14‏/04‏/2009

جامعة الدول العربية: الإخفاقات وسبل التجاوز

جامعة الدول العربية: الإخفاقات وسبل التجاوز
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

حديث صحفي إلى مجلة شؤون الاوسط،بيروت،العدد 132،ربيع 2009.

س - كيف تقيّم تجربة جامعة الدول العربية منذ تأسيسها وحتى اليوم.أين نجحت وأين فشلت؟
ج – للأسف الحديث عن جامعة الدول العربية يقودنا التفكير بداية إلى الجانب السلبي لعملها،وهذا لا يعني بالضرورة أن لا ايجابيات ظاهرة في أدائها لمسؤولياتها،ذلك يعود للعديد من الاعتبارات والأسباب؛أولها ندرة النجاحات واستثناءاتها،وثانيا عدم قدرتها واقعيا على تخطي العقبات إذا توفرت الرغبة في ذلك،ويمكن تسجيل العديد من الإخفاقات وأسبابها، فضلا عن المتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1ـ النظام الأساسي للجامعة العربية، أي الميثاق الصادر عام 1945 بني على معطيات وظروف لا تتوافق مع المعطيات الجديدة ولا مع أحوال العالم العربي وهو ما يحتِّم على الجامعة القيام بمراجعته لاسيما ما يتعلق بأسلوب وآلية التصويت حيث يشترط الميثاق إجماع الآراء الأمر الذي يصعب حدوثه في ظل الخلافات السياسية والأيديولوجية والتاريخية بين الدول الأعضاء ويؤدي في النهاية في كثير من الأحيان إلى العجز عن التوصّل إلى قرارات في العديد من القضايا العامة والمحورية. فعلى الرغم من تأكيده على التعاون بين البلدان العربية في عدد من المجالات بخاصة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 2) إلا أنه لم يتعرض لآليات مثل هذا التعاون سواء على مستوى اللجان التي يتم إنشاؤها لهذا الغرض (المادة 4) أو فيما بين الدول. كما أن الميثاق لم يتضمن النص على كيفية إعادة هيكلة الجامعة كما لم يشمل على فصل خاص أو حتى بعض المواد التي تتناول المنظمات العربية المتخصصة وعلاقتها بالمنظمة الأم على غرار ميثاق الأمم المتحدة ،ولا تملك أمانة الجامعة ـ المخولة بالسهر على تنفيذ قرارات الجامعة ـ صلاحيات تنفيذية أو عقابية على غرار ما لدى المفوضية الأوروبية في بروكسل من صلاحيات داخل الاتحاد الأوروبي والتي استطاعت من خلال بضع سنوات أن توحِّد الشارع الأوروبي خلف قرارات قيادات الاتحاد فضلا عن توحيد الجانب الاقتصادي عبر بوابة اليورو على عكس جامعة الدول العربية التي ظلت في مكانها دون الوصول بفعل واحد يعود على الشارع العربي بشيء من الإحساس بالجدوى الفعلية لها . كما يأتي أسلوب التصويت على قرارات الجامعة ليقف الإجماع سببًا وراء صدور قرارات غير جازمة بهدف الوصول إلى حلول وسط تحظى بموافقة الأطراف كافة، كما أن الإجماع يضطر البعض إلى التحفّظ في تنفيذ هذه القرارات ما أسهم في تقويض مصداقية الجامعة
2 ـ تمسّك الدول العربية بسيادتها الخاصة بينما يتطلب تطوير الجامعة الدخول في نظام إقليمي تخلي الدول الأعضاء عن جزء من السيادة الخاصة لصالح الجماعة، كما أنَّ الدول الأعضاء ذاتها كانت حريصة بداية على التأكيد في الميثاق على سيادتها واستقلالها دون أي ذكر لضرورة تنسيق السياسات بصورة ملزمة، بل تم حذف مادة بهذا الشأن من البروتوكول التأسيسي للجامعة الأمر الذي جعل مسألة اتخاذ مواقف التضامن بين أعضاء الجامعة مسألة خاضعة لإرادة كل دولة. هذا التمسك بالسيادة ترتّب عليه عدم التزام الدول الأعضاء بتنفيذ القرارات التي تصدر عن الجامعة، حيث أن هذه القرارات تظل مجرد توصيات قد تنفذها وقد تتخلى عنها ويرتبط بهذا الأمر عدم وجود سلطة إلزامية تستخدمها الجامعة لتنفيذ القرارات ما أدى إلى فقدان الثقة في قدراتها على حل القضايا والمشكلات التي يتم عرضها على الجامعة، ما يدعوها إلى اللجوء لمنظمات أخرى لاسترداد حقوقهم أو حل نزاعاتهم ومشكلاتهم.
