هل ستثبت قمة الخرطوم الغاء اللاءات الثلاث؟
د,خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تسع وعشرون سنة مضت على اللاءات الثلاثة لقمة الخرطوم،تبدلت خلالها نظريات وأنظمة وقضايا متصلة بهذه اللاءات،لكن غريب المفارقات إننا كعرب لا زلنا نراهن المرة تلو المرة على نتائج قمم ليست قادرة على إنتاج جديد قابل للتنفيذ؛فأين نحن اليوم في موازين القوى الإقليمية والدولية وهل نحن حقا امة قادرة على الاستمرار بهذا الواقع؟وإذا كان الأمر كذلك كيف الخروج وبأي كلفة؟أسئلة تطول بطول عمر أزماتنا المتعاقبة.لكن ومهما يكن من أمر فان ظروفنا الراهنة هي متطابقة إلى حد كبير مع ظروف الستينيات من القرن الماضي وان كانت في صورة معكوسة تماما.
لاءات ثلاث اختصرتها أنظمة عربية مأزومة لم تعرف يوما تحويل الهزيمة إلى شحذ للهمم، قابلها قدرة إسرائيلية فائقة في تحويل الهزيمة إلى نصر مستفاد،لم نفاوض ولم نعترف ولم نصالح آنذاك،واليوم البحث جار وبأي شروط مفروضة على ما فات،فأين اليوم قمة الخرطوم من كل القضايا المطروحة أمامها؟ ثمة ملفات عديدة أساسية وأخرى متصلة تبحث عن إجابات محددة في ظروف أكثر استثنائية من أي وقت مضى.
- في الملف العراقي حيث الأمر أكثر إلحاحا من أي قضية أخرى،فبيئة الفتنة الطائفية – المذهبية مضافا إليها الفتنة القومية وحتى الاتنية،نضجت وكأنها تنتظر ساعة الصفر؛كما أن ظروف دول المنطقة بواقعها ووقائعها هي نسخة متطابقة للنموذج العراقي؛إضافة إلى أن المأزق الأمريكي في العراق يدفع بكل هذه المعطيات والوقائع إلى سياسة حافة الهاوية في إدارة هذا الواقع،ما يحتم على المجتمعين في قمة الخرطوم إيجاد المخارج لإدارة الأزمات القائمة والقادمة لا حلها.وإذا كان صحيحا ما يُشاع ويُسرب عن تنظيم الوضع العراقي عربيا عبر استنساخ التجربة اللبنانية في العام 1976عبر إنشاء قوة ردع عربية،فما هي دعائم هذه القوات وما هو الثمن الذي سيدفع للدولة الراعية؟وهل يجوز استنساخ الحلول برغم عدم نجاحاتها؟أم أن ذلك هو المطلوب لأهداف وأبعاد أخرى غير معلنة؟ إذا كان ثمة جدية في البحث عن حلول قابلة للحياة في العراق فإن الحل بالضرورة يستحسن أن يأتي عبر وسائل ليس لها علاقة بالمقايضة والتسويات،فالشعب العراقي وان ذاق الأمرين قبل الاحتلال الأمريكي فطموحه على الأقل بناء عراق مغاير عما كان أو عما يُرتب له؛فالقادة العرب مدعوون أكثر من أي وقت مضى لوقفة تأمل وتبصر باعتبار أن ظروف المنطقة على منعطف خطير سيطال العرب جميعا لا العراق وحده،وبالتالي إن القرارات ينبغي أن تراعي الكثير من ظروف المنطقة لئلا تفلت الأمور من عقالها وعندها لا ينفع الندم.
