13‏/01‏/2009

جرائم اسرائيل في غزة ومنظمات حقوق الانسان

جرائم اسرائيل في غزة ومنظمات حقوق الانسان
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
كعادتها لم تتورع إسرائيل يوما عن انتهاك القوانين والأعراف الدولية المنظمة للحروب، بل عمدت منذ بداية عدوانها على غزة إلى استهداف المدنيين والمنشآت غير العسكرية، فنفذت المجازر على مساحة غزة بكاملها، وامتدت يد الغدر إلى الأطفال والشيوخ والنساء، دون رادع أو وازع قانوني أو أخلاقي. كما دمّرت بشكل منهجي البنى التحتية من جسور ومنشآت صحية وتربوية ودينية وكل ما يخطر ولا يخطر على البال،خارقة بذلك كل ما يمكن أن يوصف بحقوق الإنسان أو القوانين المنظمة لحماية المدنيين أثناء الحروب والنزاعات.فماذا عن اتفايات القانون الدولي الانساني التي انتهكتها اسرائيل؟ وكيف تعاملت المنظمات العربية والدولية لحقوق الانسان مع محرقة القرن الواحد والعشرين؟ وما هوالاساس القانوني الذي يمكن مواجهتها به؟
انتهاكات اسرائيل للاتفاقيات الدولية
في الواقع يمكن القول ان جميع الاتفايات الدولية لا يمكن لها ان تغطي فداحة الجرائم المرتكبة التي فاق حجمها اي تصوّر بالمقارنة بين المدة الزمنية ومساحة الارض المحروقة التي اتبعتها اسرائيل وكذلك حجم الكثافة السكانية لغزة التي تعتبر الاولى في العالم! وفي مقاربة اولية لما جرى مع الاتفاقيات الدولية يمكن تسجيل ابرز الانتهكات منها:
- اتفاقية " جنيف الأولى" لسنة 1864.
- إعلان سان بطرسبرغ لعام 1868 لحظر القذائف المتفجرة.
- إعلان لاهاي لسنة 1899 حول قذائف "دم دم" والغازات الخانقة.
-اتفاقية " لاهاي" لعام 1907 وهي تتضمن نصوصا أساسية تضع ضوابط وقواعد وأصول مهمة للنزاعات المسلحة، إذ تهدف إلى تنظيم وسائل حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية والى وضع قيود على استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة البرية والبحرية.
- اتفاقية هيغ لعام 1907 التي تتضمن قواعد مهمة تتعلق بمفهوم الحياد وبمفهوم الاحتلال وبكيفية إدارة العمليات الحربية. يشار إلى أنه أضيفت على هذه الاتفاقية قواعد الحرب الجوية التي وضعت مسودتها في العام 1923.
- بروتوكول جنيف بشأن حظر استعمال الغازات السامة والأسلحة الجرثومية لعام 1925 .
- ميثاق الأمم المتحدة.
- اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.والبروتوكولات الملحقة بها.
- اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية المواقع الثقافية في زمن النزاعات المسلحة.
- اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية لعام 1972.
- اتفاقية 1983 لمنع استخدام بعض الأسلحة،ومنها الفسفورية ضد المواقع العسكرية التي تقع بين المنشىت المدنية والتي استعملتها اسرائيل بكثافة في عدوانها على غزة.
- اتفاقية باريس لحظر استعمال الأسلحة الكيماوية.
- اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن حظر أو تقييد بعض الأسلحة التقليدية.
- البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف الأربع الموقعان في العام 1977 لاستكمال الحماية التي تضمنها اتفاقيات جنيف لعام 1949 في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وبعد التدقيق في نصوص الاتفاقيات والصكوك الدولية السالفة يتضح أن الحرب المدمرة والمبرمجة التي يشنّها الجيش الإسرائيلي على غزة والتي نتج عنها قصف المدنيين الآمنين وتشريد مئات الآلاف منهم وضرب البنى التحتية والاقتصادية دون التركيز على الأهداف العسكرية، تشكّل خرقا فاضحا لقوانين النزاعات المسلحة وللمبادئ العامة والأعراف التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني.