3ـ انشغال الجامعة العربية بالسياسة في حين انشغلت التجمعات الأخرى بالاقتصاد فأخفقت الجامعة فيما نجح فيه الآخرون لأنهم ربطوا مصالحهم الاقتصادية واعتمدوا على بعضهم البعض عبر شبكة من المصالح الاقتصادية والصناعية والخدمية. ويرتبط بهذا الأمر الضعف الشديد للعلاقات الاقتصادية العربية وفي هذا الإطار يكفي الإشارة إلى أن حجم التجارة البينية العربية تدور حول 8% فقط من حجم التجارة العربية الإجمالي، أما بالنسبة للاستثمارات فتقدر ب1% من رؤوس الأموال العربية المودعة في الخارج والتي تدور الأرقام المتداولة بشأنها حول تريليون دولار. كما أن الجامعة لم تعوّل كثيرًا على الأهداف الاقتصادية والتي تعتبر الأيسر في طريق الوحدة، فالدول العربية كسائر الدول النامية تعاني اقتصادياتها من اختلال هيكلية حيث تظهر المؤشرات إلى أن ما بين 3% إلى 7% فقط من التجارة الدولية هي بين الدول العربية بعضها البعض، وما بين 2% إلى 5% للتجارة العربية مع دول أفريقيا وما بين 35% إلى 45% للتجارة مع دول الاتحاد الأوروبي وما نسبته 30% إلى 39% للتجارة مع الولايات المتحدة الأميركية أما التجارة مع دول شرق آسيا فتتراوح نسبتها ما بين 10% إلى 15%.
4ـ فضلا عن الممارسات السابقة نجد الدول العربية لا تفي بالتزاماتها المالية تجاه الجامعة في الوقت الذي تلتزم فيه هذه الدول بالتزاماتها كاملة تجاه المنظمات الدولية الأخرى كالأمم المتحدة.
5ـ وتأتي الممارسات بين الدول الأعضاء سببًا ربما الأكثر أهمية في وهن الجامعة فبرز الصراع العربي ـ العربي في أكثر من موقع ثم جاء احتلال العراق للكويت والاحتلال الأمريكي للعراق والتي عكست عجز الجامعة عن القيام بدورها ،فضلا عن عجزها التام في معالجة القضية الفلسطينية بشكل خاص والصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام.فضلا عن رفض الدول الأعضاء فكرة التدخل الحميد للجامعة لحل النزاعات فيما بينها في حين توافق عليه داخل منظمات أخرى،وفي بعض الاحيان باتت الجامعة طرفا مع محور عربي بمواجهة الآخر.
6ـ كما وصل الأمر إلى أن الدول العربية الأعضاء قد جمّدت عن عمد قرارات اقتصادية وثقافية واجتماعية للجامعة وتصرّفت بما يلائم وضعها القطري مع بعضها البعض ولم ينجم من هذه القرارات إلا القليل وكان أغلبها في المجال الزراعي أو بعض الأنشطة في قطاعات التعليم والصحة والثقافة وحتى في المجال الثقافي وما قدمته الجامعة بشأن «حوار الحضارات» حين احتضنت مؤتمرًا خاصًا به... أحاط الغموض والالتباس هذا المشروع فلم يحدد أي حوار ومن هم أطرافه ولذا لم يفض إلى أي نتائج ملموسة بل أنه حتى لم يسهم في تخليص الصورة العربية من الشوائب التي لحقت بها لدى أبناء الحضارات الأخرى.