- وفي الملف الفلسطيني ثمة تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة ترخي بظلالها على مستقبل السلطة الفلسطينية ودولتها الموعودة،فهل يملك العرب في قمتهم القدرة على ولوج الخيارات فيما يختص بالوضع الفلسطيني برمته؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي هذه الخيارات في وقت زُج الشعب الفلسطيني بكامله في سجن كبير،متروك لمصيره يواجه عمليات إبادة منظمة دون وازع أو رادع قانوني أو أخلاقي.وما هو موقف القمة وخياراتها بعد وصول حماس إلى السلطة وكيف سيتم التعامل مع الواقع الجديد بكل تفاصيله؟ هل سيفرض على العرب سياسة الرغيف مقابل السياسة في الأراضي الفلسطينية كما بات واضحا في التعامل مع حكومة حماس،أم سيحاول القادة العرب اجتراح المعجزات لفك الطوق عن الفلسطينيين؟ إن الانتخابات التشريعية الإسرائيلية متزامنة مع أعمال القمة العربية ومهما يكن من أمر التيار السياسي الذي سيحكم إسرائيل،سيكون أثره قويا على الفلسطينيين،فأي من الحزبين إن كان العمل مع أي ائتلاف، أو كاديما، سيكون وصول احدهما إلى السلطة مجالا لإثبات الحضور والسطوة الداخلي على الفلسطينيين أنفسهم لا على غيرهم؛وبالتالي إن ما ينتظر الفلسطينيين هو أسوأ بكثير مما يعانون الآن،وعليه إن القمة العربية معنية هذه المرة بخيارات وقرارات مغايرة،بمعنى إن دعم الفلسطينيين ينبغي أن يكون على قاعدة الدعم السياسي في خياراته،وعدم اقتصار الدعم على قاعدة التمويل المعيشي أو سياسة الرغيف مقابل السياسة.
- وإذا كان الملف اللبناني قد شغل العرب كثيرا في السابق فهذا لن يكون مبررا كافيا لعدم إدراج قضاياه على جدول أعمال القمة كملف أساسي؛فلبنان عبر تاريخه السياسي وعلاقاته العربية ظل مقياسا واضحا لمستوى التعاون العربي والعلاقات العربية – العربية. وعلى الرغم من حساسية ملفاته ووجوب الدقة في التعامل معها، فإن إدارة ملفاته وأزماته ينبغي أن تكون بشفافية مطلقة،باعتبار أن ما عاناه لبنان يفوق ما عاناه أي بلد عربي آخر.فقد دفع لبنان ثمنا غاليا لسياسات المحاور العربية في السابق وإنقاذ حواره الوطني الآن ينبغي أن تكون أولوية القادة العرب لما يمكن أن يؤدي فشل الحوار على أوضاعه الداخلية وانعكاساتها السلبية على الوضع العربي بشكل عام.
- وفي القضايا المركزية ثمة ضرورة قصوى لإيجاد بيئة عربية كفيلة بتحريك وتفعيل مقررات قمة بيروت لا سيما المتعلق منها بالصراع العربي الإسرائيلي ووسائل حله،فمن دون حل هذا الموضوع المركزي ستبقى جميع الدول العربية موقعا ومجالا للضغوط الإقليمية والدولية المستثمرة لهذا الصراع كما وستبقى الدول العربية في موقع المتلقي للفعل لا صانعة له.فهل سيتمكن القادة العرب هذه المرة من نفس المكان إطلاق رؤية عربية واضحة كفيلة بإجبار المعنيين غير العرب المساهمة في تحريك عملية السلام على الأقل وفقا للأسس التي تمَّ الاتفاق عليها سابقا.
- أن أهم القضايا العربية التي ينبغي التعامل معها بجدية مطلقة هي إصلاح وتفعيل الجامعة العربية، وعلى الرغم من إدراكنا التام بأنها انعكاس للدول المنضمة إليها،فمشكلة الجامعة ليست في النصوص وإنما في الإرادة الجامعة والنية لإصلاحها أو بمعنى آخر تحديد ما يراد منها، ولنا أن نتذكر أن هناك عددا من الاتفاقيات المبرمة بين الدول الأعضاء في الجامعة لم تأخذ طريقها أبدا إلى التطبيق ومن بينها اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي المبرمة سنة 1950 فمن بين 67 نزاعا قام بين الدول العربية في الفترة من سنة 1945 (عام تأسيس الجامعة) وإلى عام 1990 لم تتدخل الجامعة إلا في ستة نزاعات فقط، أي بنسبة 8 في المئة منها. كما ظل التنسيق في المجالين الأمني والاقتصادي في أدنى درجاته، وذلك بالرغم من توقيع معاهدة الوحدة الاقتصادية منذ عام 1957.