إن العدوان الذي تشنه إسرائيل ضد غزة وعلى النحو البربري والوحشي الذي اعتمدته أساسا لنجاحه عبر القضاء على أكبر عدد ممكن من المدنيين الأبرياء وتهديم ما أمكن من المنشآت المدنية، تشكّل انتهاكا فاضحا للعديد من القواعد والمبادئ الأساسية التي تحكم النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، إذ خالفت مبدأ الضرورة في اللجوء إلى استعمال القوة والحل العسكري، ومبدأ التقيّد بحدود دولية معينة لاستعمال وسائل القتال، وموجب تحييد المدنيين ومبدأ تناسب الوسيلة العسكرية المستعملة مع حجم الاعتداء أو الخطر المحدق بالجهة التي تلجأ إلى القوة من أجل حل نزاعها مع الطرف المستهدف.
فففي جانب مخالفة مبدأ الضرورة في اللجوء إلى استعمال الحل العسكري ، فمن الواضح لا تسمح قواعد القانون الدولي الإنساني باللجوء إلى استعمال القوة من اجل حل النزاعات بين الدول أو في داخل الدول، إلا في حالة الضرورة القصوى بحيث تكون القوة الوسيلة الوحيدة التي يمكن استخدامها من أجل التوصّل إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، أو من اجل رد العدوان أو وضع حد للأعمال الإرهابية التي تتعرض لها الدولة المعتدى عليها. وهذا ما يمكن استنتاجه من نص البند الثالث من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي جاء فيه أنه " يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر". وهذا ما يؤكّد عليه أيضا وبشكل صريح البند الرابع من المادة ذاتها بنصه على أنه " يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة". ما يعني أن الدولة المعنية لا يمكنها استعمال القوة العسكرية ضد دولة أخرى أو بلد آخر إلا في حالة الضرورة كحالة الدفاع عن النفس أو كالحالة التي يصبح فيها استخدام القوة العسكرية الوسيلة الوحيدة المتوفرة لرد العدوان أو لحفظ الأمن والسلم الدوليين أو لمواجهة أعمال إرهابية تطال من أمن الدولة المعنية ومن سلامة مواطنيها.
إن مراجعة سير وطبيعة الأعمال الجرمية التي قام بها الجيش الإسرائيلي ضد غزة، يتبيّن أن هذه الأعمال لا يمكن إسنادها إلى حالة الضرورة العسكرية، باعتبار أن فعل إطلاق الصواريخ لا يؤلّف مبررا كافيا ومقنعا كي يستخدم كأساس شرعي لهذا العدوان، كما أنه لا يهدد فعلا الكيان الإسرائيلي ولم يحمل اعتداء خطير على أمن إسرائيل وسلامة مواطنيها وبالتالي لا يبرر حربا مدمرة ومنظمة واسعة النطاق.
اما لجهة مخالفة مبدأ التقيّد بحدود معيّنة في استعمال القوة العسكرية ، فأكّدت المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الموقع في العام 1977 على "أن حق أطراف أي نزاع مسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده قيود". وفي الاتجاه ذاته، كانت قد أشارت صراحة المادة 22 من اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الموقعة في 18 اكتوبر/ تشرين الأول سنة 1907 إلى أنه " ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو" .وعليه ليس للمتحاربين الحق غير المقيّد بأي قيد في اختيار وسائل الإضرار، باعتبار أن الهدف الرئيس للحرب يكون ضرب القوة العسكرية للعدو وإيقاع الهزيمة به. وفي السياق ذاته، يحظّر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 استخدام الأسلحة التي من شأنها زيادة معاناة الجرحى وآلامهم وجعل تدهور حالتهم الصحية أو موتهم أمرا محتوما ومؤكدا. وهذا ما كانت قد أكّدت عليه من قبل المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان والتي جاء فيها أنه "يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة وغيرهم من الأشخاص المشار إليهم في المادة التالية". وكذلك تنص المادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب على أنه "يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين".