س - ما هي برأيك وسائل تفعيل عمل الجامعة من ضمن المؤسسة نفسها؟
ج - يتعين علينا في إطار الحديث عن جوانب القصور في عمل الجامعة العربية والعوامل التي تدفع باتجاه الإصلاح، الإشارة إلى متطلبات هذا الإصلاح، وفي هذا الإطار ثمة شروط ينبغي تحقيقها أولا حتى يمكن بناء النظام العربي المراد وأول هذه الشروط الحفاظ على طبيعة النظام وهويته والجوانب البنيوية فيه والتي تتعلق برسم حدود هذا النظام، أو معيار الدخول فيه والخروج منه. ونقصد بذلك الحفاظ على خصوصية هذا النظام لجهة عروبته، ومن ثم رفض دخول أي دولة غير عربية في هذا النظام. ويعد هذا الشرط ردًا على مطامح ومساعي الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين ترغبان في ضمِّ دول أخرى إلى النظام العربي وتحويله إلى نظام شرق أوسطي. ويلي التمسك بالشرط الجوهري السابق الإشارة إليه، معالجة جوانب القصور في عمل الجامعة ذلك من خلال ما يلي:
1ـ إصلاح نظام اتخاذ القرارات، ومن ثم ينبغي الحديث عن ضرورة التوسّع في إعمال قاعدة الأغلبية سواء البسيطة أو المطلقة مع جعل القرارات التي تحظى بموافقة الأغلبية ملزمة للجميع ولا تقتصر على من قبلها فقط.
2ـ إصلاح ومعالجة "فجوة الالتزام" أي عدم التزام الدول العربية بتنفيذ تعهداتها إزاء العمل العربي المشترك، وهو قصور نبع بسبب افتقار الجامعة لآلية تمكنها من إلزام أعضائها بتنفيذ ما يتفقون عليه، وذلك باستحداث آلية تشرف على تنفيذ القرارات.
3ـ إعطاء مجلس الجامعة حق مواجهة ومنع الدول التي تنفرد باتخاذ قرارات وإجراءات تؤثر على الدول العربية الأخرى، إذ أن هذه القرارات لا تؤثر فقط على الدولة القطرية متخذة القرار وإنما تؤثر على جميع الدول العربية، على أن يكون الميثاق حاسمًا في هذا الشأن في مواجهة انفراد الدول بالقرارات إما بالفصل أو بمواجهتها بما يحول دون هذا الانفراد.
4ـ إصلاح الهيكل التنظيمي للجامعة، عبر توطين الوظائف وفتح المجال للأفراد من الشعب العربي من دون تدخل الوساطات الحكومية درءاً للتهاوي الإداري الذي تعاني منه غالبية أجهزة الحكومات العربية. ويظل نجاح الجامعة في إجراء هذه الإصلاحات رهنًا بأمرين أولهما توافر الإرادة السياسية، وثانيهما إصلاح الأنظمة العربية ذاتها. وفيما يتعلق بتوافر الإرادة السياسية، فمع أهمية إجراء هذه الإصلاحات، فإن أي عمل إقليمي مشترك لا يستقيم دون إرادة العمل المشترك. ويلي توافر الإرادة السياسية اللازمة لبدء العمل المشترك ضرورة وضوح الرؤية لدى الدول العربية الراغبة في تطوير هذا العمل المشترك ليصبح العمل المشترك على رأس أولويات الدول العربية على أن تخدم أي علاقات خارجية أخرى هذا الإطار. وفيما يتعلق بإصلاح الأنظمة العربية نفسها، فهو متطلب أساسي فرضته حقيقة مهمة مؤداها أن الجامعة العربية في واقع الأمر لا تمتلك إرادة حرة وأنها عصبة من إرادات الدول الأعضاء ومن ثم فإن هذه الدول ستظل هي المسؤولة عن قصور الجامعة لأن سلبيات هذه الأخيرة وإيجابياتها هما من صنع الدول الأعضاء. بمعنى آخر أن واقع الجامعة العربية هو انعكاس لواقع الأنظمة المكوِّنة لها ومن ثم يظل قيام الأولى وثيق الصلة والارتباط بقيام الثانية.
