03‏/01‏/2010

كل عام ... وعدوان إسرائيلي جديد

كل عام ... وعدوان إسرائيلي جديد
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com

لا يكاد يمر تصريح لرئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو،إلا ويكون بين طياته تهديدا مبطنا أو صريحا لغزة ولبنان وإيران، والمفارقة انه ينتقي أسلوب التهديد وتوقيته وهدفه، بحسب ما تقتضي ظروف سياساته الداخلية بأكثر منها الخارجية.ورغم انه أسلوب اعتاد عليه الساسة "الإسرائيليون"على قاعدة الهروب إلى الأمام وبالتحديد إلى الخارج من مآزقهم الداخلية، فإن ما يميّز هذه التهديدات في هذه الفترة تحديدا، تفلّت القادة "الإسرائيليين" من الضغط الرمزي للإدارة الديموقراطية،والبدء في ممارسة الضغط المعاكس على الإدارة الأمريكية من قبل "الإسرائيليين" عموما،وهذا ما برز في الاستدارة الملحوظة للرئيس الأمريكي باراك اوباما في العديد من مواقفه تجاه قضايا المنطقة، وتحوّله عن شعارات محدَّدة رفعها سابقا ،إلى سياسة غض الطرف عن الآليات التي تحبط تنفيذها.
في الواقع الأراضي الفلسطينية لا زالت محاصرة، وفي الذكرى الأولى للعدوان على غزة،هدية الجدار الفولاذي عله يفرج ويثلج صدر "الإسرائيليين"، بعد مأزق تقرير غولدستون ومتابعات مجلس حقوق الإنسان.وكأن القادة "الإسرائيليين" يخططون وينظمون حفلات القتل الجماعي القادمة هذه المرة بإعلانات صريحة وواضحة لا محل للاجتهاد أو التأويل فيها، فلا رادع ولا وازع قانوني أو أخلاقي أو إنساني يثني ما تختزنه الذاكرة الجماعية للقيادات السياسية والعسكرية "الإسرائيلية". فقبل عام شنّت "اسرائيل" ما اعتبرته حفلة للقضاء على حماس في غزة،في وقت كان الرئيس الأمريكي يتسلم مهامه رسميا، واليوم كل المؤشرات تدل على أن اسرائيل ربما تلعب ورقتها التكتية في غزة في الوقت الضائع من عمر البرنامج النووي الإيراني وفقا للتوقيت الأمريكي.
والمفارقة الأغرب في السياسة "الإسرائيلية" ارتباط ملف حماس وغزة،توقيتا وتقريرا وربما تنفيذا بالمداورة،مع حزب الله والمقاومة في لبنان. فوتيرة التصعيد الإعلامي لم يتوقف منذ تشكيل الحكومة اللبنانية واعتبار إشراك حزب الله فيها علامة عدائية لبنانية تجاهها،ما يستوجب تحميل لبنان مسؤولية نتائج أي عمل قد تقرر اسرائيل مسؤولية حزب الله عنه.علاوة على ذلك إن التركيز الإعلامي على النوعية والكمية التي تمتلكها المقاومة من الصواريخ دليل آخر على تهيئة البيئة المناسبة للاعتداء على لبنان مجددا،بعدما تمكّنت المقاومة من هضم نتائج عدوان تموز ومندرجاته. "فإسرائيل" تشعر وكأنها قد أكلت طعم القرار 1701،ولم تتمكن من الاستفادة منه كما يحلو لها، فإن تمكنت من تجميد عمليات المقاومة ضدها، فلم تتمكن من إيقاف تعاظم قدرة صواريخ المقاومة،بل اعتبرتها تهديدا لآليات الردع الاستراتيجي التي تمتلكها.علاوة على ذلك،إن بقاء الوضع على ما هو عليه في الساحة اللبنانية،أمر من شانه تثبيت توازن الرعب الذي لا تطيقه العقلية العسكرية الإستراتيجية "الإسرائيلية"،باعتبار أن مصدر تفوّق القوة لديها تكمن في حالة الرعب التي امتلكتها لفترات طويلة في تاريخ الصراع العربي "الإسرائيلي".
في الجهة المقابلة من التهديدات المتصلة المعلنة منها وغير المعلنة،التهديد بتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، باعتباره أم المخاطر التي تواجهها من الناحية الإستراتيجية وبالتحديد كونه عنصرا يهدد الكيان.فمع بداية العام تكون المهلة الأمريكية قد استنفدت وقتها لتقديم ما أسمته واشنطن أجوبة واضحة على الأسئلة والمقترحات التي تم تداولها في مجموعة التفاوض الستة مع طهران. وبصرف النظر عن التطابق أو التباين "الإسرائيلي" الأمريكي حول كيفية معالجة الملف عسكريا أو دبلوماسيا ،ثمة رأي واضح للإدارة الأمريكية مفاده عدم استبعاد الحل العسكري،بل الاقتراب من كونه احد وسائل علاج الكي،الأمر الذي لم تتوانى يوما تل أبيب في دفع واشنطن باتجاهه.
طبعا خيارات ليست سهلة أن تقدم عليها "اسرائيل" والولايات المتحدة معها،فدونها عقبات كثيرة،منها الاقتصادي ومنها المالي،ومنها السياسي،ومنها الرأي العام العالمي، لكن تبقى في النتيجة خيارات قائمة بصرف النظر عن حسابات الربح أو الخسارة، فالقادة العسكريون يمشون إلى الحرب ويجروا ورائهم السياسيون، والجميع ينطلقون وفي اعتقادهم أن الحرب لمصلحتهم.في الواقع ثمة أسباب عديدة يمكن أن تدفع المنطقة إلى مواجهات كبيرة كانت أم صغيرة من بينها:
- إن الإدارة الأمريكية في سنتها الأولى، وهي تُعتبر فترة الزخم في تحريك الأوضاع الإقليمية والدولية ،لم تتمكن حتى الآن من تقديم شيء يذكر لملفات المنطقة،عملية السلام مجمدة مع الفلسطينيين،والاستيطان وتهويد القدس مستمرين،فيما آلة الحرب "الإسرائيلية" تفعل فعلها بالفلسطينيين.في المقابل زيارات ووفود إلى دمشق لم تصل إلى مكان محدد،مزيد من جس النبض السياسي،وقعقعة بلا طحين،لا مفاوضات ولا اقتراحات سلام، ورقة تركية ضمن إطار الوساطة لن تنتج خيارات هامة.
- وضع إيراني داخلي مرتبك، يخلق فرصا تاريخية لقلب النظام بدفع خارجي سياسي كان أم عسكري،فإن لم تنجح خضَّات الداخل وحراك المعارضة،فخيارات العسكريين جاهزة،وان ارتفعت كلفتها كثيرا تبقى بالنسبة إلى اسرائيل خيارا لا بد منه.
- وان كانت الحروب وجها آخر لتعثر السياسة،فان للاقتصاد كلام أخر،فرغم عمليات الإفلاس العالمي الموصوفة، تبقى الحروب ومستلزماتها محركا للدورات الاقتصادية،فأهم الحروب الإقليمية كان الدافع ورائها تحريك الاقتصاد والهروب من الركود.
إن التدقيق في المسار التي مشت فيه اسرائيل، منذ إنشائها وحتى يومنا هذا،من الصعب أن نجد سنة واحدة لا تخلو من عدوان "إسرائيلي" مباشر أو غير مباشر على العرب والمسلمين، فهل يصح القول ،أن كل عام وعدوان إسرائيلي جديد؟