إن إسرائيل لم تفرط في استعمال القوة العسكرية فقط وإنما لم تتقيد بأي حدود أو سقف في تنفيذ عملياتها العسكرية حيث لجأت إلى استعمال كافة الأسلحة الثقيلة وحتى بعض الأسلحة المدمرة وغير المسموح استعمالها والمحرّمة دوليا ضد المدنيين الشيوخ والأطفال والنساء والمرضى من دون تمييز ولم تضع لعملياتها الحربية أي حدود أو أهداف واضحة ومحددة غير تلك التي تبتغي القتل والدمار والتهجير.
اما مخالفة واجب تحييد المدنيين فيفرض قانون النزاعات المسلحة على الدولة التي تلجأ إلى استعمال القوة العسكرية حماية المدنيين وتحييدهم عبر اتخاذ الإجراءات الضرورية التي يمكن بموجبها التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والتمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين. وتلتزم الدولة التي تختار القوة العسكرية لحل نزاعها مع دولة أخرى أو لصد عدوان ما أو لوضع حد لخطر إرهابي أو لأعمال إرهابية معينة بحماية الأشخاص العاجزين عن القتال أي المقاتلين الذين عجزوا عن القتال بسبب مرضهم أو إصابتهم بجروح أو أسرهم أو لأي سبب آخر يمنعهم من الدفاع عن أنفسهم وعناصر الخدمات الطبية وأفراد الهيئات الدينية، ذلك تطبيقا لنص المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى في الميدان ولنص المادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب. كما يتوجب على القوات المسلحة التي تستخدم القوة العسكرية، عملا بأحكام المادة 21 من اتفاقية جنيف الرابعة، احترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء التي تجري في البر بواسطة قوافل المركبات وقطارات المستشفى أو في البحر بواسطة سفن مخصصة لهذا النقل. وعلى كل طرف من أطراف النزاع أن يكفل حرية مرور جميع إمدادات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصرا إلى سكان مدنيين حتى ولو كانوا تابعين لدولة عدوة. وعليه أيضا الترخيص بحرية مرور أي إمدادات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال والنساء الحوامل أو النفاس (م 23 من اتفاقية جنيف الرابعة). ويكون من واجبات أطراف النزاع اتخاذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشر من العمر الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب وتيسير إعالتهم وممارسة طقوس ديانتهم وإيوائهم في بلد محايد طوال مدة النزاع (م 24 من اتفاقية جنيف الرابعة.
إن الوقائع الثابتة بالصور والمشاهد التلفزيونية والتقارير الصحافية والأمنية تثبت أن القوات الإسرائيلية انتهكت جميع هذه القواعد والأعراف التي تحكم النزاعات المسلحة كونها تستهدف بقصفها العشوائي المدنيين من دون تمييز بين مواقع عسكرية وأخرى مدنية، ومن دون التمييز بين مقاتلين وغير مقاتلين وتقوم بضرب الجسور وبقطع كل المواصلات البرية بهدف منع وصول المؤن والأغذية والأدوية إلى المدنيين المحاصرين. إضافة إلى ذلك أن هذه القوات وبدلا من أن تتخذ إجراءات معينة لتحييد المدنيين من الأطفال والنساء والعجزة ولحمايتهم أو لتسهيل عملية نقلهم إلى مناطق آمنة أو محايدة، راحت تلقي عليهم الأطنان من القنابل وتقطع عنهم المؤن والأغذية وترتكب بحقهم أبشع الجرائم وأخطرها ( جرائم حرب ) التي يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي، ما يؤلّف خرقا فاضحا وخطيرا لكل قواعد قانون النزاعات المسلحة أو للقانون الدولي الإنساني.
