05‏/04‏/2009

الظاهر والباطن في قمة الناتو

الظاهر والباطن في قمة الناتو
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
ستون عاما مضت على انشاء حلف الناتو،بينها تسعة عشر سنة لا زال يبحث عن اسبابه الموجبة بعد انهيار الكتلة الاشتراكية،لكن قمته الاخيرة اسست لتصور استراتيجي سيعرض على قمته المقبلة في لشبونه عام 2010 ،لتكون خريطة طريق للعقدين المقبلين، على قاعدة توصيف وتكييف عمل قوات الحلف مع متطلبات التحول إلى قوات لحفظ السلام، أو التدخل لفرضه في النزاعات الإقليمية، الامر الذي سيؤدي إلى إعادة النظر بدور الأمم المتحدة التي تنشر 120 ألف جندي في غير منطقة من العالم، بهدف تحويل الناتو إلى ذراع عسكرية موازية لقوات للأمم المتحدة، الأمر الذي تؤيده كل من الولايات المتحدة وبريطانيا فيما تعارضه فرنسا.فهل يعتبر هذا الطموح جديدا ام بدأ به حلف الناتو قبلا وفي الشرق الاوسط تحديدا؟.
في الواقع بات الشرق الاوسط في طليعة اهتمام الحلف منذ العقد الاخير من القرن الماضي،وثبت هذا الاهتمام ابتداءً بالعراق من خلال تدريب قواتها الأمنية، مروراً بتوسيع الحوار مع دول جنوب المتوسط وتطوير علاقته بدول مجلس التعاون الخليجي، وانتهاءً بفرض وجوده في منطقة بحر العرب وخليج عدن لتعزيز امن الملاحة ، اضافة الى الدور الرقابي في منع تسليح حركة حماس، ودوره في قضية الصحراء الغربية. ويتركز تدخل الناتو في عدة اتجاهات مترافقة مع قدرته على تنفبذ استراتيجيته عبر وسائل وأليات من بينها:
- المحافظة على الامن والاستقرار الاقليمي عبر تفعيل برامج للتعاون والتدريب لكل دوله بحسب خصوصياتها ومتطلباتها، انطلاقاً من التغيرات الجيو إستراتيجية المهمة، التي تحولت على إثرها طبيعة حلف الناتو من القيام بمهام عسكرية تقليدية إلى مهام جديدة تتمثل في حفظ السلام والأمن الإقليمي؛ بما يتطلبه ذلك من إقامة شراكة مع دول عربية ومتوسطية من أجل تحقيق ذلك الهدف.
- العمل على وقف النزاعات المسلحة عبر دعم تيار على حساب تيار آخر، يرى أنه الأقدر على تحقيق أهدافه دون التدخل العسكري المسلح، أو من خلال ايجاد آلية مشتركة للتنسيق بين أولويات الحلف وأولويات المبادرات الأخرى التي غالباً ما تطرح من قبل الدول الأعضاء فيه.
- المحافظة على الأمن الملاحي، وهي وسيلة حديثة طبقها الحلف في منطقة بحر العرب وخليج عدن والقرن الإفريقي بهدف منع أعمال القرصنة من خلال التحكم في أربعة مضايق أساسية هي مضايق: هرمز، وباب المندب، وبالك الواقع بين سريلانكا والهند، وملقا الواقع بين سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا.


