحالة.  

        وثمة أيضا من ربط المطالبة بالنظام الفدرالي في لبنان بنظام الحياد في القانون الدولي، واعتبرهما موضوعان متلازمان، تمتد آثارهما على الصراع العربي الإسرائيلي وموقع لبنان ودوره فيه، ومن هنا تأتي في الأساس معارضة بعض الفئات اللبنانية لهذا المشروع ، وفي أي حال من الأحوال تظل الكثير من المظاهر التي تربط هذين المشروعين لجهة الخلفيات والتداعيات على مجمل طبيعة النظام في الداخل ومظاهر علاقاته بالخارج وقضاياه ومن بينها الصراع مع إسرائيل.

      بالتأكيد لبنان بحاجة اليوم الى البحث عن مشروع حل لأوضاعه الداخلية وقضاياه التي لا تنتهي، وأيضا لمواقفه من العديد من القضايا التي تجري حوله، ففي مئوية انشاء كيانه هناك الف سبب وسبب لاستمرار الصدامات واستنزاف الموارد والطاقات، وبصرف النظر ان كانت الفدرالية واستطرادا الحياد القانوني مدخلا لاستمرار الكيان بشكل مغاير، فان ما يواجهه الشعب اللبناني بمختلف اطيافه ، يصل الى حد الإبادة الجماعية من خلال انهيار الوضعين الاقتصادي والمالي والتصادم الاجتماعي وانفلات الأمور من عقالها، سيما وأن ما حدث مؤخرا، وكأنه مؤشر لإطلاق حفلة جنون من الصعب توقّع او ضبط مساراتها او نتائجها. وبصرف النظر عن هذه الصورة السوداوية ثمة من يقول ، ان لبنان يستحق الحياة والاستمرار بصرف النظر عن أي نظام سيحتوي تناقضاته التي لا تنتهي.