وبرأينا إن أي محاولة جادة لتطوير الجامعة العربية وتفعيل العمل العربي المشترك، لابد أن تضع في اعتبارها عدة تحديات من بينها: مواجهة بعض المحاولات لبعض الدول العربية التي لا تريد تفعيل دور الجامعة وتفضل أطرا ومؤسسات إقليمية على أطر ومؤسسات الجامعة العربية، فهناك دول عربية رفضت طرح خلافاتها على مؤسسات وهيئات الجامعة، وفضلت أن تطرحها على مؤسسات وهياكل إقليمية ودولية، كما أن هناك دولا كانت طرفا في أزمات إقليمية ودولية، ورفضت السماح للجامعة بلعب أي دور، كما رفضت أن تمنح الجامعة العربية مبادرات وأفكارا كان يمكن للجامعة أن تتفاوض حولها وان تتبنى موقفا يحمي الدولة العربية ولكن قيادة هذه الدول قدمت المبادرات لممثلي المنظمات الإقليمية أو الدولية. ضرورة إصلاح مكونات النظام العربي، وهذه المكونات تتمثل في النظم الحاكمة التي ينبغي أن تكون ديمقراطية تؤمن بمشاركة شعوبها في إدارة المؤسسات، وتدخل بشكل طوعي منظومة التحديث الديمقراطي وتحترم حقوق شعوبها وكرامتها وتستجيب لمتطلباتها، وإصلاح الدول العربية والوحدات المكونة للجامعة كفيل بتوفير التناغم بين القمة والقاعدة. والمبادرة الى إجراء نقد موضوعي لممارسات النظام العربي وأساليب عمله طوال الستين عاما الماضية بهدف تحديد مواطن الخلل، إن جميع تلك المسائل هي على قدر كبير من الأهمية حتى لا يكون الإصلاح مجرد ترميم للواجهات دون إحداث تغيير جذري يكفل إقامة نظام عربي وقابل للحياة ومواجهة التحديات.
إن قمة الخرطوم مدعوة هذه المرة لأن تكون أكثر واقعية من أي وقت مضى، فظروفنا ليست على ما يرام وربما ما نحلم به كشعوب هو اقل الممكن،لكن الحلم شيء والواقع شيء آخر،طبعا لدينا الكثير من المقدرات لكننا لم نحسن يوما في تحويلها إلى قدرة تُصرف في موازين القوى الإقليمية والدولية،لقد أطلق العرب في العام 1967 اللاءات الثلاث الشهيرة ولم يتمكنوا من الوقوف عندها،الجغرافيا هي نفسها في الخرطوم،لكن التاريخ مختلف،ترى ماذا سيقرر القادة العرب؟ انه لتحدي كبير يحتاج لإجابات واضحة في القليل من الأيام القادمة.
د,خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تسع وعشرون سنة مضت على اللاءات الثلاثة لقمة الخرطوم،تبدلت خلالها نظريات وأنظمة وقضايا متصلة بهذه اللاءات،لكن غريب المفارقات إننا كعرب لا زلنا نراهن المرة تلو المرة على نتائج قمم ليست قادرة على إنتاج جديد قابل للتنفيذ؛فأين نحن اليوم في موازين القوى الإقليمية والدولية وهل نحن حقا امة قادرة على الاستمرار بهذا الواقع؟وإذا كان الأمر كذلك كيف الخروج وبأي كلفة؟أسئلة تطول بطول عمر أزماتنا المتعاقبة.لكن ومهما يكن من أمر فان ظروفنا الراهنة هي متطابقة إلى حد كبير مع ظروف الستينيات من القرن الماضي وان كانت في صورة معكوسة تماما.
لاءات ثلاث اختصرتها أنظمة عربية مأزومة لم تعرف يوما تحويل الهزيمة إلى شحذ للهمم، قابلها قدرة إسرائيلية فائقة في تحويل الهزيمة إلى نصر مستفاد،لم نفاوض ولم نعترف ولم نصالح آنذاك،واليوم البحث جار وبأي شروط مفروضة على ما فات،فأين اليوم قمة الخرطوم من كل القضايا المطروحة أمامها؟ ثمة ملفات عديدة أساسية وأخرى متصلة تبحث عن إجابات محددة في ظروف أكثر استثنائية من أي وقت مضى.