5 ـ ينبغي تدوير منصب الأمين العام لإشعار الدول بأن الجامعة بيت العرب بالواقع والممارسة ولابد أن يستقيم عمل الأمين العام مع توافق الدول الأعضاء، فلا يمكن للأمين العام أن يتخذ مواقف معبرة عن مشاعر خاصة دون اعتبارات لسياسات الدول ومصالحها.
6 - إدخال نظام حرمان للدول المشاركة في الاجتماعات ومن ممارسة حق التصويت إذا ما ارتكبت جرائم في حق مواطنيها أو انتهكت ضوابط السلوك الإنساني الدولي في دعم الإرهاب أو التدخل في الشئون الداخلية للدول من أعضاء الجامعة أو من خارجها.
7 - على الجامعة أن تسعى بالتراضي والتوافق لوضع مبادئ عامة للسياسات الاقتصادية للدول العربية تستند على سياسات السوق والليبرالية الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي.
8 - من الضروري أن تتوسع الجامعة العربية في جوانبها الثقافية والاستفادة من الإجماع حول دور الثقافة في تقريب السياسات على أن يكون التعاون الثقافي هو محور الهوية العربية.
س - هل يمكن التفكير للعمل العربي المشترك ببديل أو بدائل عن جامعة الدول العربية؟وما هو الإطار الممكن لذلك؟.
ج - تشكّلت التحالفات الإقليمية بين الدول نتيجة عوامل سياسية وسوسيو اقتصادية تؤثر على السياسات الدولية العامة، وتدعم هذه التكتلات المصالح المشتركة للأعضاء وتلبي الاحتياجات الموضوعية لأحداث أو مواقف معينة. وهذه الكيانات ليست في حالة ثبات، بل هي في تطور متواصل بمرور الوقت وبسبب التوجهات والمستجدات الدولية. وبهذا تصبح هذه التحالفات ضرورة إقليمية. وشهد العالم العربي قيام جامعة الدول العربية، كما تأسست في أفريقيا منظمة الدول الأفريقية التي تحوّلت إلى الاتحاد الإفريقي وشهدت آسيا قيام رابطة دول جنوب شرق آسيا، وفي أوروبا تبلور الاتحاد الأوروبي، ولكل من هذه المنظمات الإقليمية الثلاث مواثيق خاصة وأهداف محددة تعمل على تحقيقها من خلال البرامج واللجان والمفوضيات المتخصصة التابعة لها، سواء كان ذلك في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو العسكري وغيرها من المجالات والقضايا التي تهم الدول الأعضاء.
ورغم أن مفهوم المنظمة الإقليمية لم يتضح فعليا أو يستقر في صورة محددة في الفقه الدولي ، إلا بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة عندما أشار الفصل الثامن من ميثاقها إلى هذا المفهوم. فإن ثمة فريقا أقر بإقليمية هذه المنظمات لانطباق شروط التنظيم الدولي الإقليمي بحسب ميثاق الأمم المتحدة فهذه الشروط تتركز في أن يكون هدف المنظمة الإقليمية هو "الحفاظ على السلم والتعاون الإقليمي والاجتماعي والاقتصادي" وان يتوافر لها عنصر التنظيم الداخلي باعتبارها منظمة دائمة، وأن تكون عضويتها مفتوحة لمجموعة من الدول التي تربط بينها الوحدة الجغرافية، والتعاون القائم على الجوار، ووحدة المصالح والأهداف بصورة تحملها على التفكير على السلم والأمن في المنطقة التي توجد فيها هذه الدول وتقوية أواصر التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقانوني بينها. وبذلك صارت هذه المنظمات إقليمية بمفهوم ميثاق الأمم المتحدة، ويؤكد ذلك النظر في أهدافها ومبادئها التي لا تخرج عن المبادئ التي حددها ميثاق المنظمة الدولية.