اما لجهة مخالفة مبدأ التناسب بين الوسيلة العسكرية وحجم الاعتداء وخطورته ،فبات من المسلّم به أن عدوان إسرائيل ضد غزة تخطى بمداه وبنوع الأسلحة والوسائل العسكرية المستعملة وكثافة القصف الجوي الذي لجأ إليه الجيش الإسرائيلي في عملياته الحربية ضد المواطنين المدنيين والبنى التحتية ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني ودور العبادة وغيرها، حجم وخطورة اطلاق الصواريخ التي نفذتها المقاومة ضد القوات العسكرية الإسرائيلية. وهذا ما يخالف مبدأ تناسب الوسائل العسكرية المستعملة مع حجم وخطورة العمل الذي تعرضت له الدولة التي تلجأ إلى استعمال القوة العسكرية. ويقضي هذا المبدأ بعدم الإفراط في استعمال القوة العسكرية ووسائل القتال بحجم لا يتناسب مع خطورة الوضع العسكري أو الصفة العسكرية للهدف المقصود. ومن هذا المنطلق يضع قانون النزاعات المسلحة لزاما على أطراف النزاع ببذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادي إلحاق الأذى بالمدنيين وبالامتناع عن اتخاذ قرار بشن هجوم عسكري قد يتوقع منه أن يحدث، بشكل عرضي، خسائر في الأرواح بين المدنيين أو إلحاق الأذى بهم أو بممتلكاتهم. كما أن قواعد قانون النزاعات المسلحة تفرض بأن يلغى أو يعلّق أي هجوم عسكري إذا تبيّن أن الهدف المتوخى من ضربه ليس هدفا عسكريا أو قد ينتج عنه، بصورة عرضية، ضرر وخسائر بشرية أو مادية مدنية.
ويظهر من خلال طبيعة العمليات الحربية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في غزة أن الوسائل العسكرية التي استعملها لا تتناسب مع خطورة الأعمال التي قامت بها المقاومة ولا حتى مع الوسائل الحربية المستخدمة من قبل هذه المقاومة التي لا تمتلك كالجيش الإسرائيلي كافة الأسلحة والأعتدة الحربية المتطورة ولا الدبابات ولا الطيران الحربي الذي لجأت إليه إسرائيل بصورة رئيسة في المعركة، ما يعتبر خرقا فاضحا لقواعد قانون النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
منظمات حقوق الانسان وكيفية التعامل
منذ بدء العدوان على غزة انظلقت في غير مكان عربي ودولي بيئة مستنكرة ومدينة للعدوان وجرائمه الموصوفة قانوانا،لكن العبرة لا تتعلق بالتحرك وانما فعاليته وتداعياته ونتائجه العملية.فما هي هذه المنظمات وكيف تعاملت؟وما هي تداعيات تحركها؟فعلى الرغم من فداحة الخروق لم يكن تحرك المنظمات الأهلية والرسمية كافيا لجهة التناسب مع حجم الجريمة،فغالبها تعامل مع القضية من منطلق وظيفي فرضته طبيعة عمل واهداف هذه المنظمات،وبالتلي يُصنف من النوع غير الكافي للبناء عليه.
فعلى سبيل المثال لم يتجاوز عمل "مجلس حقوق الانسان" التابع للامم المتحدة اتخاذ قرار بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لما يجري في غزة،ولم يتمكن من التوصل الى قرار لادانة المجازر الاسرائيلية وانتهاكات القانون الدولي الانساني،بفعل المعارضة الاوروبية لذلك على قاعدة ما اسماه عدم التوازن في مشروع القرار،ما ادى الى صدور قرار هزيل لا يتناسب وحجم المحرقة.وكما مجلس حقوق الانسان كذلك باقي المنظمات،ومرد ذلك الى العديد من الاسباب والاعتبارت ومن بينها:
- أنّ تصوّرات القائمين على المنظمات شأن معظم منظمات حقوق الإنسان خارج النطاق الرسمي، تنطلق تلقائيًّا من تصورات وإرث فكري وعقائدي ساهم مباشرة في تكوين الشخصية الغربية عبر القرون، فهم مع توفر أشدّ درجات الحماس لدعواتهم ومواقفهم، قد يصطدمون قاصدين أو غير قاصدين بتصورات ومعتقدات أخرى، لا سيما وأنهم ينطلقون في تحديد معاييرهم من بيان حقوق الإنسان العالمي، الذي يتفق في بعض الأحيان مع المعتقدات والتصورات البشرية عمومًا، ولكنه يتضمن أيضًا بعض ما لا ينسجم معها أو مع بعضها، وقد وُضع إجمالاً في حقبة كانت الكلمة الحاسمة فيها للغرب عقب الحرب العالمية الثانية.