- في الملف العراقي حيث الأمر أكثر إلحاحا من أي قضية أخرى،فبيئة الفتنة الطائفية – المذهبية مضافا إليها الفتنة القومية وحتى الاتنية،نضجت وكأنها تنتظر ساعة الصفر؛كما أن ظروف دول المنطقة بواقعها ووقائعها هي نسخة متطابقة للنموذج العراقي؛إضافة إلى أن المأزق الأمريكي في العراق يدفع بكل هذه المعطيات والوقائع إلى سياسة حافة الهاوية في إدارة هذا الواقع،ما يحتم على المجتمعين في قمة الخرطوم إيجاد المخارج لإدارة الأزمات القائمة والقادمة لا حلها.وإذا كان صحيحا ما يُشاع ويُسرب عن تنظيم الوضع العراقي عربيا عبر استنساخ التجربة اللبنانية في العام 1976عبر إنشاء قوة ردع عربية،فما هي دعائم هذه القوات وما هو الثمن الذي سيدفع للدولة الراعية؟وهل يجوز استنساخ الحلول برغم عدم نجاحاتها؟أم أن ذلك هو المطلوب لأهداف وأبعاد أخرى غير معلنة؟ إذا كان ثمة جدية في البحث عن حلول قابلة للحياة في العراق فإن الحل بالضرورة يستحسن أن يأتي عبر وسائل ليس لها علاقة بالمقايضة والتسويات،فالشعب العراقي وان ذاق الأمرين قبل الاحتلال الأمريكي فطموحه على الأقل بناء عراق مغاير عما كان أو عما يُرتب له؛فالقادة العرب مدعوون أكثر من أي وقت مضى لوقفة تأمل وتبصر باعتبار أن ظروف المنطقة على منعطف خطير سيطال العرب جميعا لا العراق وحده،وبالتالي إن القرارات ينبغي أن تراعي الكثير من ظروف المنطقة لئلا تفلت الأمور من عقالها وعندها لا ينفع الندم.
- وفي الملف الفلسطيني ثمة تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة ترخي بظلالها على مستقبل السلطة الفلسطينية ودولتها الموعودة،فهل يملك العرب في قمتهم القدرة على ولوج الخيارات فيما يختص بالوضع الفلسطيني برمته؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي هذه الخيارات في وقت زُج الشعب الفلسطيني بكامله في سجن كبير،متروك لمصيره يواجه عمليات إبادة منظمة دون وازع أو رادع قانوني أو أخلاقي.وما هو موقف القمة وخياراتها بعد وصول حماس إلى السلطة وكيف سيتم التعامل مع الواقع الجديد بكل تفاصيله؟ هل سيفرض على العرب سياسة الرغيف مقابل السياسة في الأراضي الفلسطينية كما بات واضحا في التعامل مع حكومة حماس،أم سيحاول القادة العرب اجتراح المعجزات لفك الطوق عن الفلسطينيين؟ إن الانتخابات التشريعية الإسرائيلية متزامنة مع أعمال القمة العربية ومهما يكن من أمر التيار السياسي الذي سيحكم إسرائيل،سيكون أثره قويا على الفلسطينيين،فأي من الحزبين إن كان العمل مع أي ائتلاف، أو كاديما، سيكون وصول احدهما إلى السلطة مجالا لإثبات الحضور والسطوة الداخلي على الفلسطينيين أنفسهم لا على غيرهم؛وبالتالي إن ما ينتظر الفلسطينيين هو أسوأ بكثير مما يعانون الآن،وعليه إن القمة العربية معنية هذه المرة بخيارات وقرارات مغايرة،بمعنى إن دعم الفلسطينيين ينبغي أن يكون على قاعدة الدعم السياسي في خياراته،وعدم اقتصار الدعم على قاعدة التمويل المعيشي أو سياسة الرغيف مقابل السياسة.
- وإذا كان الملف اللبناني قد شغل العرب كثيرا في السابق فهذا لن يكون مبررا كافيا لعدم إدراج قضاياه على جدول أعمال القمة كملف أساسي؛فلبنان عبر تاريخه السياسي وعلاقاته العربية ظل مقياسا واضحا لمستوى التعاون العربي والعلاقات العربية – العربية. وعلى الرغم من حساسية ملفاته ووجوب الدقة في التعامل معها، فإن إدارة ملفاته وأزماته ينبغي أن تكون بشفافية مطلقة،باعتبار أن ما عاناه لبنان يفوق ما عاناه أي بلد عربي آخر.فقد دفع لبنان ثمنا غاليا لسياسات المحاور العربية في السابق وإنقاذ حواره الوطني الآن ينبغي أن تكون أولوية القادة العرب لما يمكن أن يؤدي فشل الحوار على أوضاعه الداخلية وانعكاساتها السلبية على الوضع العربي بشكل عام.