وبهدف تفعيل ذلك يتحرك الناتو عبر ثلاث طرق الاول يتعلق بأولوية استمرار الحوار المتوسطي الذي يضم إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، سبع دول من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويتناول الحوار مسائل تُهم دول الناتو مثل اجراءات الطيران، وأمن الحدود، ومكافحة الإرهاب. أما ا الثاني فيتعلق بمبادرة استانبول للتعاون، والتي طرحت في حزيران 2004، وتركز على إقامة علاقات تعاون مع بلدان الشرق الأوسط، عن طريق طرح مبادرات تتعلق بالتدريب المشترك ومكافحة الإرهاب والإصلاح العسكري بالدرجة التي يُسمح فيها بالسيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة وإدارة الدولة عن طريق جهات مدنية ديمقراطية، أما مشاركة حلف الناتو في عمليات محددة المهام في المنطقة العربية، مثل تدريب قوات الأمن العراقية ؛ فتمثل المحور الثالث الذي يحقق المصالح الإستراتيجية لكل أعضاء الحلف.
لقد اتبع حلف الناتو إستراتيجية تطويق دول الشرق الأوسط من خلال التواجد في عدة مناطق تعد قاعدة اساسية لتحقيق الأهداف الغربية الإستراتيجية تحت مبررات مختلفة. وتمتد هذه المناطق من الخليج العربي والعراق إلى القرن الإفريقي، ومن البحر المتوسط حتى المحيط الاطلسي.ويمكن تسجيل أبرز مناطق تدخل الناتو في الشرق الأوسط كمما يلي:
- في العراق حيث رفض الناتو مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية عدوانها على العراق بسبب الرفض الفرنسي - الألماني ، نجحت واشنطن في إشراك الناتو بالقيام بدور أمني بالعراق ، ووافق الحلف في قمة اسطنبول 2004 على تقديم المساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية.واستند الحلف في دوره على طلب الحكومة العراقية رسمياً مساعدة الحلف في التدريب ،وعلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1546. ووضعت واشنطن حدوداً لهذا الدور مفاده: أن تتولى الوحدات التي يرسلها الحلف المراقبة الجوية والرصد والاستطلاع لتحديد مواقع المقاومة العراقية، على أن يتم ربطها بغرفة استقبال رئيسية تخضع للقيادة الأمريكية، مع استبعاد فرنسا من المشاركة في المهام العسكرية ، وأن يقتصر دورها على تأمين ودعم البعثات الدولية الإنسانية وموظفي الأمم المتحدة.
- وبذريعة محاربة القرصنة ، قرر حلف الناتو إرسال سبع من بوارجه الحربية إلى القطاع الجنوبي الغربي من بحر العرب، لضمان "الأمن الملاحي" في المنطقة. بعد مصادقة مجلس الأمن الدولي في الثاني من حزيران 2008 على القرار رقم 1816 الذي منح الدول حق إرسال سفن حربية إلى مياه الصومال الإقليمية لمكافحة القرصنة.ثم جاء قرار الاتحاد الأوروبي بتشكيل قوة عسكرية دائمة للمرابطة في بحر العرب، ليعيد للأذهان أهمية الدور الأوروبي في المنطقة، ولتصبح المنطقة ساحة للتنافس الدولي ، بعد توقيع روسيا اتفاقاً خاصاً مع حكومة مقديشيو لتقنين عمل سفينة الحراسة الروسية، ناهيك عن الوجود الدولي المكثف في جيبوتي، حيث تحتفظ أمريكا بقاعدة عسكرية لها بجانب القاعدتين الفرنسية والألمانية. كما أنشأت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية أمريكية في جيبوتي لتكون مقرا لرئاسة أركان قوات التحالف الدولي التي تراقب دول الجانب العربي والإفريقي للبحر الأحمر.
- وشهدت قضية الصحراء الغربية تجاذبا دوليا كبيرا بين فرنسا التي تنظر إلى الجزائر باعتباره خزانا نفطيا، والمغرب باعتباره موقعا إستراتيجيا، ، وبين واشنطن التي كانت أكثر مراعاة للمطالب المغربية بخصوص النزاع. وكانت نتيجة ذلك عودة سياسة المحاور الثنائية في المنطقة، والتي ارتكزت على حاجة كل من تونس والجزائر لتنسيق المواقف إزاء المشاريع الأوروبية والأمريكية التي تم طرحها في المنطقة.كما برز الاستقطاب الفرنسي الأمريكي بداية عبر طرح الاتحاد الأوروبي فكرة إدماج الدول المغربية، إذ تم طرح مشروع الشراكة الأورو - متوسطية المعروف بمسار برشلونة في عام 1996، ولكن سرعان ما تدخل الناتو بدفع أمريكي في المنطقة من خلال مشروع حلف الناتو المسمى بـ "الشراكة من أجل السلام"، والهادف لإدماج الدول المغربية في مشروع أمني - عسكري يؤكد التحكم في المنطقة بما يضمن عدم تأثر دول جنوب أوروبا بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية لشمال إفريقيا.
أن توسيع حلف الأطلسي حيزه الجيو سياسي، الذي سمح له بالتدخل في أزمات البلقان وأفغانستان، وتوسيع مهام ومسئوليات الحلف لتتجاوز الأطر العسكرية لعمليات حفظ وبناء السلام والتدخل في الصراعات العرقية، عمد إلى إقامة علاقات خاصة مع جنوب وشرق المتوسط والخليج، وبدا الحلف بمثابة الذراع العسكرية للغرب في توسيع نطاق منظومة العولمة الغربية.وعليه يصح التساؤل هل ان ما يعلنه الناتو في قممه السابقة واللاحقة هو مغاير للمخفي؟ ثمة مسارات بدأها الناتو في الشرق الاوسط،المعلن منها المساعدة والمخفي فيها بداية تطويق دول المنطقة لدوافع وأهداف لا تخفى على المدققين والمتابعين.