- أنها كغيرها تتعرّض لمدِّها بمعلومات غير صحيحة، لا سيما عند اعتمادها في البلدان العربية والإسلامية مثلاً، على مصادر وأشخاص هم أقرب من غيرهم إلى تصوّراتها ومعاييرها في قضايا حقوق الإنسان، فضلاً عن عزوف آخرين من تلقاء أنفسهم عن التعاون معها، ناهيك عن المشاركة في نشاطاتها، بدعوى المعايير المتباينة مع ثوابت إسلامية مثلاً.
- توظيف نشاطاتها وأعمالها وتقاريرها لتحقيق أغراض غير الأغراض التي استهدفتها في الأصل، وفق أساليب منحرفة معروفة تحت عناوين الازدواجية والانتقائية.

ازدواجية المعايير في التعاطي مع المجازر

غريب المفارقات ما يظهر تحديدا في المنظمات الأهلية والرسمية المختصة بحماية الحقوق الأساسية للإنسان،فعلى الرغم من أن جوهر وظائفها ومبرر وجودها وأسلوب عملها يقتضي وجوب الحيادية والنزاهة في العمل والتعاطي مع أطراف القضية الواحدة بموقف يكون على مسافة واحدة،نرى تهميش وتجهيل الأمور المتعلقة بالقضايا العربية تحديدا،وغض الطرف عن الممارسات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
فمنذ سنوات ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من منظمات المجتمع المدني وهي تطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفاعل والجاد واتخاذ إجراءات عملية في مواجهة التحدي المستمر من جانب إسرائيل وقوات احتلالها لقواعد القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بهدف إجبارها على احترام التزاماتها التعاقدية حيال المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في ايلول/ سبتمبر 2000، تزايدت المطالب من جانب منظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية بضرورة التدخل الدولي لحماية المدنيين الفلسطينيين، أمام التصعيد المستمر في جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني (كما تحددها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب) التي تواصل قوات الاحتلال اقترافها ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة. وتستند هذه المطالب المشروعة إلى:
- اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب والتي تنص المادة الأولى منها على أن "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال." كما تضع المادة 146 من الاتفاقية التزامات محددة على الأطراف السامية المتعاقدة، بما في ذلك اتخاذ إجراءات تشريعية، لملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة وتقديمهم إلى المحاكمة أو تسليمهم لطرف ثالث متعاقد معني بمحاكمتهم.
- اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تنص المادة الثانية منها على وجوب "أن تستند العلاقات بين الأطراف، وشروط هذه الاتفاقية ذاتها، إلى احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، والتي تقود سياساتهم الداخلية والخارجية، وتشكل عنصراً رئيساً من الاتفاقية.
- بالرغم من ذلك، كان هناك فشل مزمن من جانب المجتمع الدولي، بخاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة ودول الاتحاد الأوروبي، في الوفاء بالالتزامات القانونية المذكورة أعلاه. وشكّل ذلك عاملاً مشجعاً لإسرائيل (قوة الاحتلال الحربي) للإمعان في تحديها للقانون الدولي والتصرف كدولة فوق القانون تحظى بحصانة سياسية وقانونية خاصة، والمضي قدماً في جرائمها وانتهاكاتها ضد المدنيين الفلسطينيين بل وتصعيدها إلى مستوى غير مسبوق. إذ شملت هذه الجرائم والانتهاكات: الاستخدام المفرط للقوة وجرائم القتل العمد والإعدامات خارج إطار القانون؛ التوسع الاستيطاني وضم الأراضي والاستمرار في تدشين جدار الضم؛ تدمير الممتلكات المدنية؛ فرض العقوبات الجماعية بما فيها الحصار وفرض قيود مشددة على الحركة والتنقل؛ التعذيب وسوء المعاملة؛ وإنكار العدالة للمدنيين الفلسطينيين بما في ذلك حرمانهم من التعويض عن الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال بحقهم بل وعدم التحقيق في الآلاف من تلك الجرائم. وعلى مدى الأعوام الثمانية الماضية، أسفرت هذه الإجراءات عن أزمات إنسانية حادة وتدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتهميش الاجتماعي بكل تفاصيله.