- وفي القضايا المركزية ثمة ضرورة قصوى لإيجاد بيئة عربية كفيلة بتحريك وتفعيل مقررات قمة بيروت لا سيما المتعلق منها بالصراع العربي الإسرائيلي ووسائل حله،فمن دون حل هذا الموضوع المركزي ستبقى جميع الدول العربية موقعا ومجالا للضغوط الإقليمية والدولية المستثمرة لهذا الصراع كما وستبقى الدول العربية في موقع المتلقي للفعل لا صانعة له.فهل سيتمكن القادة العرب هذه المرة من نفس المكان إطلاق رؤية عربية واضحة كفيلة بإجبار المعنيين غير العرب المساهمة في تحريك عملية السلام على الأقل وفقا للأسس التي تمَّ الاتفاق عليها سابقا.
- أن أهم القضايا العربية التي ينبغي التعامل معها بجدية مطلقة هي إصلاح وتفعيل الجامعة العربية، وعلى الرغم من إدراكنا التام بأنها انعكاس للدول المنضمة إليها،فمشكلة الجامعة ليست في النصوص وإنما في الإرادة الجامعة والنية لإصلاحها أو بمعنى آخر تحديد ما يراد منها، ولنا أن نتذكر أن هناك عددا من الاتفاقيات المبرمة بين الدول الأعضاء في الجامعة لم تأخذ طريقها أبدا إلى التطبيق ومن بينها اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي المبرمة سنة 1950 فمن بين 67 نزاعا قام بين الدول العربية في الفترة من سنة 1945 (عام تأسيس الجامعة) وإلى عام 1990 لم تتدخل الجامعة إلا في ستة نزاعات فقط، أي بنسبة 8 في المئة منها. كما ظل التنسيق في المجالين الأمني والاقتصادي في أدنى درجاته، وذلك بالرغم من توقيع معاهدة الوحدة الاقتصادية منذ عام 1957.وبرأينا إن أي محاولة جادة لتطوير الجامعة العربية وتفعيل العمل العربي المشترك، لابد أن تضع في اعتبارها عدة تحديات من بينها: مواجهة بعض المحاولات لبعض الدول العربية التي لا تريد تفعيل دور الجامعة وتفضل أطرا ومؤسسات إقليمية على أطر ومؤسسات الجامعة العربية، فهناك دول عربية رفضت طرح خلافاتها على مؤسسات وهيئات الجامعة، وفضلت أن تطرحها على مؤسسات وهياكل إقليمية ودولية، كما أن هناك دولا كانت طرفا في أزمات إقليمية ودولية، ورفضت السماح للجامعة بلعب أي دور، كما رفضت أن تمنح الجامعة العربية مبادرات وأفكارا كان يمكن للجامعة أن تتفاوض حولها وان تتبنى موقفا يحمي الدولة العربية ولكن قيادة هذه الدول قدمت المبادرات لممثلي المنظمات الإقليمية أو الدولية. ضرورة إصلاح مكونات النظام العربي، وهذه المكونات تتمثل في النظم الحاكمة التي ينبغي أن تكون ديمقراطية تؤمن بمشاركة شعوبها في إدارة المؤسسات، وتدخل بشكل طوعي منظومة التحديث الديمقراطي وتحترم حقوق شعوبها وكرامتها وتستجيب لمتطلباتها، وإصلاح الدول العربية والوحدات المكونة للجامعة كفيل بتوفير التناغم بين القمة والقاعدة. والمبادرة الى إجراء نقد موضوعي لممارسات النظام العربي وأساليب عمله طوال الستين عاما الماضية بهدف تحديد مواطن الخلل، إن جميع تلك المسائل هي على قدر كبير من الأهمية حتى لا يكون الإصلاح مجرد ترميم للواجهات دون إحداث تغيير جذري يكفل إقامة نظام عربي وقابل للحياة ومواجهة التحديات.
إن قمة الخرطوم مدعوة هذه المرة لأن تكون أكثر واقعية من أي وقت مضى، فظروفنا ليست على ما يرام وربما ما نحلم به كشعوب هو اقل الممكن،لكن الحلم شيء والواقع شيء آخر،طبعا لدينا الكثير من المقدرات لكننا لم نحسن يوما في تحويلها إلى قدرة تُصرف في موازين القوى الإقليمية والدولية،لقد أطلق العرب في العام 1967 اللاءات الثلاث الشهيرة ولم يتمكنوا من الوقوف عندها،الجغرافيا هي نفسها في الخرطوم،لكن التاريخ مختلف،ترى ماذا سيقرر القادة العرب؟ انه لتحدي كبير يحتاج لإجابات واضحة في القليل من الأيام القادمة.