ونظرا لطبيعة إقليم كل منظمة من هذه المنظمات بسبب مجموعة من العوامل منها مستوى التقدم السياسي والاقتصادي ومستوى التطور التقني ونوعية الأنظمة القطرية الحاكمة، ومدى انتشار الوعي لدى شعوب الإقليم واختلاف تطلعاتهم واهتماماتهم، فإن أي مقارنة بين أداء هذه التحالفات قد تكون في غاية الإجحاف لبعض منها، فلكل تكتل ظروفه الموضوعية الخاصة التي تشكل فيها، ولكل واحد منها أولويات محددة، بالرغم من أن السبب الأساسي وراء إقامتها خدمة أهداف متشابهة إن لم تكن متماثلة.
وفي إطار مقاربة التجارب فقد تحوّل الاتحاد الأوروبي خلال فترة وجيزة وبما يشبه المعجزة إلى تكتل سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وازن في النظام العالمي، فقد كان لدى مهندسي الوحدة الأوروبية وفي طليعتهم جان بونيه رؤية واضحة عن الهدف المنشود وهو إنشاء وحدة أوروبية كبيرة، واستطاع هؤلاء إقناع السياسيين في دولهم بأهمية ذلك بحيث تبنّى الساسة خاصة في فرنسا وألمانيا مسؤولية تحقيقها وعملوا على تنفيذها فكانت المجموعة الأوروبية للفحم والصلب العام 1951، ثم معاهدة روما 1957بإنشاء الجماعة الأوروبية وإلغاء الرسوم الجمركية على التجارة البينية بين الدول الأعضاء والسوق الموحدة في كانون أول 1993 ،والعملة الموحدة اليورو التي تم تداولها في كانون أول 2002 ،ثم إلغاء الحدود إنشاء البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية والمصرف المركزي الأوروبي. كما تحوّلت عضوية المجموعة التي بدأت بست دول هي بلجيكا وألمانيا الغربية ولوكسمبرغ وفرنسا وايطاليا وهولندا إلى اكبر تجمّع سياسي واقتصادي وأمني في أوروبا يضم في عضويته 28 دولة .
وتختلف المجموعة الأوروبية عن نظيراتها المنظمات الإقليمية الأخرى في عدد من الأوجه، فهي حققت التوازن المتواصل بين المصالح القومية والمصالح المشتركة للاتحاد واحترمت حركة التفكير والاختلاف في الرأي من اجل التوصل إلى ترتيبات أفضل مع عدم التزام أي عضو بتنفيذ قرار لم يوافق عليه في البداية على الأقل، واعتمدت مبدأ الإجماع في الرأي في المسائل التي تهم المصالح العليا للأعضاء، كما حرصت على تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء والإقلال من مستويات التنافس بينها ووضعت سياسات مشتركة للقطاعات المختلفة وخاصة بالنسبة للتكافل الاجتماعي والتنمية والسياسة الخارجية والدفاع ووقعت اتفاقيات ملزمة في هذا الشأن منها اتفاقية التكنولوجيا والمعلومات والمعاهدة الجماعية الأوروبية للدفاع.
إن تجربة الاتحاد الأوروبي الناجمة والتي ساعد ارتفاع الوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي في نجاحها إضافة إلى ثراء أعضائها من الدول الصناعية المتقدمة غنية بالدروس الناجحة للتحالف الاقتصادي، فقد بدأ بست دول ، ولم يكن الاتفاق على إنشائه حبرا على ورق ولكن عبر خطوات عملية مدروسة مع التزام صارم بالتنفيذ. وقد يكون السبب في هذا النجاح هو أن الدول الأعضاء متقدمة صناعيا وسياسيا، وهو الأمر الذي لم يكن يتوفر للمنظمات الإقليمية الأخرى ومنها جامعة الدول العربية.
إن جوهر عمل المنظمات الإقليمية اليوم يقوم على التعاون المالي والاقتصادي في عصر دخلت العولمة بكافة أوجهها تفاصيل حياة المجتمعات والدول،ومن هذا المنطلق نعتقد بأن تطوير آليات التعاون الاقتصادي، يشكل مدخلا واعدا في سبيل تطوير عمل الجامعة وأهدافها المرجوة،وبالتأكيد يعتبر النموذج الأوروبي رائدا في ذلك رغم الفوارق بين الدول العربية والدول الأوروبية.