- لقد كانت المطالب التي وجهتها منظمات المجتمع المدني إلى المجتمع الدولي (خاصة الأطراف السامية المتعاقدة على الاتفاقية والاتحاد الأوروبي) غير كافية في نطاق الالتزامات القانونية الواقعة على تلك الأطراف. وعلى سبيل المثال، لم تتضمن المطالب الموجهة لدول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على دولة إسرائيل، إنما تفعيل المادة الثانية من اتفاقية الشراكة ووقف الامتيازات الممنوحة لإسرائيل بموجب الاتفاقية حتى تذعن الأخيرة لالتزاماتها. ولم تكن المطالب الموجهة للأطراف أكثر من الدعوة لتشكيل لجان تحقيق.
لقد كان من المؤمل أن تجد هذه المطالب آذاناً صاغية وأن يبادر المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عملية ضد إسرائيل لضمان امتثالها لقواعد القانون الدولي.ولكن للأسف الشديد وبدلاً من معاقبة إسرائيل على جرائمها، يتمَّ معاقبة الضحية، أي معاقبة الشعب الفلسطيني والمدنيين الفلسطينيين الرازحين تحت نير الاحتلال الحربي الإسرائيلي وغملياته الاجرامية في غزة.
ضرزرة توثيق الجرائم وسبل مقاضاة اسرائيل
ثمَّة ضرور قصوى لتوثيق جرائم الحرب والابادة الجماهية التي ارتكبتها اسرائيل في عدوانها على غزة باعتبارها حجر الاساس للانظلاق نحو مقاضاة اسرائيل في المحافل الجانئة الدولية؛وفي واقع الامر ثمَّة العديد من المحاولات الجادة التي تشكل بيئة جيدة في هذا المجال وبخاصة الجمعيات العربية وبعض الدولية.لكن العبرة تكمن في جدية المتابعة والاصرار عليها.
في الواقع ثمَّة سبل وطرق متعددة لسلوك المقاضاة رغم العثرات التي يمكن ان تواجهها.ومن الضروري الانطلاق في عدة مناهج كالبيئة الاعلامية القانونية والسياسية القانونية والحقوقية القانونية وعدم الاقتصار على هذه الاخيرة،باعتبار ان المحاكم الجنائية الدولية لا زالت قاصرة بشكل عام على احقاق الحق للعديد من الاعتبارات ويأتي في طليعتها طبيعة النظام العالمي القائم ومن يتحكم بمفاصل مساراته وادواته القانونية والسياسية.
بداية تعنبر السلطة الفلطسنسة كيانا اعتباريا على المستوى الدولي، وبالتالي لها حقوق وواجبات الاتفاقيت الدولية السابقة واللاحقة لنشوئها ما لم تطلب او تعلن عكس ذلك في حدود ما يسمح لها القانون الدولي العام بذلك.وحتى الآن التزمت السلطة الفلطسينية بجميع الاتفاقيات الدولية وبخاصة تلك المتعلقة بالقانون الدولي الانساني باعتبارها صاحبة حق في مندرجاته.
ثمَّة خيارات عدة للمقاضاة ومنها:محكمة العدل الدولية، فرغم ان إسرائيل عمدت في 19/11/1985 إلى إلغاء مفعول قبولها بولاية المحكم؛.إلا أن إسرائيل قد انضمّت إلى الاتفاق الدولي المتعلق بمعاقبة جريمة الابادة الجماعية للعام 1948 التي أصبحت نافذة اعتبارا من 12/1/1951. وان المادة )9( من هذا الاتفاق تعطي محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في كل نزاع ينشأ عن تفسير هذا الاتفاق أو تطبيقه، بما في ذلك مسؤولية إحدى الدول عن أعمال الإبادة التي ترتكبها، بحيث أن الدعوى - في حال تقديمها على أساس اتفاق عام 1948، تكون مقبولة في الشكل، وفق ما أخذ به اجتهاد هذه المحكمة، من دون الحاجة إلى موافقة خاصة من دولة أخرى منضمة إلى الاتفاق (المقصود هنا اسرائيل) . فالسند القانوني في حال تقديم الدعوى على أساس الإبادة الجماعية، هو اتفاق عام 1948 المتعلق بجريمة الابادة الجماعية، علما أن هذه الجريمة، أسوة بسواها من الجرائم الدولية هي الأكثر خطورة، وان هذا النوع من الجرائم لا يمر الزمن عليه وفق ما تمشى عليه اجتهاد القانون الدولي. وان الجمعية العمومية للأمم المتحدة أقرّت في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1968 اتفاقا أصبح نافذا في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1971 ينص صراحة على أن لا مرور للزمن في جرائم الحرب أو في الجرائم ضد الإنسانية. وكانت إسرائيل في عداد الدول التي صوَّتت على القرار الرقم 2391 العائد إلى هذا الاتفاق.
أما بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية فان فالعديد من الأفعال التي ارتكبتها "إسرائيل" في عدوانها الأخير يقع تحت طائفة الجرائم موضوع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي لا تحاكم دولا، بل يمكنها محاكمة أفراد متهمين بارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة ضمن اختصاصها. فالمحكمة تضع يدها على القضية وتمارس اختصاصها إما بإحالة القضية من دولة طرف في نظام المحكمة وقبلت بصلاحياتها (يقتضي استبعاد هذه الحالة إذ أن إسرائيل لم تنضم إلى اتفاق روما أو قبلت بصلاحية المحكمة)، وإما إحالة القضية من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذه الحالة مستبعدة أيضا لاعتبارات الفيتو الأمريكي. وتبقى الحالة الأخيرة، وهي إحالة القضية من جانب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية الذي يحق له التصرف تلقائيا. وقد لحظت المادة 12 من اتفاق روما في فقرتها الثالثة أنه يمكن للدولة غير المنضمة إلى الاتفاق إذا وقعت إحدى الجرائم على أرضها ( المقصود السلطة الغلسطينية) أن تعلن قبولها بصلاحية المحكمة لهذه الجرائم بالذات، وان تطلب من المدّعي العام أن يتحرك، وان يحيل القضية على المحكمة إذا تبين له من التحقيق الذي يجريه وجود أدلّة كافية تشكل أساسا معقولا للمحاكمة.وهذا ما فعله مؤخرا مدعي عام المحكمة "اوكامبو" ضد الرئيس السوداني عمر البشير وهي سابقة دولية سجلتها المحكمة رغم عدم موضوعيتها وسندها الشرعي والقانوني.
كما انه يمكن اللجوء الى محاكم بعض الدول الاوروبية التي اعتبرت نقسها صاحبة صلاحية في النظر في جرائم الحرب التي تقع على مواطنيها في دول اخرى كالمحاكم البلجيكية والاسبانية والفرنسية والبريطانية،عبر تقديم مواطنين يحملون جنسيات مزدوجة بين هذه الدول والسلطة الفلطسينية وثمة سوابق جرت في هذا المجال عند محاولة محاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون على جرائمه في مجزرتي صبرا وشاتيلا العام 1982 في لبنان امام المحاكم البلجيكية.
اضاقة الى ذلك يمكن اللجوء الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان سندا الى- اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تنص المادة الثانية منها على وجوب "أن تستند العلاقات بين الأطراف، وشروط هذه الاتفاقية ذاتها، إلى احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، والتي تقود سياساتهم الداخلية والخارجية، وتشكل عنصراً رئيساً من الاتفاقية.
ما جرى ويجري في غزة جرائم تندى لها جبين الانسانية ورغم ذلك لم يتم التوصل الا لقرار دولي حمل الرقم 1860 مضمونه الدعوة لوقف اطلاق النار مع وقف التنفيذ,بل حمل في طياته البيئة المناسبة لاسرائيل لاستمرار تنفيذ جرائمها في غزة وسط صمت عربي ودولي مريب،الامر الذي يتطلب جهودا مضاعفة من الجمعيات والمنظمات الاهلية لكشف الجرائم وملاحقة مرتكبيها وسط سياسة نفض اليد الرسمية العربية والدولية.